جريمة الاغتصاب في التشريع المغربي و وسائل إثباتها

جريمة الاغتصاب و وسائل إثباتها

جريمة الاغتصاب من بين الجرائم التي عملت جل التشريعات من بينها التشريع المغربي على تجريمها والعقاب عليها بعقوبات قاسية رغبة منها في تحقيق الردع العام والخاص،
وخلال هذه المقالة سنحاول الوقوف عند الوسائل المعتمدة في اثبات هذه الجريمة ،
و يقصد بالإثبات في اللغة الحجة أو الدليل, و يدل أيضا على البرهان أو البينة, و هو يعني إقامة الدليل أو البرهان. و في الاصطلاح القانوني يعني إقامة الدليل أو البرهان على وقوع الجريمة أو نفيها, وعلى إسنادها إلى المتهم أو براءته منها،
اما بخصوص جريمة الاغتصاب فهي معرفة بمقتضى الفصل 486 من القانون الجنائي والذي يعرفها بأنها مواقعة رجل لامرأة بدون رضاها
و جدير بالذكر أن عبء الإثبات بشكل عام يقع على عاتق من يدعي إتيان شخص أو أشخاص لفعل مجرم قانونا،
وعليه سنتناول تقسيم وسائل الإثبات المعتمدة عمليا إلى وسائل إثبات حاسمة لقوتها الإثباتية التي غالبا ما تقنع الوجدان القضائي للمحكمة (المطلب الاول)،وأخرى غير حاسمة تحتاج إلي تدعيم بوسائل وأدلة أخرى، أو ان المحكمة سيكون أمامها إما التكييف القانوني أو إعلان البراءة حسب الأحول (المطلب الثاني).

المطلب الأول: وسائل الإثبات الحاسمة

وسائل الإثبات التي نصفها بالحاسمة نحددها في: الاعتراف القضائي للمتهم، حالة التلبس، وشهادة الشهود، وهي الوسائل التي سنتناولها كل واحدة على حدة؛

الفقرة الاولى: الاعتراف القضائي للمتهم

يعتبر اعتراف المتهم بارتكابه الواقعة الإجرامية المنسوبة إليه من وسائل الإثبات القوية في الميدان الزجري والأكثر تأثيرا على المحكمة من ناحية اتخاذ قرارها الفاصل. اما الاعتراف القضائي فهو ذلك الاعتراف الصادر عن متهم أمام جهة قضائية (النيابة العامة-قاضي التحقيق-هيئة الحكم)
وهذا الاعتراف هو المنعوت ب” سيد الأدلة ” في المادة الجنائية كونه يحسم في الغالبية العظمى من الحالات موضوع الدعوى العمومية.1
ويبقى الاعتراف ـ حثى يمكن الاعتداد به ـ مقيدا بشروط صحة نجملها في النقاط التالية:

  1. صدوره عن المتهم شخصيا كونه اتى الجريمة بكافة عناصرها المادية والمعنوية،
  2. ان يكون المتهم المعترف متمتعا بالإدراك والتمييز والاختيار،
  3. ان يكون الاعتراف صريحا وواضحا.

لا شك أن الاعتراف بارتكاب الجريمة يعد من الحالات النادرة التي تجد المحكمة نفسها أمامها وهي تبث في القضايا الجنائية ،ومع ذلك فمشرع المسطرة الجنائية جعله ـ أي الاعتراف ـ خاضعا للوجدان والاقتناع القضائي ،بمعنى للمحكمة صلاحية تقدير قيمة الاعتراف إذا ما يمكن الاعتداد به دليلا للإدانة متى اطمأنت إليه واقتنعت به اي سلطة القاضي في تقدير الاعتراف الجنائي

الفقرة الثانية: حالة التلبس بجناية الاغتصاب

لم يعرف المشرع المغربي حالة التلبس وإنما اكتفى بسرد حالاتها التي جاءت على سبيل الحصر في المادة 56 من قانون المسطرة الجنائية التي تنص على حالات التلبس في النقاط التالية:

  1. إذا ضُبط الفاعل أثناء ارتكابه الجريمة أو على إثر ارتكابها،
  2. إذا كان الفاعل مازال مطاردا بصياح الجمهور،
  3. إذا وجد الفاعل بعد مرور وقت قصير على ارتكاب الفعل حاملا أسلحة أو أشياء يُستدل معها أنه شارك في الفعل الإجرامي أو وجد عليه أثر أو علامات تثبت هذه المشاركة،
  4. ارتكاب الجريمة داخل منزل في غير الظروف المشار إليها اعلاه ،إذا التمس مالك المنزل أو ساكنه من النيابة العامة أو من ضابط الشرطة القضائية معاينتها.

يظل التلبس أيضا من الدلائل القوية المثبتة لجريمة الاغتصاب ،وقيامه وفق الشروط المنصوص عليها قانونا يكفي لتكون المحكمة قناعتها للقول بقيام عناصر هذه الجناية كاملة.

الفقرة الثالثة؛ شهادة الشهود

تعرف الشهادة بأنها إخبار أو رواية يرويها شخص عما أدركه مباشرة بحواسه عن واقعة معينة, و تأخذ شكل تصريح يدلي به صاحبه, و يدون بمحضر, و يعتمد عليه في الإثبات بعد أداء اليمين, و توفر الشروط القانونية.
ويتم استدعاء الشهود إما من قبل المحكمة تلقائيا أو بناء على طلب من النيابة العامة أو المتهـم أو المطالب بالحق المدني أو المسؤول عن الحقوق المدنية حسب المادة 325 من ق.م.ج،
الشهادة التي تهمنا هنا هي الشهادة المباشرة للشاهد أو الشهود، والتي تعني الاتصال المباشر بواقعة الاغتصاب، أي المعاينة المباشر للمعتدي وهو يقوم بجُرمه أو بصدد القيام به والضحية في حالة مقاومة أو مسلوبة الإرادة بأي صورة تُفيد ذلك.
ومن اجتهادات محكمة النقض  في هذا الصدد قولها :” وحيث إن وسائل الإثبات مستقلة عن بعضها البعض، وأن الشهادة وسيلة إثبات قائمة بذاتها مهما كانت صفة من أدلى بها في الدعوى ولا تحتاج إلى غيرها من وسائل الإثبات لتدعيمها”

المطلب الثاني: الوسائل الغير الحاسمة

وصفنا لهذه الوسائل بغير الحاسمة يعني أنه لا يمكن الركون إليها لوحدها للقول بثبوت جناية الاغتصاب دون ان يتم تعزيزها بأدلة وحجج وقرائن أخرى يجعل من المحكمة تكون قناعتها لإصدار حكم قائم على اليقين ،لا على الشك والتخمين،
و نحدد هذه الوسائل في تصريح المتهم بالاعتراف لدى الضابطة القضائية ، وتصريحات الضحية المجردة ،والشهادة الطبية والخبرة الجينية

الفقرة الاولى: الاعتراف بمحاضر الضابطة القضائية

من المستجدات التي جاء بها قانون المسطرة الجنائية تعريف المحضر و توضيحات أخرى مهمة. حيث نجد المادة 24 من ق م ج  تعرفه وبشكل مطول حيث تنص على أن: “المحضر في ـ مفهوم المادة السابقة ـ هو الوثيقة المكتوبة التي يحررها ضابط الشرطة القضائية أثناء ممارسة مهامه و يضمنها ما عاينه أو ما تلقاه من تصريحات أو ما قام به من عمليات ترجع لاختصاصه”
غير أنه لا يعتبر الشخص متهما بمجرد إجراء البحث التمهيدي معه لأن الاتهام لا تملكه إلا السلطة القضائية (النيابة العامة وسلطة التحقيق)،والشرطة القضائية يقتصر دورها على البحث عن الأدلة وجمعها تسهيلا لأعمال التحقيق الذي تقوم به من بعد السلطة القضائية، لذا فإن الشخص الذي يجري معه البحث التمهيدي يعتبر مجرد مشبوه فيه ولو اعترف بارتكابه جريمة الاغتصاب.

الفقرة الثانية: التصريحات المجردة للضحية

من المعلوم أن القاضي الجنائي يتمتع بحرية كبيرة في تكوين قناعته عكس القاضي المدني ، غير أن ذلك يظل مقيدا ولا يؤخذ على إطلاقتيه  ،إذ يجب أن يعتمد في ذلك على ما يتوفر لديه من أدلة وعناصر أثناء سير الدعوى.
ويرى ذ .”لحسن  بيهي” أن الاقتناع الوجداني للقاضي الجنائي لا يعني رأيه الشخصي، لكون اليقين القضائي ينبني انطلاقا من اعتماد العقل والمنطق ، في فحص وتمحيص أدلة الدعوى.
وبالتالي فلا يمكن للمحكمة هنا القول بالإدانة من أجل جريمة الاغتصاب استنادا على تصريحات الضحية/المشتكية المجردة غير المدعمة بوسائل إثبات أخرى مادام أن المتهم متمسك بإنكاره في كافة المراحل  ، فلا يعقل مثلا التعليل بأن إنكار المتهم تُفنده تصريحات المشتكية المنسجمة في كافة أطوار التحقيق والمحاكمة، وللاقتناع الصميم للمحكمة ثبوت المنسوب للمتهم أو المتهمين وبالتالي الحكم بالإدانة بمقتضيات جناية الاغتصاب 2.

الفقرة الثالثة : الشهادة الطبية والخبرة الجينية

إن القول بأن القاضي الجنائي هو سيد الخبراء لا يعني أن خبرته تشمل كل فروع العلم والمعرفة، لأنه أمر مستحيل، وإنما يقصد بذلك اعتبار القاضي صاحب التقدير والقرار النهائي في كل ما تثيره الدعوى المطروحة أمامه من مسائل. ولما كان القاضي الجنائي في أحكام الإدانة إنما يعبر عن اقتناعه الشخصي بأسباب هذه الإدانة، ولما كانت هذه الأسباب قد تنطوي على قدر من المسائل الفنية التي لا يستطيع الإلمام الكافي بها إلا متخصص أو خبير ، فإن القاضي قد يحتاج الاستعانة بأهل الخبرة فيما يعرض له من مسائل ، ولذلك أجازت التشريعات المختلفة للقاضي أن يستعين بمن يراه من الخبراء في الدعوى
وتعد جريمة الاغتصاب من الجرائم التي يعتمد فيها على الشواهد الطبية، وعلى الخبرات الجنية للقول بالإدانة أو البراءة، ومن المعلوم أن هذه الوسائل الإثباتية قد تثبت وجود العلاقة الجنسية بين المتهم أو الضحية، لكنها وسائل لا يمكنها إثبات عنصر “انعدام الرضى” حتى تتكيف هذه العلاقة إلى صفتها الجنائية، وليس شيئا أخر قد يظهر للمحكمة من خلال ما راج أمامها وما تضمنه الملف من حجج ووثائق.
بعد ان تطرقنا الى موقف المشرع المغربي من جريمة الاغتصاب ،وبعد ان تحدتنا عن اتباث هذه الجريمة ، نصل للحديث عن السياسة الجنائية المتبعة من طرف المشرع المغربي لمكافحة هذه الجريمة
 
 
 
 

الهوامش

1 عبد الواحد العلمي،شرح القانون الجنائي المغربي (القسم الخاص)
2 محكمة النقض المغربية في قرارها عدد 1/548 المؤرخ في 2014/06/04.

Related Articles

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button