في جرائم القتل (القتل العمد والقتل الخطأ)

في جرائم القتل (القتل العمد والقتل الخطأ)

مقدمة:

القتل العمد والقتل الخطأ تعتبر جرائم القتل من جرائم الإعتداء على الأشخاص ، و هي تنتمي إلى الجرائم الإجتماعية و هي مقترنة بوجود الإنسان و مند نشوءه على هذه الأرض و لم يختلف بشأنها مجتمع عن مجتمع آخر لا في القديم و لا في الحديث ، و جرائم الإعتداء على الأشخاص يمكن أن تكون مادية كالقتل و الضرب كالإختطاف و التهديد.

يعد القتل من أقدم الجرائم التي عرفها الإنسان منذ أن عرف الحياة على هذه الأرض حيث جاء في قوله تعالى ^^ واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما و لم يتقبل من الآخر، قال لأقتلنك،قال إنما يتقبل الله من المتقين، لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي لأقتلك، إني أخاف الله رب العالمين إني أريد أن تبوء بإثمي و إثمك فتكون من أصحاب النار، و ذلك جزاء الظالمين فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله، فأصبح من الخاسرين ^^1

و من هنا تظهر أن جرائم القتل قديمة قدم الإنسان، و كانت أول جريمة هي قتل قابيل لأخيه هابيل و لقد تطورت جريمة القتل و تهديدها للكيان الفردي و الإجتماعي معا2 ، و ذلك مع ما تحدثه من نتائج و اضطراب داخل المجتمع.

و المشرع المغربي نجده قسم جرائم القتل في مجموعة القانون الجنائي إلى قسمين،جريمة القتل العمد و التي نص عليها في الفصل (392) و جريمة القتل الخطأ و التي نظمها في الفصل (432) و حدد المعايير التي يمكن أن تفرق بهما كل جريمة على حدة

و تكمن أهمية الموضوع في كونه يناقش أهم الجرائم التي تعد عدوا للحق في الحياة المكرس على المستوى الدولي و الوطني في مختلف التشريعات السماوية و الوضعية من خلال التطرق إلى الأركان المكونة لهذه الجرائم و العقوبات المقررة لها على مستوى التشريع المغربي.

 و سنعتمد أثناء مناقشتنا لهذا الموضوع على كل من المنهجين الوصفي و التحليلي، و ذلك من خلال تحليل الفصول المركبة لكل من القتل العمد و القتل الخطأ.

تتمحور الإشكالية التي يطرحها هذا الموضوع حول:

ما هو موقف المشرع المغربي من جرائم القتل من حيث التجريم و العقاب؟

للإجابة على هذه الإشكالية فإننا نقترح التصميم الآتي:

المبحث الأول :  أركان قيام جرائم القتل العمدية و غير العمدية

المبحث الثاني :  العقوبة في جرائم القتل العمد و غير العمد

المبحث الأول: أركان قيام جرائم القتل العمدية و غير العمدية

 ينص الفصل 392 من ق.ج علي مايلي: (كل من تسبب عمدا في قتل غيره يعد قاتلا و يعاقب بالسجن المؤبد….)

كما ينص الفصل 432 على ( من ارتكب بعدم تبصر أو عدم احتياطه أو عدم انتباهه أو عدم إهماله أو عدم مراعاته النظم أو القوانين….)، و يستفاد من هاذين الفصلين أن جريمة القتل بنوعيه يتوفر على ركنين أساسيين إضافة إلى ركن مفترض :

ركن مفترض: إزهاق روح إنسان على قيد الحياة

ركن مادي: متمثل في نشاط من الجاني، و نتيجة على المجني عليه و علاقة سببية بين النشاط و النتيجة

ركن معنوي: يختلف حسب ما إذا كان القتل عمدا و إذا كان القتل غير عمدي، بحيث تتجه إرادة الجاني في القتل الأول إلى إزهاق روح المجني عليه، و تلك النية هي التي تنتفي في القتل الخطأ

و سنتناول كل هذه الأمور في المطالب الآتية

المطلب الأول : الركن المفترض في جريمتي القتل العمد و القتل الخطأ:

 يتمثل الركن المفترض في جرائم القتل بنوعية في إزهاق روح الإنسان، فبما أن جرائم القتل بنوعيه هي من جرائم النتيجة فإن هذا القتل لا يكون مكتملا حتى أذا كان الإنسان حي و تمت إزهاق روحه نتيجة النشاط الذي قام به الجاني، أما إذا كان عنصر الحياة غير متوفر في الإنسان أثناء القيام بالقتل فإنه لا يمكن الحديث عن جريمة القتل*، ويعتبر الركن المفترض المتثل في أن يكون اﻹنسان على قيد الحياة عنصرا أساسيا لقيام الجريمة وللحديث عن جريمة القتل. و بالإضافة إلى هذا الركن وجب أن يكون هناك نشاط من لدن الجاني و المتمثل في الركن المادي و الذي سنتحدث عنه في المطلب الثاني.

المطلب الثاني: الركن المادي في جريمتي القتل العمد و القتل الخطأ:

يتمثل الركن المادي في جريمة القتل في صدور نشاط من الجاني يكون هو السبب في النتيجة التي أدت إلى إزهاق روح اﻹنسان، و على ذلك فإن القتل بنوعيه العمدي و غير العمدي ستكون من ثلاث عناصر :

  • نشاط يقوم به الجاني
  • نتيجة إجرامية
  • علاقة سببية بين النشاط و النتيجة

 و إذا كانت العناصر المادية لجرائم القتل بنوعيه متشابهة بحيث تتمركز على النشاط الصادر من الجاني،فإن القتل بين القتل العمدي و غير العمدي تتمثل في نية الجاني و ذلك في قصده المعنوي، و لذا سنقتصر في هذا المطلب على سرد العناصر المادية فقط عبر ثلاث فقرات؛ نتطرق في الأولى إلى النشاط الصادر من الجاني(الفقرة اﻷول)، ثم في فقرة ثانيه عن النتيجة الإجرامية، وصولا إلى الفقرة الثالثة و التي تناولتا فيها العلاقة السببية بين النشاط الإجرامي و النتيجة المحصل عليها.

الفقرة اﻷولى: نشاط صادر عن الجاني :

إن جريمة القتل بنوعيه لا تتحقق إلا إذا نفذها الجاني، عن طريق بذل نشاط في العالم الخارجي،استهدف إزهاق روح الإنسان، فالمشرع و في أي نظام جنائي لا يعاقب على النوايا المضمرة مهما كانت خبيثة*،وذلك أن النية الإجرامية لا تشكل لوحدها و بذاتها خطورة على الحياة العامة مادامت في ضمير صاحبها ولم تفعل على أرض الواقع3، و بذلك يكون المشرع قد ارتأى إعطاء فرصة جديدة للشخص للعودة إلى صوابه، وتخليه عن ارتكاب و إتمام تنفيذ الجريمة،أما إذا أتى الجاني الجريمة و لم تتحقق نتيجة القتل و إزهاق [1]الروح، ولو بقي المستهدف حيا، فإنها تتكيف على أنها محاولة القتل طبقا للفصل 114 من [2][i]ال[ii]قانون الجنائي. ومعه يطرح التساؤل حول: ماهو النشاط الذي يمكن أن ترتكب به جريمة القتل؟ ءبالعودة إلى الفصل 392 من القانون الجنائي، نجد أن المشرع ينص على “كل من تسبب عمدا في قتل غيره يعد قاتلا….”، وبناأ على هذه العبارة نرى أن المشرع لم يحدد طبيعة النشاط الذي يمكن اعتباره قتلا، بحيث يفهم منها أن كل نشاط يكون الركن المادي ل[iii][iv]ريمة القتل، مادامت قد تحققت بينه و بين موت الضحية علاقة سببية*، أي أن النشاط الصادر عن الجاني هو الذي إدى إلى الوفاة،بحيث إذا لم يكن هناك نشاط لن تكون هناك وفاة،بحيث لا فرق بأن تكون الوسيلة المستعملة كافية لإحداث الموت أو لا، و بين أن يكون النشاط إيجابيا أو سلبيا. إن الفقه يقسم عادة أنواع النشاط الذي يقوم به في القتل العمد4: ●نشاط إيجابي و يكون هذا النشاط كافيا لإحداث الوفاة،مثل إطلاق النار على الضحية. ●نشاط إيجابي يمس الضحية،و لكنه غير كاف ﻹحداث الوفاة مثل ضرب الضحية باليد ●نشاط إيجابي لا يمس الضحية، و إنما يمس بنفسيته، كتهديده بإطلاق حيوان مفترس عليه ●نشاط سلبي متمثل في الإمتناع،كاﻹمتناع عن إخبار شخص بوجود قنبلة في مكان معين و تركه يلج ذلك المكان. بالنسبة للنوعين الأولين فإن الفقه لا يختلف في كونهما قرينة على وجود القتل،بينما في النوعين الآخرين النشاط الإيجابي الذي لا يمس الضحية و النشاط السلبي المتمثل في الإمتناع، فلقد وقع جدال فقهي حولهما، وبذلك و بالعودة إلى الفصل 392 من ق.ج لم يحدد نوع النشاط الذي يحدث الوفاة، بحيث اكتفى بوجود علاقة سببية بين النشاط و النتيجة المحصل عليها و المتمثلة في الوفاة، و بذلك لا تكون المحكمة معنية إلا بثبوت أو عدم ثبوت العلاقة السببية بين نشاط الجاني وموت الضحية، و بذلك عبر التقيد بمقتضيات النص التشريعي الذي نص على عبارة “تسبب”بدل كلمة “ارتكب”. و من جهة نظرنا نرى أن المشرع خيرا فعل في عدم تقييد المعايير الموضوعية بشأن الركن المادي و ذلك لما لوسائل التأثير المعنوي من إساءة في المعاملة،أو تصرفات تهديدية بحيوانات خطيرة أو بأي وسيلة أخرى على نفس الضحية،و كذلك اﻷمر بالنسبة للإمتناع، كامتناع الطبيب من تقديم مساعدة لشخص في حالة خطر . و بالنسبة للقتل الخطأ فإن نشاط الجاني يشترط أن يكون إراديا، فلا تتحق جريمة القتل إذا كانت هناك قوة قاهرة أو حادث فجائي، يضطر معه الفاعل إلى القيام بالجريمة،و متى كان الفعل إراديا تحققت الجريمة سواء كان النشاط إيجابيا أو سلبيا أي أي نشاط منصوص عليه في الفصل 432 من القانون الجنائي متمثل في عدم تبصر أو احتياط أو عدم انتباه أو إهمال أو عدم مراعاة النظم و القوانين. و كما وجب التمييز بين القتل الخطأ المنصوص عليه في الفصل 432 من ق.ج بحيث لا تكون إرادة الجاني متجهة إلى إيذاء الضحية و بين الفصل 403 من ق.ج الذي ينص على نشاط الجاني و الذي يهدف من خلاله إيذاء الضحية و ذلك عبر الضرب و الجرح المفضي إلى الوفاة، فهتان الجريمتان تشتركان في كونهما لا يستهدفان إزهاق روح الضحية، و لكنهما يختلفان في كون القصد الجنائي يختلف في كل منهما*

الفقرة الثانية:تحقق النتيجة:

 أن القتل يعتبر من جرائم النتيجة،فسواء كان القتل عمدا أو بدون عمد،فلا يمكن أن يكون دون تحقق إزهاق روح الإنسان، وذلك ما جاء في الفصل 392 من القانون الجنائي الذي نص على ” من تسبب عمدا في قتل غيره…”، أي إزهاق روحه، فلا تتحقق الجريمة إلا إذا مات الضحية، سواء وقعت الوفاة أثناء الإصابة ، أو بعد مرور معينة، كما لابد أن يكون الضحية أو المجني عليه الذي أزهقت روحه إنسانا،إذ لو وجه النشاط الذي أدى إلى القتل بنوعيه إلى حيوان،فلا تقوم الجريمة، حتى لو كان الجاني يظن أنه يقتل إنسانا وليس حيوانا، كما اشترط المشرع لقيام جريمة القتل أن يكون الإنسان على قيد الحياة ، وحياته محققة، لذلك فإذا وجه الإعتداء إلى شخص متوفي من قبل،فلا تتحقق جريمة القتل،و إنما نكون أمام الجريمة المستحيلة5[3]،المنصوص عليها في الفصل 117 من القانون الجنائي، و إذا كان اﻹعتداد بجريمة القتل بنوعيه لا يمكن أن تكون إلا إذا كان الأنسان على قيد الحياة،فإنه يطرح التساؤل حول متى ابدأ حياة الإنسان ليعتبر الاعتداء عليه قتلا؟ إنه لا يعتبر الإعتداء على الجنين في بطن أمه جريمة قتل، ولكنه يكيف بجريمة أخرى و هي الإجهاض المنصوص عليها في الفصل 449 من القانون الجنائي ،و الذي جاء فيه “من أجهض أو حاول إجهاض امرأة حبلى أو يظن أنها كذلك….”، ولكن يبقى الغموض حول ماهي المرحلة الفاصلة بين تطبيق فصول الإجهاض و فصول القتل العمد. إن الرأي السائد في الفقه يذهب إلى أن تطبيق أحكام القتل وقت بدأ المخاض أي باستعداد الجاني إلى الخروج من رحم أمه،و ذلك ما صار عليه المشرع المغربي في الفصل 397 من القانون الجنائي و ذلك كقتل الطفل الوليد، و الوليد يشمل الطفل منذ بداية ولادته، فحتى لو لم تكن عملية الولادة قد انتهت،أي أن المولدة لم تقطع الحبل السري للجنين بعد،فإن إزهاق روحه عمدا أو بدون عمد فهي تدخل في نطاق جريمة القتل و ليس جريمة الإجهاض6، و باﻹضافة أيضا أن جريمة القتل تتحقق أيضا حتى و لو كان الجنين مشوها، أو أكدت التقارير الطبية أن حياته ميؤوس منها فإن جريمة القتل تقوم.

الفقرة الثالثة: العلاقة السببية بين النشاط و النتيجة:

متى حدثت وفاة إنسان بالفعل على إثر سلوك إنسان أخر،يتعين القول أثناء ذلك بتوافر جريمة القتل بنوعيه العمدي و غير العمدي،أي أن تكون وفاة ذلك الإنسان مرتبطة بسلوك إنسان آخر ارتباط المسبب بالسبب7، فلا يكفي صدور نشاط مؤذ من الجاني، وموت الضحية، بل يتعين لقيام الركن المادي في جريمة القتل أن يتوفر إلى جانب ذلك علاقة سببية بين ذلك النشاط و بين نتيجة الموت للضحية،و هذه العلاقة السببية قد تكون واضحة لا تثير أي إشكال في العمل،كاستعمال وسائل مميتة عادة يتحقق بها الموت فورا،كقتل الضحية مثلا عن طريق الخنق أو بإطلاق النار أو الصعق الكهربائي، وكل هذه الوسائل تعد لا لبس فيها في تحقيق الوفاة للمجني عليه، و لا يطرح أي شط في مدى توافر السببية بين النشاط و النتيجة.

إلا أنه وفي بعض الحالات الأخرى قد تكون هذه العلاقة السببية غير واضحة ،إما بسبب تدخل عوامل أجنبية سابقة أو ملازمة أو لاحقة للفعل الجرمي،بحيث يصعب معه ربط نشاط الجاني بالنتيحة و هي وفاة الضحية، و هناك جدال فقهي حول الأخذ بالسبب المباشر أو السبب الملائم و المناسب،أو تعادل كافة الأسباب و تكافؤها ، كأن يتشاجر شخص مع شخص أخر و يصيبه بجرح يمنعه من الحركة ثم تصدمه شاحنة تمر بسرعة فائقة و يتوفى، أه يجرح شخص شخص آخرو يخطأ الطبيب في علاجه، أو يتهاون شخص الشخص الجريح المجني عليه في آخذ العلاج،مما يؤدي إلى وفاته، و عليه فإن أغلب الفقه يتجه نحو عدم تقييد سلطة القاضي التقديرية في المعايير الموضوعية، و إن يعود إليه استخلاص العلاقة السببية على كل الوسائل القانونية المفيدة و في مقدمتها الخبرة الطبية8،و يرجع إلى سلطته التقديرية و إلى اقتناعه الوجداني الفصل في ثبوت أ[4]و عدم وجود علاقة شببية بين النشاط و النتيجة.

و عليه يذكر كل ما ثبت له من وقائع في الحكم،لأن ذلك يدخل ضمن التعليل الواجب الأحكام،ليتسنى لمحكمة النقض الإطلاع عليه في حالة تعرض نطق حكمه إلى النقض.

و هذا فلقد استقر القضاء على أن الحكم الذي يغفل بيان العلاقة السببية أو لا يقيم الدليل عل توافرها، يعتبر حكما قاصر التعليل ناقصه،كما أن الدفع بعدم توافر العلاقة السببية يعتبر دفعا جوهريا و المحكمة ملزمة بمناقشته، وتضمين حكمها في حالة عدم الأخذ به سبب استبعادها له،وإلا تعرض حكمها للنقض9[5]، إلا أنه يمكن لقاضي محكمة النقض حتى في حالة عدم اقتناعه و عدم كفايته بالعلل التي جاء بها القرار أو الحكم أن يقوم بنقضه طبقا للمادة 586 من قانون المسطرة الجنائية، وذلك ما جاء في قرار جنائي بتاريخ 18/12/1980 للمجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) *يتعين على قضاة الزجر أن يبحثو في علاقة السببية بين الإعتداء الذي قام به المتهم، و الضرر الحاصل للضحية من جرائه، و أن يبرزوا هذه العلاقة،بعد التأكد من وجودها إبرازا كافيا، لتبرير ما يكفي به القرار، و لمساعدة المجلس الأعلى على أن يكون على بينة من مشروعية الوصف القانوني الذي وصفت به الأفعال، و من سلامة تطبيق العقوبة المتخذة*

بعد تطرقنا لمختلف عناصر الركن المادي لجريمة القتل بنوعيه العمد و غير العمد ، سنقوم في المطلب الثاني إلى التطرق إلى الركن المعنوي لكل جريم

       المطلب الثالت : الركن المعنوي لجرائم القتل العمد و القتل

إذا كان الركن المادي للجريمة هو الوجه الخارجي المحسوس للسلوك المكون لها كما وصفه نص التجريم ، فإن ركنها المعنوي هو الوجه الباطني النفساني لهذا السلوك . و النص هو الذي يحدد كذلك هذا الوجه الباطني النفساني ، و أيا كان ذلك الوجه ، فإنه بصفة عامة ، لا يتعدى انتساب السلوك الإجرامي أعلى نفسية صاحبه[6]

و بهذا فالعنصر الثاني في جريمة القتل العمد هو القصد الجنائي أي توافر النية الإجرامية لدى الجاني في إزهاق روح إنسان [7]، وهو الذي يمكننا من التمييز بين حالات القتل العمد و القتل الخطأ .

      الفقرة الأولى : القصد الاحتمالي

يسمى أيضا بالقصد غير المباشر ، وهو تأييد الإرادة لحدث نشأ عن السلوك دون أن يكون تحقيقه الباعث المحرك للسلوك أيضا.[8] وهذا يدفعنا إلى التطرق لحالاته و الإشكالات التي يثيرها.

          أولا : حالات القصد الاحتمالي

عبارة القصد الاحتمالي ما تزال عبارة غامضة ، كثيرا ما يستعملها الشراح لمعان مختلفة وينتهون بالتالي إلى أحكام متعارضة على الأقل في الظاهر ، لذلك ينبغي التمييز بين مفهومين للقصد الاحتمالي

 (1 القصد الاحتمالي بمعناه الواسع

يتحقق القصد الاحتمالي بمفهومه العام في جريمة القتل عندما يقوم الفاعل بنشاط مباح أو إجرامي لا يقصد به إزهاق روح إنسان إلا أن طبيعة هذا النشاط أو ملابساته تجعله يتوقع

ترتب الموت عنه ، وعند قيامه بذلك النشاط يحدث فعله الموت الذي توقعه[9].

و القصد الاحتمالي بهذا المفهوم العام يشمل ثلاثة صور[10]:

  • فقد يتوقع حدوث الموت على أساس أنه أموت واقع و لازم للنشاط الذي أراد القيام به و قد يتوقعه على سبيل الاحتمال و الشك ؛
  • قد يمضي في التنفيذ اعتمادا على ما لديه من خبرة و مهارة جعلته يعتقد أن في استطاعته تفادي النتيجة المتوقعة ؛
  • و قد يمضي في التنفيذ غير مكترث بما يحدث، قابلا المخاطرة أيا كانت النتيجة.

2) القصد الاحتمالي بمعناه الضيق

القصد الاحتمالي بهذا المعنى يقتصر إذن على حالة قيام الفاعل بنشاط (إجرامي أو مباح)

يتوقع منه على وجه الاحتمال و الشك أن يؤدي إلى موت إنسان، و مع ذلك لا يبالي بخطورة هذه النتيجة المحتملة و ينفذ الفعل الذي يؤدي فعلا إلى حدوث الموت [11]. ومن هذا المفهوم نستعرض عناصره بالإضافة إلى الحكم الذي يخضع له.

أ‌)      عناصر القصد الاحتمالي

العنصر الأول : إدراك الفاعل و تصوره عند قيامه بالفعل بأن نشاطه هذا يكون خطرا بإحداث الموت، و بهذا العنصر يتميز القصد الاحتمالي بمفهومه الضيق عن كل من القصد الجنائي الخاص ومن النتائج الاحتمالية، لأن القصد الجنائي يتحقق بتوجيه الفاعل نشاطه عن علم وإرادة إلى إزهاق روح إنسان بينما في حالة القصد الاحتمالي لا يتعمد الفاعل القضاء على حياة إنسان، و إنما يوجه إرادته إلى القيام بنشاط آخر قد يكون مباحا و قد يكون جريمة[12].

العنصر الثاني : مخاطرة الفاعل بالعمل أو الامتناع و عدم مبالاته بما سيحدث، أي أنه بعد أن يتوقع النتيجة الخطيرة التي يحتمل أن يتسبب فيها نشاطه، ينفذ هذا النشاط غير آبه

بنتائجه المحتملة، فيستوي عنده و الحالة هذه أن يتحقق فعلا حدوث الموت أو لا يتحقق. و بهذا العنصر يتميز القصد الاحتمالي بمفهومه الضيق عن حالة اعتماد المهارة أو الخطأ الواعي، لأن في الأول لا يفاجأ الجاني عندما يتحقق موت إنسان أما في الثاني فإن الجاني يفاجأ بتحقق النتيجة الإجرامية[13].

ب‌) حكم القصد الاحتمالي

من الناحية الفقهية، يرى فريق من الفقهاء أن القتل الناتج عن القصد الاحتمالي يعتبر قتلا عمدا، بينما يرى فريق آخر أن القصد الاحتمالي لا يمكن أن يستوي مع القصد الخاص المطلوب توافرها في القتل العمد[14].

أما من الناحية التشريعية فإن القانون الجنائي المغربي لم يتعرض للقصد الاحتمالي بنص خاص ولم يلحقه صراحة بحالة القتل العمد، ولا بحالة القتل الخطأ.

إلا أن جانب من الفقه كعبدالوهاب حومد يعتبر أن الفقرة الأولى و الثانية من الفصل 410 من القانون الجنائي المغربي تم إلحاق حالة القصد الاحتمالي بالقتل العمد، بينما يذهب جانب من الفقه[15]إلى اعتبار أن كل من الفقرة الأولى و الثانية من الفصل 410 تعاقب على النتيجة الاحتمالية و ليس على القصد الاحتمالي.

وبالرجوع إلى نصوص القانون الجنائي المغربي نجدها تعاقب في كثير من الحالات على النتائج الاحتمالية، كالفصول412، 584، 588، 590 و 591، ففي هذه الحالات نلاحظ أن القانون الجنائي المغربي اعتبر الموت الناشئ عنها بمثابة القتل العمد المرفق بظرف تشديد فعاقب عليه بالإعدام. هذا بالإضافة إلى مختلف العقوبات المرصودة للموت الذي تحقق كنتيجة احتمالية النشاط الجاني، مثل الفصول 403، 405، 413، 449 و 461،فإن المشرع راعى خطورة نشاط الجاني في كل حالة على انفراد و مدى قوة احتمال حدوث الموت من ذلك النشاط، لأن الخطورة الإجرامية تبدو أكثر وضوحا في حالة القصد

الاحتمالي من حالة النتائج الاحتمالية. و بناء على هذا يتعين المشرع تحديد عقوبة القتل الناتج عن القصد الاحتمالي حتى تصبح مستقلة عن عقوبات كل من القتل العمد و القتل الخطأ.

        ثانيا : إشكالات القصد الاحتمالي

إذا أقدم الجاني على فعل معين و هو يريد به إزهاق روح المجني عليه، و تحققت هذه النتيجة بالفعل يكون القصد الجنائي المتطلب في القتل العمد قد توافر لديه، و مسؤوليته من الناحية الجنائية تكون ثابتة، أما إن هو أقدم على الفعل دون أن يريد إزهاق روح المجني عليه، و مع ذلك أدى فعله إلى هذه النتيجة[16]، فإن القصد الجنائي لا يتوافر عنده ومن ثم لا يمكن مساءلته كقاتل عمدا، و إن كان يمكن متابعته و بالتالي عن جريمة أخرى هي المنصوص عليها فى الفصل 403 من القانون الجنائي المغربي.

كما أسلفنا الذكر، فإن المشرع الجنائي المغربي لم يعالج القصد الاحتمالي بنص من النصوص الواضحة، لذلك نصر على ضرورة تدخل المشرع لتحديد العقوبة في حالة القتل الذي يتوافر لدى فاعله فقط القصد الاحتمالي، لأنه بهذا الصمت غير المشروع يسمح للقاضي الجنائي بتكييف هذا القصد بشكل واسعا مما يؤدي إلى تصوره في القتل العمد كما يمكنه أن يفسره في إطار ضيق مما يجعل إلحاقه بالقتل الخطأ، و هذه السلطة تبدو واسعة جدا من شأنها المساس بمبدأ شرعية الجرائم و العقوبات في ظل هذا الفراغ التشريعي.

             الفقرة الثانية : عنصر الخطأ أو الاهمال

يمكن القول أن الإهمال هو اتخاذ الفاعل سلوكا منطويا على خطر وقوع أمر يحظره القانون، و خمول إرادته في منع هذا الخطر من الإقصاء إلى ذلك الأمر، و معنى ذلك أن السلوك الخطر مقصود، و لكن الأمر الناجم منه غير مقصود[17].

      أولا: تعريفه

إذا كان الركن المعنوي في القتل العمد يشترط لقيامه توافر القصد الذي يتحقق بتوجيه إرادة الجاني لاتيان نشاط مخالف للقانون الجنائي، و إرادة تحقيق النتيجة التي هي إزهاق روح إنسان من هذا النشاط، فإن الركن المعنوي في القتل الخطأ يتوافر فقط بإتيان سلوك خاطئ من طرف الفاعل عن إرادة و لكن دون استهداف تحقيق النتيجة التي تترتب عن هذا السلوك الخاطئ الذي عدد المشرع صوره[18].

و بهذا فإن الإهمال هو إرادة السلوك الخطر مع خمول الإرادة في منع تحقق ما كان الخطر في ذلك السلوك منذرا به من أمر و من ثم فهو إرادة السلوك في بدايته بدون إرادة لخاتمته[19]

        ثانيا: صوره

الملاحظ أن المشرع الجنائي المغربي أتى في الفصل 432 من القانون الجنائي بصور خمس للخطأ، و هذا التعداد التشريعي قد يوحي بأن القانون لا يرتب قيام القتل الخطأ إلا إذا ارتكب الفاعل لأحد صور الخطأ الخمس التي أتى بها الفصل المذكور دون غيره من الصور التي لم ترد به [20].

و الصور التي أتى بها الفصل 432 من القانون الجنائي للخطأ هي :

  • عدم التبصر: هو خطأ يرتكب في إطار مهني ، من طرف الفنيين كالأطباء و

الصيادلة، في كل حالة يتسببون فيها قتل إنسان نتيجة عدم قيامهم بعملهم كما يجب، أو جهلهم لقواعد فنهم أو حرفتهم التي يجوز لمثلهم جهلها أو عدم القيام بها كما يلزم.

  • عدم الاحتياط : يظهر في الطيش و قلة التحرز للنتائج المضرة و الخطيرة التي قد تترتب عن فعل من الأفعال، وعدم الحيلولة دون وقوعها.
  • عدم الانتباه : يظهر في النشاطات التي يرتكبها أصحابها بخفة لا يمكن أن يعذروا عنها.
  • الإهمال: و يظهر في الموقف السلبي لشخص في مواجهة بعض الأوضاع التي

تفرض عليه الحذر.

  • عدم مراعاة النظم و القوانين: المقصود بالنظم و القوانين كل ما يصدر من تشريعات سواء عن السلطة التشريعية أو التنفيذية في الحدود التي تختص بها، و تمتد لتشمل تنظيمات المعامل كمنع التدخين في تعبئة الغاز[21]

يلاحظ من خلال الفصل 432 من القانون الجنائي أن المشرع تطرق لصور الخطأ على سبيل الحصر، و أنه لم يأتي بكل الصور المتوقع تصورها في الخطأ لأنه أتى بالصور الأكثر شيوعا من الناحية العملية فقط، هذا بالإضافة إلى تداخل بعضها ببعض من الناحية الدلالية و بالتالي فإن المشرع اقتصر على صور قليلة تحمل مسميات شتى لمسمى واحد.

       المبحت الثاني : العقاب على جريمة القتل

 

لقد حدد المشرع عقوبة جريمة القتل  العمد في المادة 392 من القانون الجنائي في فقرتها الأولى في السجن المؤبد، وهي العقوبة المقررة للقتل العمد البسيط، إلا أن المشرع لم يكتفي بهذه العقوبة بل قرر عقوبات مختلفة لجريمة القتل ،وهو بهذا يعتد بظروف مختلفة سوء كانت تؤدي إلى تشديد العقوبة(المطلب الأول) أو إللى تخفيفها (المطلب الثاني).

المطلب الأول : الظروف المشددة في القتل

إذا كانت عقوبة السجن المؤبد مقررة لجريمة القتل البسيطة فإنها تصير إعداما كلما صاحب القتل أحد الظروف المشددة التالية

  • سبق الإصرار

عرضه المشرع في الفصل 394 من ق.ج بكونه “سبق الإصرار هو العزم المصمم عليه، قبل وقوع الجريمة ، على الاعتداء على شخص معين أو على أي شخص قد يوجد او يصادف، حتى لو كان هذا لعزم معلقا على ظرف أو شرط”.

من خلال هذا الفصل العرف لسبق لاصرار ، نلاحظ أن تمة فرق بين جريمة القتل العمد البسيط الذي يرتكبه غالبا الجاني على إثر إهانة إو عنف أو غيظ حيث يرتمي على الضحية ويقتله .

أما حالة وجود سبق الاصرار ،فإن الجاني لا يرتكب الجريمة إلا بعد تفكير عميق وعزم باتخاد القرار و التأمل وتهيئ الوسائل المادية التي يستعملها في القتل، وهذا هو القتل العمد مع سبق الإصرار، حيث يعتبر الجاني في هذه الحالة ضربا في الإجرام يصعب إصلاحه لدى خصص له المشرع عقوبة الإعدام.

ولتحقق ظرف سبق الإصرار لابد من توافر عنصرين أولهما نفسي و الأخر زمني[22]

  1. العنصر النفسي:

وهو الذي يضهر لنا مدى خطورة الجاني والدي يبرر رفع عقابه الى الإعدام ، ويتجسد هذا العنصر في هدوء الجاني قبل إقدامه على الجريمة وتخلصه من الأثار المترتبة عن الغضب و الإنفعال ،ورضاه بتحمل نتائج فعله [23].

  1. العنصر الزمني :

ويقصد التصميم السابق على إرتكاب الجرم ،حيث ينغي أن تكون مدة فاصلة بين العزم على ارتكاب الجرم وتنفيده حتى تتكون قرينة قوية على سيطرة العزم المصمم عليه من نفسية الجاني، وإلا كان قصدا جنائيا فجائيا تولد لحظة ارتكاب الجريمة تحث تاثير الغضب … مما يجعل عقوبته السجن لمؤبد وليس الإعدام.

أما تحديد المدة الزمنية التي يتحقق بها ظرف سبق الإصرار ،فالمشرع لم يشير لها تاركا الأمر لقاضي الموضوع الذي يقرر وجود هذا الظرف من عدمه بحسب وقائع كل قضية على حدة في ضوء ظروفها ، ففي بعض الحالات قد تكون هذه الفترة ساعة وقد تكون في حالات أخرى أيام أو اشهر [24]

و تجدر الاشارة إلى أن سبق الاصرار ظرف شخصي ،ومن ثم فلا يسري إلا على من توفر فيه من الجناة ،مساهمين كانو أو مشاركين عملا بالفقرة الثانية من الفصل 130 من ق.ج.

– الترصد Guet­-apens

عرفه المشرع في الفصل 395 من ق.ج. بأنه “الترصد هو التربص فترة طويلة أو قصيرة في مكان واحد أو أمكنة مختلفة بشخص قصد قتله او غرتكاب العنف ضده”.

وكما لسبق الإصرار عنصرين لتكوينه، فإن ظرف الترصد في جريمة القتل العمد لا يتحقق كذلك إلا إذا اجتمع له عنصرين هما :

  • عنصر الزمن

وهو انتظار الجاني فترة زمنية قد تطول و قد تقصر قبل تنفيد فعله الجرمي، كأن ينتظر الجاني الفرصة لمرور الجاني أو خروجه من داره أو إدارته أو حقله …إلخ لتنفيد مشروعه الإجرامي.

ويترك لمحكمة الموضوع السلطة المطلقة في تقدير زمن الترصد هل هو كافي لإعتباره ظرف من ظروف التشديد من عدمه ،بحسب وقائع كل قضية على حدةفي ضوء ظروفها[25].

  • عنصر المكان

ويتحقق بتربص الجاني بالمجني عليه وترقبه في مكان أو عدة أمكنة بهدف القضاء عليه،و ليس ضروريا أن يتخفى الجاني بالاختباء وراء الأشجار و الجدران أو فوق بناء مثلا، بل يمكن أن يتحقق هذا الظرف حتى في أماكن عمومية التي يرتادها المجني عليه، شريطة مباغتة الجاني للمجني عليه وعدم توقع هذا الأخير لهذا الإعتداء.

ولعلة في إعتبار هذا الترصد ظرف تشديد لضربه النية الإجرامية الكامنة في نفسية الجاني لإختيار الغدر و الخديعة في أخد المجني عليه على حين عزة بدل ترك له الحق في الدفاع عن نفسه ،لدى كان من الازم إستئصال مثل هؤلاء من المجتمع بالإعدام ،لحماية المجتمع منهم وتحقيق الأمن الإجتماعي.

ونشير أخيرا الى أن ظرف الترصد هو ظرف غيني عكس ظرف سبق الإصرار، لكونه يتعلق يتعلق بكيفية تنفيد الجريمة ،وبالتالي فأثره يمتد إلى كافة المساهمين و المشاركين في الجريمة، علموه أو جهلوه(الفصل 130 من ق.ج)[26].

  • قتل أحد الأصول

وهي من أفضع الجرائم واخطرها ، إننا لا نستصيغ القتل العمد الذي يرتكب ضد الأغيار فكيف عندما يكون الأصل هو الضحية، كما أن هذه الجريمة في مجتمعنا أصبحت تتنامى لأسباب عديدة كالتعاطي للمخدرات وخصوصا الأقرا المهلوسة وضعف الوازع الديني …إلخ.

ولهذا المشرع غلظ من عقاب هذه الجريمة كما جاء في الفصل 396 من ق.ج حيث خصص لها عقوبة الإعدام وجاء الفصل ينص على “من قتل عمداأحد أصوله يعاقب بالأعدام”، ولتحقق هذا الظرف لابد من توفر شروط معينة :

  • ارتكاب جريمة القتل عمدا أو محاولة ارتكابها.
  • أن يكون المجني عليه من أصول الجاني (والأصول هم الاباء والأجدا مهما علو و الأمهات والجدات مهما علو).
  • وجود علاقة أبوة شرعية بين الاب أو الجد و الإبن، طبقا للمادة 148 من مدونة الأسرة التي تنفي البنوة الغير شرعية

أما بالنسبة اللأم و إن علت فابنوة تابتة سواء كانت شرعية أم طبيعية طبقا للمادة 146 من مدونة الأسرة

  • ضرورة علم الجاني بأن الذي يزهق روحه أو يحاول ذلك هو أصلا من أصوله ، وفي حالة العكس فلا يقوم هذا الظرف ، كما أن هذا الظرف من الظروف الشخصية [27].
  • اقتران القتل بجناية

اقتران القتل بجناية من الظروف المشددة للعقوبة في جريمة القتل العمد والتي تصل إلى الإعدام، وهذا ما نص عليه المشرع في الفقرة الأولى من الفصل 392 من ق.ج و الذي ينص على “…لكن يعاقب بالإعدام في الحالتين الآتيتين :

-إذا سبقته أو صحبته أو عقبته جناية أخرى؛”

و الاقتران كما هو وارد في النص يعني أن يرتكب الجاني الجريمة (القتل العمد) مع ارتكابه لجناية أخرى، سواء قبل انجاز القتل أوأثنائه أو بعده.

وحالة الاقتران هذه هي من صورة التعدد المادي لجريمة، لكن يلاحظ على مستوى العقوبة تشكل استثناء من القواعد العامة في القانون الجنائي العام التي تقضي عند تعدد الجرائم بالعقوبة الأشد (الفصل 120 من ق.ج) ما دام لن يفصل بينهما حكم غير قابل للطعن. أمافي هذه الحالة فالمشرع قرر عقوبة أشد و هي عقوبة الإعدام ولتحقيق هذا الظرف يجب توفر الشروط التالية :

  • ارتكاب الجاني جناية أخرى إلى جانب القتل العمد والتي تستلزم :

-عدم اشتراط كون الجناية من طبيعة خاصة أو من نوع معين، فقد تكون سرقة موصوفة أو ضرب و جرح أفى إلى الموت دون نية احاته….

– لا يتحقق هذا الظرف إذا اقترن القتل العمد بجناية أو مخالفة .

– يشترط أن يكون الفاعل مسؤول عن الجنايتين معا سواء بصفته فاعل أو مشارك.

– عدم استقلال الجناية الأخر عن جناية القتل العمد ، كمن يصوب المسدس صوب غريمه بهدف قتله لكنه يخطئه و يقتل شخصا أخر، في هذه الحالة لا يتحقق الاقتران لنعدام القصد الجنائي في قت الشخص الأخر، لأن القتل كان نتيجة الخطأ و ليس العمد .

في حين يتحقق الاقتران إذا قصد الجاني قتل الشخصين معا فأخطأ في أحدهما وأصاب الثاني فقتله، فجريمة القتل العمد تتحقق بالنسبة للشخص الثاني ، و محاولة القتل العمد عن الشخص الأول[28].

  • الاقتران الزمني في الجنايتين

بمعنى ضرورة التقارب لزمني بين جريمة القتل المد و الجريمة الأخرى التي اقترنت بها، سواء أكان القتل العد هو السابق او اللاحق أو الملازم  للجريمة الأخرى ، كما لايشترط ارباط الجريمتين معا برابطة السببية، الأن الغاية هي حدوث الجريمتين في فترة واحدة من الزمن دون اشتراط ارتباطهما برابطة السببية كما انه لا عبرة بمكان ارتكاب الجريمتين ،سواء وقعتا في مكان واحد او امكنة مختلفة فالإقتران يتحقق، وكذلك لا عبرة في أن يكون المجني عليه واحد في الجريمتين.

  • ارتباط القتل العمد بجناية أو جنحة

أورد المشرع في الفقرة الأخيرة من الفصل 392 من ق.ج عقاب القاتل عمدا بالإعدام إذا ارتبط القتل العمد بجناية أو جنحة ، وعليه فالإرتباط الوارد في هذا النص يتحقق كلما ارتكب الجاني القتل العمد بهدف معين و محضور بمقتضى القانون ،وهو إعداد تنفيد جناية أو جنحة أو تسهيلتنفيدها أو تسهيل فرار مرتكبي الجناية أو الجنحة أو تخليهم من العقوبة[29]. على أن الجاني في هذا الظرف يكون قد تصور أو افترض بأنه لا يستطيع ارتكاب الجريمة إلا بقتل الضحية التي يكون حجر عثرة أمام تنفيدها، وبمعنى اخر أن الجاني يقبل على ارتكاب القتل العمد كوسيلة للوصل الى ارتكاب الجناية و الجنحة المقصودة .وعلة تشدد المشرع في اعتبار الارتباط من ظروف التشديد المستوجبة للإعدام ،يرجع الى اعتبارين :

  • وجود تعدد جرائم الجاني أو على الأقل تنفيد جريمة القتل العمد مع العزم و التصميم على ارتكاب الجريمة الأخرى.
  • دناءة الغاية التي من أجلها ارتكب الجاني جناية القتل العمد، والتي أوردها المشرع في الفقرة الأخيرة من الفصل 392 “إعداد وتحضير تنفيد جناية أو جنحة ….”.

وبناء على ماسبق فعناصر الارتباط الماقب عليه بالإعدام هي :

أولا. تنفيد جناية القتل العمد بعناصرها.

ثانيا. استهداف الجاني من جناية القتل العمد أحد الأهداف الواردة على سبيل الحصر في الفصل 392 من ق.ج و هي :

  • إعداد وتحضير لارتكاب جناية أو جنحة من أي نوع كان، كمن يقتل الحارس إعدادا لجنحة الفرار.
  • تسهيل ارتكاب الجناية أو الجنحة حيث أن القتل في هذه لحالة يكون م الأعمال التحضيرية للجناية أو الجنحة وتفصل بينهما فترة زمنية .

أما في حالة تنفيد ارتكاب الجناية أو الجنحة وهي الحالة التي يكون فيها الجاني يتأهب لتنفيد الجريمة. كمن يقتل حارس يقتل حارس المنزل من أجل تنفيد جريمة السرقة.

وفي حالة تنفيد الجريمة (جنحة أو جناية) فالجاني فيها يقبل على قتل الضحية من أجل إتمام تنفيد جريمته لمن يقتل صاحب المنزل الذي داهمه و هو يجمع المسروقات.

  • تسهيل فرار الفاعلين أو شركائهم أو تخليصخم من المسؤلية

لهذا يتضح لنا أن الارتباط المشدد للعقاب ،يجب أن يكون وسيلة الى تحقيق إحدى الأهداف التي أوردنها سابقا، وهذا ما يتطلب وجود نية ارتكاب الجنحة أو الجناية عند الجاني إقباله بارتكاب جريمة القتل،وفي حالة العكس فإن الظرف المشدد ينتفي، كمن يرتكب جناية أوجنحة تمهيدا للقتل العمد فالقتل العمد هو غاية م الأهداف وليس وسيلة، ويمكن تطبيق عليه ظرف التشديد الخاص بالاقتران و سبق الإصرار.

كما أن الإرتباط لا يمكن أن يتحقق، إذا ارتكب الجاني جناية القتل العمد كهدف إجرامي مستقل ثم تولدت عنده فيما بعد فكرة ارتكاب جريمة أو جنحة.

المطلب التاني : الأعدار المخففة في جريمة القتل

خفف المشرع عقوبة القاتل عمدا – ماعدا قاتل أصوله الذي لا يتمتع بأي عذر مخفف للعقوبة طبقا للفصل 422  من القانون الجنائي المغربي – التي هي السجن المؤبد أو الإعدام ، الى الحبس أو السجن إذا توافر أحد الأعذار القانونية المخففة الأتية [30] :

  • القتل المرتكب نتيجة استفزاز بالضرب أو العنف الجسيم :

ينص الفصل 416  من القانون الجنائي على مايلي : يتوفر عذر مخفض للعقوبة ، إذا كان القتل أو الجرح أو الضرب قد ارتكب نتيجة استفزاز ناشئ عن اعتداء بالضرب أو العنف الجسيم على شخص ما .

  عناصر الاستفزاز المخفف في جريمة القتل العمد :

أن يتعرض الجاني أو الشخص آخر للضرب أو عنف جسيم ، أن يكون الضرب أو العنف غير مشروع ، أن يرتكب القتل فور الاستفزاز .

لكي يقوم عذر الاستفزاز لابد أن يصدر من المستفز ضرب أو عنف ، أما أعمال الاثارة الأخرى كالسب و القدف والتحقير فلا تعتبر استفزازا . ويتعين أن يكون الضرب او العنف الجسيم ، فما معنى من الجسامة الواردة في النص ؟ هل المقصود جسامة الاثار المادية للضرب أو العنف كما إذا نتج عنها إصابة او آثار بليغة ؟ أم المقصود جسامة الانفعال والغضب الذي يحدثه للضرب أو العنف في نفس الجاني ؟

يرى الفقه بحق ان عذر الاستفزاز يتحقق كلما نتج عن الضرب أو العنف انفعال قوى وغضب جامح دفع بالجاني الى رد الفعل وارتكاب الجريمة ولو لم يخلق الضرب أو العنف أثر ظاهرا على الجسم .

يجب توجيه الضرب و العنف ضد القاتل او ضد شخص سواء كان قريبا ام لا . فالضرب او العنف يتعين ان يكون قد ارتكب في حق شخص ما اما الضرب او العنف على الحيوان او على مال فلا يتحقق به الاستفزاز .

ويتعين ان يكون الضرب او العنف الجسيم غير مشروع ، أما اذا كان مشروعا ، بأن كان القانون يسمح به فلا ينشأ عنه عذر الاستفزاز .

يتعين ارتكاب القتل فور أعمال الاستفزاز ، أي ان يقوم الجاني برد الفعل الفوري ضد الاعتداء ، اما اذا تراخي الى أن زال الانفعال وحالة الغضب ، فإن العلاقة السببية تنعدم بين الفعل ورد الفعل . [31]

  • قتل الام لوليدها :

ورد في الفصل 397  من قج الذي جاء فيه ” من بتل عمدا طفلا وليدا يعاقب بالعقوبات المقررة في الفصلين 392  و 393  على حسب الأحوال المفصلة عليها الا ان الام ، سواء كانت فاعلة اصلية او مشاركة في قتل وليدها ، تعاقب بالسجن من خمس سنوات الى عشر ، ولا يطبق هذا النص على مشاركيها ولا على المساهمين معها “

انطلاقا من هذا الفصل يتضح انزالام تتمتع بالعدر المخفف ، ولا يقتصر على الحالة التي يكون فيها الولد غير شرعي او مشوها ، وانما حتى ان كان الدافع الى القتل الفقر او الخشية و العار او حتى اذا نجم عن احدى تن احدى حالات الامراض العصبية التي تنتاب الام لحضة الوضع .

قتل المرتكب نهارا لدفع تسلق أو كسر سور حائط او مدخل منزل أو بيت مسكون أو احد ملحقاتهما :

ينص الفصل 417  من ق ج بأنه ” يتوفر عذر مخفض للعقوبة في جرائم القتل أو الجرح أو الضرب ، إذا ارتكب نهارا لدفع تسلق أو كسر سور أو حائط أو مدخل منزل أو بيت مسكون أو ملحقاتهما ، أما اذا حدت ذلك ليلا ، فتطبق أحكام الفصل 125  الفقرة 1   ” تعتبر الجريمة نتيجة الضرورة الحالة للدفاع الشرعي في الحالتين الأتييتين :

  1. القتل أو الجرح او الضرب الذي يرتكب ليلا لدفع تسلقزأو كسر حاجز أو حائط أو مدخل دار أو منزل مسكون أو ملحقاتهما
  2. الجريمة التي ترتكب دفاعا عن نفس الفاعل أو نفس غيره ضد مرتكب السرقة او النهب بالقوة “

اعتمادا على هذا الفصل يشترط لوجود هذا العذر مايلي :

  ان يقوم الضحية بتسلق او كسر سور او حائط دار او منزل وملحقاتهما

يتعين ان يحدت ان يحدت ذلك التسلق او الكسر بالنهار

يجب ان يرتكب القتل اتناء التسلق او الكسر .

  • قتل الزوج لزوجه وشريكه تند مفاجأتهما متلبسين بالخيانة الزوجية:

ينص الفصل 418   من ق ج على مايلي : ” يتوفر عدر مخفض للعقوبة في جرائم القتل او الجرح او الضرب ، اذا ارتكبها احد الزوجين ضد الزوج الآخر وشريكه عند مفاجأتهما متلبسين بجريمة الخيانة الزوجية “

اتتمادا على هذا الفصل ، فإنه لقيام هذا العذر يتعين روفر الشروط التالية :

  1. يتعين ان يكون الفاعل زوجا لمن فاجأه متلبسا بالخيانة الزوجية
  2. مفاجأة الزوج في حالة التلبس
  3. وقوع القتل وقت المفاجأة .

يجب ان تكون بين القاتل وبين من فاجأه متلبسا بالخيانة الزوجية علاقة زوجية قانونية حسب مدونة الاسرة ، كما يجب ان يفاجأ الزوج زوجه في حالة التلبس بالخيانة الزوجية ، وأن لا يكون عالما من قبل بوقوع هذه الخيانة ، يجب ان يرتكب الزوج القتل وقت مفاجأته للزوج و لشريكه  متلبسين بالخيانة الزوجية ، أما اذا مرت فترة من الزمن على المفاجأة فإن انفعاله يختفي وان قام بالقتل فإنه سيعتبر منتقما لايستحق التخفيف .

اذا تكون هذه الحالات هي الأسباب التي تجعل من الفعل الجرمي يستفيد من التخفيف في العقوبة

خاتمة

      حاولنا في هذا الموضوع معالجة جريمة القتل بنوعيها العمدي و الخطأ على ضوء القانون الجنائي المغربي حيت تحدتنا عن الأركان المكونة لهاته الجرائم ووقفنا عند كل ركن من هذه الأركان المكونة لجريمة القتل تم انتقلنا بعد ذلك للحديت عن العقوبة المخصصة لهاته الجريمة مع توضيح الحالات والاعذار المشددة والمخففة للعقوبة في جريمة القتل التي تبينا لنا فيه مدى تشدد المشرع المغربي في هذا النوع من الجرائم التي تعتبر من افضع وأشنع الجرائم على وجه الكون .

3 عبد الواحد العلمي: شرح القانون الجنائي المغربي،القسم الخاص، الطبعة الثانية 2015-2016 ص 231

4 أحمد الخمليشي، مرجع سابق صفحة 13

[2]

5 أحمد الخمليشي، مرجع سابق صفحة 17

6 عبد الواحد العلمي، مرجع سابق صفحة 236

7 رمسيس بهنام، قانون العقوبات؛جرائم القسم الخاص ،منشأة المعاريف ،الطبعة الأولى 1999  ص 797

8 أحمد الخمليشي، مرجع سابق ص 23

9 مجلة المحاكم المغربية،عدد 28، ص 62

[6]  رمسيس بهنام : النظرية العامة للقانون الجنائي، توزيع منشأة المعارف بالإسكندرية، طبعة ثالثة منفتحة 1997 ص 858.

[7]  عبد الواحد العلمي : شرح القانون الجنائي الخاص، مرجع تسابق، ص 240.

[8]   رمسيس بهنام : قانون العقوبات القسم الخاص ، مرجع سابق ، ص 814.

[9]   أحمد الخمليشي: القانون الجنائي الخاص، الجزء الثاني، مرجع سابق ، ص 30.

[10]  نفس المرجع ، ص 30-31.

[11]  مرجع نفسه، ص 34.

[12]  نفسه، ص 35.

[13]  أحمد الخمليشي: مرجع سابق ص 35.

[14]  نفس المرجع، ص 36.

[15] يراجع الهامش رقم 17 من المرجع السابق

[16]  عبد الواحد العلمي: مرجع سابق، ص 243.

[17]  رمسيس بهنام : النظرية العامة للقانون الجنائي، مرجع سابق ص 927.

[18] عبد الواحد العلمي، مرجع سابق، ص 278.

[19]  رمسيس بهنام: النظرية العامة للقانون الجنائي: مرجع سابق، ص 928.

[20]  عبد الواحد العلمي: مرجع سابق، ص 279.

[21]  عبد الواحد العلمي، مرجع سابق، ص 280-281.

[22]  عبد الواحد العلمي.مرجع سابق.ص247

[23]  يحقق ظرف سبق الإصرار حت في الحالة التي يصمم الجاني قتل شخص غير معين بذاته ،كما يتحقق حتى لو كان موقوفا على شرط أو معلق على ظرف من الظروف.

[24] – القضاء بدوره لم يحدد هذه الفترة بوقت مضبوط و محدد لكنيجب على قاضي الموضوع أن يتحقق بأن الجاني قد اتخد قراره بإزهاق روح الضحية قد مرت فترة زمنية بعد إتخاده لهذا القرار وتنفيده له.

[25] – عبد الواحد العلمي.مرجع سابق.ص253

[26] – عبد الواحد العلمي ,مرجع سابق, ص253

[27] – أي أنه لايعاقب بالإعدام إلا من تربطه با المجنيي عليه علاقة قرابة أما المساهمون و المشاركون فلا تشدد عقوبتهم طبقا للفصل 130 من ق.ج.

[28] – عبد الواحد لعلمي ,مرجع سابق,ص 257 .

[29] – احمد الخمليشي مرجع سابق ص49

[30] – عبد االواحد العلمي ، شرح القانون الجنائي المغربي ، القسم الخاص ،طبعة ٢٠١٨ ، ص ٢٦٢

[31] – موقع الكتروني  , university.net ، اضطلع عليه يوم 18/01/2020 , على الساعة 15h30

Related Articles

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button