الحماية القضائية للحقوق الحق في الحياة والحق في الحياة الخاصة نمودجا

 الحماية القضائية للحقوق الحق في الحياة والحق في الحياة الخاصة نمودجا

المطلب الاول: الحماية القضائية للحق في الحياة

الحماية القضائية للحقوق يعتبر الحق في الحياة اسمى حقوق الانسان واقدسها فهو الاساس الذي تقوم عليه جميع الحقوق الاخرى، ذلك ان ممارسة اي حق اخر من تلك الحقوق المحمية من طرف القانون لا يكون متصورا دون كفالة الحق في الحياة وحمايته اولا[1]،فهذا الحق يأتي في مقدمة الحقوق التي تلتزم الدولة بحمايتها وتأمينها على جميع المستويات سواء الدولية او الاقليمية وسواء في الحالات العادية او في الحالات الاستثنائية،

ومن بين المواثيق الدولية التي تنص على الحق في الحياة نجد الاعلان العلمي لحقوق الانسان لسنة 1948 في مادته الثالثة التي تنص على ان “لكل فرد الحف في الحياة والحرية والامن على شخصه “، وعليه فان الدول المصادقة على الاعلان ملزمة بضرورة احترام هذه الحقوق وعلى راسها الحق في الحياة دون اللجوء الى تفسيرات وتأويلات تهدف الى القضاء على هاته الحقوق ،وذلك من خلال مقتضيات المادة 30 التي جاء فيها ليس في الاعلان نص يجوز تأويله على انع يهدف الى هدم الحقوق والحريات الواردة فيه [2]

 لكن اذا كانت القوانين الجنائية لكل الدول قد جرمت كل افعال القتل وبالتالي حماية حق الفرد في الحياة فان ما يثير الاشكال هنا هو ان الاعلان العالمي لحقوق الانسان لا يملك الية لردع ومنع عقوبة الاعدام وبالتالي فهو لم يتضمن اي اشارة صريحة الى الغاء هذه العقوبة التي تنتهك الحق في الحياة وتندد باسم القانون [3]

وما يهمنا في هذه الدراسة هو العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966 على اعتبار ان الحقوق التي يتضمنها ليست ناشئة من اعراف القانون ولكنها مستمدة من الطبيعة البشرية [4]، فاذا رجعنا الى الفقرة الاولى من المادة السادسة [5] نجد فيها اشارة واضحة الى ان الحق في الحياة حق ملزم لكل انساء وعلى القانون ان يحمي هذا الحق ، كما ان الفقرات الثانية والثالثة والخامسة والسادسة تطرقت الى الضمانات الواجب توفرها للحكم بالإعدام

والمشرع المغربي بدوره عمد الى حماية هذه الحقوق وخاصة الحق في الحياة وذلك من خلال التنصيص على مجموعة من الضمانات ابرزها الضمانات القضائية المتمثلة اساسا في استقلال السلطة القضائية ، كما انه اذا رجعنا الى الفصل 117 من الدستور نجد على ان القاضي يتولى حماية حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم وامنهم القضائي وتطبيق القانون [6]

وانطلاقا مما سبق سنحاول خلال هذا المطلب الحديث عن الضمانات التي منحها القضاء المغربي لحماية الحق في الحياة من خلال التطرق الى حماية القضاء الاداري فقرة اولى تم حماية القضاء العادي فقرة ثانية.

الفقرة الاولى : القضاء الاداري

المحاكم الادارية احدثت بموجب ظهير 1.91.255 المتعلق بتنفيذ القانون 41/90 الصادر في 10 شتنبر 1993 للبت في طلبات الغاء قرارات السلطات الادارية بسبب تجاوز السلطة في النزاعات المتعلقة بالعقود الادارية ودعاوى التعويض عن الاضرار التي تسببها اعمال ونشاطات اشخاص القانون العام [7].

كما ان احداث هذه المحاكم يعتبر تعزيزا لمسار الحماية القضائية للحقوق والحريات لذلك يلعب القضاء الاداري دورا مهما في المحافظة على حقوق الافراد في مواجهة تعسفات الادارة وهو ما يعبر عنه البعض بدولة الحق والقانون[8] ,

ومن هنا سنحاول الوقوف على بعض احكام و قرارات القضاء الاداري ومنها حكم المحكمة الادارية بتاريخ 25/07/2013 ملف عدد 575/12/210 بالرباط والذي جاء فيه “ان اخلال مرفق الصحة المركز الاستشفائي ابن رشد بمبدأ مساواة المواطنين في العلاج والعناية الطبية تابت حينما منع الهالك من الاستفادة المجانية من اجراء الكشف عن طريق السكانير لأنه لا يعقل من الناحية القانونية ولا من الناحية الانسانية الادمية ان يطلب من شخص في وضعية صحية حرجة قدمت له شهادة طبية على وجود رضوض في الجمجمة من اداء مقابل الكشف الثابت بمقتضى الوصل المسلم له بدعوى ان المجانية حسب ادارة المرفق تتطلب اجراءات ادارية خاصة ، لا مال للحديث عنها في هذه الحالات غير العادية التي تتطلب مساعدة مجانية خاصة ومركزة ،تهتم بصحة المريض لا بوضعيته المادية ، ناهيك عن السماح للمريض بالمغادرة وعدم اخضاعه لأي علاج عادي او استعجالي ولو بمستويات الحد الادنى والطبيعي وعدم استقباله بالمستشفى وتوفير الخدمات العلاجية له بعين المكان ، مما يرتب عنه بصفة الية مسؤولية المرفق عن الاهمال الخطير والتقصير الواضح في منظومة العلاج والتي تسببت في وفاة الضحية[9] ،

كما ان الحكم السابق ذكره ينص ايضا على مسؤولية مرفق الامن في احداث الوفاة لان الضحية كان قد تلقى ضربة على راسه من طرف رجال الامن اثناء التصدي لحالة الشغب القائمة بالملعب[10]

الفقرة الثانية : القضاء المدني

يتجلى تكريس الحق في الحياة في المغرب من خلال القضاء المدني وذلك قبل التنصيص القانوني والدستوري ، وذلك بتطبيق المقتضيات الرامية الى التعويض عن الحرمان من الحياة ،

ويمكن الاستدلال على هذا المر من خلال الحكم الصادر عن الغرفة المدنية لمحكمة النقض والذي جاء فيه ” يستحق ورثة الهالك ضحية حادث سير واصوله تعويضا عن الضرر المترتب لهم بفقدان مورثهم، وتستخلص المحكمة موجب الانفاق في اطار سلطتها في تقدير الحجج،

كما تستفيد ام الهالك ضحية حادث السير من تعويض مستقل عن النسبة التي يستحقها باقي الورثة”[11]

المطلب الثاني الحق في الحياة الخاصة

على اعتبار ان الاجتهاد القضائي هو الضامن لاستمرارية القواعد التشريعية من خلال ملائمتها مع الوقائع والنوازل فهو يؤمن للتشريع ملاحقة تطورات المجتمع من خلال تطبيق النصوص القديمة بروح جديدة خصوصا اذا ما كنا امام حق ذو طبيعة متجددة يجل القوانين المخصصة تعجز عن ملاحقة الانتهاكات التي تهدد التمتع به ،

ومن بين هذه الحقوق نجد الحق في الحياة الخاصة باعتباره حق يتعلق بكيان الانسان ووجوده والذي لا يقبل المساس به وهذا ما اكدته المادة 17 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية [12]

ومن هنا لا يمكن لنا الحديث عن مدى نجاعة الحماية القانونية للحق في الحياة الخاصة دون الوقوف على الواقع العملي من خلال الممارسة القضائية وذلك من اجل توضيح دور القضاء المغربي في تفعيل النصوص القانونية المتعلقة بحماية هذا الحق [13]

وعلى هذا الاساس سنقف عند الحماية التي خصها القضاء العادي للحق في الحياة الخاصة

الفقرة الاولى: حماية القضاء الجنائي للحق في الحياة الخاصة

خلال هذه الفقرة سنحاول الوقوف عند اهم مظاهر هذا الحق والمتمثلة في حرمة المسكن كمظهر تقليدي تم سرية الاتصالات كمظهر حديث واخيرا الحق في الصورة,

1حرمة المسكن كمظهر تقليدي

اذا رجعنا الى الفصل 441 من القانون الجنائي [14] والفصل 230[15] نجد ان المشرع خصص حماية لحرمة المسكن من كل انتهاك سواء تم من طرف الافراد العاديين او من طرف الموظفون العموميون,

وتتجلى هذه الحماية من خلال الاحكام القضائية والتي نجد من بينها حكم قضت به المحكمة الابتدائية بفاس حيث جاء في مضمون الحكم انه لطالما لم يثبت للمحكمة ما يخالف ما دون بمحضر الضابطة القضائية يجعل ما قام به المتهمان من دخول لغرفة المشتكي وافتراشها من جديد والاقامة بها عن نية واختيار مع توجيه ارادتهما الى اعتمارها دون موافقة المشتكي مستجمعا العناصر التكوينية لجنحة الدخول الى مسكن الغير ، الامر الذي اقتنعت معه المحكمة بثبوتها في حقه ويتعين معاقبته عنها وفقا للفصل 441 من القانون الجنائي[16]

ونفس التوجه اخدت به حينما اعتبرت ان ما قام به المتهم من دخول منزل المشتكى عن بينة واختيار ومع توجيه ارادته الى دخوله مناجل ارتكاب الرقة دون موافقة المشتكي مستجمعا للعناصر التكوينية لجنحة الهجوم على مسكن الغير ، الامر الذي اقتنعت معه المحكمة بثبوتها في حقه وبالتالي معاقبته وفق الفصل 441 من القانون الجنائي[17] ،

والفقرة الثانية من الفصل 441 من القانون الجنائي تحدثت عن ظروف التشديد في جنحة الدخول الى مسكن الغير ومن هنا نجد حكم قضائي صادر عن المحكمة الابتدائية بصفرو جاء فيه ان المتهم من خلال اقواله وبعد ان وجد المنزل مقفلا وقام بتسلق احدى النوافذ الخارجية والتي كانت مغلقة وقام بفتحها بواسطة ملعقة وطاف بأرجاء المنزل وبدا بالمطبخ تم غرفة النوم وشرع يتفقد المحتوى … وبناء على ذلك جاء في قرار المحكمة وحيث اعترف المتهم باقتحامه منزل المشتكي في غيابه فأنها قررت مؤاخذته[18]

الفقرة الثانية: حماية القضاء الاداري للحق في الحياة الخاصة

خلال هذه الفقرة سنقف عند مظهر من مظاهر الحياة الخاصة وهو الحق في الصورة ودور القضاء الاداري في حمايته.

الحق في الصورة هو ذلك الاستئثار الذي يتيح للشخص منع غيره من ان يرسمه او يلتقط له صورة دون اذن منه صريح او ضمني وما يستتبع ذلك من حقه في الاعتراض على نشر صورته على الجمهور[19] حماية لحقه في الخصوصية,

وقد اسس الاجتهاد القضائي لمحكمة النقض حماية الصورة على قواعد المسؤولية المدنية ،بحيث جاء في قرار مبدئي وحديث لمحكمة النقض صادر بتاريخ 25/03/2014 جاء فيه” ان التقاط صورة اشهارية للمدعة وهي تحمل اناء من النحاس في يدها من اجل التعريف بنادي رياضي ، واستعمال نفس الصورة من طرف شركة متخصصة في صنع الاواني البلاستيكية يخولها حق مطالبة هذه الاخيرة بالتعويض عن الضرر المعنوي الناجم عن نشر الصورة دون ادن اذنها ، والدي يمكن تحديد نسبة مسؤوليتها في حدوثه بمدى تدخلها الايجابي مما لا يمكن معه القول بانتفاء مسؤوليتها[20]

[1]  خدوج العمراني، الن بحث لنيل شهادة الماستر في القانون الخاص 2017/2018، ص.15.

[2]  المادة 30 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان لسنة 1948:

“ليس في هذا الإعلان أي ٍّ نص يجوز تأويله على نحو يفيد انطواءه على تخويل أي دولة او جماعة، او أي فرد، أي حق في القيام باي نشاط او باي فعل يهدف الى هدم أي من الحقوق والحريات المنصوص عليها فيه

[3] Bernard,eric, « justice pénale internationale et piene de mort » actualité juridique droit pénale (AJDP) ; n°2 janvier 2011 ; p .11.

[4]  عمران الشافعي ، العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية بين النظرية والتطبيق ،دار العلم للملايين ،القاهرة 1993،ص.90.

[5]  الفقرة الاولى من المادة السادسة من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية:

. الحق في الحياة حق ملازم لكل إنسان. وعلى القانون أن يحمى هذا الحق. ولا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفا”

[6]  الفصل 117 من الدستور:

“يتولى القاضي حماية حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي، وتطبيق القانون”

[7]  المادة الثامنة من ظهير 1.91.255 المتعلق بتنفيذ القانون 41/90 الصادر في 10 شتنبر:

“تختص المحاكم الإدارية ، مع مراعاة أحكام المادتين 9 و11 من هذا القانون، بالبت ابتدائيا في طلبات إلغاء قرارات السلطات الإدارية بسبب تجاوز السلطة وفي النزاعات المتعلقة بالعقود الإدارية ودعاوي التعويض عن الأضرار التي تسببها أعمال ونشاطات أشخاص القانون العام، ماعدا الأضرار التي تسببها في الطريق العام  مركبات أيا كان نوعها يملكها شخص من أشخاص القانون العام”.

[8] جمال جعافري”القضاء الاداري وتكريس حقوق الانسان ” رسالة لنيل شهادة الماستر بكلية فاس شعبة قانون المنازعات العمومية 2013 ص 2

[9] احمد مفيد ومحمد الهيني ،الحماية القضائية للحقوق والحريات الاساسية 2015، ص 42و43,

[10] احمد ادريوش “القضاء وتقافة حقوق الانسان “مطبعة الامنية الرباط 2014 ص 62

[11]  قرار محكمة النقض عدد 4928 مؤرخ في 13/11/2012 ملف مدني عدد 1316/1/5/2012 منشور بموقع http://www.jurisprudencemaroc.com.

[12]  المادة 17 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية

لا يحوز تعريض أي شخص، على نحو تعسفي أو غير قانوني، لتدخل في خصوصياته أو شؤون أسرته أو بيته أو مراسلاته، ولا لأي حملات غير قانونية تمس شرفه أو سمعته.
2.
من حق كل شخص أن يحميه القانون من مثل هذا التدخل أو المساس.

[13]  منصف الحائك ،بحث لنيل شهادة الماستر في القانون الخاص، 2012/2013، ص98.

[14]  الفصل 441 من القانون الجنائي المغربي:

“من دخل أو حاول الدخول إلى مسكن الغير، باستعمال التدليس أو التهديد أو العنف ضد الأشخاص أو الأشياء، يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وغرامة من مائتين  إلى مائتين وخمسين درهما.

وإذا انتهكت حرمة المسكن ليلا، أو باستعمال التسلق أو الكسر أو بواسطة عدة أشخاص، أو إذا كان الفاعل أو أحد الفاعلين يحمل سلاحا ظاهرا أو مخبأ، فالعقوبة الحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات والغرامة من مائتين  إلى خمسمائة درهم.

[15]  الفصل 230 من القانون الجنائي المغربي

كل قاض أو موظف عمومي، أو أحد رجال أو مفوضي السلطة العامة أو القوة العمومية يدخل، بهذه الصفة، مسكن أحد الأفراد، رغم عدم رضائه، في غير الأحوال التي قررها القانون، يعاقب بالحبس من شهر إلى سنة وغرامة من مائتين  إلى خمسمائة درهم.

[16] حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بفاس عدد 1338 في ملف 14/1348 بتاريخ 28/04/2014.

[17]  حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بفاس في ملف عدد 1321/14 ، بتاريخ 2014/04/30.

[18]  حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بصفرو عدد 2040 في ملف عدد 2013/2130/15 بتاريخ 17/12/2015.

[19]  سعيد جبر ، الحق في الصورة ، دار النهضة العربية القاهرة 1986 ص 24.

[20]  قرار عدد 196 في الملف عدد 1850/1/1/2012 قضاء محكمة النقض عدد 77 ص 38.

Related Articles

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button