القروض البنكية : آثار القروض البنكية ومخاطرها

القروض البنكية : آثار القروض البنكية ومخاطرها

القروض البنكية بعد الإشارة في الفصل الأول إلى الإطار العام للقروض البنكية،  ارتأينا أن نخصص الفصل الثاني للحديث عن آثار القروض البنكية والمخاطر التي يمكن أن تنجم عنها،  وذلك من أجل الإحاطة بجميع جوانب هذا النوع من القروض،  ولهذا فإن دراستنا لهذا الفصل ستكون من خلال تقسيمه إلى مبحثين، الأول نتطرق فيه إلى التزامات طرفي العلاقة التعاقدية باعتبارها من آثار القروض البنكية،  أما الثاني سنخصصه للحديث عن المخاطر التي يمكن أن تنجم عن هذه القروض.

        المبحث  الأول:  التزامات طرفي العلاقة التعاقدية في القروض البنكية

ينشأ عن عقد القرض البنكي كغيره من العقود مجموعة من الآثار بين طرفي العلاقة العقدية،  ويتعلق الأمر هنا بالتزامات كل من البنك باعتباره المقرض  والشخص الطبيعي أو المعنوي باعتباره الزبون المقترض،  بالإضافة إلى كون هذه الالتزامات تولد مسؤولية احد الطرفين،  كما أن هذه القروض ينتج عنها ما يسمى بالفوائد،  ولهذا سنتناول هذا المبحث من خلال مطلبين: الأول نخصصه لالتزامات البنك المقرض،  وجزاء الإخلال بها،  والثاني سنخصصه لالتزامات الزبون المقترض.

        المطلب الأول: التزامات البنك المقرض وجزاء الإخلال بها

يرتب عقد القرض البنكي على البنك باعتباره أحد أطراف هذا العقد مجموعة من الالتزامات تجاه الزبون المقترض،  والذي يجب عليها احترامها،  وإلا اعتبر مسؤولا عن الإخلال بها،  ولهذا فإننا سنعالج هذا المطلب من خلال فقرتين نتطرق في الفقرة الأولى إلى التزامات البنك المقرض،  ونتعرض في الثانية إلى المسؤولية المدنية للبنك عند الإخلال بالتزاماته.

        الفقرة الأولى: التزامات البنك المقرض

تتمثل هذه الالتزامات في كل من الالتزام بتسليم مبلغ القرض للزبون،  ومراقبة كيفية استعماله لمبلغ القرض،  والالتزام بتقديم النصح والإرشاد،  وفي الأخير احترام مدة السداد. وسوف نتطرق لكل التزام على حدى.

        أولا: الالتزام بتسليم مبلغ القرض

بما أن عقد القرض يعتبر من العقود التي ترد على الملكية،  فمن المفروض أن المقرض في هذا العقد ينقل ملكية مبلغ القرض إلى المقترض منذ الوقت الذي يتم فيه العقد بتراضي الطرفين مع العلم أن الملكية تنقل هنا إلى المقترض بالعقد وحده،  ولو قبل التسليم.[1]

من هنا،  يعتبر البنك ملزما بتسليم مبلغ القرض المتفق عليه في العقد للزبون المقترض،  ويمكن أن يكون هذا التسليم إما في شكل دفعة واحدة،  بمعنى أن البنك يلتزم بتسليم مبلغ القرض بكامله دفعة واحدة إلى الزبون أو في شكل دفعات أي تجزيء أو تشطير مبلغ القرض إلى عدة أشطر،  ويتم التسليم بوضع مبلغ القرض تحت تصرف المقترض نقدا يدا بيد.[2] أو عن طريق إدراجه في الحساب البنكي للمقترض حتى يتسنى له سحبه،  واستعماله متى شاء.

        ثانيا: مراقبة كيفية استعمال الزبون لمبلغ القرض

إن البنك باعتباره مانحا للقرض يكون ملزما بمراقبة كيفية استعمال الزبون المقترض لمبلغ القرض،  لأن نيته لا تتجه دوما إلى توظيف القرض للغرض المتفق عليه مع البنك حيث إنه في بعض الحالات يكون غرض الزبون من هذا القرض تحقيق أغراض أخرى،  ولهذا  يقوم البنك بمراقبة كيفية استخدامه لمبلغ القرض تفاديا لعدم قدرة هذا الزبون على الوفاء بالقرض كليا أو جزئيا عند عدم توظيفه في الغرض المتفق عليه.

        ثالثا: الالتزام بتقديم النصح والإرشاد

يقصد بواجب النصح التزام صاحب الاختصاص في أي ميدان من الميادين بأن يبدي النصيحة لمن يتعامل معه في إطار العلاقة التي تربطهما بهدف توضيح الجوانب الخفية،  وغالبا ما تكون تقنية لنشاط معين،  أو من أجل تجنيبه ما قد يترتب عن تلك العلاقة من مخاطر غير متوقعة تضر به في الحال أو المآل[3]. ولهذا فإن على البنك المقرض أن يقدم للزبون المقترض المعلومات والنصائح التي ترشده لحسن إستعمال مبلغ القرض وما قد يترتب عن عملية القرض من التزامات في مواجهة الطرفين،  وحتى يكون هذا الأخير عالما بحقوقه،  وواجباته[4].

        رابعا: احترام مدة السداد

  إذا كان البنك يتمتع بحرية منح القرض أو عدم منحه للزبون،  فإنه في حالة إبرامه لعقد قرض مع زبون معين،  يجب عليه أن يلتزم باحترام مدة السداد المتفق عليها في عقد القرض؛ حيث لا يجوز للبنك مطالبة الزبون بإرجاع مبلغ القرض أو جزء منه قبل حلول الأجل[5].

        الفقرة  الثانية: المسؤولية المدنية للبنك المقرض

إن تطور مسؤولية البنك بمناسبة منحه الائتمان بصفة عامة أو القرض بصفة خاصة لم تكن وليدة السنوات الأخيرة بل هي تطبيق للقاعدة التي مفادها أن كل شخص مسؤول عن الأضرار التي يصيب بها غيره، إما نتيجة عدم التنفيذ العيني للالتزام الناشئ عن العقد أو نتيجة إخلال بالتزام قانوني،  وذلك بارتكاب عمل أو فعل غير مشروع يحدث الضرر بالغير،  وهو ما يصطلح عليه فقهيا بالمسؤولية العقدية أو التعاقدية والمسؤولية التقصيرية. ولهذا،  فإننا سنتطرق في هذه الفقرة إلى المسؤولية  العقدية للبنك عند الانتهاء التعسفي لعقد القرض البنكي (أولا)،  ثم المسؤولية التقصيرية للبنك عند إقراض المقاولة في وضعية صعبة.

        أولا: المسؤولية العقدية للبنك عند الإنهاء التعسفي لعقد القرض البنكي

مما لا شك فيه أن إقدام البنك على فسخ عقد القرض الذي يربطه بزبونه من جانب واحد  وبصورة تعسفية يرتب مسؤوليته العقدية،  وذلك باعتباره الطرف المدين بالالتزام خاصة إذا ما تسبب لهذا الزبون بأضرار نتيجة لهذا الفسخ التعسفي[6]،  كما أنه في إطار المسؤولية العقدية التي تنشأ عن عدم قيام البنك بتنفيذ الالتزام المترتب عن العقد،  يتعين على الزبون أن يثبت بأنه ليس هو مصدر الخطأ،  وأن عدم تنفيذ العقد لا يعود إليه لأن هذه المسؤولية تبنى في المجال البنكي على عقد،  وأن خطأ البنكي يتجلى في عدم تنفيذ ذلك العقد،  أو سوء تنفيذه  ولن يعفيه من تحمل هذه المسؤولية سوى ما يصطلح عليه بالقوة القاهرة[7].

بالرجوع إلى نازلة في هذا الموضوع،  تتلخص وقائعها في أن أحد المستثمرين الأجانب أبرم عقدا قيمته خمسة ملايين درهم مع مؤسسة بنكية من أجل إنجاز مشروع سياحي بمدينة مراكش مقابل رهنه لها عقاراته بهذه المدينة،  إلا أن البنك نفذ جزئيا العقد المبرم بينه وبين هذا المستثمر،  وذلك بذريعة أنه بعد دراسة المشروع  تبين له أن المبلغ المطلوب مبالغ فيه،  وأن تمويله في حدود مليوني درهم كان كافيا لإنجاز المشروع فقضت المحكمة مسؤولية البنك المدنية،  وقد جاء في حيثيات هذا القرار الصادر بمحكمة الاستئناف التجارية بالبيضاء،  بتاريخ: 28/05/1998 ما يأتي:

“وحيث إن البنكَ لم ينفذ ما التزم به إلا في حدود مليوني درهم بعلة أنه تبين له بعد دراسة المشروع أن ما يطلبه –المستأنَف عليه- مبالغ فيه وأنه قد وافق على مبلغ مليوني درهم حين توقيعه على أداء الأقساط.

 وحيث إن ما يدعيه البنك لا يستقيم مع طبيعة عمله كبنك له دراية واسعة في ميدان الأعمال التجارية،  فلا يعقل أن يوافق على مبلغ القرض،  ويقوم المقترض برهن عقاراته لفائدة البنك،  ثم بعد ذلك يشرع في دراسة المشروع،  وهل يستحق مبلغ القرض أم لا؟

وحيث يتجلى مما ذكر أن البنك قد أخل بالتزاماته تجاه المستأنف عليه،  وأن ما قضى به الحكم المستأنف بخصوص تنفيذ عقد القرض كان في محله.

وحيث إنه نظرا للأضرار التي لحقت بالمستأنف عليه،  والتي تتجلى في عدم استفادته من مبلغ القرض كله الشيء الذي نتج عنه عدم إنجاز المشروع في وقته،  وتحمله لفوائد مرتفعة،  كل ذلك يستحق عنه تعويضا”[8].

من خلال هذا القرار،  يتضح لنا أن القضاء المغربي يسير في اتجاه إقرار المسؤولية العقدية للبنك وذلك بإخلاله ببنود وشروط العقد الذي يربطه مع زبنائه خاصة وأن عدم تنفيذ العقد من جهة البنك يتسبب للزبون المقترض  في عدة أضرار مادية،  الشيء الذي يلزم البنك بتعويض هذا الأخير عن الأضرار التي لحقت به[9].

        ثانيا: المسؤولية التقصيرية للبنك عند إقراض مقاولة في وضعية صعبة

بالإضافة إلى المسؤولية العقدية الناشئة عن إخلال البنك المقرض بأحد شروط  عقد القرض البنكي،  فإننا نجد مسؤولية أخرى لهذا البنك والمتمثلة في المسؤولية التقصيرية الناتجة عن إلحاق الضرر بالغير؛ فمسؤولية البنك تجاه الأغيار تخضع لأحكام المسؤولية التقصيرية التي ينظمها الفصل 77 وما يليه من قانون الالتزامات والعقود،  وذلك نظرا لغياب قواعد خاصة تنظم المسؤولية التقصيرية للبنك. وعلى العموم،  فإن هذه المسؤولية تقوم كذلك على أساس الأخطاء التي يرتكبها البنك عند تعامله مع مؤسسة على وشك التوقف عن الدفع.

وباعتبار أن عملية الائتمان تنتج عنها مخاطر،  هذه الأخيرة يمكن أن تتزايد في حالة تعامل البنك مع مقاولة تمر في وضعية صعبة،  أو هي على وشك التوقف عن الدفع،  فيكون في هذه الحالة (أي البنك) قد ركب مخاطر غير عادية،  ويمكن أن يعاب عليه أنه بمنحه قرضا لهذا النوع من الشركات يكون قد أسهم في تمديد حياتها بشكل يضر بمصالح الدائنين،  ويؤدي أيضا إلى تأخير مساطر التسوية والتصفية القضائية،  بحيث يكون من شأن تصرف البنك هذا إعطاء المقاولة حالة صورية أو ظاهرية خادعة تؤدي إلى تكاثر عدد الدائنين ضحايا هذه الوضعية[10].

وعلى هذا،  فإن البنك يكون مسؤولا تجاه الأغيار عن الأضرار التي تسبب لهم فيها على اعتبار أن الخطأ هنا مرتبط بالغير المخدوع بمظهر مالي،  ومرتبط بوضعية ساهم البنك في حلقها بدعم لم يكن الهدف منه مساعدة المقاولة على الإقلاع،  وتحسين مكانتها ضمن نشاطها الاقتصادي،  أو دعمها ماديا من أجل الخروج من وضعية مالية غير مريحة بقدر ما كانت الغاية منه هي إعطاء الوسائل الناجعة للاحتيال على الغير[11].

 وعموما،  فإن العنصر الأساسي لتحقق مسؤولية البنك التقصيرية يتمثل في عنصر الضرر للغير باعتباره يشكل الركن الثاني من أركان المسؤولية،  كما أنه لا يكفي لإثارة مسؤولية البنك وقوع خطأ من جانب هذا الأخير،  بل يتعين أن يترتب عنه ضرر للغير،  الشيء الذي يجعل البنك ملزما بتعويض هذا الضرر.

        المطلب الثاني: التزامات الزبون المقترض

على غرار البنك المقرض،  فإن الزبون المقترض سواء كان شخصا ذاتيا أو معنويا هو الآخر عليه مجموعة من الالتزامات تجاه هذا البنك،  والتي يمكن إجمالها في رد مبلغ القرض عند حلول الأجل (الفقرة الأولى) والالتزام بدفع الفائدة (الفقرة الثانية).

        الفقرة الأولى: رد مبلغ القرض عند حلول الأجل

إن عقد القرض في الأصل عقد محدد المدة،  وينتهي بإنتهاء الأجل المحدد بين طرفيه[12]. ولهذا فإن الزبون المقترض ملزم برد مبلغ القرض إلى البنك عند حلول أجل السداد،  وبناءً عليه،  فكيف يتم تسديد مبلغ القرض؟ وما جزاء الإخلال برد مبلغ القرض؟

        أولا: كيفية تسديد مبلغ القرض

يمكن للزبون أن يرد مبلغ القرض إلى البنك في الوقت المحدد إما في شكل دفعة واحدة،  أو في شكل دفعات حسب ما اتفق عليه في العقد،  وتتخذ هذه الدفعات شكل أقساط شهرية،  وذلك بغرض تسهيل وتيسير عملية السداد.

ثانيا: جزاء الإخلال برد مبلغ القرض

يلتزم الزبون المقترض برد مبلغ القرض إلى البنك وإلا إعتبر في حالة مطل،  ولهذا فإن للبنك حق حبس مبلغ القرض بين يديه أو وقف مبالغ باقي أشطر القرض،  وذلك في الحالة التي يتوقف فيها الزبون عن السداد،  مع إعطائه مهلة من أجل تسوية وضعيته داخل أجل معين، وإذا لم يقم الزبون المعني بالأمر بتسوية وضعيته داخل الأجل المحدد له من لدن البنك،  أو لم يقدم في مقابل ذلك مبررات مقبولة لعدم قيامه بذلك،  كأن يحصل مانع مؤقت يحول دونه،  والقيام بذلك،  وبهذا يصبح البنك محقا في مطالبته بإرجاع ما تم تسليمه من أموال بفسخ عقد القرض[13].

الفقرة الثانية: الالتزام بدفع الفائدة

يلتزم الزبون المقترض بدفع الفائدة عن مبلغ القرض الذي يستفيد منه،  والقاعدة في الفائدة هي أن تكون نسبتها مناسبة لرأس المال المعتمد في القرض وإلى مدة القرض الممنوح. وتختلف الفائدة من بنك إلى آخر كما تختلف داخل المؤسسة البنكية نفسِها. وعموما،  سوف نتطرق في هذه الفقرة إلى الأساس القانوني للفائدة (أولا) ثم إلى أنواع الفوائد البنكية (ثانيا).

        أولا: الأساس القانوني للفائدة

أصبح التعامل بالفوائد ممارسة طبيعية  في الاقتصاد الوطني،  وتجدر الإشارة إلى أن الأساس القانوني للفائدة كان ولا يزال يشكل محور النقاش من الوجهتين القانونية والفقهية ولهذا سنتناول الأساس القانوني للفوائد من خلال القواعد العامة في قانون الالتزامات والعقود  وفي إطار النصوص الخاصة.

  • الفائدة في إطار القواعد العامة

بالرجوع إلى قانون الالتزامات والعقود نجد أن المشرع خصص في الباب الثالث من القسم الخامس من الكتاب الأول: “القرض بالفائدة” من الفصل 870 إلى الفصل 878.

حيث نص الفصل 870 من ق. ل. ع على تحريم الفائدة بين المسلمين وجعل اشتراطها بينهم باطلا للعقد الذي يرد فيه [14] غير أنه  جاء في الفصل 871 من ق .ل. ع  وأجاز اشتراط الفوائد كتابة وذلك في حالات أخرى- يكون فيها أحد طرفي العقد غير مسلم- وافتراض هذا الاشتراط إذا كان أحد الأطراف تاجرا.

وهكذا فإذا كان الفصل 870 من ق ل ع قاعدة وضعية كرست مبدأ تحريم التعامل بالفائدة بين المسلمين فإن ما يلاحظ بهذا الخصوص أن هناك شبه إجماع من لدن  فئة من الباحثين على أن الفصل 870 من ق ل ع المقرر لمبدأ منع المسلمين من التعامل بالفائدة  في ما بينهم،  تخضع لاستثناءات يقلص من مداها وهي المنصوص عليها في الفصل 871 من قانون الالتزامات والعقود،  حيث يرون في هذا الصدد بأن التجار ولو كانوا مسلمين يجوز لهم بناءً على هذا الفصل التعامل بالفائدة[15].

كما أن هناك ما يجعل من مقتضيات الفصل 871 من ق. ل. ع أساسا لتقاضي البنوك في المغرب فوائدَ عن القروض التي تمنحها لعملائها،  بدعوى أن البنك بصفته تاجرا،  يخرج عن نطاق القاعدة المقررة في الفصل 870 من ق ل ع  أو من خلال القول أن البنك شخص معنوي مجرد من أي إنتماء ديني وبالتالي جواز اشتراطه الفائدة بينه وبين الزبون.[16]

وهذا ما أشار إليه المجلس الأعلى ( محكمة النقض حاليا)[17] في قرار صادر عنه بتاريخ 4 أبريل 1990 في الملف المدني عدد 3898/85،  والذي لم يعتمد على الصفة التجارية لكلا الطرفين أو بعضهما ليقرر جواز اشتراط الفائدة بين شخص معنوي وشخص طبيعي مسلم،  بل اعتمد مباشرة على نظرية الشخص المعنوي،  إذ ورد في تعليله لقراره هذا على ما يأتي:” لكن حيث لئن كانت الفوائد الاتفاقية محرمة بين المسلمين حسب صريح الفصل 870 من قانون الالتزامات والعقود والحال أن الطالب مسلم،  فإن المطلوب في النقض شخصية اعتبارية مجردة من أي من إنتماء ديني،  ومن تم،  فالفوائد المشروطة  لا ينطبق عليها الفصل المذكور (الفصل 870 من قانون الالتزامات والعقود)،  وبذلك فإن الدفع لا أثر له والمحكمة غير ملزمة بالجواب على دفع لا أثر له”[18].

والجدير بالملاحظة أنه تخرج عن هذا الإطار الفوائد البنكية لكون تحديدها يكون بقرار لوزير المالية مع مراعاة الصلاحيات المخولة لبنك المغرب في هذا المضمار[19].

ومن خلال رصد القرارات الصادرة عن محكمة النقض في هذا الخصوص،  يتبين أنها تذهب إلى عدة اتجاهات يمكن أن نحصرها في ثلاثة اتجاهات كما يأتي[20]:

– الإتجاه الأول : الفائدة المحرمة بين المسلمين هي الفائدة الاتفاقية وليس الفائدة القانونية.

 وهذا ما ذهب إليه المجلس الأعلى محكمة النقض حاليا في قرار له بتاريخ 13 مارس 1991 على أن الفائدة الاتفاقية المحرمة بين المسلمين في الفصل 870 من ظهير الالتزامات والعقود هي الفائدة الاتفاقية المترتبة عن القرض وليس الفائدة القانونية المترتبة عن التأخير والتي تعتبر بمثابة تعويض ولا يطالها المنع الوارد في الفصل المذكور[21].

– الإتجاه الثاني : الفائدة الاتفاقية يفترض اشتراطها إذا كان أحد الطرفين أو كلاهما تاجرا.

وهو ما أتجه إليه المجلس الأعلى في قراره الصادر بتاريخ 14 يونيو 1982 باعتبار أن الفوائد البنكية عن المبالغ التي تتضمنها الحسابات الجارية يفترض اشترطها إذا كان أحد الطرفين أو كلاهما تاجرا. وذلك طبقا لمقتضيات  871و872 من قانون الالتزامات والعقود[22].

-الإتجاه الثالث: الفائدة الاتفاقية تستحق إذا كان الدائن بها شخصا اعتباريا ويقرض اشتراطها إذا كان أحد الطرفين أو كلاهما تاجرا[23].

2- الفائدة في إطار النصوص الخاصة

سنتناول هذه الفائدة في كل من مدونة التجارة والقانون البنكي.

        أ- الفائدة في مدونة التجارة

إن الخلاف الذي أثير حول الأساس القانوني للتعامل بالفائدة في قانون الالتزامات والعقود يعد متجاوزا في مدونة التجارة من خلال مجموعة من نصوص هذه المدونة،  حيث نصت المادة 495 من مدونة التجارة على كون الفوائد تسري بقوة القانون لفائدة البنك. وهو امتياز أقرته مدونة التجارة لفائدة الأبناك جعلت من خلال الفوائد التي تستخلصها هذه الأخيرة  لا تحتاج إلى اشتراط تعاقدي بينها وبين زبنائها،  وذلك خلافا لزبناء الذي لا تسري الفوائد لصالحهم إلا إذا كانت مشروطة[24].

كما أشارت المادة 495 على الفوائد المترتبة عن مبالغ الكمبيالة،  علما أن القرض البنكي قد يتم في شكل كمبيالة محررة من طرف المقترض.

        ب – الفائدة في إطار القانون البنكي

بالرجـوع إلى المـــــادة 115 من ظهــير 14 فبراير 2006[25]،  نجدها تنص على أنه: “لا تطبـق على عملية الإيداع والائتمان التي تقوم بها مؤسسـات الائتمـان أحكام الظهـــير الشريف بتــاريخ: 8 دو القعدة 1831 (9 أكتوبر 1913) المحدد بموجبه في المادتين المدنية والتجارية السعر القانوني للفوائد الحد الأقصى للفوائد الاتفاقية كما وقع تغييره.”  ومن هنا يكون القانون 14 فبراير 2006 قد استثنى عمليات الإيداع والائتمان التي تقوم بها مؤسسات الائتمان من أحكام ظهير 9-10-1913 مما يمكن معه اعتماد هذه المادة قانون الالتزامات والعقود[26].

        ثانيا: أنواع الفوائد البنكية

يمكن تقسيم الفوائد إلى نوعين رئيسيين،  فوائد قانونية وفوائد اتفاقية،  فما المقصود بكل منهما؟

1- الفائدة البنكية القانونية

هي تلك التي لا تكون صادرة  عن إرادة الأطراف باتفاقهم عليها وعلى نسبتها عند إنشاء العقد،  وإنما يتم السكوت عنها فيتم تحديدها قانونا،  فهي بذلك تعتبر قانونية لكون المشرع هو الذي تولى تحديدها وهي تطبق عند عدم اتفاق الأطراف أو عدم التنصيص على الفوائد الاتفاقية[27]،  وقد  حدد ظهير  16 يونيو 1950 سعر الفائدة القانونية في 6 بالمائة  [28].

2-الفائدة البنكية الاتفاقية

هي التي تكون نابعة عن إرادة الأطراف الذين يجوز لهم أن يشترطوا إنتاج الديون الناشئة بينهم للفوائد بنسبة معينة، وهذا الشرط يكون في عقود القرض إذ يجوز للأطراف الاتفاق على استحقاق فوائد عن القرض. ويكون للفائدة في هذه الحالة طابع التعويض،  فهي تعوض الدائن عما يلحقه من ضرر من جراء حرمانه من استغلال أمواله[29]،  والحد الأقصى لهذا النوع من الفوائد هو 10%.

        المبحث الثاني : مخاطر القروض البنكية

تعتبر عملية الإقراض للزبناء الخدمة الأساسية التي تقدمها البنوك ومصدرها الأول لتحقيق الربح،  إلا أن هذه الأخيرة تكون مهددة بمجموعة من المخاطر نتيجة عمليات الاقراض التي تقوم بها. ولهذا سنتناول هذا المبحث من خلال الحديث عن ماهية  مخاطر القروض البنكية في المطلب الأول،  وتقنيات تدبير هذه المخاطر في  المطلب الثاني.

        المطلب الأول : ماهية مخاطر القروض البنكية

تعتبر عملية التوسع في القروض من الأنشطة الرئيسة لأغلب البنوك،  نتيجة لذلك فإن الخطر الرئيسي الذي تواجهه البنوك هو خطر الائتمان،  أو إخفاق الطرف المقابل في الأداء طبقا للإلتزامات التعاقدية،  وسوف نتحدث في هذا المطلب عن تعريف مخاطر القروض البنكية في فقرة أولى،  ثم عن أنواع هذه المخاطر في فقرة ثانية.

        الفقرة الأولى : تعريف مخاطر القروض البنكية

في هذه الفقرة  سوف نتطرق إلى تعريف مخاطر القروض البنكية في كل من المفهوم الاقتصادي،  والمنظور الفقهي.

        أولا: مخاطر القروض البنكية في المفهوم الاقتصادي

يقصد بالمخاطر البنكية تعرض البنك إلى خسائر غير متوقعة وغير مخطط لها،  الأمر الذي يؤدي إلى التدبدب العائد المتوقع من استثمار معين،  قد تنجم عنه عدة آثار سلبية تتولد عن أحداث مستقبلية محتملة الوقوع لها قدرة على التأثير على تحقيق البنك لأهدافه المعتمدة وتنفيذ استراتيجياته بنجاح.[30] كما تعرف مخاطر القروض البنكية بعدم إمكانية تقدير المطلق لتلقي الأرباح المرجوة،  والمتوقعة من توظيف الأموال إضافة إلى أن الفرق بين ما ستكون عليه القيمة الفعلية للمتغير عندما تتحقق الأهداف المستقبلية المستمرة كما حسبت من قبل.

        ثانيا: مخاطر القروض البنكية حسب منظور فقهي

عرف بعض الفقه[31] خطر القرض البنكي بكونه تلك المخاطرة التي ترتبط بالطرف الآخر في العقد،  ومدى قدرته على الوفاء بالتزاماته التعاقدية كاملة،  وفي موعدها المحدد في العقد  ونتيجة لهذه المخاطر،  هناك حالة عدم التأكد من صافي الدخل،  ومن القيمة السوقية للأصول،  تنشأ من عدم السداد كلية أو من التأخير في سداد أصل القرض الفوائد المستحقة عليه.

كما عرفه البعض الآخر بأنه احتمال عجز المقترض عن تسديد أقساط القروض وفوائدها وفقا للجدول الزمني المتفق عليه عند إبرام عقد القرض،  أو بأنه إمكانية فشل المقترض في الوفاء بالتزاماته طبقا للبنود المتفق عليه،  مما يعني أن المدين لن يتمكن من  دفع الفائدة،  وسداد أصل القرض[32].

وعموما يمكن القول إن مخاطر القروض البنكية هي المخاطر التي تنشأ بسبب عدم السداد الكامل وفي الموعد المحدد للمدين (المقترض) لدائنه (البنك) مما ينتج عنه خسارة مالية لهذا الأخير.

        الفقرة الثانية: أنواع مخاطر القروض البنكية

تنقسم هذه المخاطر إلى نوعين رئيسيين وهي المخاطر ذات الطبيعة المالية (أولا) ومخاطر ذات طبيعة  تشغيلية (ثانيا).

        أولا : المخاطر ذات الطبيعة المالية

تشمل هذه المخاطر كلا من مخاطر السيولة ومخاطر عدم الاسترداد. وسوف نتطرق لكل واحدة على حدى.

  • المخاطر المرتبطة بالسيولة

يقوم كل بنك بجمع الأموال المدخرة سواء على السيولة اللازمة لمنح قروض لتوظيف تلك الودائع،  لكن كثرة الطلب على الودائع الجارية يؤدي إلى نقص السيولة،  وبالتالي يكمن الخطر في لجوء البنك إلى البنك المركزي لطلب قروض من أجل تسوية الديون والالتزامات وذلك مقابل أسعار فائدة،  كما أن البنك المقرض ملزم بدفع أسعار فائدة لصالح العملاء ذوي الحسابات لأجل المفتوحة لديه،  وبذلك هناك خطورة  ناتجة عن نقص السيولة لدى البنك نظرا لتجميدها لفترة محددة عند منح القروض خاصة ذات الأجل الطويل[33].

  • مخاطر عدم الاسترداد

هي عدم قدرة المقترض على الوفاء بالدين كليا أو عدم سداد جزئي لمبلغ القرض،  ويعود ذلك إلى الحالة المالية التي يمر منها الزبون، فمثلا كلما زاد حجم المديونية للشركة المقترضة مقارنة مع حقوق الملكية،  يؤدي إلى زيادة المخاطر المالية،  وهذا يؤثر سلبا على عمل البنوك المقرضة في عدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها تجاه المودعين الذين وضعوا ثقتهم فيها من خلال إيداع أموالهم،  وبذلك تتأثر الوضعية المالية للبنك. وعلى  هذا الأساس،  تكون المؤسسة البنكية ملزمة بالعمل على توزيع قروض قادرة على استقطاب عملاء قادرين على تسديدها لأنه إن لم تراعِ التعامل مع مقترضين جيدين،  فإنها ستفقد أموال المودعين  والمودعين أنفسهم  إضافة إلى الأرباح التي كان يفترض أن تحققها[34].

        ثانيا: المخاطر ذات الطبيعة التشغيلية

بعد الإشارة إلى المخاطر المالية في الفقرة الأولى هناك نوع آخر من المخاطر،  وهي المخاطر ذات الطبيعة التشغيلية،  وقد عرفت المادة 77 من منشور والي بنك المغرب رقم 40/ و/2007[35] بكون مخاطر التشغيل هي مخاطر الخسارات الناجمة عن وجود قصور أو عيوب تعزى إلى المساطر أو المستخدمين،  أو الأنظمة الداخلية،  أو أحداث خارجية،  ويتضمن هذا التعريف الخطر القانوني”.

وانطلاقا من هذا التعريف،  فإن الخطر القانوني يندرج ضمن مخاطر التشغيل كما يندرج ضمن هذا النوع من المخاطر كذلك خطر تغير سعر الفائدة.

1- الخطر القانوني في إطار القروض البنكية

سنتحدث عن هذا النوع من المخاطر من خلال تعريفه،  وتحديد نطاقه.

        أ- تعريف الخطر القانوني المرتبط بالقروض البنكية

عرفت المادة 66 من الدورية الصادرة عن والي بنك المغرب المتعلق بالمراقبة الداخلية لمؤسسات الائتمان[36]، الخطر القانوني بكونه خطر حدوث نزاع قابل لإثارة مسؤولية مؤسسة الائتمان بسبب عدم الدقة أو الغموض الذي قد يشوب تحرير العقود أو باقي التصرفات ذات طبيعة قانونية في مواجهة الأغيار.

        ب- نطاق الخطر القانوني في القروض البنكية

إن الخطر القانوني يرتب المسؤولية المدنية للأبناك نتيجة عدم قيامها بتنفيذ التزاماتها أو التنفيذ المعيب لها كالإنهاء التعسفي  لبعض العقود المبرمة في هذا الإطار وبين عملائها،  وذلك دون سبب وجيه أو قانوني يبرر هذا التصرف.  

  • خطر تغير سعر الفائدة

مفاد هذا الخطر أن تقلب أسعار الفائدة مستقبلا بشكل لا يتلاءم مع نوعية القروض الممنوحة من طرف البنك،  الشيء الذي سوف يؤثر على المحفظة المالية لهذا البنك،  فمثلا بالنسبة إلى ارتفاع أسعار الفائدة في السوق قد يكون له تأثير سلبي على البنك متى قام هذا الأخير بمنح قروض طويلة الأجل بسعر فائدة ثابت،  ففي هذه الحالة،  تكون تكلفة الأموال التي يحصل عليها البنك من مصادره المختلفة (الودائع مثلا) من أجل تمويل هذه القروض،  تفوق المردودية التي يجنيها من الفوائد المطبقة على هذه القروض[37].

        المطلب الثاني: تقنيات تدبير مخاطر القروض البنكية

بإعتبار القرض ومخاطره وجهين لعملة واحدة بمعنى أن البنك حين منحه القروض يتعرض لمخاطر عديدة ومتوقعة،  ومن أجل تفادي هذه المخاطر  وتدنيها،  يتوجب على البنك إتباع الطرائق لتسييرها وتدبيرها تكون مبنية على أسس مضبوطة. ولهذا سوف نتناول في هذا المطلب تقيد مؤسسات الائتمان بالقواعد الاحترازية في الفقرة الأولى،  ثم سنخصص الفقرة الثانية للحديث عن تقيد هذه المؤسسات بواجب اليقظة.

الفقرة الأولى: التقيد بالقواعد الاحترازية

بالرجوع إلى ظهير 14 فبراير 2006،  نجد أنه ألزم مؤسسات الائتمان بوجوب التأكد من مدى احترام هذه الخيرة للضوابط التنظيمية والاحترازية المعمول بها في هذا المجال،  وذلك حتى يتسنى لها القيام بدورها في تمويل الاقتصاد الوطني دون خوف من الوقوع في بعض الصعوبات والأزمات المالية.

ويمكن تعريف القواعد الاحترازية بكونها تلك القواعد المرتبطة بالتسيير في المجال البنكي،  والتي يجب احترامها من لدن البنوك،  وذلك من أجل الحفاظ على أموالها الخاصة،  وضمان مستوى معين من السيولة وملاءتها المالية تجاه المودعين. ومن خلال هذا التعريف،  سوف نتطرق إلى المعامل الأدنى لملاءة مؤسسات الائتمان (أولا) ثم بعد ذلك إلى معامل توزيع المخاطر البنكية (ثانيا).

        أولا: المعامل الأدنى لملاءة مؤسسات الائتمان

رغبة منه في تقوية الضمانات الممنوحة للزبناء في مواجهة المؤسسات البنكية،  قرر المشرع المغربي إسوة بتشريعات أغلبية البلدان ذات الهياكل البنكية العصرية إخضاع البنوك لقاعدة احترام معامل الملاءة[38] الذي كان قبل فاتح يناير 1993 في مراعاة المؤسسات البنكية لنسب دنيا بين أموالها الذاتية،  وبين الودائع التي تتلقاها من الزبناء،  حيث كانت هذه المؤسسات ملزمة بالرفع من رأسمالها تطبيقا لمعامل الملاءَة بحسب ارتفاع حجم الودائع التي تستقبلها من المودعين[39].

  غير أنه ابتداءً من التاريخ المذكور،  أصبح هذا المعامل يحتسب على أساس مخاطر القروض وليس على حجم الودائع المتلقاة من الزبناء.

 وبخصوص نسبة هذا المعامل،  فقد حددها قرار وزير المالية الصادر في 25 مارس 1969  في نسبة 5% ، ثم رفعها إلى نسبة 5,25%   سنة 1982 وإلى 5,50%   سنة 1985،  ثم إلى 8%   ابتداءً من يناير 1993[40]،  ثم جاء ظهير 14 فبراير 2006 الذي ألزم في المادة 50 منه مؤسسات الائتمان بوجوب المحافظة على ملاءَتها،  وتوازن وضعيتها المالية[41].

        ثانيا: معامل توزيع المخاطر البنكية

يهدف معامل توزيع المخاطر البنكية إلى الحد من حجم المخاطر التي يمكن أن تنتج عن قيام المؤسسة البنكية بإقراض كل أموالها الذاتية أو جزء هام منها لمقترض واحد. وبعبارة أخرى،  فإن الغاية من إقرار ما يسمى بمعامل توزيع المخاطر البنكية تتجلى في الحد من المخاطر التي يمكن أن تنجم عن تعامل المؤسسة البنكية مع مقترض واحد من جراء اقتراضه كل أموالها الذاتية أو جزء هام من هذه الأموال،  ذلك أن منح هذه القروض دون مراعاة لمعامل توزيع الأخطار البنكية من شأنه أن يؤدي إلى تعرض المؤسسة البنكية المقرضة لصعوبات مالية قد تصل بها إلى التوقف عن الدفع في حالة ما إذا راهنت هذه المؤسسة على ملاءَة الزبون الذي أقرضته جميع أو أهم ما يتوفر لديها من أموال ذاتية،  وحصل أن تم إعسار هذا الزبون أو توقفه عن الدفع[42].

ولهذا يتعين على البنوك بموجب هذا المعامل ألا تزيد التسهيلات الائتمانية التي تقدمها إلى زبون واحد عن نسبة معينة محددة من لدن والي بنك المغرب،  وذلك للحيلولة دون الإفراط في تمويل البنك لزبون واحد تجنبا للمخاطر التي قد يتعرض لها البنك في حالة إعسار الزبون.

        الفقرة الثانية: التقيد بواجب اليقظة

إضافة إلى التقيد بقواعد احترازية من لدن مؤسسات الائتمان،  فهي ملزمة كذلك بالتقيد بواجب اليقظة في سبيل التحقيق والحد من مخاطر القروض البنكية،  وفي هذا الإطار،  صدر عن والي بنك المغرب منشور رقم 41/و/2007[43] محددا الواجبات المفروضة على مؤسسات الائتمان عند تعاملها مع عملائها،  وكذلك ملزما هذه المؤسسات بواجب اليقظة،  وبناءً عليه نتساءل عن المقصود بواجب اليقظة أولا؟ وما هي إجراءات هذا الواجب؟

        أولا: مدلول واجب اليقظة

يقصد عموما بواجب اليقظة مجموع الإجراءات الضرورية المفروضة على مؤسسات الائتمان والتي تمكنها من تحديد هوية عملائها ومعرفتهم بشكل معمق،  وكذا من تتبع ومراقبة مختلف العمليات التي ينجزها هؤلاء العملاء ولاسيما تلك التي تشكل درجة كبيرة من المخاطر[44].

من خلال هذا التعريف،  يتبين أن واجب اليقظة يهدف إلى حماية مؤسسات الائتمان من مختلف المخاطر،  وبالأخص تلك المخاطر المتعلقة بعملية غسل الأموال[45].

        ثانيا: إجراءات واجب اليقظة

تكون  المؤسسة البنكية ملزمة قبل الإقدام على التعاقد مع أي زبون بإتباع مجموعة من الإجراءات التي تساعدها على معرفة الزبون الذي سوف تتعامل معه،  ومن هذه الإجراءات:

1- التأكد من هوية الزبون

بالنسبة إلى الشخص الطبيعي فإن أول ما يجب على  المؤسسة البنكية القيام به هو تحديد هوية هذا الزبون بشكل محدد سواء عن طريق إجراء مقابلات فردية معه،  أو جمع مختلف المعلومات كموطنه،  والنشاط الذي يزاوله،  وسمعت،  وذلك بهدف تأكد البنك من صدق المعلومات التي قدمها هذا الزبون. وفي ما يتعلق بالشخص المعنوي فإن المؤسسة البنكية ملزمة أيضا بالتحقق من الوجود القانوني للشخص المعنوي قبل إبرام أي عقد معه،  ولهذا فإنه يجب عليها إعداد استمارة باسم كل زبون من الأشخاص المعنويين يجب أن تضمن فيها حسب الطبيعة القانونية لهؤلاء الأشخاص جميع البيانات أو بعضها. وتتمثل هذه البيانات[46] فيما يلي:

– التسمية التجارية أو الشعار أو هما معا؛

– الشكل القانوني؛

– النشاط؛

– عنوان المقر الاجتماعي؛

– رقم التعريف الضريبي؛

– رقم تقييد السجل التجاري للشخص المعنوي ولمؤسساته عند الاقتضاء،  وكذا مركز التسجيل.

وتتضمن الوثائق التكميلية الواجب على الشركات التجارية الإدلاء  بما يأتي:

– النظام الأساسي المحين؛

– الشهر القانوني المتعلق بإحداث الشركة،  وبالتعديلات المحتمل أن تطرأ على نظامها الأساسي؛

– القوائم التركيبية للسنة المالية المنصرمة؛

– أسماء المسيرين  والأشخاص الموكل إليهم.

وبالنسبة إلى الشركات في طور التأسيس فمؤسسات الائتمان ملزمة بمطالبة هذه الشركات بتسليمها الشهادة السلبية وبمشروع النظام الأساسي،  وكافة عناصر البيانات لتحديد هوية مؤسس الشركة،  والمكتتب في رأسمالها.       

  • السهر على تحيين البيانات المحددة لهوية الزبون

بالإضافة إلى التأكد من هوية الزبون فالمؤسسة البنكية ملزمة كذلك بالسهر على تحيين البيانات المحددة لهوية زبنائها وذلك بصفة منتظمة وبشكل دوري،  بهدف تصنيف زبنائها إلى فئات مختلفة حسب نوعية المخاطر التي يمثلونها وذلك بالاعتماد على بعض المؤشرات مثل البلد الأصلي،  نوع النشاط وكذا العمليات المنجزة أو التي يتم إنجازها من طرف هذا الزبون،  وفي هذا الإطار يجب أن تضع المؤسسات البنكية لكل فئة أو نوع من الزبناء حدودا دنيا،  يؤدي تجاوزها إلى اعتبار تلك العمليات غير اعتيادية أو مشبوهة[47]،  لهذا يجب وضع نظام المراقبة الداخلية من أجل السهر على ضمان التواصل مع وحدة معالجة المعلومات المالية وعلى القيام على التتبع حسابات التي تسجل عمليات مشبوهة وغير اعتيادية،  وأيضا دراسة تقارير الوكالات عن هذه العمليات،  وأخيرا اطلاع إدارة المؤسسة البنكية باستمرار على الزبناء الذين يشكلون درجة عالية من الخطورة[48].

[1]– محمد جنكل،  الائتمان التجاري،  عملية الائتمان البنكي،  أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص،  وحدة قانون الأعمال،  السنة الجامعية 2000 – 2001،  ص31،  جامعة الحسن الثاني،  الدار البيضـاء.

[2]–  محمد الفروجي،  مرجع سابق ،  الصفحة203.

[3]–  محمد صبري،  مرجع سابق ،  الصفحة301 .

[4] . نظرا لارتباط موضوع القروض البنكية بموضوع حماية المستهلك،  وذلك باعتبار الزبون مستهلكا للقرض فإنه من الأفيد الرجوع إلى القانون رقم: 31/08 القاضي بتحديد تدابير حماية المستهلك.

[5] . انظر الفصل 866 من قانون الالتزامات والعقود.

[6] . يقصد بالفسخ التعسفي هنا الفسخ الذي يقدم عليه البنك،  وذلك دون وجود أسباب مشروعة تلومه بذلك على الاعتبار الشخصي،  من مثل هذه الأسباب وفاة المستفيد،  أو انعدام أهليته،  أو صدور حكم جنائي ضده،  أو ارتكاب خطأ جسيم في حق البنك.

[7] . محمد صبري،   مرجع سابق،  الصفحة240.

[8]–  قرار صادر عن محكمة الاستئناف التجارية بالبيضاء،  بتاريخ: 28/05/1998 بشأن ثلاثة ملفات مضمومة،  عدد: 365.6–97 و97 –4024 و1005.98،  غير منشور.

[9] – محمد أهلي،  مرجع سابق،  الصفحة84.

[10] – محمد أهلي،  مرجع سابق،  الصفحة89.

[11]– محمد صبري،  مرجع سابق،  الصفحة290.

[12]– امحمد لفروجي،  مرجع سابق،  الصفحة214.

[13]– محمد أهلي،  مرجع سابق،  ص18.

65- ينص الفصل 870 على أن:

“اشتراط الفائدة بين المسلمين باطل ومبطل للعقد الذي يتضمنه سواء جاء صريحا أو اتخذ شكل هدية أو أي نفع آخر للمقرض أو لأي شخص غيره يتخذ وسيطا له”.

66- امحمد لفروجي،  وجهة نظر في موضوع الفوائد البنكية،  مرجع سابق،  الصفحة139.

67- مصطفى الوصبي،  تقرير أشغال اليوم الدراسي حول “احتساب القواعد والعمولات بين العمل القضائي والعمل البنكي،  مقال منشور بمجلة المحـاكم التجارية،  العـدد 7،  يناير 2001،  الصفحة71

68-الظهير الشريف رقم 1.11.170 الصادر بتاريخ 25 اكتوبر 2011 بتبفيذ القانون رقم 58.11 القاضي بإستبدال تسمية مجلس الأعلى بتسمية محكمة النقض،  المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5989 مكرر بتاريخ 26 اكتوبر 2011،  الصفحة5228.

69-  سعيد بربال،  العمل البنكي والقضائي في ميدان الفوائد،  مقال منشور بمجلة المحاكم التجارية،  مرجع سابق الصفحة60-61.

 70- أستاذتنا نورة غزلان الشنيوي ،  مرجع سابق. ص54.

71-  سمير الشاوي،  احتساب الفوائد والعمولات بين العمل القضائي التجاري المغربي والعمل البنكي،  مقال منشور بمجلة المحاكم التجارية ،  مرجع سابق الصفحة117.

72-  قرار المجلس الأعلى عدد 983،  بتاريخ 14/02/1996 في الملف المدني رقم 3219/85 منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى العدد 52،  السنة 20 الصفحة159.

73-  قرار المجلس الأعلى عدد1147،  بتاريخ 14 يونيو مشار إليه في المجلة المغربية لقانون الأعمال والمقاولات،  سلسلة القانون والممارسة القانونية،  العدد 1 سنة 2003،  الصفحة143 .

74-  قرار المجلس الأعلى،  عدد  983 بتاريخ 14/02/1996 في الملف المدني رقم 3219/ 85،  منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى،  عدد 52،  سنة 20،  الصفحة159.

75-  محمد أهلي،  مرجع سابق،  الصفحة103.

76-  ظهير شريف رقم: 105.178 صادر في 15 محرم 1427هـ (14 فبراير 2006م) بتنفيذ القانون رقم 34.03 المتعلق بمؤسسة الائتمان،  والهيئات المعتبرة في حكمها،  المنشور بالجريدة الرسمية،  عدد 53.97،  بتاريخ 21 محرم 1427هـ (20 فبراير 2006م).

77-  حسن الحضري،  مقال منشور بمجلة المحاكم التجارية،  مرجع سابق الصفحة23.

78-  حسن الحضري ،  مرجع سابق،  ص10.

79- بمقتضى الفصل 875 من قانون الالتزامات والعقود،  فإنه:

“في الشؤون المدنية والتجارية يحدد السعر القانوني للفوائد القانونية والحد الأقصى للفوائد الاتفاقية بمقتضى ظهير خاص” وبتاريخ  19/10/1913،  صدر ظهير عدل بمقتضى ظهير 16/06/1950 الذي حدد السعر القانوني للفائدة في 6 % والاتفاقي في 10 % كحد أقصى.

80-  حسن الحضري ،  مرجع سابق،  ص10.

81- محمد صبري ،  مرجع سابق،   ص214.

82- طارق الله خان،  حبيب أحمد،  إدارة المخاطر،  طبعة2003،  الصفحة30،   منشورات البنك الإسلامي للتنمية ،  جدة .

83- رمضان الشمراخ،  تركي الشمري،  محمد العسكر،  البنوك التجارية،  منشورات السلاسل،  طبعة 2006، ،  الصفحة246،  الكويت.

84- طارق عبد الحال حماد،  التطورات العالمية وانعكاساتها على أعمال البنوك. طبعة 1999ص.141 .الدار الجامعية .الاسكندرية

85- محمد أهلي،  مرجع سابق،  ص50.

86- المادة 77 من منشور والي بنك المغرب،  رقم: 40/و/2007 الصادر في 2 أغسطس 2007 المتعلق بالمراقبة الداخلية لمؤسسات الائتمان.

87- قرار لوزير المالية والخوصصة رقم،  1667.07 الصادر في 9 شعبان 1428 هـ (23 أغسطس 2007) بالمصادقة على منشور والي بنك المغرب،  رقم 41/و/ 2007 المتعلق بالمراقبة الداخلية لمؤسسات الائتمان.

88- محمد أهلي،  مرجع سابق،  الصفحة108 .

89- معامل الملاءة تم إحداثه من قِبل “لجنة بال” للرقابة البنكية،  وهي الجهة الدولية التي تضع معايير الرقابة البنكية،  وهي عبارة عن لجنة كونها ولاة البنوك المركزية لدول مجموعة العشرة في نهاية سنة 1974،  وتضم هذه اللجنة أعضاء من بلجيكا،  وكندا،  وسويسرا،  وفرنسا،  وألمانيا،  وإيطاليا،  وأمريكا،  واليابان،  واللكسمبرغ،  وإسبانيا،  وبريطانيا.

90- امحمد لفروجي،  مرجع سابق،  ص407.

91- محمد أهلي،  مرجع سابق،  الصفحة159.

92- تنص المادة 50 من قانون 03/43 المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها على أنه: “يجب على مؤسسات الائتمان المحافظة على سيولتها،  وملاءَتها،  وتوازن وضعيتها المالية أن تتقيد بصورة فردية ومثبتة أو مثبتة فرعية أو هما معا بالقواعد الاحترازية المحددة بمناشير  يصدرها والي بنك المغرب بعد استطلاع رأي لجنة مؤسسات الائتمان… “.

93- امحمد لفروجي،  مرجع سابق،  ص408.

94-  منشور رقم،  2007/و/41،  صدر في 2 أغسطس 2007 وهو متعلف بواجب اليقظة المفروضة على مؤسسات الائتمان الهيئات المعتبرة في حكمها.

95- محمد أهلي،  مرجع سابق،  الصفحة174.

96- يقصد بغسل الأموال إضفاء الشرعية على أموال غير مشروعة بمعنى تلك الأموال التي يكون مصدرها غير مشروع.

97- المادة 6 من منشور والي بنك المغرب،  رقم،  40/و/2007.

[47] . تشمل العمليات غير الاعتيادية أو المشبوهة على وجه الخصوص العمليات التي:

-لا تتوفر على مبرر اقتصادي أو على غرض مشروع ظاهر .

تهم مبالغ تختلف تماما عن العمليات الاعتيادية التي ينجزها الزبون.

تتم في ظروف غير معتادة من التعقيد.

[48] – محمد أهلي،  مرجع سابق، الصفحة 176.

Related Articles

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button