المساهمة في الجريمة و المشاركة فيها فيها في القانون الجنائي المغربي

المساهمة في الجريمة و المشاركة فيها في القانون الجنائي المغربي

المساهمة في الجريمة و المشاركة فيها
 

 

المساهمة في الجريمة و المشاركة فيها

 
المساهمة في الجريمة و المشاركة فيها ؟إذا كانت الجريمة هي ذلك العمل أو الامتناع الذي يتعارض مع المبادئ و القواعد السائدة في المجتمع و المعاقب عليه بنص القانون[1]،فأن هدا العمل أو الامتناع كمشروع إجرامي إما أن ترتكب من طرف شخص واحد ينفرد لوحده بالتفكير فيه و ينفد الوقائع المادية المكونة للجريمة في هذه الحالة نكوم أمام جريمة لجاني واحد[2] يتحمل بموجبها المسؤولية الجنائية لوحده.
 
 
غير انه مع تطور المجتمعات و ماعرفته من صراعات و نزاعات هذا التطور طال حتى الجرائم بحيث أصبحنا أمام جرائم يتعدد فيها الجناة ،إذ يتم ارتكاب المشروع الإجرامي بالتعاون بين مجموعة من الأشخاص الذين تتوزع المسؤولية الجنائية فيما بينهم بحسب نصيب ارتكاب كل واحد منهم لإعمال التنفيذ المادي لعناصرها فقد يقتصر دور البعض على التهيئة و التحضير فيما يقوم الآخرون بالإعمال المادية كما قد يقوم البعض بالتحريض على الجريمة بينما ينفذ الباقون موضوع التحريض[3].
 
 
وبذلك فأن الجريمة في هذا الإطار إما آن ترتكب من طرف شخص واحد باعتباره فاعلا أصليا، و إما إن ترتكب بالتعاون بين مجموعة من الأشخاص و هنا لايخرج الأمر عن فكرتين أساسيتين ويتعلق الأمر هنا ” بمفهوم المساهمة في الجريمة و الاشتراك فيها” أو بمعنى أخر نظرية “المساهمة الجنائية”[4] التي تتموقع في اطار النظرية العامة للمجرم .
 
 
و قد نظمها المشرع المغربي في اطار الباب الاول من الكتاب الثاني تحت عنوان “في المساهمة في الجريمة و المشاركة فيها ” و ذلك في الفصول 128-129-130-131.
 
 
فالمساهمة بصفة عامة و إن كان المشرع في الفصل 128[5] من ق.ج قد اكتفى بتعريف المساهم هي إسهام عدة أشخاص في إرتكاب الجريمة[6] ، بحيث أنه في المساهمة يقوم كل واحد من الجناة بتنفيذ بعض الوقائع المكونة للجريمة ، بمعنى الارتكاب الشخصي لعمل من أعمال التنفيذ المادي للجريمة، مثلا كأن يقوم شخصان أحدهما يسكب البنزين على السيارة و الأخر يضرم فيها النار .
ذلك أن المساهم يعتبر فاعلا أصليا لأنه قام بعمل رئيسي لإخراج المشروع لأجرامي إلى حيز الوجود. 
غير أن الإشكال الذي يطرح هو تفاوت ألأدوار بين الجناة في الجريمة الواحدة ، ققد يكون للمساهم دور أصلي في الجريمة فنكون هنا أمام مساهمة أصلية و يسمى المساهم فاعلا في الجريمة ، في حين قد يكون له دور ثانوي و نكون هنا أمام مساهمة تبعية و يعتبر الشخص مشاركا في الجريمة. 
وبذلك فأن المشاركة هي التعاون الغير المباشر في تنفيذ الجريمة عن طريق القيام بمجموعة من ألأفعال التي حددها المشرع في الفصل 129 من ق.ج و التي يعتبر كل من قام بها مشاركا في الجريمة لأن من شأنها مساعدة الفاعل لأصلي في تنفيذ الجريمة ، وبذلك تكون المشاركة و على خلاف المساهمة لا يقوم فيها الشخص بأي عمل من أعمال التنفيذ المادي للجريمة إذ يقتصر دوره على القيام بأعمال ثانوية لمساعدة الفاعل الأصلي في الجريمة ، كأن يسلم شخص للجاني سلاحا ناريا ليستعمله في قتل شخص أخر
بالنسبة لتأصيل مفهومي المساهمة و المشاركة فإنه ليس وليد اللحظة و إنما يعود تاريخهما للعصور القديمة و إن كانت تستعمل مصطلحات أخرى لدلالة على ذلك 
و أبرز مثال هي الجرائم التي كانت مرتكبة تحت ذريعة الثأر في المجتمعات القديمة و كيف كانت تتم بالتعاون بين مجموعة من الأشخاص .
غير أن تعدد الجناة في الجريمة ألواحدة يطرح إشكال التمييز بين أفرادها لمعرفة الدور الذي أداه كل واحد منهم و أهميته في تحقيق الجريمة ، لذلك تكمن أهمية هذا الموضوع في محاولة التمييز بين مفهومي المساهمة في الجريمة و المشاركة فيها للوقوف على عناصر و ألأركان الخاصة لكل منهما على نحو علمي دقيق ، لأنه بطبيعة الحال ما بين المساهمة و المشاركة خيط رفيع يصعب الفصل بينهما، وهذا التمييز العلمي من شأنه أن يؤثر على المستوى العملي فيما يتعلق بتكييف أفعال المساهم و المشارك في الجرائم المرتكبة .
 
إشكالية البحث:
 
 
في معالجتنا لهذا الموضوع حاولنا لإجابة على إشكالية محورية مفادها:
 
 
* ما هو لأساس القانوني ل المساهمة في الجريمة و المشاركة فيها ؟ّّ
 
 
– ماهو لإطار القانوني لالمساهمة في الجريمة و المشاركة فيها ماهي أركانها و صورها و كيف تعاملت معها التشريعات الجنائية ؟
 
 
– ما المقصود بالمشاركة في الجريمة ماهي صورها و شروطها و كيف عاقب عليها المشرع المغربي؟
 
 
لمقاربة هذا الموضوع إرتئينا اعتماد التصميم التالي: 
 
 
المبحث لإول:المساهمة في الجريمة.
 
 
المبحث الثاني : المشاركة في الجريمة.

المبحث الأول: المساهمة في الجريمة:

 
 
يقصد بالمساهمة الجنائية تعدد الفاعلين في الجريمة الواحدة ،بحيث أن الجريمة لا ترتكب من طرف شخص واحد و إنما ترتكب من طرف عدة أشخاص لكل منهم دور قام به و هذا الدور يتفاوت من فاعل لأخر.
 
 
غير أن مايهمنا في هذا لأطار هو عندما يقوم الشخص بعمل رئيسي لتنفيذ الجريمة فيعتبر مساهما في الجريمة يقترن فعله بفعل الجاني لأصلي فيها ، سنحاول بذلك في هذا الاطار التطرق للأساس القانوني للمساهمة الجنائية ، على ان نتطرق فيما بعد للمساهمة الجنائية في التشريعات المقارنة.

المطلب الأول: الأساس القانوني للمساهمة الجنائية:

 
سنحاول في هذا الاطار مقاربة الأساس القانوني للمساهمة الجنائية من خلال قراءة في الفصل128 من القانون الجنائي باعتباره الفصل المؤسس للمساهمة الجنائيةكفقرة اولى، تم بعد ذلك الحديث عن أركان و صور المساهمة الجنائية

الفقرة الأولى: قراءة في الفصل 128 من ق.ج: 

 
 
يتضح لنا من خلال قراءتنا لمضمون الفصل 128 من ق.ج يمكن الوقوف على بعض المصطلحات وتفكيكها وشرحها كي تتضح لنا الصورة أكثر عن قصد وتصور المشرع المغربي لجريمة المساهمة، وهكذا فالمقصود بالمساهمة أي كل من ساهم مع شخص أخر في ارتكاب الجريمة و المساهمة هنا متعلقة بأفعال مادية صادرة عن الشخص المساهم وتتمثل هاته المساهمة في تقديم يد المساعدة للجاني الأصلي من أجل تنفيذ الجريمة فهنا نكون أمام مسألة تعدد الجناة من أجل ارتكاب جريمة واحدة يعاقبون عليها بعقوبة واحدة غير مستقلة نضرا للعلاقة الوطيدة بينهما الفاعلين الأصليين
 
 
المساهم يكون فاعل أصلي و يتواجدفي ساحة الجريمة على عكس المشارك يكون خارج ساحة الجريمة كمن يقوم بإعطاء معلومات دقيقة للجاني الأصلي او يمنحه سلاح إلخ… وهكذا فإن المشرع المغربي قد تشدد في عقابه للمساهم وعيا منه بخطورة الفعل المادي الصادر عن المساهم في الجريمة للأن الجاني في المساهمة يقوم بفعل مادي شنيع يستحق معاقبته بصورة كاملة والمقصود من عبارة شخصيا في مضمون النص أعلاه أي الجاني الذي صدر منه الفعل الأصلي المادي الذي سبب في ارتكاب هاته الجريمة وإذا كانت مسألة المساهمة العادية الأصلية لا تطرح أي إشكال في نضرنا فإنا الإشكال الحقيقي يثار في المساهمة التبعية التي يتعدد فيها المجرمون قبل مرحلة التنفيذ المادي للجريمة أي هي مرحلة التفكير والإصرار على ارتكاب الفعل المجرم وهم بهذا لا يقومون بدور رئيسي اي التنفيذ المادي كما أسلفنا القول في المساهمة الأصلية ووإنما بدور ثانوي تتبعي فإذا تأملت جيدا في المساهمة الأصلية العادية و التبعية نجد نجد بينهما اختلاف وآتفاق بالنسبة لهذا الإتفاق فيضهر في تدخل كل فاعل على نحو ما في الجريمة ويربط سلوكا بها ارتباط السبب بالنتيجة لكن يختلفان من حيث السلوك اللازم في كل منهما فسلوك المساهم الأصلي معاقب عليه بذاته وبالتالي الفاعل معاقب في كل حال أما سلوك المساهم التبعي فلا عقاب عليه في ذاته وإنما يعاقب عليه عندما تتحقق النتيجة ولو لم ينص المشرع المغربي صراحة على عقابه لاقتصر العقاب على الفاعل وحده للأن سلوك المساهم بصفة ثانوية وتبعية يعاقب عيها بوصفها شروعا في التنفيذ والشروع في التنفيذ او مجرد إتفاق لا يعد من الأعمال المكونة للجريمة . وهنا في نضري يطرح إشكال أخر على مستوى الفصل 128 هو إشكال متعلق بصعوبات الإثبات في المساهمة التبعية الثانوية المتعلقة بالإتفاق وبالتالي يصعب على القاضي تكييف المساهم بأن دوره كان مجرد دور ثانوي متمثل في اتفاق لا أكثر و القانون لا يعاقب على مجرد النوايا و الإتفاق دون تحقيق نتيجة فإذا ما تم الأخذ بهذه المسلمة فربما سيكون هناك زحف ومس خطير وشنيع بالحقوق والحريات الأساسية للأفراد ..
 

الفقرة الثانية: أركان و صور المساهمة الجنائية:

 
 
أ- اركان المساهمة ألجنائية:
 
 
1- عدد المساهمون 
 
 
معناه إن كان الفاعل بمفرده فلا حالة تعدد المساهمون في الجريمة وإذا تعدد تبعا لها الجناة بحيث ألصقت كل جريمة بفاعل تكون في حالة جرائم متعددة بتعدد مرتكبوها، وينعكس هذا على المسؤولية والعقاب، ولو افترضنا ان هذه الجرائم ارتكبت في زمان واحد او مكان واحد ولباعث واحد يلزم ان تكون الجريمة الواحدة قد ساهم في إحداثها عدد من الفاعلين وبالتالي يمكن القول بان المجرمون الذين ارتكبوا الجريمة قد تعددوا والمقصود بالتعدد في أركان المساهمة هو التعدد الممكن للفاعلين، وغير التعدد الضروري لقيام الجريمة، كالتعدد الضروري واللازم في جريمة الرشوة وجريمة الزنا وهذا التعدد لا يعد مساهمة جنائية بل يعد ركنا من أركان المساهمة الجنائية، إذ لا يمكن تصور جريمة الزنا دون وجود طرف ثاني ولا جريمة رشوة بدون وجود الراشي وإنما التعدد المقصود هو التعدد الممكن او الاجتماعي أي غير اللازم لقيام الجريمة والذي بتخلفه لا يرتب عدة قيام الجريمة، وإنما قياما بفاعل واحد يكفي كجريمة القتل، فهذه الجريمة مثلا لا تتطلب عدة أشخاص لارتكابها لأنها تقبل الوقوع من جاني واحد كما تقبل الوقوع من عدة جناة.
 
 
فإذا وقعت بالطريقة الأخيرة كنا بصدد مساهمة جنائية وإذا تمت بالطريقة الأولى (فاعل وحيد) كما بصدد جرية ذات فاعل واحد[7].
 
 
2- وحدة الجريمة
 
 
والمعنى بها او المقود منها وحدة الركن المادي للجريمة بعناصره التمثلة في السلوك والنتيجة السلبية وتتطلب هذه الوحدة النتيجة التي تحققت إلى كل فعل صد عن المساهمين في نفس الجريمة، أي ان يكون الفاعلون قد تعددوا في ارتكابهم لجريمة واحدة.
 
 
لا تتحقق وحدة الجريمة إلا إذا جمعت بين عناصرها وحدة مادية ووحدة معنوية. المساهمة في الجريمة و المشاركة فيها.
 
 
أ- الوحدة المادية للجريمة 
 
 
قد تختلف وتتعدد أفعال المساهمين ولكنها تلتقي لتحقيق واقعة إجرامية واحدة، بحيث يؤدي كل فعل منا دوره في إحداث النتيجة ولا تقوم وحدة الجريمة من الناحية المادية إلا إذا تحققت وحدة النتيجة الإجرامية وارتباك كل فعل من أفعال المساهمين بتلك النتيجة برابطة السببية، وهذه الرابطة لا تنتهي بفعل المساهم والنتيجة الجرمية إلا إذا تلت أي ان النتيجة كانت ستقع بالشكل الذي وقعت به وفي المكان والزمان الذي تحققت فيه لو لم يقم المساهم بأي نشاط من جانبه[8].
 
 
ب- الوحدة المعنوية للجريمة 
 
 
إن المساهمة الجنائيبة تتطلب إضافة على الوحدة المادية للجريمة توافر الرابطة المعنوية أي ان تتحقق لدى الفاعلون رابطة معنوية ذهنية واحدة[9]، ولا تتوافر هذه الرابطة إلا إذا كان بين المساهمين اتفاق او تفاهم مسبق على تنفيذ الجريمة في الحالات التي يثبت فيها تعاون المساهمين في تنفيذ الجرم دون ان يكون هذا التعاون مسبوقا باتفاق، مثال ذلك يعلم بان هناك أشخاص ارادوا سرقة المواشي فيترك لهم حارس الاسطبل الباب مفتوحا دون ان يكون بينه وبينهم اتفاق سابق.
 
 
ومنه يمكن القول بتوافر الرابطة الذهنية إذا زال علم المساهم إلى الأفعال التي تصدر إلى المساهمين معه وأن هذه الأفعال بالإضافة إلى تلك الصادرة منه من شانها ان تحدث نفس النتيجة التي وقعت.
 
 
وبالرغم من أن المساهمة الأصلية في الجريمة لا تثير جدلا نظرا لوضوح أحكامها إلا ان الخلاف متعلقا بالمساهمة التبعية وهذا انعكس على المساهمة الأصلية نظرا للعلاقة القوية بينهما وهذا الخلاف انحصر في مذهبين هما:
 
 
* مذهب يرى تعدد الجرائم بتعدد المساهمين
 
 
مذهب يقرر وحدة الجريمة رغم تعدد المجرمين
 
 
– مذهب تعدد الجرائم بتعدد المساهمين 
 
يرى اتباع هذا المذهب أن الجرائم تتعدد بتعدد المجرمين، أي ان كل مساهم يعتبر مدجرم ارتكب جريمة مستقلة عن تلك التي ارتكبها غيره فيسأل عنها باعتباره فاعلا لها ويترتب على هذا إلغاء الفرق بين المساهم الأصلي والشريك لأن لكل مساهم إجرامه، مادام فعله يكون جريمة مستقلة، ويعتمد انصار هذا المذهب على الصور التي شاعت على مذهب وحدة الجريمة والمتمثلة في التناقض للحقيقة نظرا لتعدد الأفعال وتعدد النوايا الإجرامية لدى كل مساهم باعتبار ان وحدة العقيدة لا وجود لها في حالة المساهمة الجنائية إذا لكل مساهم تصرف وفق إدراته الخاصة وبالتالي تتعدد النوايا بتعدد المساهمين وحتى وإن تشابهت فلا تصل إلى درجة الوحدة. 
 
 
وأول من نادة بهذا المذهب النرويجي جتز الذطي وضع فيما بعد قانون العقوبات النرويجي.
 
 
– مذهب وحدة الجريمة رغم تعدد المساهمين:
 
 
يرى اتباع هذا المذهب ان الجريمة تبقى بوحدتها رغم تعدد مرتكبيها وهذا معناه خضوع جميع المساهمين لعقوبة واحدة وهذا يتعارض مع تقرير العقاب التي تتطلب تناسب العقوبة مع الدور الذي قام به كل فاعل وهذا يؤدي بنا إلى القول بوجود التمييز بين الفاعل الأصلي والشريك في الجريمة وهذا ناتج عن وحدة الجريمة ويرتبط نشاط الشريك الإجرامي من نشاط الفاعل إذ بينهما صلة ويستند أيضا هذا المذهب إلى ان وحدة الجريمة رغم تعدد المجرمين لواقعة حقيقيةلا يسمح للقانون إنكارها، وهذه الوحدة قائمة من الناحية المادية والمعنوية فهي قائمة من الناحية المادية لأن النتيجة فيها هي الاعتداء على الحق الذي يصونه القانون واحدة وهي مرتبطة بكل فعل من أفعال المساهمين في الجريمة بعلاقة السببية، وهي أيضا قائمة من الناحية المعنوية لأن الركن المعنوي الذي يتوافر لدى كل مساهم ينصب على باقي أفعال المساهمين معه في الجريمة والفرق جلي بين أشخاص يجمع بينهم هدف إجرامي واحد يتجه إليه نشاطهم وتوزع الأدوار بين المجرمين، وبين أشخاص يعمل كل منهم على تحقيق غاية مستقلة على آخر والجة التي يستند إليها مذهب وحدة الجريمة هي الحرص على تقرير العقاب.
 
 
ب صور المساهم الجنائية:
 
 
ب- صور المساهمة:.
 
 
أ- المساهمة الأصلية المادية:
 
 
وتتفرع إلى الركن المادي لها، فهو يقتصر على الفعل الذي يرتكبه المساهم الأصلي دون النتيجة الإجرامية التي تترتب على أفعال المساهمين الأصليين وعلاقة السببية بين نشاط كل واحد منهم، وهذه النتيجة إذ أن الركن المادي والركن المعنوي للمساهمة الأصلية المادية يضعان للقواعد العامة، أما الفعل المقترف من طرف المساهم الأصلي فهو الذي يتميز في المساهمة الأصلية بقواعد خاصة اختلفت التشريعات في الفقه والقضاء في شأنها في نطاق كل تشريع، والركن المعنوي للمساهمة الأصلية في الجريمة يتخذ صورة القصد الجنائي أو الخطأ غير العمدي.
 
 
ب- المساهمة الأصلية المعنوية 
 
 
إن هذه المساهمة في الجريمة لا تقل من حيث خطورتها عن المساهمة الأصلية المادية إذا كان الفاعل في المساهمة الأصلية المادية يظهر على مسرح الجريمة متحملا مسؤوليته في الجرم المقترف، فإن الفاعل في المساهمة الأصلية المعنوية يحقق إجرامه عن طريق شخص آخر مستقلا بنيته أو عدم تميزه.
 
 
المساهمة التبعية:
 
 
وهي المساهمة التي يتعدد فيها المجرمون في مرحلة قبل التنفيذ المادي للجريمة، أي هي مرحلة التفكير والإصرار على ارتكاب الفعل المجرم وهم على هذا لا يقومون بدور رئيسي، وإنما بدورثانوي أو تتبعي ويسمون على هذا الأساس الشركاء في الجريمة[10].
 
 
إذا تأملت جيدا المساهمة الأصلية (الفاعل الأصلي) والمساهمة التبعية (الشريك) نجد بينهما اتفاق واختلاف فأما الاتفاق فيظهر في تدخل كل منهما على نحو ما في الجريمة، ويربط سلوكا بها ارتباط السبب بالنتيجة، لكن تختلفان من حيث السلوك اللازم في كل منهما، فسلوك المساهم الأصلي (الفاعل الأصلي) معاقب عليه بذاته وبالتالي الفاعل معاقب في كل حال وساء ارتكب الجريمة بمفرده أو ساهم فيها مع غيره، أما سلوك المساهم التبعي (الشريك) فلا عقاب عليه في ذاته وإنما يعاقب عليه إذا وقعت الجريمة نتيجة له، ولو لم ينص المشرع صراحة على عقاب الشريك لاقتصر العقاب على الفاعل وحده لأن سلوك الشريك يدخل ضمن الأفعال المعاقب عليها بوصفها وشروعا أي ان سلوك الشريك لا يعد من الأعمال المكونة للجريمة[11]
 

المطلب الثاني: المساهمة في التشريعات الجنائية 

الفقرة لأولى : المساهمة في التشريع المغربي

 
 
لم يعرف المشرع المغربي المساهمة وإنما تعرض للمساهم وذلك من خلال الفصل 128 من القانون الجنائي حيث يقول: “يعتبر مساهما في الجريمة كل من ارتكب شخصيا عملا من أعمال التنفيذ المادي لها” ففي المساهمة يقوم كل واحد من الجناة بتنفيذ بعض الوقائع المكونة للجريمة كان يقوم شخصان بتكسير باب متجر ويستوليان على محتوياته وأيضا: شخص يسكب بنزين على دار وآخر يضرم النار فوقها فالمساهم يكون فاعلا أصليا لأنه قام بعمل من أعمال التنفيذ المادي للجريمة، فالمساهمون يقومون بأعمال رئيسية لإخراج المشاريع الإجرامية إلى حيز الوجود، لذلك فهم فاعلون أصليون يستعيرون صفتهم الإجرامية من وقائع الجريمة.
تتحقق المساهمة في الجريمة في ثلاث حالات أساسية تتمثل في: 
أولا: حالة ما إذا ساهم الفاعل في العمل التنفيذي كما جاء في الفصل 128 المذكور أعلاه، حيث إن كل مو قام بعمل من أعمال تنفيذ الجريمة يعتبر مساهما أي فاعلا أصليا، سواء كان تعاونه مع المجرم او المجرمين الآخرين عن طريق الاتفاق او جمعتهم الصدفة فقذ دون اي اتفاق سابق، لكن حصل بينهم اتفاق ضمني أو معنوي لاتحاد قصدهم نحو حدف واحد غذا حضر شخصان صدفة إلى منزل قصد سرقته.
 
 
ثانيا: قد تكون هناك أعمال لا تدخل في الركن المادي للجريمة إلا ان نصا تشريعيا اعتبر القيام بها مساهمة فقد جاء في الفصل 304 من القانون الجنائي المغربي أنه: عتبر مرتكبا للعصيان من حرض عليه سواء بخطب ألقيت في أمكنة أو اجتماعا عامة أو بواسطة مصلقات أو إعلانات أو منشورات أو كتابات”. 
 
 
وقد جاء في الفقرتين الأخيرتين من الفصلين 405 و 406 من ق.ج.م ما يلي: أما الرؤساء والمنظمون والمدبرون والمحرضون على المشاجرة او العصيان أو التجمع الثوري فيعاقبون كما لو كانوا هم الذين ارتكبوا أفعال العنف المشار إليها.
 
 
ثالثا: تتحقق المساهمة في حالة وجود الاتفاق والتصميم بين الفعلين على تنفيذ الجريمة حتى ولو كان العمل الذي قام به بعض المساهمين في الاتفاق لا يدخل في الأعمال التنفيذية للجريمة كما لو ثم الاتفاق بين أشخاص على سرقة منزل فيكلف أحدهم بالتنفيذ والآخر بحراسة الطريق اليمنى والثالث بحراسة الطريق اليسرى والرابع بإلغاء الحارس الليلي دون أي اعتبار لقيمة الدور الذي يقوم به كل منهم.
 
 
ولا تكلف المحكمة نفسها عناء البحث عمن صدرت منه الإصابة فعلا إذا ما اتفقا شخصان على ضرب الضحية او قلته او جرحه، حيث تعتبرهما مساهمين، إلا ان المشرع اجاز للقضاء إعفاء فئة من الأشخاص من العقاب بصفة مساهم[12] وذلك حسب الفقرة الأخيرة من الفصل 295 من ق.ج.م الذي جاء فيها: طومع ذلك يجوز لقضاء الحكم أن يعفي من العقوبة المقررة الأقارب والأصهار إلى غاية الدرجة الرابعة لأحد المساهمين في العصابة أو الاتفاق إذا قدموا له مسكنا او وسائل تعيش شخصية فقط”. المساهمة في الجريمة و المشاركة فيها
 
 

الفقرة الثانية: المساهمة في التشريعات المقارنة 

 
 
لا تخلو التشريعات الجنائية على الصعيد العالمي من الحديث عما يسمى المساهمة (أو المساهم) تجريما وعقابا، يبشكل صريح او ضمني، وما ذلك إلا للرغبة الأكيدة، لدى المشرعين، في تحميل المسؤولية الجنائية لأي متدخل، ذي يد، في ارتكاب جانب من الفعل المادي للجرم، كما ان “الجرائم التي يتعدد فيها الأشخاص تكون أكثر خطورة من الجرائم التي يرتكبها شخص بمفرده، ولهذا، يجب التشدد فيها، واعتبار كل شخص فيها مساهما، بغض النظر عن الدور الذي يكون له”[13] إن المساهمة تتحقق في حال وجود جريمة واحدة يشترك ويتعاون في ارتكاب أفعالها التكوينية اكثر من شخص عقب الاتفاق على ذلك مسبقا، بمعنى أنها تقتضي “إعاقة الفاعلين بعضهم لبعض في تنفيذ الجريمة ماديا” ولهذا يعد كل مساهم، في أغلب التشريعات، “فاعلا أصليا للجريمة بدوره، يعاقب مبدئيا بالعقوبة المقررة للجريمة، كانه هو الذي اقترفها منفردا”[14]، كما في القانون الجنائي المغربي مثلا، الذي أخذ، في هذا الإطار، بنظرية “الاستعارة المطلقة”، متأثرا بالمشرع الجنائي الفرنسي، وإن كانت ثمة تشريعات أخرى لم تسو بين عقوبتي الفاعل الأصلي والمساهم، بل جعلت قوبة الأول أشد.
وبعد أن رأينا نظرية المساهمة في القانون المغربي، ننتثل الآن إلى تسليط الضوء على الموضوع نفسه في قوانين جنائية أخرى، عربية وغير عربية، باختصار. 
ففي قانون العقوبات الفرنسي، تحت فصل بعنوان “المساهمون في الجريمة”، أنه “يعتبر فاعلا كل من ساهم مساهمة مباشرة في تنفيذ الجريمة، أو حرض على ارتكاب الفعل بالهبة أو الوعد أو التهديد أو إساءة استعمال السلطة او الولاة او التحايل أو التدليس الإجرامي”[15]. فاللافت للنظر في هذا النص أن المشرع الفرنسي لم ينظر إلى من يحرض على الجريمة بوصفه مجرد شريك (مساهم تبعي/ ثانوي)، كما نجد مثلا في القانون الجنائي المغربي (الفصل 129)، بل إنه عده فاعلا او مساهما أصليا، وقد ردد المشرع الجنائي الجزائري هذه المادة بحذافيرها، عند تعديله لقانون العقابي بتاريخ 13/02/1982، ويقصد بالتحريض، اصطلاحا، “قيام الشخص بدفع غيره إلى اقتراف جريمة معينة، وتقوية تصميمه على ارتكابها، من أجل تحقيق هدف معين”[16] ومن المعلوم أن أكثر التشريعات الجنائية العربية الحديثة قد تأثرت بهذا القانون، وبالفقه الفرنسي كذلك، كما في حالة القانون الجنائي المغربي، الذي يبدو تعريفه للمساهم(ة)، ونصه – كما أسلفنا- كالآتي: “يعتبر مساهما في الجريمة كل من ارتكب شخصيا عملا من أعمال التنفيذ المادي لها” (الفصل 128 ق.ج) أقرب من التعريف الذي قدمه الفقيه الفرنسي ديفاريس[17].
 
 
وتطرق المشرع الجنائي العراقي إلى نظرية المساهمة في الجريمة في عدد من مواد الفصل الخامس من الكتاب الأول فهي تتخذ صورة ان يشارك أكثر من فاعل في ارتكاب ركن الجريمة المادي، سواء أكان الركن المادي يتكون من فعل واحد ساهم في إتيانه أكثر من فاعل، ام من أكثر من فعل، ياتي كل مساهم بأحد الأفعال المكونة له (المادة 47 من ق.ع العراقي) ويتحقق ذلك عبد صوتين:
 
 
أ- إذا قام كل مساهم بفعل يكفي وحده لوقوع الجريمة، فإنه يعد مساهما أصليا فيها، كما لو اتفق مجموعة من الأشخاص على سرقة منزل، وحمل كل منهم قسما من المال المسروق، وبما ان جريمة السرقة تتحقق بالاستيلاء على مال الغير، فإن كلا منهم يعد مساهما أصليا في ههذ الجريمة، لأن فعل كل مساهم من هؤلاء يشكل جريمة بمفرده.
 
 
ب- إذا كان فعل كل مساهم لا يكفي وحده لتحقق جريمة، ولا يهم ان تكون أفعالهم متماثلة او غير متماثلة، وإنما تقع الجريمة، ويحصل ركنها المادي، متى اجتمعت جميع أفعال المساهمين، كما لو حرر احدهما السند المزور، وقام الثاني باتلوقيع عليه، فهنا ساهم الاثنان في الركن المادي للجريمة، ووقعت الجريمة باجتماع عمليهما معا، وليس باحدهما فقط.
 
 
وفيما يتعلق بعقاب المساهمة، فإن المشرع المذكور يعاقب الفاعل او المساهم الأصلي بالعقوبة التي يقررها القانون للجريمة (المادة 50 من ق.ع العراقي) ولا يهم ما إذا كان الفاعل قد ارتكبها وحده، أو بالاشتراك مع غيره، حتى لو كان العمل الذي قام به المساهم الأصلي لا يعدو ان يكون مجرد شروع فيهان كما لو أطلق شخصا، النار على المجني عليه وكانت إصابة احدهما هي التي أردته قتيلا، فهنا يعاقب الاثنان بعقوبة القتل العمد وهذا ما اخذت به محكمة تمييز العراق في قرارها رقم (ب 1966 جنايات)، المؤرخ ب 23/1/1965 ومما جاء فيه أنه “إذا تحققت المساهمة الأصلية، في عبرة بالفعل المنسوب إلى كل واحد من المساهمين في الجريمة”.
 
 
ويلاحظ أن قانون العقوبات العراقي لا يعتبر تعدد الفاعلين الأصليين ظرفا مشددا للجريمة بشكل مطلق، ولكنه جعل تعدد الفاعلين في بعض الجرائم ظرفا مشدا، كما في جريمة السرقة مثلا.
 
 
وبالعودة إلى قراءة متن “قانون العقوبات الجزائري” يتضح بجلاء انه، في تعريف المسهام (المادة 41)، قد كرر بالحرف ما ورد في القانون الجنائي الفرنسي، مدخلا التحريض، ومعه شتى الوسائل التي يتحقق بها، ضمن نطاق المساهمة لا المشاركة وبذلك، يغدو عالة على هذا التشريع في تناول مسالة المساهمة في الجريمة، ورتب للمساهم العقوبة التي يستحقها فاعل الجرم الأصلي تماما، كما لو انه مرتكب ذلك الفعل الإجرامي وحده، والمشرع الجزائري في هذا إنما يساير أكثر التشريعات الجنائية، وإن كان تأثره، ها هنا، بنظيره الفرنسي بالتحديد، هذا المشرع الذي شكل مرجعية قانونية للمشرع الجزائري في كل ما يتعلق بنظرية المساهمة، وفي أبواب وقضايا أخرى من الكثرة بمكان[18]. 
 
 
ونكتفي بالتدليل على هذا الأمر بالإشارة إلى ان هذا المشرع قد وافق قانون العقوبات الفرنسي في النقطة المتعلقة باعتبار تعدد المساهمين الأصليين ظرفا يفضي إلى تشديد العقوبةن بخلاف جانب من الفقه قال بخلاف ذلك، وإن القائلين بتشديد العقوبة ذهبوا إلى ذلك، في الواقع، لكون “عنصر تعدد الجناة، او المساهمين الأصليين، يؤدي بالضرورة إلى سهولة تنفيذ الجريمة، وبالتالي يحفز غمكانيتهم، ويدخل الرعب في نفس المجني عليه، مما يجعبله عاجزا عن الدفاع، فيكونون من بين الضحايا دائما لسبب عجزهم، وبالتالي يتيح تعدد الجناة ارتكاب اخطر الجرائم، لأن تعاونهم هذا في سبيل الجريمة يكون، في الغالب، بين أشخاص غريقين في الإجرام، مما يجعلهم أكثر جرأة[19]. المساهمة في الجريمة و المشاركة فيها
 
 
ونصت المادة 39 من قانون العقوبات المصري (الباب الرابع من الكتاب الأول) على انه “يعد فاعلا للجريمة وذلك في علاقة ب المساهمة في الجريمة و المشاركة فيها.
 
أولا: من يرتكبها وحده او مع غيره 
 
 
ثانيا: من يدخل في ارتكابها إذا كانت تتكون من جملة أعمالن فيأتي عمدا عملا من الأعمال المكونة لها ومع ذلك، وإذا وجدت احوال خاصة باحد الفاعلين تقتضي تغيير وصف الجريمة او العقوبة بالنسبة له، فلا يتعدى أثرها إلى غير منهم، وكذلك الحال غذا تغير الوصف باعتبار قصد مرتكب الجريمة، أو كيفية علمه بها…” إلخ.

المبحث الثاني:المشاركة في الجريمة

كما سبق الإشارة إليه من قبل ، فالجريمة كمشروع إجرامي إما أن تتم من طرف شخص واحد،وإما من طرف عدة أشخاص،ونكون هنا أمام حالتين إما المساهمة الأصلية أو المساهمة التبعية أو ما يسميها المشرع المغربي بالمشاركة في الجريمة و إذا كنا قد تطرقنا للمساهمة في الجريمة من خلال استعراض عناصرها،سننتقل الآن للحديت عن المشاركة فيها وذلك انطلاقا. من الفصول التي تعرضت لها،حيث نجد المشرع المغربي تناول المشاركة في كل من الفصلين 129و130من القانون الجنائي وبهذا حاولنا معالجة هذا المبحت من خلال استظهار العناصر المكونة 
للمشاركة و العقوبة المقررة لها .
 

المطلب لأول : الآساس القانوني للمشاركة في الجريمة

 
 
بالرجوع إلى الفصل 129من القانون الجنائي[20]، نجد المشرع المغربي حاول توضيح المقصود بالمشارك في الجريمة ، حيث اعتبره “كل من لم يساهم مباشرة في تنفيذ الجريمة ولكنه آتى أحد الأفعال الآتية”،مما يعني أن المشارك يقوم بأفعال غير الفعل المادي للجريمة والتي من شأنها مساعدة الفاعل الأصلي على ارتكاب الجريمة،وهذه الأفعال أوالصور جاء بها المشرع على سبيل الحصر لا المثال، بشكل لايسمح للقاضي الجنائي بتمديدها على حالات خارج هذه المنصوص عليها في كل من الفقرة 1و2و3و4 . المساهمة في الجريمة و المشاركة فيها
 
 

الفقرة الأولى : صور المشاركة

 
 
يتضح لنا من خلال الفصل 129من القانون الجنائي أن للمشاركة أربع صور
 
 
الصورة الأولى : الأمر أو التحريض على ارتكاب الجريمة
 
 
أمر بارتكاب الفعل : ويثمتل الأمر هنا في دفع الجاني و توجيه إرادته إلى تحقيق النتيجة الإجرامية التي ينبغي الأمر تحقيقها من الشخص المأمور بالتنفيذ ، كالرئيس الذي يأمر مرؤوسه بإتيان نشاط يحضره القانون الجنائي وذلك بما يملكه هذا الرئيس من سلطة على المرؤوس ففي هذه الحالة يكون الرئيس شريكا للمرؤوس في تنفيذ الأعمال المادية للجريمة ،سواء كان هذا المرؤوس عالما بالجريمة أو غير عالم بها وفي هذه الحالة الأخيرة يتحول هذا الرئيس من المشارك إلى الفاعلالمعنوي [21]. المساهمة في الجريمة و المشاركة فيها
 
 
حرض على إرتكابه :ويثمتل فعل التحريض في خلق وزرع فكرة إرتكاب الجريمة لدى الشخص ثم تدعيمها بمجموعة من الوسائل و الآليات التي تم ذكرها في الفقرة الأولى “الهبة أو الوعد أو التهديد أو إساءة استغلال سلطة أو ولاية أوتدليس إجرامي ” لتنتقل إلى تصميم لارتكاب الجريمة ،وهذه الوسائل جاءت محددة على سبيل الحصر وأي وسيلة أخرى أدت إلى ارتكاب الجريمة ،فإنه لايمكن معاقبة المحرض كما ينبغي على فعل التحريض أن يكون بصفة مباشرة يعني توجيه إرادة شخص معين بالذات إلى إرتكاب الفعل المكون للجريمة بنفسه ،فمثلا الأب الذي يحرض ابنه على السرقة ، أما إذا كان غير مباشر فإن فعل المشاركة لايقوم ولو أفضى إلى وقوع النتيجة ،فعلى سبيل المثال الخطيب الذي قدم خطابا للناس ناهيا عن المنكر والتفسخ وملحاعلى التمسك بالأخلاق التي تحض عليها الشريعة الغراء وبعد تفرق المجتمعين قام أحدهم بالإعتداء على امرأة غير محتشمة في مظهرها ،ففي هذه الحالة لا يعتبر الخطيب مشاركا لأن التحريض كان غير مباشر[22]. 
 
 
الصورة الثانية:وهذه الحالة تشمل المساعدة عن طريق تقديم أسلحة أو أدوات أو أي وسيلة أخرى:بهدف استعمالها في تنفيذ الجريمة من طرف الفاعل الأصلي والملاحظ هنا أنالمشرع استعمل عبارة “أي وسيلة أخرى ” ،وهو حكيم في هذه المسألة حيث أن الوسائل التي من شأنها المساعدة عديدة وتتطور من وقت لآخر
 
 
الصورة الثالثة : المساعدة في الأعمال المحضرة أو المسهلة لارتكاب الجريمة، مع ملاحظة أن تقديم المساعدة أو الإعانة في الأعمال المسهلة لارتكاب الجريمة يجب أن تكون سابقة على اقتراف الفاعل الأصلي للجريمةحيث أن الأعمال المسهلة يمكن أن تحدت أثناء ارتكاب الجريمة مما يجعلنا نخلط بين المساهمة في الجريمة و المشاركة فيها .ويشترط لاعتبار مقدم المساعدة مشاركا في الجريمة ومعاقبته على ذلك،ضرورة علمه المسبق ،بأن ماقدمه سيستعمل في ارتكاب الجريمة .
 
 
وهنايطرح سؤال هل يمكن أن تتحقق المشاركة في المساعدة السلبية ؟
 
 
يرى جانب من الفقه أن صور الإشتراك جميعها يجب أن تقع بنشاط ايجابي يبدله المساعد لإعانة الفاعل في ارتكاب جريمته ، في حين أن الموقف السلبي مجرد امتناع والحيلولة دون وقوع الجريمة على الرغم من استطاعته ذلك،والحجة التي يستند إليها بعض أنصار هذا الإتجاه بأن المشرع قد حصر صور الاشتراك حيث أن كلها تقتضي بطبيعتها توافرنشاط ايجابي . في حين يرى جانب من الفقه الآخر خلاف ذلك، أن هناك صلاحية الاشتراك بالمساعدة بطريق الامتناع ،بأن يكون سببا للنتيجة الإجرامية ،فيمكن ارتباط النتيجة الإجرامية سببا بالسلوك السلبي لأن من يمتنع عن تحقيق السلوك المفروض بقاعدة معينة، يحقق النتيجة بعدم القيام بالأفعال التي كان من شأنها أن تمنع وقوعها وطالما الأمر كذلك فيمكن تصور الإشتراك بطريق الإمتناع مادام هناك واجب قانوني يفرض القيام بعمل لمنع تحقق النتيجة .إذن القاعدة في الإشتراك هي دات القاعدة في أية جريمة أخرى يجوز ارتكابها بفعل ايجابي وسلبي ،متى ساهم هذا الفعل في حصول النتيجة الإجرامية وكان مرغوبا فيه [23]،كالخادم الذي يعلم أن لصوصا عزموا على سرقة المسكن الذي يعمل فيه فيترك لهما باب المسكن مفتوحا كي يمكنهم من ذلك ، إذن المساعدة كما تكون بفعل ايجابي يمكن أن تكون بفعل سلبي وتأخد المساعدة السلبية في صورة إزالة العقبات التي تعترض طريق الفاعل في تنفيذ الجريمة ،فكل شخص مكلف قانونا بواجب وامتنع عن أدائه لتمكين الفاعل من ارتكاب جريمته أوإتمامها يكون شريكا بالمساعدة إلا إذا تعرض إلى إكراه مادي أومعنوي فلايسأل حينها . وبالتالي يقتضي توافر ثلاث شروط في الاشتراك بالمساعدة السلبية : 1 )وجود واجب قانوني . 2) امتناع الشريك بالمساعدة عن القيام بالفعل اللإيجابي 3)أن يكون اللإمتناع إراديا .
 
 
الصورة الرابعة :الإعتياد على تقديم مسكن أوملجأ أو مكان الإجتماع:وهذه الصورة تعني تقديم مسكن أوملجأ لواحد أو أكثر من الجناة لأكثر من مرة واحدة ،فمفهوم التعود يعني التكرار مما يشكل خطورة على الأفراد وعلى النظام العام، وهذا شكل من أشكال المساعدة الاحقة لإتمام الجريمة بغرض الإجتماع فيه لممارسة اللصوصية والعنف ضد أمن الدولة أو الأمن العام أو ضد الأشخاص أو الأموال مع ضرورة علمه بالسلوك اللإجرامي .والملاحظ هنا بالنسبة لبعض الأفعال أن القانون الجنائي قام بالتنصيص عليها في فصول اخرى بصفتها جرائم مستقلة[24].
 
 

الفقرة الثانية : العناصر المكونة للمشاركة .

 
 
تتعلق أحكام المشاركة بثلات أركان أوعناصر وهي كالآتي :القانوني والمادي والمعنوي. فالعنصر القانوني : يجب ان تكون المشاركة منصبة على فعل رئيسي يعاقب عليه بجناية أوجنحة، إذ لامشاركة في المخالفات ،يعني هناك حصر في الجنايات والجنح فقط .
 
 
العنصر المادي :هو النشاط الإجرامي الذي يأتيه المشارك، ومايترتب عليه من آثار ويتحلل الركن المادي من النشاط الإجرامي للشريك ومن النتيجة الإجرامية ثم العلاقة السببية بين النشاط والنتيجة . فبالنسبة للنشاط الإجرامي للمشارك في الجريمة ، حدده الفصل 129 من خلال الصورالنشاط الإجرامي على سبيل الحصر ،ومعنى هذا المشرع استبعد اللأفعال التي تخرج عن هذه الصور من دائرة الركن المادي للمشاركة .
 
 
وبالنسبة للنتيجة الإجرامية تعني أن الجريمة التي يأتيها الفاعل هي الأثر المترتب على الأمر أو التحريض أو المساعدة، أي هي النتيجة المترتبة على نشاط المشارك.
 
 
العلاقة السببية يعني النتيجة التي أتاها الفاعل لابد من أن تكون مرتبطة بسلوك الشريك ،ورابطة السببية هذه رابطة موضوعية بين فعل ونتيجة لاتنقطع مهما تداخلت الأسباب .
 
 
وهنا تطرح اشكالية فيما يخص الإشتراك في الإشتراك؟
 
 
فمسألة اتصال السببية بين سلوك الشريك في الجريمة بشريك آخر مثال ذلك أن يتفق شخص مع صيدلي من أجل إعطائه مادة معينة كي تستخدمها زوجته في إسقاط حملها ، فيقبل الصيدلي ذلك العرض،ويعطيه المادة المجهضةويعطيها الزوج بدوره لزوجته وتستعملها هذه الأخيرة وتجهض. فهنا الفاعل الأصلي في الجريمة هي الزوجة ،والشريك الأول هو الزوج ،والشريك الثاني هو الصيدلي.بعبارة أخرى أن الزوج هو الشريك والصيدلي هو شريك الشريك أما الزوجة فهي الفاعل الأصلي.مما يعني أن الصيدلي شريك غير مباشر في الجريمة. وهذه النقطة آثارة خلافا في الفقه حول الشريك يجب أن يكون على علاقة مباشرة بالفاعل.فالمشكل هنا ليس نوعية علاقة الفاعل هل هي مباشرة أم غير مباشرة. وإنما تتعلق برابطة السببية بين سلوك الشريك والنتيجة المترتبة عليه ، ولاتتعلق بعلاقة الشريك نفسه بالفاعل ،إذ أن النتيجة وقعت بفعل اتفاق ،فلا يهم أن يكون هناك علاقة شخصية لأن العلاقة السببية علاقة موضوعية بين الفعل والنتيجة .فكما هو مبين في الفصل 129 من القانون الجنائي ،أن المشاركة تتحقق بالمساعدة في الأعمال المحضرة أو المسهلة أو المتممة لها ، يعني علاقة المشارك بذات الفعل الجنائي المكون للجريمة لا بأشخاص من ساهموا فيها[25].
 
 
العنصر المعنوي : ينص الفصل 129 من القانون الجنائي على ضرورة توفر النية الإجرامية عند المشارك ،حتى يعتبر فعله من قبيل المشاركة ،والملاحظ أن هناك أفعال إرادية (الأمر،التحريض، الهبة ،الوعد،….)،وهناك أفعال اخرى التي تتضمنها الأرقام 2و3و4 من نفس الفصل والتي يقوم بها المشارك بدون توفر النية الإجرامية ولكنه يكون عالماوعلى دراية بأن الفعل الذي يقوم به يدخل في إطار نشاط يهدف إلى ارتكاب فعل إجرامي .وهكذا تكون النية الإجرامية أو العلم بمثابة الركن المعنوي للمشاركة .فلو أن إنسانا أعطى بندقية لآخر كي يستعملها هذا في الصيد فاستعملها مستعيرها في قتل إنسان ،لايعتبر صاحب البندقية شريكا في القتل ، لأنه لم يكن لديه نية الإسهام فيه[26].
 
 
الفقرة الثالتة : شروط تحقق المشاركة 
 
 
الملاحظ أن المشرع المغربي حدد شروط للمشاركة ،فلايكتسب الشخص صفة المشارك في الجريمة إلا بتوافرها، وإن انعدمت احداها انتفت المشاركة .
 
 
Ø أن تكون الجريمة التي ارتكبها الفاعل الأصلي جناية أو جنحة أما إذا كانت
 
 
Ø مخالفة فلا مشاركة فيها وهذا ما تأكد من خلال الفقرة الأخيرة من الفصل 129 من القانون الجنائي حيث جاء فيه أن المشاركة في المخالفة لاعقاب عليها مطلقا.
 
 
Ø أن تتحقق احدى الحالات المنصوص عليها في الفصل 129 حيث أن هذه الحالات جاءت على سبيل الحصر في فقراته .
 
 
Ø ارتكاب جريمة معاقب عليها من طرف الفاعل الأصلي ،أما إذا لم ترتكب الجريمة أصلا أو وقع العدول عن ارتكابها أوسقوطها في التقادم أو العفو الشامل فإن المشارك لا يعاقب مطلقا .
 
 
Ø علم المشارك بما ينوي الفاعل الأصلي القيام به من أنشطة مجرمة وتوجيه إرادته نحو تحقيق الجريمة التي حرض أوساعد على ارتكابها ،حتى يتحقق لديه القصد الجنائي المطلوب في المشاركة ،أما إذا ساعد أو أعان بحسن النية فلا يعتبر مشاركا في ارتكاب الجريمة ، ويكفي أن يكون المشارك على علم بنوع الجريمة التي شارك فيها أما الظروف العينية لارتكابها فلا يشترط العلم بها ،وهذا ما نصت عليه الفقرة الثالثة من الفصل130 “أما الظروف العينية المتعلقة بالجريمة والتي تغلظ العقوبة أو تخففها فإنها تنتج مفعولها بالنسبة لجميع المساهمين أو المشاركين في الجريمة ولو كانوا يجهلونها “.
 
 
Ø وجود علاقة سببية بين فعل المشارك وبين تنفيذ الجريمة ،بأن يكون لأمره أو تحريضه أومساعدته تأثير واضح على توجيه الفاعل الأصلي إلى ارتكاب الجريمة أو استعمل الأداة التي قدمها له في ارتكاب الجريمة فعلا ،وإذا انعدمت هذه العلاقة السببية لا تتحقق المشاركة، كما إذا قررالفاعل الأصلي التراجع عن ارتكاب الجريمة رغم الأمر أو التحريض أوالمساعدة ،ثم عرضت له أسباب أخرى دفعته إلى ارتكابها فلا يعتبر من صدر منه الأمر أو التحريض أوالمساعدة مشاركا لانتفاء العلاقة السببية بين فعله وبين تنفيد الجريمة .ولايعتبر مشاركا أيضا من قدم سلاحا أو أداة لاستعمالها في تنفيذ الجريمة غير أن الجاني استعمل غيرها [27]
 
 
 
 

المطلب الثاني: عقوبة المشاركة

 
 
إن الأفعال التي يقوم بها الشريك في الجريمة تتبع الأفعال التي يقوم بها الفاعل الرئيسي وينتج عن هذه الفكرة صدور فعلين مستقلين بذاتهما لكنهما غير قابلينللانفصال في نفس الوقت وهذه الثنائية يمكن أن تنزل على ارض الواقع بطرق مختلفة حسب اختيارات المشرع الجنائي التي تتحكم فيها أولويات السياسة الجنائية المراد وضعها وتفعيلها بخصوص نقطة قانونية معينة أوفي بلد معين، في هذا الإطار سنتناول ضمن هذا المطلب اهم الأنظمة القانونية التي تؤسس نظريا لعقوبة الشريك في الجريمة والمعتمدة على صعيد بعض التشريعات المقارنة (الفقرة الأولى )كما سنناقش موقف التشريع المغربي من عقوبة المشارك في الجريمة (الفقرة الثانية)
 
 

الفقرةالاولى: الأنظمة القانونية المؤسسة لعقاب المشاركة في الجريمة

 
 
1- نظام الاستعارة المطلقة للتجريم:
 
 
في ظل هذا النظام القانوني في ان فعل المشارك يفترض نفس التجريم المتعلق بالفعل المرتكب من طرف الفاعل الرئيسي فالشريك حسب هذا الطرح يستعير اجرامه بشكل كلي من إجرام الفاعل الأصلي للجريمة[28]وبالتالي يتعرض لنفس العقاب عن هذا الفعل لكنه يبقى خاضعا لتقدير القاضي بشان مسؤوليته عن افعاله وبالتالي في تحديد عقوبته بين الحدين الأدنى والأقصى لكل جريمة وهنا لا يجب ان نسقط في اللبس بسبب هذه الفكرة فاستعارة التجريم من الفاعل الرئيسي الى المشارك في الجريمة ليست استعارة من شخص لشخص وهي فكرة بدائية حسب الفقيه الفرنسي كاربونييه CARBONNIER[29] وانما هي استعارة تجريم من فعل لآخر وينجم عن اعتماد هذا النظام المسمى بالاستعارة المطلقة نتائج متعددة فهو تارة يؤدي الى الإفلات من العقاب بشكل غريب وتارة أخرى يدفع الى تشدد وقساوة مبالغ فيهما على مستوى العقوبة المتخذة في حق الشريك.
 
 
 
 
 
 
– الإفلات من العقاب:
 
 
حينما يقرر الفاعل الرئيسي عدم ارتكاب الفعل الجرمي الذي خطط له فإن الشريك أو الشركاء يفلتون من العقاب بشكل كلي علما أنهم اشخاص يتميزون بخطورة إجرامية وانه ليس من المنطقي عدم سريان العقاب عليهم .[30]في نفس الإطار عندما تقع محاولة لارتكاب جريمة وتكون هذه المحاولة غير معاقب عليها اما لأنها غير مجرمة واما لتراجع الفاعل الرئيسي اراديا وطوعيا عن تنفيذها فإن الشركاء في هذه الحالة أيضا يفلتون من العقاب رغم عدم وجود أي أسباب شخصية تبرر ذلك، حيث نستحضر في هذا الإطار القرار الشهير الصادر عن الغرفة الجنائية بمحكمة النقض الفرنسية بتاريخ 25 أكتوبر 1962 في قضيةLacourوالتي تتلخص وقائعها في كون شخص يدعى Lacour قدم مبالغ مالية لشخص آخر من أجل قتل زوجته لكن هذا الأخير تراجع بسب ندم ولم يرتكب أي فعل يدخل في إطار محاولة القتل العمد وبالتالي اعتبرت محكمة النقض الفرنسية >>أن جريمة المشاركة في محاولة القتل العمد غير متوفرة مادام أن الفاعل الأصلي لم يرتكب أي فعل يعد محاولة لارتكاب الجريمة المذكورة[31]<<ومن سلبياتهذه النظريةأيضا ما يترتب عن تقادم الأفعال الجرمية المرتكبة من طرف الفاعل الرئيسي من استفادة المشاركين..
 
 
– القساوة في العقوبة:
 
 
– قد يتعرض المشارك لعقوبة مشددة لا تتناسب مع دوره الفعلي والذي قد يتمثل فقط في تسهيل ارتكاب الجريمة دون القيام باي فعل محدد لها، فأكيد ان القاضي في هذه الحالة غير ملزم بعقاب المشارك في الجريمة بالحد الأقصى للعقوبة تفعيلالسلطته التقديرية كما انه يمكنه تمتيع المعني بالأمر بظروف التخفيف إلا ان التطبيق الفعلي على مستوى القضاء يعرض المشارك في الجريمة لعقوبات لا يتوقعها نتيجة لكون الأفعال المرتكبة من طرف الفاعل الرئيسي اتخذت في ظروف لم يوافق عليها الشريك ولم يطلع عليها ورغم السلبيات المشار اليها أعلاه فإن نظام الاستعارة المطلقة أو النظام الفرنسي لتجريم وعقاب المشارك في الجريمة تم اقتراحه من طرف لجنة توحيد القانون الجنائيسنة 1927 كنظام نموذجي[32].
 
 
2- نظام الاستعارة النسبية للتجريم:
 
 
هو نظام مطبق في عديد من الدول( كبلجيكا ،لوكسمبورغ و سويسرا [33]الخ) وتتجلى اهم معالمه في كون عقوبة المشارك في الجريمة وان كانت تستوحي كينونتها من عقوبة الفاعل الرئيسي لعلاقتها الوطيدة بها الا ان هذا النظام يعتبر فعل الشريك في الجريمة مجرد فعل ثانوي لا يرقى الى نفس خطورة الفعل الرئيسي وبالتالي ينجم عن هذه الفكرة اثر على مستوى العقوبة التي تكون بالنسبة للشريك وبالضرورة اقل من عقوبة الفاعل الأصلي خاصة في الجرائم الخطيرة (الجنايات)وهذا النظام القانوني له اثار سلبية أيضا فهو يقر مبدأ كون الشريك لم يقم الا بدور ثانوي والحال انه توجد أفعال مشاركة محددة في ارتكاب الجريمة حيث يظهر فيها الفعل الأصلي كفعل تبعي في اطار تصور وتنظيم الفعل الجرمي ولعل هذه النتيجة هي التي دفعت التشريعات المعتمدة لنظام الاستعارة النسبية الى اعتبار المحرض على الجريمة الذي يعد مشاركا في نظام الاستعارة المطلقة ،فاعلا أساسيا ورئيسيا فيها اخذا بعين الاعتبار لدوره الحاسم في ارتكابها.
 
 
3- نظام استقلال تجريم المشاركة في الجريمة.
 
 
يكرس هذا النظام ما يسمى بنظرية الجرم المستقل أو المتميز للمشارك في الجريمة(délit distinct[34])بمعنى أن مسؤولية جميع المساهمين في النشاط الإجرامي يجب أن تقدر بشكل منفصل ومستقل دون ان يكون هناك أي ربط بين مسؤولية او الأفعال المرتكبة من طرف كل واحد منهم فحسب هذه الفكرة كل متدخل في النشاط الإجرامي يحاسب ويحاكم في إطار تجريم مستقل، الشريك من اجل “جريمة المشاركة ” والفاعل من اجل الفعل الجرمي الذي ارتكبه وبالتالي تتشكل جرائم متعددة [35]مما ينتج عنه تسهيل عملية العقاب بالنسبة لمختلف الجرائم المذكورة على اعتبار انه لم يعد من الضروري وضع اية رابطة علاقة بينها ،لكن نظرية استقلال جرم الشريك تعرضت لعدة انتقادات لكونها تؤدي بالضرورة لهدم فكرة المشاركة في الجريمة من أساسها وبالتالي أثيرت حولها عدة شكوك لعدم احترامهاللمنطق القانوني حيث خلصت في النهاية الى اعتبار فصل العلاقة بين فعل المشاركة في الجريمة والفعل الرئيسي المشكل لها امر غير منطقي ودون معنى[36].
 
 
 
 
 
 

الفقرة الثانية: موقف المشرع المغربي من عقوبة المشاركة في الجريمة.

 
 
1- تكريس مبدأ استعارة العقاب
 
 
نص القانون المغربي في المادة 130 من مجموعة القانوني الجنائي على ما يلي “المشارك في جناية أو جنحة يعاقب بالعقوبة المقررة لهذه الجناية أو الجنحة.
 
 
ولا تؤثر الظروف الشخصية التي ينتج عنها تشديد او تخفيف أو اعفاء من العقوبة إلا بالنسبة لمن تتوفر فيه.
 
 
أما الظروف العينية المتعلقة بالجريمة والتي تغلظ العقوبة أو تخفضها، فإنها تنتج مفعولها بالنسبة لجميع المساهمين أو المشاركين في الجريمة ولو كانوا يجهلونها.”
 
 
وبذلك يكون المشرع المغربي قد كرس مبدأ استعارة العقاب وهذا يعني مساواة قانونية مطلقة بين الشريك والفاعل تتمثل في خضوعهما لنص قانوني واحد وفي استحقاقهما للعقاب المقرر فيه، وهو يعني كذلك أن عقابهما يخضع لأحكام واحدة فلهما نفس الحد الأقصى والادنى وإذا كانت للجريمة عقوبات متنوعة سواء كانت كلها أصلية أم كان بعضها تبعيا فكلاهما معرض لأن توقع عليه كل هذه العقوبات[37]، وعليه فالمشارك في جريمة القتل العمد يعاقب بدوره بالسجن المؤبد مثله مثل الفاعل الأصلي ويعد مرتكبا لجناية المشاركة في القتل العمد.
 
 
وإذا كان ما تمت الإشارة اليه أعلاه يشكل التوجه العام للقانون الجنائي المغربي بشأن عقاب الشريك في الجريمة فإن الفصل 397 من هذا القانون والمتعلق بقتل الام لوليدها اتى باستثناء من القاعدة حيث تستفيد الام من تخفيف العقوبة سواء كانت فاعلة اصلية او مشاركة وقد فسر بعض الفقه الجنائي هذا التوجه التشريعي بكون العقوبة في هذه الحالة تخفف تقديرا للألم الذي تشعر به الأم لفراق فلذة كبدها[38].
 
 
كما ان هناك حالات في القانون الجنائي المغربي يعاقب فيها المشارك في فعل الانتحار (الفصل 407) رغم ان هذا الفعل يبقى دون عقوبة ويمكن ان نذكر كذلك الفصل 536 من ق.ج الذي لا يسمح للشريك بالاستفادة من مقتضيات الفصل 534 من نفس القانون بخصوص الإعفاء من العقاب في حالة السرقة في حق الزوج او الفروع والفصل 535 بخصوص انتهاء المتابعة بعد سحب الشكاية في حالة السرقة في حق الأصول أو احد الأقارب أو الأصهار الى الدرجة الرابعة، كما تؤدي لنفس النتيجة –معاقبة المشارك دون الفاعل – بعض الأحداث كموت الفاعل أو اصابته بجنون أو استفادته من عفو خاص.
 
 
2- تأثيرالظروف العينية والشخصية على عقوبة الشريك في القانون المغربي.
 
 
– الظروف العينية: هي ظروف لها تأثير عام على جميع المساهمين في الجريمة فاعلين كانوا أو شركاء وهذا الأثر نتيجة لفكرة “الجريمة الواحدة” وهي ظروف لصيقة بالجريمة يمتد حكمها الى جميع المساهمين سواء علموا بها أو لم يعلموا وسواء كانت ظروف مخففة او مشددة فمن يشارك في جنحة الضرب والجرح المنصوص عليها في الفصلين 400 و401 من القانون الجنائي مع فاعل استعمل السلاح الأبيض يتحمل تأثير هذا الظرف المشدد ولو جهل ان الفاعل كان يحمل سلاحا.
 
 
– الظروف الشخصية: ويمكن التمييز فيها بين نوعين ظروف تغير من وصف الجريمة وظروف تغير من العقوبة[39]
 
 
– فالظروف المغيرة لوصف الجريمة منها ما يرتبط بصفة الفاعلمثل صفة الخادم او المستخدم باجر في السرقة (المادة 509 من ق.ج) فإذا كان أحد الفاعلين خادما لدى الضحية والثاني ليس كذلك فإن العقوبة تشدد على الأول ولا يتأثر الثاني بهذا الظرف وكمثال اخر فان استفادة احد الزوجين الذي يقتل الزوج الآخر وشريكه عند مفاجئتهما متلبسين بالخيانة الزوجية من عذر مخفض للعقوبة لا يسري على المشاركين (418 ق.ج)
 
 
– ومنها ما يرتبط بقصد مرتكبها مثل سبق الإصرار والترصد حيث ان إتيان الفاعل الرئيسي لجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد يعرضه لعقوبة الإعدام وهو ما لا ينطبق على المشارك في الجناية المذكورة والذي لم يتوفر فيه الظرف المشدد المذكور وبالتالي يعاقب بعقوبة أخف.
 
 
– اما الظروف التي تغير من العقوبة فحكم هذه الظروف هو حكم الأولى بمعنى ان أثرها يقتصر على من توافرت فيه ومثلها ظرف العود الذي يرفع من العقوبة وظرف صغر السن الذي يخفض من العقوبة إضافة الى صفة الأقارب والأصهار الى غاية الدرجة الرابعة في جريمة إخفاء الهاربين (المادة 297 ق.ج).
 
 
– خاتمة:
 
 
– ختاما لهذا الموضوع يمكن القول على أن نظرية المساهمة في الجريمة و المشاركة فيها تحتل أهمية بالغة في التشريع الجنائي المغربي و المقارن ذلك أنه كما سبقت ألاشارة فإن تعدد الجناة في الجريمة الواحدة يطرح إشكال التمييز بين أفرادها لمعرفة الدور الذي أداه كل واحد منهم و أهميته في تحقيق الجريمة.
 
 
– فإذا كان المساهم هو الذي يقوم شخصيا بأحد عناصر الركن المادي للجريمة رغبة في تحقيق النتيجة لأجرامية بالتعاون مع الفاعل لأصلي فهو كذلك يعتبر فاعلا أصليا في الجريمة لأنه يكون قد قام بعمل رئيسي لأخراج النشاط لأجرامي إلى أرض الواقع و من ثم فهو يستعير صفته لأجرامية من وقائع الجريمة و يعاقب بنفس العقوبة المقررة للفعل المرتكب .
 
 
– في مقابل ذلك فإن المشارك هو الذي لا يرتكب أي عمل من أعمال التنفيذ المادي للجريمة و لكن يقتصر دوره على القيام بأعمال ثانوية لا تدخل في عناصر الجريمة و إنما النشاط الذي يقوم به يساهم بشكل غير مباشر في تنفيذ الجريمة وهو بذلك يستعير صفته لأجرامية من الفاعل لأصلي. المساهمة في الجريمة و المشاركة فيها
 
 
لائحة المراجع:
 
 
المراجع العامة:
 
 
أحمد قيلش،الوجيز في شرح القانون الجنائي العام.
بنحدو عبد السلام،الوجيز في شرح القانون الجنائي المغربي المقدمة النظرية العامة ، الطبعة الرابعة ،سنة 2000. 
ملياني محمد،دروس في القانون الجنائي العام ،الطبعة الثانية،سنة1998.
ثروت جلال،نظم القسم العام في قانون العقوبات،نظرية الجريمة ، الجزء الأول،سنة1994.
عبد الواحد العلمي ،شرح قانون الجنائي المغربي،القسم العام.
أحمد الخمليشي ،شرح القانون الجنائي العام،الطبعة الثانية ، القس العام.
عبد الفتاح مصطفى الصيفي،قانون العقوبات .
عبد الله سليمان،شرح القانون الجزائري 
لطيفة الداودي،الوجيز في القانون الجنائي المغربي
 
المراجع المتخصصة:
 
 
محمد نجيب حسني،المساهمة الجنائية في التشريعات العربية. 
فغول عربية،المساهمة الجنائية في قانون العقوبات الجزائري. 
محمد العساكر،نظرية لأشتراك في الجريمة في ق.ع.ج و القانون المقارن.
لادي سامية ،المساهمة الجنائية في قانون العقابي الجزائري،رسالة ماستر،جامعةعبد الرحمان ميرة،بجاية،الجزائر،سنة2013-2014
الفصل 110من القانون الجنائي يعتبر أن الجريمة هي كل فعل أو امتناع مخالف للقانون الجنائي و يعاقب عليه بمقتضاه.[1] 
جلال ثروت،نظرية القسم العام في قانون العقوبات،الجزء الأول نظرية الجريمة،دارا لمطبوعات الجامعية،الإسكندرية،ص212 [2] 
 
موقع الكتروني .WWW.law-esm.yoo7.maتم الاطلاع عليه بتاريخ 6_12_2019على الساعة الحادية عشر زوالا[3] 
المساهمة الجنائية تعني تعدد الجناة في الجريمة الواحدة فتبرز الحاجة إلى معرفة الدور الذي أداه كل واحد منهم و أهميته في تحقيق الجريمة [4] 
الفصل 128ينص على انه يعتبر مساهما في الجريمة كل من ارتكب شخصيا عملا من اعمال التنفيد المادي لها .[5] 
جلال ثروت ،مرجع سابق،ص221[6] 
[7]- د. محمد العساكر، نظرية الاشتراك في الجريمة، ق.ع.ج والقانون المقارن ص 26.286
[8]- د. محمد زكي ابو عامر، قانون العقوبات القسم العام، دار الجماعة الجديدة للنشر 1996 ص 266.
[9]- د. عبد الله سليمان، مرجع سابق. 
[10]-د. محمد زكي أبو عامر م.س ، ص 399.
[11]- عوض محمد قانون العقوبات القسم الام 1998 ص 365.
[12]- لطيفة الداودي، اولجيز في القانون الجنائي المغربي، ص 77.
[13]- محمد ملياني: دروس في القانون الجنائي العام، دار النشر الجسور، وجدة، ط 2، 1982 ص 237. 
[14]- عبد الواحد العلمي: شرح القانون الجنائي المغربي (القسم العام) مطبعة النجاح الجديدة، البيضاء، ط ، 2018 ص 200.
[15]- المادة 41 (القانون رقم 82-04 المؤرخ في 13 فبراير 1982)
[16]- فغول عربية، المساهمة الجنائية في قانون العقوبات الجزائري، مذكرة لنيل الماجستير (مرقونة) جامعة بن عنكون، الجزائر، 2002 ص 22.
[17]- عبد الواحد العلمي، م.س ، ص 200، ص 301.
[18]- لمزيد من التفاصيل، يمكن الرجوع إلى رسالة الماستر الموسومة، ب” المساهمة الجنائية في القانون العقابي الجزائري إعداد الباحثة: لادي سامية كلية الحقوق، جامعة عبد الرحمان ميرة، بجاية / الجزائر، الموسم الجامعي 2013/2014م (ص 118)
[19]- حمود نجيب حسني: المساهمة الجنائية في التشريعات العربية، دار النهضة العربية القاهرة، ط 2، 1992 ص 224. 
 
 
1:الفصل 129من القانون الجنائي المغربي الذي جاء فيه ،”يعتبرمشاركا في الجناية أوالجنحة من لم يساهم مباشرة في تنفيذها لكنه آتى أحد الأفعال الآتية :
1.أمر بارتكاب الفعل أو حرض على ارتكابه،وذلك بهبة أووعد أوتهديد أوإساءة استغلال سلطة أو ولاية أوتحايل أوتدليس إجرامي ؛ 
2.قدم أسلحة أوأدوات أو أية وسيلة أخرى استعملت في ارتكاب الفعل ،مع علمه بأنها ستستعمل لذلك ؛ 
3.ساعد أوأعان الفاعل أوالفاعلين للجريمة في الأعمال التحضيرية أوالأعمال المسهلة لارتكابها ،مع علمه بذلك؛ 
4.تعود على تقديم مسكن أوملجأ أومكان للاجتماع لواحد أو أكثر من الأشرار الذين يمارسون اللصوصية أوالعنف ضد أمن الدولة أو الأمن العام أوالأشخاص أوالأموال مع علمه بسلوكهم الإجرامي.أما المشاركة في المخالفات فلا عقاب عليها مطلقا. “
 
: العماري جميلة ، الوجيز في شرح القانون الجنائي العام ، ص 57.[21] 
:عبد الواحد العلمي ،م.س ،ص205.[22]
: رمسيس بهنام ،النظرية العامة للقانون الجنائي ، الطبعة ثالثة منقحة ،1997،ص774.[23]
:أحمد الخمليشي ،شرح القانون الجنائي القسم العام ،المعرفة للنشر و التوزيع ،الرباط ،ص 201.[24]
6: جلال ثروت ،م.س ،ص351.و352.
: ملياني محمد ، م.س ص236.[26]
: أحمد الخمليشي ،م س ، ص 205.[27]
[28] أحمد فتحي سرور الوسيط في قانون العقوبات القسم العام دار النهضة العربية، ط 6، 2015
[29]J.Carbonnier, du sens de la répression applicable au complice, JCP 6 1952, I , P 1034 
[30]E. Baron, la coaction en droit pénal, Thèse de doctorat en droit soutenue le 07/12/2012. Université Montesquieu-Bordeaux. P 103
[31]Cass.Crim, 27/10/1962, Bull.N°292 et 293.
[32]المؤتمر الدولي لتوحيد القانون الجنائي المنعقد بفارسوفيا من 1 إلى 5 نونبر 1927
[33]الفصل 69 من القانون الجنائي البلجيكي، الذي ينص على أن الشركاء في الجنايات يتعرضون للعقوبة الأدنى التي تلي العقوبة التي كانوا سيتعرضون إليها في حال كانوا فاعليين أصليين في الجناية ….. وأن العقوبة التي سيحكم بها في حق الشركاء في الجنح لا يمكن أن تتجاوز ثلثي العقوبة التي ستطبق على الفاعليين الرئيسيين 
[34]R.merle et A.vetu , traité de droit criminel, droit pénal général t1 Cujas 7éme éd, 1997 p 539.
[35]هده الفكرة تقتضي أن المشاركة في الجريمة لا يمكن أن تتجلى في أي حالة كشكل من أشكال وحدة الجريمة.  
[36]E. Baron, la coaction en droit pénal op.cit, p105
[37]جعفر علوي، المعين في شرح القانون الجنائي العام المغربي فقها وقضاء، ط 1،2010، ص 167
[38]محي الدين أمزازي،العقوبة؟منشورات جمعية تنمية البحوث والدراسات القضائية 1993، ص 217
[39]رمسيس بهنام، النظرية العامة للقانون الجنائي، ط 3، منشآه المعارف الإسكندرية، 1997، ص 359

Related Articles

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button