الوسائل البديلة لتسوية المنازعات في المدارس الفقهية الوضعية

الوسائل البديلة لتسوية المنازعات في المدارس الفقهية الوضعية

مقدمة:

الوسائل البديلة لقد كشف الواقع محدودية العقوبة، بمفهومها التقليدي، في مكافحة الإجرام على نحو فعّال، وفي إيجاد حلول ناجعة لما ينشأ بين الناس من نزاعات مختلفة، بدليل ارتفاع مؤشرات الجريمة عبر العالم، بما في ذلك ما يُلاحَظ حتى في الأنظمة التي تشدد في الجزاء الجنائي أحيانا، وتزايد حالات العود إلى اقتراف الجرائم، وعدم تخوّف كثيرين من ارتياد عالم الإجرام رغم علمهم بما قد ينالهم من عقاب جراء ذلك. وبالنظر إلى هذا الوضع، وباستحضار ما عرفه العصر الحديث من تطورات اقتصادية ومالية وغيرها، وما يتمخض عنها أحيانا من تعقيدات ومنازعات تتطلب الإسراع بحلّها وفق آليات جديدة ذات فعالية، بعيدا عن اعتماد الجزاءات الكلاسيكية والمساطر الرسمية الروتينية، تم التفكير في اللجوء إلى وسائل أخرى لحل ما قد ينشأ بين أفراد المجتمع من صراعات ونزاعات، دون أن يسلكوا إلى ذلك المسلك القضائي المعتاد، وهي المسماة بـ”الوسائل البديلة لتسوية المنازعات”[1].

ويقصد بها، لدى باحثي القانون، بعبارة أوضح، مجموع “الآليات والأساليب التي تلجأ إليها الأطراف المتنازعة؛ بهدف الوصول إلى حل للخلافات بينها، دون التعرُّض للجهات القضائية”[2]. فإذا كان القضاء هو الجهة الأصيلة التي تُعرض على أنظارها عادة النزاعات للفصل فيها بقرارات وأحكام، فإن هذه الوسائل تقدم بديلا لتلك الجهة تحقيقا للغاية نفسها؛ بديلا يمتاز بجملة من الخصائص، منها: اللاّرسمية، والسرية، والمرونة، وسرعة البت، والاقتصاد المادي الذي تتطلبه عادة إجراءات التقاضي أمام المحاكم، والحفاظ على العلاقات الإنسانية والاجتماعية. ولذا، كثر الإقبال عليها في الوقت الحالي، وصار اللجوء إليها أمرا ملحّا، ولاسيما في أنواع من المنازعات؛ من مثل المنازعات المتعلقة بالتجارة، وحماية المستهلك، والاستثمار، والملكية الفكرية. وتتحول تلك الوسائل أو الطريق، في بعض الأحيان، إلى “وسائل أصيلة”، يُلجأ إليها ابتداء لحل النزاع، بالنظر إلى مزاياها العديدة، وليس في مرحلة لاحقة بعد الإخفاق في ذلك الحل بسلوك الطريق القضائي؛ ولذا، يفضل بعضهم أن تسمى، والحال هذه، بـ”الطرق المناسبة لفض المنازعات”.

وفي الحقيقة، فإن حل النزاعات دون لجوء أطرافها إلى أجهزة العدالة المعروفة ليس وليد العصر الحديث، بل هو قديم، يعود بنا إلى الوراء قرونا كثيرة؛ بحيث عرفتها حضارات وشعوب عدة شرقا وغربا، يكفي أن نشير، مثلا، إلى ما ذكره القرآن الكريم بخصوص الصلح و”إصلاح ذات البين” بين المتخاصمين، وكذلك الشأن بالنسبة إلى التحكيم، الذي طالما تحكمت فيه التقاليد والأعراف السائدة في المجتمعات/ نطاق التطبيق، علما بأنه يُسبق عادة باللجوء إلى الوساطة أو التوفيق. وقد تطورت مثل هذه الوسائل، تاريخيا، إلى أن استوت الآن كطُرق فعالة في تسوية المنازعات، مشكِّلةً صنفا قائما بذاته من العدالة، يمكن تسميته بـ”العدالة التفاوضية”، أو “التصالحية”، أو “العدالة البديلة” باختصار. ولا يمكن، في هذا الصدد، أن نغفل حضور تلك الوسائل في المدارس الفقهية، سواء الحديثة أو المعاصرة؛ كما عند المدرسة الوضعية التي أبدعت، فعليا، فكرة “التدابير الوقائية”، وعند حركة الدفاع الاجتماعي بعدها، التي اشتهرت بما اقترحته من إجراءات وتدابير دفاعية في سياق سعيها إلى تقديم حلول لمشكلة الإجرام والمجرمين. والملاحظ أن بعض هذه الوسائل يكون أصلح في مجالات بعينها؛ كالتحكيم الذي يشكل الآلية الأكثر فعالية اليومَ في حلّ المنازعات المرتبطة بالتجارة الدولية، وإنْ كان بروزها الأقوى، ضمن وسائل تسوية المنازعات سلميا، يعود إلى النصف الثاني من السبعينيات في الولايات المتحدة الأمريكية، وبالضبط عام 1977؛ حيث “كانت هناك دعوى عالقة أمام القضاء منذ ثلاث سنوات، وكان هناك محامُون ومرافَعات وخبراء وجلسات ومُسْتَندات ونفقات خبرة ونفقات قضائية وأتعاب محامين. وأرهقت الدعوى الطرفين بالوقت والمصاريف، ثم طُرحت فكرة وسيلة بديلة لحسم هذا النزاع: لماذا لا تؤلَّف محكمةٌ مصغّرة من كل طرف، يختار أحد كبار موظفيه ممن له دراية ومعرفة بتفاصيل النزاع، ثم يختار الموظفان رئيسا محايدا؟ وراقت الفكرة الطرفين؛ فأوقِفت إجراءات المحاكمة القضائية، وعقدت المحكمة المصغرة جلسة ليست إلزامية في شيء. واستمرت الجلسة نصف ساعة، أدلى بعدها رئيسُ المحكمة المحايد برأي شفهي لعضوي المحكمة. ثم دخل موظفَا الطرفين؛ أي عضوا المحكمة، إلى غرفة جانبية؛ فدخلا في مفاوضة استمرت نصف ساعة، وخرجا ليعلنا اتفاقهما. وانتهت الدعوى بخير وسلام، ووقف نزيف الوقت والنفقات والرسوم والأتعاب؛ فكانت ولادة ما سُمي، في الولايات المتحدة، بـ”Alternative Dispute Resolution”، واختُصِرت، وعُرفت بالـ ADR؛ أي (الوسيلة البديلة لحسْم النزاع)”[3]. وقد تم حديثاً وضع الإطار القانوني الذي ينظم كل وسيلة من هذه الوسائل، ويقنّنها بصورة مضبوطة. ولم يكن المشرع المغربي استثناء، في هذا الإطار؛ لذا، نراه ينص على جملة من تلك الطرق البديلة، ويسعى إلى ضبطها وتقنينها كذلك؛ كما هو الشأن بالنسبة إلى الصلح، والتحكيم، والوساطة الاتفاقية.

 إن الوسائل البديلة تكتسي أهمية بالغة كما هو بادٍ، سواء على المستوى النظري أو العملي. ومردّ ذلك إلى ما أضحت تلعبه من دور طلائعي في تسوية كثير من المنازعات في المادتين المدينة والتجارية وغيرهما، وإلى الاهتمام المتزايد الذي صارت تحظى به على المستوى العالمي، وإلى ما تقدمه اليوم من مساعدة واضحة للقضاء العادي؛ من حيث إنها تسهم في تخفيف الضغط عليه، وفي تُعِينُه في تسوية كثير من النزاعات والخلافات. فلهذا، يُرحَّب بتطبيق تلك الوسائل، والتوسع في استعمالها؛ بالنظر إلى تعدد إيجابياتها ومزاياها.

يقودنا ما تقدم إلى طرح سؤال إشكالي سيكون تناوله ومعالجته مدار حديثنا في هذا العرض، بمختلف مطالبه وعناصره، نصُّه كالآتي: ما موقع الوسائل البديلة لتسوية المنازعات في المدارس الفقهية الوضعية؟ وتتفرع عنه جملة تساؤلات مترابطة ومتدرجة؛ من قبيل: كيف يمكن اعتبار التدابير الاحترازية التي أتت بها المدرسة الوضعية الإيطالية وسيلة فعالة لمكافحة الإجرام؟ وما أوجه اختلافها عن الجزاءات الكلاسيكية التي كانت ترتب على الجرائم المرتكَبَة؟ وما الجديد الذي اقترحته حركة الدفاع الاجتماعي في هذا الإطار بتدابيرها الدفاعية؟ وكيف نظر الفقه الوضعي المعاصر إلى الطرق البديلة لحل النزاعات؟ وهل كانت محلّ ترحيب وتقدير لدى كل المدارس والنظريات المعاصرة التي عرفت ميلادها في الديار الغربية تحديدا، سواء في أوربا أو أمريكا؟

تلك جملة أسئلة، تقترن بها فرضيات، سنتطرق إليها، بما يكفي من التفصيل، في ثنايا عرضنا هذا، متوسلين بمنهج نراه أنسب وأنجع، لمعالجة إشكاليته وما تفرع عنها، هو المنهج المركب المبني على قاعدة التوفيق بين التأريخ والتوصيف والتحليل والمقارنة جميعا.

وقد ارتأينا – انسجاما مع ما سبق – تقسيم موضوعنا قِسمة ثنائية على النحو الآتي:

المبحث الأول: الوسائل البديلة لتسوية المنازعات في الفقه الوضعي الحديث

المبحث الثاني: الوسائل البديلة لتسوية المنازعات في الفقه الوضعي المعاصر.

المبحث الأول: الوسائل البديلة لتسوية المنازعات في الفقه الوضعي الحديث

لعل من أبرز المدارس الفقهية (الوضعية) التي تطرقت، بشكل أو بآخر، إلى هذه الوسائل، منذ القرن التاسع عشر، وإن بأسماء مختلفة، المدرسة الوضعية التي تزعمها لمبروزر؛ وذلك لدى حديثها عما يُسمى “التدابير الوقائية”، أو “التدابير الاحترازية”، أو “تدابير الأمن” (كما يطلق عليها المشرع الجزائري مثلا). وسنوضح هذه النقطة في المطلب الأول من هذا المبحث، على أن نسلط الضوء على مظاهر حضور تلك البدائل، أو الطرق البديلة لحل النزاعات وتسويتها، لدى رواد حركة الدفاع الاجتماعي (مارك آنسل مثلا) في المطلب الثاني.

المطلب الأول: المدرسة الوضعية وفكرة التدابير الاحترازية

نشأت المدرسة الوضعية في إيطاليا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. ويعد الطبيب لمبروزو مؤسسها الحقيقي، إضافة إلى إنريكو فيري وجارو فالو، وهما من تلامذته. وقد سلمت هذه المدرسة بحتمية الظاهرة الإجرامية، ولم يكن المجرم، في نظر رواد هذه المدرسة، مخيرا، وإنما مجبر على ارتكاب الجريمة. لذلك، فالجاني لا يسأل على أساس أنه مخطئ؛ فتنتفي مسؤوليته الجنائية، وتحل محلها المسؤولية الاجتماعية؛ أي مسؤولية المجتمع.

وقد كان لهذه المدرسة الفضل في ظهور ما يعرف بـ”التدابير الاحترازية” كصورة للجزاء الجنائي، قبل أن تعرف تطورا كبيرا في العصر الحديث؛ كابتكار التدابير المانعة، أو ما أسماها العالم فيري بـ”البدائل العقابية”؛ بحيث لم تكن المدرسة الوضعية تعترف بالدور التقليدي للعقوبة، المتمثل في الإيلام، بل تعتمد فقط على التدابير الاحترازية، والتي تعتبر وسيلة لمكافحة الجريمة.

ونظرا لحتمية الجريمة في نظر رواد المدرسة الوضعية، فإن التدبير الاحترازي الذي يتخذ لمواجهة الخطورة الإجرامية ينصب على شخصية المجرم، لا على خطورة الجريمة. وبذلك، يتعين دراسة شخصية المجرم لتحديد التدبير الملائم، وذلك من حيث نوع الخطورة الإجرامية ودرجتها[4].

وقد اعتمدت المدرسة الوضعية على التدابير بدل العقوبة كما هي متعارف عليها في المدارس التقليدية، بهدف الدفاع عن المجتمع من وقوع جريمة في المستقبل وذلك عن طريق القضاء على الخطورة الإجرامية أو التخفيف منها. على أساس أن الخطورة الإجرامية هي أساس المسؤولية عند رواد المدرسة الوضعية، لذلك وجب اعتماد التدابير الاحترازية كوسيلة للدفاع الاجتماعي تجاه الخطورة الإجرامية، لذلك كان لزاما الاهتمام بتصنيف المجرمين حسب التكوين النفسي والعضوي والاجتماعي، وحسب تغلب العوامل الداخلية أو الخارجية في الدفع إلى ارتكاب الجريمة، وكل هذا بهدف تسهيل مهمة القاضي في تفريد التدبير الملائم[5].

ويمكن تعريف التدابير الاحترازية بأنها مجموعة من التدابير الوقائية، التي بواسطتها يمكن مواجهة خطورة إجرامية كامنة في شخصية المجرم، وذلك بغرض حماية المجتمع من تلك الخطورة عن طريق منع المجرم من العود إلى ارتكاب جريمة جديدة[6].

وتنقسم التدابير الاحترازية إلى قسمين: تدابير شخصية، وتدابير عينية. ويقصد بالتدابير الشخصية تلك التي ترتبط بشخص المجرم والتي تنفذ داخل مؤسسات خاصة يحددها القانون لهذا الغرض، كالإيداع في مؤسسات صحية للعلاج كمصحات علاج الأمراض العقلية ومؤسسات معالجة الإدمان على المخدرات مثلا، أو الإيداع في المنشآت الزراعية أو الصناعية أو في مؤسسات الرعاية الاجتماعية.

والتدابير الشخصية إما سالبة للحرية ــ وإن كان ذلك ليس هدفا لها ــ أي تنفذ داخل مؤسسات مغلقة، كالوضع تحت المراقبة أو حظر الإقامة في مكان معين أو ارتياد مكان معين. وإما سالبة للحقوق كحظر ممارسة وظيفة معينة أو نشاط مهني معين.

فيما تتمثل التدابير العينية في تلك التي ترتبط بالجريمة وليس بشخص المجرم، كإغلاق المحل الذي ارتكبت فيه الجريمة، أو مصادرة الأشياء التي ارتكبت بها الجريمة والكفالة المالية.

ولتمييز التدابير الاحترازية عن العقوبة كصورة تقليدية للجزاء الجنائي، لابد من تحديد الخصائص التي تميزها عن هذه الأخيرة.

الفقرة الأولى: خصائص وأهداف التدابير الاحترازية عند المدرسة الوضعية

تتميز التدابير الاحترازية بمجموعة من الخصائص التي تميزها عن العقوبة (أولا)، كما يقصد من ورائها تحقيق مجموعة من الأهداف (ثانيا).

أولا: خصائص التدابير الاحترازية

تتلخص خصائص التدابير الاحترازية كما اعتمدتها المدرسة الوضعية فيما يلي:

– تخضع التدابير الاحترازية لمبدأ الشرعية شأنها شأن العقوبة، حيث لا تدبير دون نص قانوني يفرض ذلك التدبير. ولا يمكن فرضها إلا عن طريق القضاء حماية لحريات الأفراد، ويجب تنفيذها بشكل فوري لمواجهة الخطورة الإجرامية للجاني.

– الطابع الإجباري للتدابير الاحترازية، فهي تفرض على من ارتكب الجريمة ولو رفضها، لارتباط ذلك بمصلحة المجتمع. حيث الغاية من تطبيق التدابير الاحترازية هو حماية المجتمع من الخطورة الإجرامية الكامنة في شخص المجرم.

 – التدبير الاحترازي لا يستند على المسؤولية الأخلاقية القائمة على الخطيئة، وإنما على المسؤولية الاجتماعية.

 – التدابير الاحترازية غير محددة المدة؛ لكونها مرتبطة بدرجة خطورة الجاني ومدتها مرتبطة بمدة الإصلاح والتهذيب الذي يخضع له الجاني.

ويشترط، لتطبيق التدابير الاحترازية، أن يكون جريمة قد ارتكبت فعلا، ويكفي ارتكاب الركن المادي لها دون الركن المعنوي، وذلك لكون التدابير الاحترازية لا تطبق إلا على الجناة غير المسؤولين جنائيا لوجود مانع من موانع المسؤولية لديهم كالجنون أو صغر السن مثلا.

وقد انتقد البعض اشتراط ارتكاب جريمة لتطبيق التدبير الاحترازي، وذلك لكون هذا الشرط يتناقض مع طبيعة تدابير الأمن في حد ذاته، وينسجم أكثر مع طبيعة العقوبة باعتبار أن العقوبة الغرض منها إيلام وزجر الجاني، أما التدبير فطبيعتها هي مواجهة خطورة المجرم في ارتكاب جرائم في المستقبل. كما أن ضمان الحريات الفردية واحترام مبدأ الشرعية يمكن أن يكفل بطريقة أخرى؛ فالتدابير لا تعد الضمانة الوحيدة لذلك[7].

كما يشترط أيضا لتطبيقها أن تكون هناك خطورة إجرامية كامنة في شخصية الجاني، وذلك لكون التدابير الاحترازية أجدت من طرف المدرسة الوضعية لمواجهة الخطورة الاجرامية التي يحملها سلوك الجاني، وحماية المجتمع منها كهدف أساسي من وراء اتخاذها.

ثانيا: أهداف التدابير الاحترازية عند المدرسة الوضعية:

تهدف التدابير الاحترازية إلى مواجهة الخطورة الإجرامية الكامنة في شخصية الجاني، والحيلولة كنتيجة لذلك دون عودته إلى ارتكاب جريمة جديدة. مما يساهم في مكافحة الظاهرة الإجرامية. وبذلك، فهي تلعب دورا في الردع الخاص. وهذا موطن التشابه بين التدبير الاحترازي والعقوبة لكونهما معا يهدفان إلى مكافحة الجريمة عن طريق الردع الخاص.

كما تهدف التدابير الاحترازية عند رواد المدرسة الوضعية إلى:

– استئصال مفعول العوامل الإجرامية لدى المجرم عن طريق العلاج والتهذيب.

– استئصال المجرم ذاته إذا تبث استحالة كبح مفعول العوامل التي تدفعه إلى الإجرام.

وقد وضعت المدرسة الوضعية لكل فئة من المجرمين التدبير الذي يلائمها، طبقا للتصنيف الذي ساقته للمجرمين، فالمجرم بالميلاد أو بالطبيعة وكذا المجرم المعتاد يتخذ في حقه تدبير استئصالي في صورة الإعدام أو النفي المؤبد أو الإبعاد إلى مستعمرة زراعية يعمل بها طيلة حياته. أما المجرم المجنون فيتم إيداعه بمؤسسة علاجية حتى يشفى، في حين المجرم بالعاطفة يتخذ في حقه تدبير الإقامة في مكان معين أو عدم الإقامة في مكان معين، كمكان ارتكاب الجريمة أو مكان إقامة المجني عليه. أما المجرم بالصدفة فيتخذ في حقه تدبير الإقامة في منشأة زراعية أو صناعية[8].

الفقرة الثانية: أنواع التدابير الاحترازية عند المدرسة الوضعية

تعتمد المدرسة الوضعية على طائفتين من التدابير الاحترازية:

أولا: التدابير الوقائية أو البدائل العقابية

كما أطلق عليها العام فيري les substituts pénaux، فيقصد بها التدابير التي تواجه بها كل الظروف الاجتماعية التي تساهم في ارتكاب الجريمة؛ كتحسين مستوى التعليم والصحة، ونشر التوعية، والقضاء على البطالة والهشاشة… إلخ.

وقد أوضح فيري ذلك حينما قال “إن الطريق المظلم ليلا يكون مسرحا للعديد من الجرائم، ولكي نواجه ذلك فيكفي أن يضاء الطريق ليلا، فذلك أجدى في الدفاع ومكافحة الجريمة من أن تخصص الدولة عددا من رجال الشرطة لمراقبة هذا الطريق”.

ويرى مارك أنسل أنه على المجتمع مكافحة الإجرام بوسائل عامة من شأنها أن تقلل من فرص الوقوع فيه، منها كمثال مكافحة المخدرات وتنظيم حيازة الأسلحة واستعمالها، وعارض مارك أنسل في أن تكون العدالة والردع العام من أهداف التدابير الاحترازية[9].

ثانيا: تدابير الدفاع أو الأمن

وهي التدابير التي تهدف إلى مواجهة الخطورة الإجرامية للجاني بعد ارتكاب الجريمة، وتهدف إلى وضع الجاني في ظروف لا يستطيع معها العودة إلى ارتكاب جريمة جديدة. وتخضع هي الأخرى إلى دراسة نفسية المجرم وتكوينه العضوي والاجتماعي لتحديد التدبير الملائم.

وتهتم المدرسة الوضعية كثيرا بتدابير الوقاية أو الاحتياط التي يكون الهدف منها دفاع المجتمع ضد خطر الجريمة، بمحاولة منع حدوثها قبل أن تقع، وذلك من خلال اهتمامها بإزالة العوامل التي تساعد على ظهور أو ارتكاب الجريمة، سواء كانت هذه العوامل اجتماعية أم تربوية…إلخ، وهي بذلك -أي التدابير الوقائية- تختلف عن العقوبات مادامت رغبة العلاج فيها مقدمة على الرغبة في إيلام الجاني والانتقام منه، كما أن الردع الخاص فيها أظهر من الردع العام[10].

وقد تأثرت جل التشريعات الجنائية بأفكار المدرسة الوضعية، حيث تم اعتماد نظام التدابير الاحترازية كصورة للجزاء الجنائي في حالة ارتكاب الجريمة من قبل أشخاص لا يمكن مساءلتهم لوجود مانع من موانع المسؤولية كالمجانين أو عديمي التمييز كصغار السن. وقد أدخله لوكيني Luccaini في نصوص قانون العقوبات الإيطالي في عام 1889، كما أدخله Stoos في مشروع قانون العقوبات السويسري الذي وضع في عام 1891 الذي لم يصدر إلا في عام 1937[11]، كما اعتمد في تشريعات قانون العقوبات بكل من ألمانيا والدنمارك واليونان وغيرهما من الدول الأوربية، كما أخذت به تشريعات جنائية عربية حديثة؛ كالتشريع اللبناني والسوري والجزائري والعراقي والمصري، والمشرع المغربي من خلال قانون 1962.

كما أخذ المشرع المغربي بنظام تدابير الوقاية التي تهدف إلى الحيلولة دون ارتكاب الجريمة، ويتجلى ذلك في قانون ضمان الوقاية من الأمراض العقلية ومعالجتها وحماية المرضى المصابين بها المؤرخ في 30 أبريل 1959؛ حيث أعطى للعامل الصلاحية في طلب وضع المريض عقليا تحت الملاحظة الطبية إذا كان المريض يشكل خطرا على أقاربه أو على النظام العام أو أصبح في حالة خلل عقلي تجعل حياته في خطر[12]. كما مكن الباشا أو القائد من اتخاذ التدابير اللازمة في حالة وجود خطر قريب الوقوع تثبته شهادة طبية أو يفشيه العموم، ويأمر العامل في ظرف ثمان وأربعين ساعة بوضع المريض تلقائيا تحت الملاحظة الطبية أو ينهي التدابير المؤقتة التي أمرت باتخاذها السلطة المحلية[13].

المطلب الثاني: حركة الدفاع الاجتماعي وفكرة التدابير الوقائية

لقد تعددت آراء فقهاء القانون في تعريف حركة الدفاع الاجتماعي، التي لها أهميتها وأهدافها بكل تأكيد، وهو ما سنتطرق إليه في الفقرة الأولى، على أن نحاول الوقوف عند مبادئ تلك الحركة، وفكرة التدابير الدفاعية/ الوقائية ضمنها؛ وذلك في الفقرة الثانية.

الفقرة الأولى: تعريف حركة الدفاع الاجتماعي، وأهميتها، وأهدافها

أولا: تعريف حركة الدفاع الاجتماعي

من تعريفاتها الشائعة في الكتابات القانونية أنها مجموع “إجراءات للدفاع عن المجتمع بمواجهة الظروف التي تغري بالإقدام على الجريمة، والقضاء على تأثيرها، إلى جانب الدفاع عن الفرد الذي أجرم؛ بتأهيله حتى لا يعود إلى الإجرام مجددا، ودفاعاً عن الفرد إذا تحول الى ضحية للجريمة ورعايته”.

كما أن الدفاع الاجتماعي يشير إلى السياسة الاجتماعية المرتكزة علي المنهج العلمي في دراسة الجريمة والمجرم من كافة الجوانب؛ بهدف وقاية الإنسان من التردّي في مهاوي الانحراف، وحماية المجتمع من الإجرام عموما.

انطلاقا مما ذُكر، يمكن أن نسجل الملاحظات الآتية:

– إن الدفاع الاجتماعي إجراءات لمواجهة الظروف المجتمعية التي تغري الأفراد بالإقدام على اقتراف الجريمة، مع التأكيد على الإجراءات الوقائية التي يمكن أن تُتّبَع في هذا المجال.

– إن إجراءات الدفاع تتضمن الدفاع عن الفرد، الذي وقع فريسة أو ضحية لجريمة من الجرائم، والعمل على رعايته انطلاقا من التأكيد على حماية ضحايا الجريمة. وفي ذلك تأكيد على الإجراءات العلاجية، التي يمكن أن يتبعها المجتمع؛ من منطلق أن السلوك الإجرامي عبارة عن مرض اجتماعي يجب علاجه.

– إن التعريف ركز على أن الدفاع الاجتماعي يعني السياسة الاجتماعية المرتبطة بدراسة الجريمة والمجرم على أساس المنهج العلمي، باعتباره قرارات صادرة عن الجهات المختصة، تحدد الأهداف، والأساليب، والاتجاهات التي تتبع لتحقيق الأهداف.

– إن هدف الدفاع الاجتماعي يكمن في وقاية الإنسان حتى لا ينحرف إلى الانحراف، وفي نفس الوقت حماية المجتمع كافة من المجرمين من خلال التدابير المجتمعية التي تتخذ لتحقيق تلك الأهداف المشار إليها.

ويمكن أن نخلص إلى تعريف إجرائي لمفهوم “الدفاع الاجتماعي”، مفادُه أنه مجموعة من الإجراءات والتدابير الوقائية والعلاجية والتنموية، التي تمثل جزءاً من السياسة الاجتماعية في المجتمع، على اعتبار أن الدفاع الاجتماعي يشكل أحد مجالات الرعاية الاجتماعية. وتستهدف تلك الإجراءات مواجهة الظروف التي تغري أفراد المجتمع بالإقدام على الجريمة والانحراف، وتأهيل الفرد الذي أجرم حتى لا يعود إلى الإجرام مرة أخرى.

وتستفيد من خدماته فئات متعددة، لكل منها أساليب رعاية خاصة. ومن هذه الفئات ضحايا الجريمة، والأحداث، ومدمنو المخدرات والمسكرات، والمحكوم عليهم، والمفرج عنهم، والمتسولون. وتقدم خدمات الدفاع الاجتماعي للفئات المستفيدة من خلال مؤسسات، سواء كانت أهلية أو حكومية.

ثانيا: أهمية الدفاع الاجتماعي

تكمن هذه الأهمية في الآتي:

– يمثل الدفاع الاجتماعي أحد مجالات الممارسة المهنية، الذي تتعاون به مهنة الخدمة الاجتماعية مع غيرها من المهن لتوفير رعاية متكاملة.

– يقدم تلك الخدمات مهنيون متخصصون مُعَدّون لتقديم الخدمات في هذا المجال، ويمثل الإخصائي الاجتماعي أحد التخصصات العاملة فيه.

– يلتزم الممارسون بأسس عامة ترتكز عليها سياسة الدفاع الاجتماعي، ومبادئ توجه الممارسة في المؤسسات المتعددة المسؤولة عن تقديم الخدمات.

– تتفق فلسفة وأساليب الدفاع الاجتماعي مع إيكولوجيا المجتمع؛ فهي ليست واحدة في كل المجتمعات، بل إنه – بالرغم من أن كل المجتمعات تسعى إلى توفير خدمات الدفاع الاجتماعي لمواطنيها – إلا أن فلسفته وأساليبه تتماش مع الإيديولوجيا الذي تطبق فيه.

ثالثا: أهداف الدفاع الاجتماعي

يقصد بالأهداف الغايات التي يسعى المجتمع إلى تحقيقها. وللدفاع الاجتماعي هدفان أساسيان هما:

– هدف إنساني: يقوم على فكرة العناية بدراسة الشخص المنحرف والمجرم.

– هدف اجتماعي: ويكمن في مكافحة الإجرام عامة؛ فالدفاعُ الاجتماعي إذ يتناول الجريمة على أنها ظاهرة تحتاج إلى التفكير؛ وبالتالي، فإن الأسلوب العلمي الواجب اتباعُه هو التعامل مع الجريمة والمجرم معا.

ويمكن تحقيق هذين الهدفين من خلال عدة أهداف إجرائية :

– وضع القواعد والأسس لتنفيذ السياسة العامة لرعاية الفئات التي توجه إليها برامج الدفاع الاجتماعي.

– تفسير ظاهرة الجريمة في المجتمع، والتعرف إلى حجمها، ومدي انتشارها، وخصائصها وخصائص المجرمين والمنحرفين، ودوافعهم المختلفة للانحراف.

– تأمين المجتمع ضد ظاهرة الإجرام والانحراف.

الفقرة الثانية: مبادئ الدفاع الاجتماعي وفكرة التدابير الوقائية

إن “المبدأ” قاعدة أساسية ذات صفة العمومية، يصل إليها الإنسان عن طريق الخبرة والمعرفة والمنطق، أو باستعمال الطرق العلمية؛ كالتجريب والقياس.

ولعل من أهم المبادئ التي تنبني عليها مدرسة الدفاع الاجتماعي ما يأتي:

المبدأ الأول: اعتبار مكافحة ظاهرة الإجرام من الواجبات الأساسية التي تقع مسؤوليتها على عاتق المجتمع.

 المبدأ الثاني: اعتبار القانون الجنائي من الوسائل المهمة التي يجب أن يلجأ إليها المجتمع في مكافحة ظاهرة الإجرام. ويجب أن يرتكز هذا القانون على مجموعة من المبادئ الفرعية وهي:  حماية المجتمع – التقيد بمبدإ الحرية الشخصية والشرعية التي تقوم على قاعدة “لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص قانوني” –  اختيار أنسب التدابير التي توقّع على المنحرف – إصلاح المحكوم وتأهيله وإعادته إلى المجتمع مع الأسوياء.

المبدأ الثالث: أن تؤسس تدابير الدفاع الاجتماعي على دراسات وحقائق علمية متعمقة بموضوعية

ودون تحيز، إلى جانب الاعتماد على الهيئات الفنية المتخصصة والأفراد المدربين والقادرين على القيام بواجباتهم في هذا المجال…

المبدأ الرابع: المتابعة المستمرة لتدابير الدفاع الاجتماعي في المجتمع لتطويرها بما يتمشّى مع التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي يمر بها المجتمع، والتي لها تأثير – بلا شك -على أسباب ودوافع وأنماط الجرائم والانحراف من فترة إلى أخرى داخل المجتمع.

فالدفاعُ الاجتماعي هو، إذاً، مجموعة من المبادئ والقواعد، التي تستهدف الدفاع عن المجتمع ككل، وعن أفراده؛ لإزالة أسباب القصور.

ولعل من أبرز عوامل إنجاح السياسة الاجتماعية المرونة، والقدرة على التجاوب مع الظروف والأهداف والاحتياجات، ودعم العمل المشترك بين أجهزة الدولة، ودمج سياسة الدفاع الاجتماعي مع خطط التنمية بالدولة، وجمع المعلومات وتوفير البيانات لتصميم سياسة الدفاع، وإعداد الدليل للعمل والتطبيق… إلخ.

المبحث الثاني: الوسائل البديلة لتسوية المنازعات في الفقه الوضعي المعاصر

بعدما تطرقنا، في المبحث السابق، إلى بدائل العقوبة في المدارس الوضعية الحديثة، ولاسيما التدابير الوقائية وتدابير الدفاع الاجتماعي، سنتناول، ها هنا، الوسائل البديلة لتسوية المنازعات لدى فقهاء القانون المعاصرين؛ مما يدل على أن الاهتمام بها لم ينقطع منذ أن عُرفت، بل إنها لتحظى، اليوم، بمكانة خاصة، وتنتشر على نطاق واسع؛ بالنظر إلى فعاليتها في حل النزاعات سلميا، دون سلوك الطريق القضائي المعتاد. وقد أتاح لنا البحثُ في الموضوع الوقوفَ عند جملة من النظريات الفقهية التي درست تلك الوسائل، وتعرضت إلى مدى نجاعتها في حل المنازعات الناشئة بين الأشخاص، ويمكن تصنيفها إلى قسمين كبيرين؛ قسم يضم نظريات تؤيد وسائل حل النزاعات وُدّيا، وتعتبرها بدائل مهمة في هذا الإطار، وترصد إيجابياتها وحسناتها، وإنْ كان لكل واحدة منها تصورها الخاص لها، وخلفيتها الفلسفية التي ترْفِدها، وتستمد منها ذلك التصور (المطلب الأول)، وقسمٍ ثانٍ يضم نظريات تنتقد الطرق البديلة لحل النزاعات، وتتعقب نقائصها وسلبياتها، التي تجعل مفعولها محدودا جدا (المطلب الثاني).

المطلب الأول: النظريات المؤيِّدة للوسائل البديلة لتسوية المنازعات

وتشير إلى مجموعة من التصورات والنظريات التي تقف موقفا إيجابيا من الطرق البديلة لحل النزاعات، وتؤمن بفعاليتها في هذا الصدد، وإن اختلفت فيما بينها حول مقدار هذه الفعالية، وتدعو إلى العمل بها على نطاق أوسع؛ لما لها من فوائد وآثار تعود بالنفع على المؤسسة القضائية، وعلى العلاقات الإنسانية بين المتخاصمين. وعلى الرغم من تعددها، إلا أن أبرزها – فيما يبدو – ثلاث؛ كما سنوضح في الفقرات الموالية.

ولتكن البداية بما يُسمى “نظرية الإرضاء”، التي تروم، في المحلّ الأول، “إرضاء أو إشباع تطلعات الأطراف بتسوية، أو – على الأقل – بتدبيرٍ مُرْضٍ للنزاع يستجيب بذاته، أو يسدّ رغبة أو احتياجاً”[14]. ومن هنا، يتضح أن هدف الطرق البديلة هو إيجاد حل مُنْهٍ للنزاعات التي تقوم بين الأفراد على نحو سلمي، دون اللجوء إلى التقاضي، رسميا، أمام المحاكم، على أن هذا الحل يلزم أن يُرضي طرفي المخاصمة، وأن يراعي حاجياتهما، ويستجيب لها، وأن يسعى إلى إشباعها إلى أقصى حد ممكن، حتى لا يُثير ردّات فعل رافضة من قبلهما. ومن شأن ذلك أنْ يوفر حظوظا كبيرة لقبول ذلك الحلّ من لدن طرفي النزاع، اللذين يشعران حِياله بأنه قريب منهما، ويحترم احتياجاتهما، ويأخذ بعين الاعتبار ذاتيهما، لاسيما وأن التجارب قد أثبتت أن الحكم حين يراعي رغبات أطراف المخاصمة، ويُشْعِر بأنه شديد الاعتناء بها، حريص على تلبيتها وإشباعها، فإن المعنيين يتلقونه بقبول حسن، ويولونه ما يستحق من تقدير واحترام بوصفه الأسبق إلى تقدير واحترام رغباتهم وحاجاتهم. ولذا، يُبْدون تعاونا وتجاوبا واضحين في هذا الإطار.

وحتى إذا لم تفض الوسائل البديلة إلى حل نهائي للنزاع، فإنه يمكن – في تصور هذه النظرية – أن تدبّره على نحوٍ يرضى به المتنازعان لمّا يلْمَسان فيه مدى اهتمامه برغباتهما واحتياجاتهما، وسَعْيَه إلى إشباعها والاستجابة لها.

ولا يمكن لحل النزاع أن يكون فعّالا، باتباع طريقة هذه النظرية، ما لم تتوفر ظروف تُعِين على ذلك، وما لم يمتلك القيّمون على العملية جملة من المؤهلات والمواصفات الضرورية. يقول أحد الباحثين: “بسبب مهارة القائمين على المسار التفاوضي في معالجة الاختلال في القوة، تستطيع الطرق البديلة أن تحدّ من المناورات الاستراتيجية، والمغالاة في الطلبات. وينتج من هذه السمات المختلفة أنْ تتمكّن الطرق البديلة (الوساطة مثلا) من تيسير حلّ المشاكل بطريقة تعاونية وتكاملية، بدلا من المساومات التي تزيد من الشقاق، وتفرّق أكثر ممّا توحّد. وبالتالي، فإنها تستطيعُ أن تصل إلى نتائجَ خلاّقة يَكْسب[15] فيها الطرفان، وتمتدّ إلى ما هو أبعد من الحقوق الرسمية؛ من أجل حلّ المشاكل، والإرضاء الحقيقي للطرفين في وضع معين”[16].

وتبلورت في مجال العلاقات الاجتماعية، ولاسيما في عالم الشّـغّالة، – وانطلاقا منه – نظرية أخرى ذات موقف إيجابي من الوسائل البديلة، عُرفت بـ”نظرية العدالة الاجتماعية”، هدفُها الأساس يكمن في تحقيق هذه العدالة، وما يتصل بها من قيم وأخلاقيات؛ إذ إنها ترى في تلك الوسائل طرقا ناجعة لتجاوُز حالات الخصام والصراع والتباعد في اتجاه الوئام والتصالح والتقارب؛ وبالتالي إنهاء المنازعات الناشئة سليما، دون المرور عبر المسلك القضائي المعهود، على أنها تضْمَن العدل والربح، وتحقيق المصلحة المشتركة لأطراف النزاع. وعلاوة على هذه الغاية المحورية، تضطلع بأدوار أخرى ثانوية، ولكنها مهمّة، طبعا، في مضمار حل النزاعات. فلهذه الوسائل (وفي مقدمتها الوساطة)، في القضايا والمشاكل الاجتماعية، “فاعلية قصوى لإحلال العدالة والتصالح الاجتماعي، إضافة إلى أنها تحقق أهدافا ثانوية أخرى لها أهمية كبيرة في التحول الاجتماعي نحو التسامُح والرحمة وتسامي المعاني الإنسانية، وتحسِّن قدرة الإنسان على الاستيعاب والمرونة ورهافة الإحساس بالآخر، وكذلك الثقة بالنفس والتعامل برُوحية نبيلة تُجاه الخصوم وتحويل العداء إلى سببٍ للتقارب والعلاقات الحميمة، وتنمّي الشجاعة الفائقة للاعتراف بالخطإ ومحاولة إصلاحه”[17].

وتقوم هذه النظرية على مبدأين رئيسين[18]، يُلِحّ أحدهما على ضرورة انخراط الفرد في مجتمعه، وانتمائه إليه؛ لأنه لا يستطيع بمفرده، مهما أوتي من قوة وخبرة، أن يحل المشكلات، ويصلح مظاهر الخلل البنيوي في المجتمع. ولكنه، بالمقابل، يستطيع ذلك لو انتسب إلى جماعته؛ فهو ضعيف بنفسه، قوي بغيره.. عاجز عن الفعل وحده، قادر بمساعدة أفراد مجتمعه. فضلا عن ذلك، فالإنسان – كما قيل قديما – “ابن بيئته”؛ وعليه، لا يُتصور أن يعيش، أو يفعل، بمفرده، بل تستلزم هذه الخاصية أن ينتمي إلى بيئته/ مجتمعه، ويتفاعل معها/ـه تأثرا وتأثيرا. وبذلك، يكتسب القدرة على الإسهام في علاج اختلالات المجتمع، وحلّ مشكلاته، وإعادة التوازن المفقود إليه.

ويتجلى المبدأ الآخر في أن تحقيق التنظيم داخل المجتمع لا يتوقف على المنظومة التشريعية فحسب؛ أي على القانون فقط، وكذا القضاء الرسمي، بل إن ثمة عواملَ أخرى يمكن أن تسهم، وبقوة، في هذا الإطار، ولاسيما بعد أن تعقدت العلاقات الإنسانية، وكثرت المشاكل المترتبة عنها، وأبان الاقتصار على القانون وحده عن محدوديته في معالجة القضايا والنزاعات، ومن أهمها الطرق البديلة التفاوضية، التي توفر “أداة فعالة لتنظيم الأفراد حول مصالح مشترَكة؛ وبالتالي بناء علاقات وهياكل اجتماعية أقوى. وذلك الأمرُ له أهميتُه؛ لأنّ الأفراد، الذين لا ينتمون إلى جماعات، هم الأكثر عُرضة للاستغلال في هذا المجتمع، ولأنّ المنظمات الاجتماعية الأكثر فاعلية تستطيع أن تحدّ من هذا الاستغلال، وأنْ تُوجِد مزيداً من العدالة الاجتماعية”[19].

ويؤمن أنصار هذه النظرية بأن الطرق البديلة قد تكون أنجع في ضمان التنظيم في كنف المجتمع، وتعزيز العلاقات ومطلب العدالة الاجتماعية، وأنها أنفع، بصورة أقوى، للأطراف الضعيفة في هذه العلاقات داخل جماعات المصالح. فهذه الطرق “تستطيع أن تعزز التنظيم المجتمعي بوسائل متعددة. ولأنّ الطرق البديلة قادرة على وضع القضايا في إطار مختلف، والتركيز على المصالح المشتَرَكة، فإنها تستطيعُ أن تساعد الأفراد، الذين يتصوّرون أنهم على طرفيْ نقيض، على رؤية إطار أوسع يواجهون فيه عدوا مشتركا. ونتيجةً لذلك، تستطيع الطرق البديلة أن تضفي القوة على الضعفاء بالمساعدة على إقامة تحالفات فيما بينهم. يُضاف إلى ذلك أن الطرق البديلة، بقدرتها على مساعدة الأطراف على حل مشاكلهم، تقلل من الاعتماد على الأجهزة البعيدة عنهم، وتساعد على بذل الجهود الذاتية، بما في ذلك تشكيل هياكل المجتمع القاعدية”[20]، وتستحثّ الأفراد على المشاركة الفاعلة في نطاق الحياة المدنية[21].

علاوة على نظريتي الإرضاء والعدالة الاجتماعية، ظهرت في الولايات المتحدة الأمريكية، في العقود القليلة الماضية، نظرية أخرى سُميت بـ”نظرية التحول”، ويطلق عليها، أيضا، “نظرية التمكين والتقدير”، أرسى أسُسَها الفقيهان روبرت باروخ بوش (Bush)؛ أستاذ مادة حل النزاعات في جامعة هارفارد، وجوزيف فولجر (Folger)؛ أستاذ مادة التواصل في جامعة تيمبل، والخبير في مجال الوساطة والتوفيق. وقد فصّلا القول فيها في كتابهما المشترك القيّم، الموسوم بـ”The promise of mediation : Responding to conflict through empowerment and recognition”[22]، والمقسَّم إلى أربعة محاور كبرى، جامعة بين التأسيس النظري وإيراد حالات واقعية وسيناريوهات تدريبية لكيفية تطبيق الطرق البديلة، ولاسيما آلية الوساطة (Médiation)، ووقفا فيه، بإسهاب، عند بعض النهوج المعتمَدة في تسوية المنازعات وُدّيا، دونما مرور عبر المؤسسة القضائية، ولاسيما “النهج التحويلي”. ولئن كانت هذه النظرية تهمّ، في الأساس، الوساطات، إلا أن ذلك لا يمنع من أن تمتد إلى سائر الطرق البديلة تفاوُضية الحلّ[23].

يتضح مما قيل أن ثمة مفهومين يشكلان عماد هذه النظرية، ويمثلان بُعدين أساسين فيها (البعد التمكيني – البعد التقديري)، ويُعدّان عاملين مهمّين لتحقيق التحويل والتحول؛ وبالتالي المساعدة، بفعّالية، في تسوية أنواع النزاع بطرق سلمية غير رسمية. فأما أولهما فهو “التمكين”، و”معناه، في أبسط صوره، أن يستعيد الأفراد الشعور بقيمتهم وقوتهم وقدرتهم الذاتية على معالجة مشاكل الحياة”، وأما الثاني، وهو “التقدير”، فـ”يَعني إثارة التعاطف مع مواقف الآخرين ومشاكلهم”[24]. بأسلوب آخر، فالتمكين يتعلق بالأنا، التي ألحّ أصحاب هذه النظرية على ضرورة إعطائها ما تستحق من اعتبار لتكون، حقا، ذاتا فاعلة، ولتستعيد ثقتها بنفسها، ولتعزز قدراتها على الفعل وإحداث التغيير الإيجابي، ولتضطلع بدور طلائعي في حل المشكلات عبر آلية الوساطة التحويلية، التي ترمي إلى تحقيق عمل ترميمي في غاية الأهمية لتجاوز ما بين الأطراف المتخاصمة من شنآن وتوترات. على حين يرتبط التقدير بالآخر، الذي يلزم الاهتمام به كما يجب، ووضعه في المكان اللائق به، والاعتراف له، هو الآخر، بطاقاته وفعاليته وإيجابيته، وإنْ اختلفت معه الأنا أوجُهاً من الاختلاف، على أن ذلك التقدير قد ينطوي على جانب إيديولوجي وقِيميّ. وبهذا وحده يمكن تحقيق التغيير والتحول المنشودين، وتسوية المنازعات دون حاجة إلى سلوك الطريق القضائي المعتاد. ويأتي التمكين والتقدير، أحياناً، بوصفهما نتيجتين للطرق البديلة، وإنْ بكيفية غير مقصودة.

بناء على ما ذُكر، يمكن أن تؤدي الوسائل البديلة لتسوية المنازعات إلى تغييرات ذات أهمية كبيرة؛ فهي – من جهةٍ – تسهم في تغيير نظرة الفرد إلى ذاته، وفي تغيير نظرته الناس إلى بعضهم بعضاً داخل المجتمع من جهة ثانية؛ وذلك في الاتجاه الإيجابي – بطبيعة الحال – في كلّ منهما، ومن خلال “إعطائهم شعورا حقيقيا – أو زائفا حتّى – بالقدرة الفردية على إحداث التغيير (التمكين)، وقبولاً أكبرَ تُجاه الشخص الذي يمثل خصْما في النزاع (التقدير)”[25].

من هنا، يتضح أن “نظرية التحول” تركز على الفعل وتحقيق نتائج ملموسة، ذات فعالية ودينامية، ووقْعٍ يتجلى في الفصل في النزاعات بقرار ملزم، عوض الاكتفاء بالخطاب المجرد والكلام التفاوضي النظري، بل إنها تدعو – في حال عدم قدرة الطرق البديلة على حل الخصومة نهائيا – إلى حسن تدبيرها والتعامل معها، على الأقل، بما يُوقِفُ تدمير العلاقات التي تطلب إنشاؤها وقتا وجهدا[26].

كما أنها تصرف عنايتها إلى تحقيق التغيير على مستوى الأشخاص، وليس الطباع والمواقف المجردة فقط، بوصف ذلك مقدمة طبيعية لإحداث التغييرات على مستويات أكبر وأعمّ؛ وذلك من خلال اعتماد آليتي التمكين والتقدير. فحسب هذه النظرية، فـ”إن “الوعد الفريد” للوساطة، كأنموذج بارز للوسائل التفاوضية الحلّ، يتمثل في قدرتها على تغيير شخصيتي المتنازِعين خاصّة، وعلى تغيير المجتمع ككلّ بعامّة”[27].

ولا يخفى على أحد ما لهذه النظرية المهمة، ولاسيما في مجال الوساطة الاتفاقية، من دور فعال في تسوية المنازعات سلميا، وفي تقديم العون لطرفي الخصومة على تعبئة مواردهما الخاصة من أجل حلّ ما قد ينشأ بينهما من صراعات، وفي تجنب قيام نزاعات بينهما مجددا في المستقبل. ولهذا، فقد “استخدمت حركة الطرق البديلة – ولو إلى حدّ ما – إمكانات هذه العملية لمساعدة الطرفين المتنازعين على تعزيز قدرة كلٍّ منهما على معالجة الظروف المعاكسة، على اختلاف أنواعها، ليس فقط في الحالة الراهنة أو المباشرة، بل أيضاً في الأوضاع المستقبَليّة”[28].

ولعل هذا الطرح، في مجال الوسائل البديلة لتسوية المنازعات، يصلح بفعالية أكثر في هذه الأخيرة حينما تكتسي بُعدا دوليا؛ كما يرى بعض الباحثين، ومنهم الأستاذ رضى بن خدّة، في بحثه القيم المُعَدّ، لنيل درجة الدكتوراه، في موضوع “الطرق البديلة لتسوية المنازعات بين الإطار النظري ورهان التطبيق”[29]، الذي قال إن ذلك الطرح “قد يصْدُق أكثر على النزاعات العابرة للحدود، ربما ينطلق فيها القائمُ على المسار التفاوضي من فكرةِ التطبيع، أو إعطاء شعورٍ كاذب بالتمكين، وصادق بالتقدير للضعيف تجاه القوي، دون الرغبة الحقيقية في الوصول إلى حلّ فعلي للنزاع، وإنْ كنا لا ننفي هذا الأثر للطرق البديلة على أطراف النزاع الفردي الداخلي”[30].

ويُسجَّل على هذه النظرية الفقهية المعاصرة غلبة الطابع التنظيري عليها، أو كونها – على الأقل – تراكُمية أكثر منها واقعية حالّة[31]. ولهذا، تقل ثقة بعضهم فيها كوسيلة لحل النزاعات وُدّيا؛ لأنهم يبحثون عن آليات ذات منفعة مباشرة، وذات صبغة براجماتية واضحة، تُعِين على تقديم حلول عملية للنزاعات الناشئة بين الأفراد. ولكن، على الرغم من ذلك، يلاحَظ، في إطار حركة الطرق البديلة، “أن الاهتمام المستمر، على نطاق أوسع، بالتمكين والتقدير من شأنه أن يُسْفِر – بصورة تراكمية، ومع مرور الزمن – عن تحول في الشخصيات؛ من الخوف، والتزام الموقف الدفاعي، وتركيز الاهتمام على الذات، إلى أشخاص ممتلئين بالثقة، ومهتمين بالآخرين. كما تساعد هذه النظرية على تحويل العلاقات الاجتماعية ممّا يشبه الهُدنة بين الأعداء إلى شبكة قوية من الحُلفاء”[32].

ويصرّ آخرون على استعراض سلبيات أخرى، وتسجيل مآخذ عدة على نظرية التحول، منطلقين من واقع الممارسة وتطبيقها المحتمَل ضمن زمرة الطرق البديلة، ولاسيما الوساطة. فهذا أحدُهم يرى أن “قضية التحول قضية وهمية، تعبر عن أحلام مجردة… كما أن قضية التمكين والتقدير قد لا تأتي بحلول صائبة؛ إذ قد يرضى المتخاصمون على حلول غير جيدة، ومُجْحِفة في حق بعضهم، وإنْ كانوا هم الذين اختاروها؛ فلا يكفي تراضيهم، ولا يصلح – من جانب أخلاقي – إذا كانت غير عادلة، خصوصاً وأن هدف الوساطة، في دائرة الأخلاق، أن تؤسس للعدل الاجتماعي، وتُشِيع مفاهيم إنسانية وأخلاقية”[33].

المطلب الثاني: النظريات المنتقِدة للوسائل البديلة لتسوية المنازعات

على الرغم مما للطرق البديلة من إيجابيات؛ من مثل الاقتصاد والمرونة والسرعة والسرية، وعلى الرغم من مقاصدها النبيلة التي تُختزل في هدف أساس يتجلى في تسوية المنازعات سلميا، إلا أن ثمة من ينتقدها، ويرصد جملة من نقائصها وسلبياتها ومواطن قصورها، التي تجعل من الصعب الاطمئنان إليها، واعتبارها بديلا حقيقيا للعقوبات الكلاسيكية. ولعل من أبرز النظريات، في هذا الإطار، ما يُسمى “نظرية تكريس اختلال التوازن”، التي آثرنا أن نخصّها بالحديث، على نحو مفصل، في هذا المطلب؛ من خلال الوقوف عند عدد من النقط المتعلقة بها.

إن ممّا عِيبَت به الطرق البديلة التفاوضية اقترانَها بمسلسل من التراجعات عن المكاسب المحققة، على امتداد أزمنة، وبفضل جهود متعاقبة، في مجال حل النزاعات. فاللجوء إلى هذه الطرق قد يؤوَّل على أنه علامة ضعف لدى القابلين بالاحتكام إليها، واعتمادها عمليا في حل النزاعات؛ بمعنى أنه يُنظر إلى اللاجئ إليها على أنه طرف ضعيف، لا يقوى على سلوك الطريق القضائي لنيل حقوقه، أو تسوية خلافاته أو صراعاته مع الخصم. وقد يُفهم على أنه نتيجة مباشرة لفقدان الثقة في أجهزة العدالة الرسمية، المنوط بها، أصلا، إحقاق الحق، وإنصاف المظلومين.

كما أن العمل بهذه الطرق قد يكون مكلّفا لأحد طرفي المخاصمة، الذي يجد نفسه مجبرا على تحمل مصاريف اختياره هذا؛ بأن يؤدي مقابلا ماديا للجهة القائمة على تفعيل الطريقة البديلة، وإجراء المسطرة المتبعة (مركز وساطة مثلا). هذا بخلاف ما لو سلك طريق القضاء، وربط أداء أتعاب المحامي بربح القضية المسندة إليه للدفاع عنها. ويكون الضرر واضحا حين يكون هذا الطرف ضعيفا يواجه آخرَ أقوى منه بكثير.

ويخشى بعضهم أن تُستغل الأدلة التي يقدمها أحد الأطراف من قبل خصمه في إعداد تدخلاته لاحقا، فيما لو فشلت الوسيلة البديلة في مسعاها لحل النزاع. و”يمثل هذا الاعتبارُ مشكلا – على وجه الخصوص – عندما لا توصل المسطرة إلى تسوية نهائية باتّة. وحتى إنْ كانت المعلومات، المحصَّل عليها خلال محاولة الطريق البديل، لا يمكن أن يقع استعمالها في دعوى لاحقة، فإن الخصم لن يغفل أخذها بعين الاعتبار وهو بصدد تهييء استراتيجيته”[34].

ويترتب عن اعتماد الوسائل البديلة، أحيانا، الانحياز إلى طرف دون آخر، ولاسيما القوي، الذي يستفيد من العمل بها، مقابلَ تضرُّر الطرف الأضعف. ومن هنا، تشكل خطرا على أحد طرفي المنازعة، وتكون سبيلا إلى تغييب العدالة، ولو عن غير قصد. على أنه يلزم التفريق، هنا، بين الطرق البديلة المطبقة على العلاقات المتكافئة، وبين تلك المطبقة على العلاقات غير المتوازنة من حيث القوة؛ بحيث إنه لا خطر في الحالة الأولى، بخلاف الحالة الثانية، التي يتضرر منها الطرف الضعيف. ففي مدونة التأمينات، أو تشريع العمل مثلا، نجد أن المستفيد، عادة، من تطبيق الوسائل البديلة لحل ما ينشأ من نزاعات بين المهنيين أو أرباب العمل والمؤمّن لهم أو الأجراء هو الطرف الأقوى، الذي يحاول الالتفات على محل النزاع للتخلص من الجزاءات المرتبة في حقه؛ لذا، فهو يظل المستفيد الأساس من أي تسوية للخصومة دون سلوك طريق القضاء. ومن هنا، يسعى جاهدا إلى تفادي عرض القضية موضوع النزاع على أنظار المؤسسة القضائية؛ ليقينه بأنه سيتضرر من ذلك حتما، ويتحمل تبعاتها المادية وغير المادية. إن من أبرز آثار حركة الطرق البديلة لتسوية أشكال النزاع، إجمالاَ، “تحييدَ مكاسب العدالة الاجتماعية، التي تحققت من خلال الحقوق المَدَنية، والحركات النسائية، وحركات المستهلِكين، وحركات الأجَراء، وغيرها من الحركات، والمساعدةَ على تأكيد مواقف الأطراف المتميِّزة والطبقات الأقوى، وإطالة أمَدِ قمْع الضعفاء”[35].

ومن هذا المنطلق، ذهب بعضهم إلى أن الطرق البديلة، وإنْ كانت نيات الملتجئين إليها حسنة، وغاياتُهم شريفة، إلا أنها قد تشكل أداةَ قمعٍ خطيرةً يستغلها الأقوياء، وتكرس استمرار لاتكافؤ العلاقة بين المتنازعَيْن. يقول ابن خدة: “نظرا لما تتسم به هذه الطرق من عدم الرسمية، والحرص على توافق الآراء؛ وبالتالي عدم وجود قواعد إجرائية وموضوعية، فهي ربما تضخم اختلالات القوة، وتفتح الباب أمام الإكراه والتلاعب من جانب الطرف الأقوى”[36]. ويؤكد هذا الأمر آخرون، سواء لدى حديثهم عن الوسائل البديلة عموما، أو عن بعضها فقط؛ من مثل الوساطة، التي يقول الباحث العراقي عدنان سلطان راصدا بعض ثغراتها ونقائصها: “إن الوساطة لها منتقِدوها، وحُجّتُهم أنها قد تتعامل مع الأمور في صورة صفقات تتم مع الجانب الأقوى، وترمي بالمظلومية على الجانب الضعيف؛ فليس كل الوسطاء لهم المزايا النبيلة في التعامل في حل الخلافات، وليسوا كلهم يبحثون عن المعاني الإنسانية، وتهمّهم التحولات الإيجابية في المجتمع؛ ولذا، فقد تكون الوساطة وَبالاً، تبتعد عن الأخلاق العادلة، وتلجأ إلى التسوية في خسارة الجانب الضعيف؛ وبذلك، تزيد من المظلومية في المجتمع، ولا تحقق القدْر المعقول من العدالة المفترضة فيها”[37].

وقد سبق أن اعتبر الفقيه كادييت (Loïc Cadiet) هذا الأمر أحد أبرز خَطَرَيْن يطرحهما اعتماد الوسائل البديلة في تسوية النزاعات؛ مما يؤكد – حَسَبَه – أن الحل غير القضائي للنزاع لن يكون أكثر ديمقراطية من نقيضه. يقول: “يمكننا القول إن التعاقدية، باعتبارها السمة الأبرز للطرق البديلة التفاوضية الحل، والاتفاقية بالأساس، هي التفافُ أصحاب المراكز الاقتصادية القوية واقعيا على أمانةِ وضمانات المسار القضائي أو الدعوى؛ فلا تكافؤ أسلحة بين الأطراف، ولا حياد حقيقي من الغير القائم على المسار؛ بحُكم الواقع المجتمعيّ، الذي يبقى الوسيط أو المُوفِّق من إفرازاته، والذي – بحكم الواقع، أو حتى المنطق – ربما لا ينظر إلى المشغّل كالأجير، ولا ينظر إلى المرأة كالرجل، ولا ينظر إلى الزوجة كالمطلّقة، ولا قاعدة أو قانون يجْبره على ذلك، والأهمّ أنه لا ينظر إلى المسار، وما يمكن أن يحققه، وإنما فقط إلى الحلّ الذي غالباً ما يبدو له نفسيّاً أنه ينبغي الوصول إليه؛ لأنه بدا له عادلا، ولكنه عادل بمعيار شخصي. وهنا، يبدأ، بوعي أو بدون وعي، متأثراً بما يُفترَض أنه ينبغي أن يراعيَه إزاء الطرف القوي، وليس الضعيف، بالتوجيه نحو ذاك الحلّ”[38].

ويتمثل الخطر/ التخوف الثاني، الذي يحد من فعالية بدائل العقوبة المعهودة، حسب الفقيه نفسه، في أن تطور الطرق البديلة اختيار سالب وحُكمي Par défaut، في جزء كبير منه، يلجأ إليه الأطراف عادةً مجبرين، ويتيح لبعضهم (الأقوياء خصوصا) إمكانية الإفلات من العقاب، ويعكس، في جانب منه، إفلاس المؤسسة القضائية، وفقدان الثقة في فعالية دورها ومدى قدرتها على توفير ضمانات المحاكمة العادلة. فـ”الحل الوُدّي للنزاعات ليس بالضرورة أكثر عدالةً من الحل القضائي. ومثالُ ذلك المادة التعاقدية؛ بحيث إن الأطرافَ المتنازعة ليست، بشكل طبيعيّ، متساوية، ولا تمتلك بالضرورة نفس الدراية التقنية، أو نفس القدرة الاقتصادية. تخاطر العدالة الودية، أو التعاقدية، إذاً، بأنْ تكون عدالة من الأسفل Au rabais، من درجة ثانية؛ عدالة تحتية سيؤدي تكاليفَها المُتقاضُون الأكثر تسليحاً فكريا أو اقتصاديا”[39].

كما يمكن أن يكون مصدر الخطر في لجوء أطراف المخاصمة إلى الوسائل البديلة هو الغير الذي يُختار ليرعى العملية، والذي لا يلزم الحياد، أحيانا، بل ينحاز إلى طرف دون آخر؛ فتضيع العدالة في خضمّ ذلك. يقول أحدُ الباحثين في موضوعنا، عن تلك الوسائل، إنها “تتيح للغير القائم على مسار (التسوية) سلطة استراتيجية واسعة للتحكم في المناقشة؛ مما يفتح الباب واسعاً أمام انحياز هذا الغير. كما يمكن أن يؤثر هذا الانحيازُ في تحديد واختيار القضايا، والنظر في خيارات التسوية وتصنيفها، وفي الكثير من العناصر الأخرى التي تؤثر في النتيجة. وتَبعا لذلك، مرةً أخرى، كثيراً ما نتج عن الطرق البديلة نتائجُ غير عادلة”[40].

انطلاقا من هذه الاعتبارات، ومن غيرها، ظهرت موجة من التشكيك في نجاعة الوسائل البديلة لتسوية النزاعات، بعدما كان الخطاب السائد هو تثمين هذه الطرق، والنظر إلى إيجابياتها فقط، دونما التفات، بقصد أو دونه، إلى ما قد تنطوي عليه من مظاهر سلبية، في صورة نقائص ومخاطر. ولعل أبرز ما ألحّت عليه تلك الموجة، التي تنامت مع مرور الزمن، لاسيما عقب بروز جملة من ثغرات تلك الطرق وسلبياتها، أنه “لا يجب نسبة الكمال، بإفراطٍ، إلى الطرق البديلة، وجعْلها كما لو كانت مثالية بإطلاق. فعددٌ من الكُتاب يعتقدون أن الأمر يتعلق بأفضل صيغةٍ يمكنها تصورها للعدالة؛ لأن مجموع الأطراف المتنازعة تقبل الحل المقترَح. الحل لم يعد مفروضاً، بل أصبح مقبولا. لكن لا يجب أن نبخس أو نقلل من نزاعات المصالح التي تستمرّ. بالتأكيد، توجد مصلحة مشتركة في التسوية التفاوضية للنزاع، لكن خلف المفاوضات تكمن نزاعات مصالح، بل من الممكن حصول “الخسارة” نتيجةَ وساطة. كما أنه من الممكن الانتهاء إلى عقد بشروط مُجْحِفة”[41].

إن التركيز المبالَغ فيه، أحياناً، على الطرق البديلة التفاوضية، والنظر إليها بوصفها آلياتٍ ناجعةً في مجال تسوية المنازعات، أفضَيَا إلى نتائج مدمّرة للعدالة، من أبرزها، حسب جان بابتيست راسين (J. B. Racine)[42]، أن نمو تلك الطرق خلق نوعا من الاضطراب أو عدم التنظيم (Déréglementation)، المدعوم، بوعي أو دونه، من قبل الجهات الرسمية نفسها؛ مما فسح المجال لظهور مرافق أخرى، متأثرة بمنطق السوق، تنافس بقوةٍ العدالة العمومية؛ من مثل قطاع الاتصالات، لاسيما في ظل توجه أغلب الدول اليومَ إلى اتباع سياسة الخوصصة، ونقل ملكية المرافق العامة إلى الخواصّ، وهو ما أسفر عن نمو عدالة خاصة تتجه، بخطى حثيثة، نحو الانتظام في شكل سوق؛ كما هو الشأن بالنسبة إلى مراكز التحكيم والوساطة المنتشرة على الصعيد العالمي. كما أن هذه العدالة تجتهد في تطوير خدماتها، في مجال حل المنازعات سلميا، لتكون لها فاعلية وجاذبية وتنافسية في سوق العدالة. وهي، بذلك، إنما تشكل منافِسا قويا للعدالة العامة، وإن ظل ميدانها غير مهيكل، وغير منظم بما يكفي، زمنا ليس بالقصير.

ومن تلك النتائج، كذلك، أنّ نمو تلك الطرق سيفرض عملا كبيرا في مجال تكوين القائمين عليها، ولاسيما الوسطاء والموفِّقون. ولهذا، نرى دورات تدريبية كثيرة تنظم، هنا وهناك، لتحقيق الغاية المذكورة، وتُتوّج بمنح شهادات ودبلومات مختلفة، وبعضها يُنظم عن بُعد؛ باستثمار تكنولوجيا المعلومات والتواصل الجديدة (NTIC). كما ظهر، في هذا الإطار، مدرّبون يحترفون هذا التكوين، يُقْبل على الاستفادة من خبراتهم وخدماتهم، على نحو متزايد، الراغبون في تعلم مهارات الوساطة والتحكيم وغيرهما من طرق تسوية النزاعات سلميا. ويثور، ها هنا، تساؤل مشروع عن إمكان تحول الوساطة أو التوفيق إلى مهنة قائمة بذاتها. والواقع أن الإجابة عن هذا التساؤل لم تكن موحدة ووحيدة، بل انقسم فقهاء القانون حِياله إلى فريقين؛ فريقٍ يعترض على تحول الوساطة، وغيرها من طرق تسوية النزاعات وديا، إلى مهنة؛ كما أكد الفقيه الفرنسي بلييتّ (M. Pluyette)، حين ذهب إلى أن “الوساطة القضائية” لا يجب أن تكون مهنة مستقلة، بل تظل مجرد خدمة طوعية تقدَّم لمساعدة أجهزة العدالة الرسمية في حل النزاعات المعروضة على أنظارها. بينما ذهب آخرون إلى أنه لا مانع من تحول أي من تلك الطرق (الوساطة الاتفاقية أنموذجا) إلى مهنة حقيقية، ولاسيما في ظل وجود سوق متنامية للعدالة الخاصة في الوقت الراهن.

وبالنظر إلى ما سلف، سُجّل أن الطرق البديلة؛ كما تراها نظرية “تكريس اختلال التوازن”، تحمل بين طياتها عوامل ضعفها وفشلها، وليست بتلك الهالة التي صورتها بها النظريات التي تؤيّدها؛ ذلك أن “الاتفاقية، والتعاقدية، والمرونة، والبُعد عن الرقابة، والتحرر من القواعد القانونية الموضوعية والمسطرية… أمور جعلت الطرق البديلة، وبشكل -ربما- مقصود، لا تؤسس نماذج قاعدية معيارية يمكن التأسيسُ عليها، والعودة إليها. وإذا كان النظام العامّ، والبحث عن المصلحة العامة؛ لاستمرار المجتمع في حدود دُنيا من العدالة واحترام قواعدَ قد تكون غير ملزمة، يحمي الجماعة في الأساس، فإنّ كل ذلك يتلاشى في كُنْهه؛ لأن الحلول، ضمن الطرق البديلة، هي حلول فردية وغير مُذاعة؛ مما يَهْدم فكرة التأسيس لمرجعية معيارية، تظهر فيها العدالة بمعايير موضوعية لا شخصية، وبما كان يؤدي إلى المصلحة العامة في الأخير”[43].

خاتمة:

اتضح، مما سلف، أن المسلك القضائي لم يعد الطريق الوحيد الذي يجب اتباعه لفض نزاع ناشئ في أي مجال من المجالات، وإن كان هو الطريق الأصيل والمألوف، بل ظهرت، لعدة اعتبارات موضوعية، وسائل أخرى بديلة لتسوية المنازعات ذات فعالية ومزايا عدة، تحقق الغرض نفسه الذي يرومه الجهاز القضائي، بل إنها تكون، أحيانا، أنجعَ مما سواها، بالنظر إلى ما تمتاز به من إيجابيات ومميزات ذكرْنا بعضها في مقدمة عرضنا. على أن هذه الوسائل ليست وليدة اليوم؛ كما قد يتوهم بعضهم، بل هي قديمة، عرفتها شعوب وحضارات كثيرة، ومارستها في فض المنازعات الناشئة بين أفرادها، وكان لها حضور، لا سبيل إلى إنكاره، في المدارس الفقهية الوضعية، وبالتحديد لدى تيارين معروفين باجتهاداتهما المائزة في التنظير لمكافحة الإجرام، وهما المدرسة الوضعية وحركة الدفاع الاجتماعي. وامتد ذلك الحضور إلى الفقه والنظريات المعاصرة في المجال القانوني، التي يمكن أن ميزنا فيها بين نظريات مؤيدة لتلك الوسائل؛ لِما رأته فيها من فعالية وقدرة كبيرة على تسوية المنازعات وُدّيا، دون اللجوء إلى القضاء العادي، وأشهرها ثلاث: نظرية الإرضاء، ونظرية العدالة الاجتماعية، ونظرية التحول (التمكين والتقدير)، وبين نظريات مقابِلة منتقِدة ورافضة لتلك الطرق البديلة؛ لِما لمسته فيها من نقائص وعيوب وسلبيات تحدّ من نجاعتها في تصورها، ولعل أهم أنموذج يمثلها هو النظرية المسماة بـ”نظرية تكريس اختلال التوازن”.

وما نود أن نختم به موضوعنا هو تأكيد أهمية تلك الطرق، الهادفة إلى تقديم حلول سلمية أو ودية للنزاعات والخلافات في شتى المجالات، وتجذرها في ماضي البشرية البعيد، واهتمام فقهاء القانون بها، وقبلهم فقهاء الشريعة الإسلامية، وتنوعها الملحوظ بين الصلح والتفاوض والوساطة والتوفيق والتحكيم وغيرها، علما بأنها اليوم مقننة، بشكل كبير، في عدد من الأنظمة التشريعية، وللمغرب إسهام وجهدٌ في هذا الإطار، وإنْ كان يظل في حاجة إلى مزيد من العمل لترسيخ تلك الآليات الجديدة لفض المنازعات. ولا مناص من بذل مجهود أكبر للرقي بهذه الطرق، وتبويئها المكانة التي تستحقها، والتوسع في استعمالها لفوائدها ومزاياها الكثيرة، ومحاربة أي تصورات خاطئة بشأنها؛ من قبيل النظر إليها كعلامة نقص يلجأ إليها الطرف الراغب في تفادي جزاء ما.

ببليوغرافيا العرض:

أ/- باللغة العربية:

– إسحق إبراهيم منصور: موجز في علم الإجرام وعلم العقاب، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، ط.2، 1991.

– ابن خدة رضى: مدخل لدراسة الطرق “البديلة” لمعالجة النزاعات – نحو نظرية عامة، مكتبة دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع، الرباط، ط.1، 2019.

– رزان صلاح: الوسائل البديلة لحل المنازعات، مقال منشور إلكترونيا، في موقع “موضوع.كم”، بتاريخ 30/09/2018.

– روبرت أ. باروخ بوش وجوزيف ﭖ. فولجر: تحقيق أهداف الوساطة – مواجهة المنازعات عن طريق التمكين والاعتراف المتبادل، تر: أسعد حليم، من منشورات الجمعية المصرية لنشر المعرفة والثقافة العالمية، مطابع المكتب المصري الحديث، القاهرة، ط.1، 1999.

– مجموعة باحثين: الطرق البديلة لتسوية المنازعات (أشغال الندوة الوطنية المنظمة من قبل شعبة القانون الخاص، كلية الحقوق ظهر المهراز فاس، بشراكة مع وزارة العدل وهيأة المحامين بفاس، يومي 4 و5 أبريل 2003)، من منشورات “جمعية نشر المعلومة القانونية والقضائية”، سلسلة “ندوات وأيام دراسية”، رقم 2، 2004.

– محمد أحمد المنشاوي: مبادئ علم العقاب، مكتبة القانون والاقتصاد، الرياض، د. ت.

– محمد صبحي نجم: قانون العقوبات: القسم العام – النظرية العامة للجريمة، دار الثقافة، ط.5، دون ذكر السنة، عمّان.

– مقالٍ منشور في موقع “الحريات ماروك”، بعنوان “الوسائل البديلة لحل النزاعات”، بتاريخ: 22/12/2014م.

– فتوح عبد الله الشاذلي: أساسيات علم الإجرام والعقاب، منشورات الحلبي الحقوقية، ط 2009.

– ظهير 30/04/1959.

– عبد الواحد العلمي: شرح القانون الجنائي المغربي: القسم العام – دراسة في المبادئ العامة التي تحكم الجريمة والمجرم والعقوبة والتدبير الوقائي، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، ط.8، 2018.

– عدنان عباس سلطان: قراءة في كتاب “تحقيق أهداف الوساطة: مواجهة المنازعات عن طريق التمكين والتقدير المتبادَل” لبوش وفولجر، مقال منشور في موقع “شبكة النبإ المعلوماتية”، بتاريخ: 22/12/2010.

ب/- باللغة الفرنسية:

– Marc Ancel: «Les mesures de sureté en Matière criminelle » ; Rapport présenté au nom de la commission spécial d’études de la c.i.p.p Melun, imprimerie Administrative ; 1950.

– Jean-Baptiste Racine: Pluralisme des modes alternatifs de résolution des conflits, pluralisme du droit, l’Hermès, Lyon, 2002. 

[1]– من الباحثين الذين يفضلون استعمال هذا المصطلح أستاذانا الفاضلان د. محمد ناصر متيوي مشكوري ود. محمد بوزلافة؛ كما في بحثهما المشترك “الوسائل البديلة لتسوية المنازعات الأسرية”، المنشور ضمن كتاب “الطرق البديلة لتسوية المنازعات”، الذي ضمّ مجموع أعمال الندوة الوطنية التي نظمتها، في الموضوع، شعبة القانون الخاص، كلية الحقوق ظهر المهراز فاس، بشراكة مع وزارة العدل وهيأة المحامين بفاس، يومي 4 و5 أبريل 2003. والكتاب نُشر سنة بعد ذلك. وثمة مصطلحات أخرى يستعملها الباحثون للتعبير عن المفهوم نفسه؛ من مثل: الوسائل البديلة لتسوية النزاعات، والطرق البديلة لحل النزاعات، وآليات حل النزاعات، والوسائل البديلة لفضّ المنازعات، والحلول البديلة لفض النزاعات، والتسوية الودّية…

[2]– رزان صلاح: الوسائل البديلة لحل المنازعات، مقال منشور إلكترونيا، بتاريخ 30/09/2018. انظر نصه على الرابط الآتي: : https://mawdoo3.com/%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B3%D8%A7%D8%A6%D9%84_%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AF%D9%8A%D9%84%D8%A9_%D9%84%D8%AD%D9%84_%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D8%A7%D8%B2%D8%B9%D8%A7%D8%AA. تاريخ الزيارة: 18/01/2020، في الساعة 16,45.

[3]– من مقالٍ مطوّل مُتاح على الشابكة بعنوان “الوسائل البديلة لحل النزاعات”، منشور بتاريخ: 22/12/2014. انظر نصه كاملا على الرابط الموالي: https://alhoriyatmaroc.yoo7.com/t1329-topic. تاريخ الزيارة: 18/01/2020، في الساعة 20,07.

[4]– فتوح عبد الله الشاذلي: “أساسيات علم الإجرام والعقاب” منشورات الحلبي الحقوقية، ط 2009، ص 346.

[5] محمد أحمد المنشاوي: مبادئ علم العقاب، مكتبة القانون والاقتصاد، الرياض، ص ص102-103. مؤلف منشور بالموقع الالكتروني https://books.google.co.ma، تم الاطلاع عليه بتاريخ 20/01/2020.

[6]– pour plus d’information veuillez voir: Merle et vitu «Traité de droit criminel», p756.

[7]– محمد صبحي نجم: قانون العقوبات: القسم العام – النظرية العامة للجريمة، دار الثقافة، ط.5، عمان، ص 141.

[8]– محمد أحمد المنشاوي: مبادئ على العقاب، م س، ص 105.

[9]–  Marc Ancel : « Les mesures de sureté en Matière criminelle » ; Rapport présenté au nom de la commission spécial d’études de la c.i.p.p Melun, imprimerie Administrative ; 1950,  p258.

[10]– عبد الواحد العلمي: شرح القانون الجنائي المغربي: القسم العام – دراسة في المبادئ العامة التي تحكم الجريمة والمجرم والعقوبة والتدبير الوقائي، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء، ط.8، 2018، ص 49.

[11]– إسحاق إبراهيم منصور: موجز في علم الإجرام وعلم العقاب ، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، ط.2، 1991، ص 158.

[12]– الفصل الثاني عشر من ظهير 30/04/1959.

[13]– الفصل السابع عشر من ظهير 30/04/1959.

[14]– ابن خدة رضى: مدخل لدراسة الطرق “البديلة” لمعالجة النزاعات – نحو نظرية عامة، مكتبة دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع، الرباط، ط.1، 2019، ص 103، بتصرف.

[15]– أي: يربح.

[16]– المرجع نفسه، ص 104.

[17]– عدنان عباس سلطان: قراءة في كتاب “تحقيق أهداف الوساطة: مواجهة المنازعات عن طريق التمكين والتقدير المتبادَل” لبوش وفولجر، مقال منشور في موقع “شبكة النبإ المعلوماتية”، بتاريخ: 22/12/2010. تمت زيارته بتاريخ: 20/01/2020، في الساعة 23,16. انظر نص المقال كاملا على الرابط:  https://annabaa.org/nbanews/2010/12/166.htm

[18]– ابن خدة رضى: مدخل لدراسة الطرق “البديلة” لمعالجة النزاعات، ص 105.

[19]– روبرت أ. باروخ بوش وجوزيف ﭖ. فولجر: تحقيق أهداف الوساطة – مواجهة المنازعات عن طريق التمكين والاعتراف المتبادل، تر: أسعد حليم، من منشورات الجمعية المصرية لنشر المعرفة والثقافة العالمية، مطابع المكتب المصري الحديث، القاهرة، ط.1، 1999، ص 37.

[20]– ابن خدة رضى: مدخل لدراسة الطرق “البديلة” لمعالجة النزاعات، ص ص 105-106.

[21]–  روبرت بوش وجوزيف فولجر: تحقيق أهداف الوساطة…، ص 39.

[22]– ترجم الباحث المصري أسعد حليم هذا العمل إلى العربية، في مجلد واحد، بالعنوان المذكور في الهامش رقم 6 من هذا البحث. وتَعدادُ صفحاته 312 من القِطْع المتوسّط. وتجدر الإشارة إلى أن هذا الكتاب يعد عُمدة في باب حل النزاعات سلْميا عن طريق الوساطة، ولاسيما الوساطة التحويلية.

[23]– ابن خدة رضى: مدخل لدراسة الطرق “البديلة” لمعالجة النزاعات، ص 107.

[24]– عدنان عباس سلطان: قراءة في كتاب “تحقيق أهداف الوساطة…”، م. س.

[25]– ابن خدة رضى: مدخل لدراسة الطرق “البديلة” لمعالجة النزاعات، ص 107.

[26]– المرجع نفسه، ص 106.

[27]– المرجع نفسه، ص 107.

[28]– نفـــسه.

[29]– نوقشت هذه الأطروحة بكلية الحقوق بمكناس عام 2015، بإشراف أستاذ القانون الجنائي د. نور الدين العمراني، وناقشها كلٌّ من د. محمد أحداف، ود. إدريس جويدي، ود. عبد الرحيم شميعة، ود. المعزوز البكاي.

[30]– ابن خدة رضى: مدخل لدراسة الطرق “البديلة” لمعالجة النزاعات، ص 109.

[31]– المرجع نفسه، ص 108.

[32]– روبرت بوش وجوزيف فولجر: تحقيق أهداف الوساطة…، ص 41، بتصرف.

[33]– عدنان عباس سلطان: قراءة في كتاب “تحقيق أهداف الوساطة…”، م. س.

[34]– ابن خدة رضى: مدخل لدراسة الطرق “البديلة” لمعالجة النزاعات، ص 109.

[35]– روبرت بوش وجوزيف فولجر: تحقيق أهداف الوساطة…، ص 43.

[36]– المرجع نفسه، ص ص 111-112.

[37]– عدنان عباس سلطان: قراءة في كتاب “تحقيق أهداف الوساطة…”، م. س.

[38]– ابن خدة رضى: مدخل لدراسة الطرق “البديلة” لمعالجة النزاعات، ص 111.

[39]– نفــسه.

[40]– روبرت بوش وجوزيف فولجر: تحقيق أهداف الوساطة…، ص 43.

[41]– Jean-Baptiste Racine: Pluralisme des modes alternatifs de résolution des conflits, pluralisme du droit, l’Hermès, Lyon, 2002, P 16.

[42]– Ibid, PP 16-17.

[43]– ابن خدة رضى: مدخل لدراسة الطرق “البديلة” لمعالجة النزاعات، ص 115.

Related Articles

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button