الاعتقال الاحتياطي في التشريع المغربي و المقارن

شروط الاعتقال الاحتياطي في التشريع المغربي و التشريع المقارن

شروط الاعتقال الاحتياطي

الاعتقال الاحتياطي نظرا لكونه من إجراءات التحقيق الابتدائي ولكونه يمس بالحرية الشخصية للفرد ، فقد كان لزاما على مختلف التشريعات وضع مجموعة من الشروط سواء موضوعية أو شكلية تقيد السلطات المكلفة بإصدار الاعتقال، لا يجوز الخروج عنها ويجب احترامها بغية تحقيق التوازن بين المصلحة العامة المتمثلة في استتباب الأمن وتحقيق العدالة من جهة، وحماية الحقوق والحريات من جهة أخرى.

المطلب الأول : الشروط الشكلية للاعتقال الاحتياطي

لابد من توافر شروط شكلية للاعتقال الاحتياطي والتي يمكن اعتبارها ضمانا هاما لممارسة الحق في اتخاذ هذا الإجراء، وكل خرق لتلك الشروط فيه مساس بالحرية الشخصية، فلا بد أن يكون الأمر بالاعتقال الاحتياطي صادرا من السلطة المختصة ، ومتضمننا بيانات خاصة، إضافة إلى وجوب بيان الأسباب التي دعت إلى إصدار هذا الأمر بالحبس الاحتياطي . و فيما يأتي سنتولى بحث هذه الشروط .

أولا: أن يكون الأمر بالاعتقال الاحتياطي صادرا من الجهة المختصة

لا شك أن الاعتقال الاحتياطي من أكثر الإجراءات التحقيق مساسا بالحرية الشخصية للمتهم، حيث أن الأثر المترتب على الاعتقال الاحتياطي هو حجر حرية المتهم لفترة مؤقتة، لهذا فقد أشارت جميع التشريعات -موضوع الدراسة- إلى وجوب إحاطة هذا الإجراء بشروط كافية تضمن حماية حرية المتهم من التعدي عليها إلا في النطاق المشروع. و أولى هذه الشروط أن تكون السلطة التي تصدر الأمر بالحبس الاحتياطي مختصة بالإصدار و ذات كفاءة و استقلالية و علم بماهية الاعتقال الاحتياطي [1].

بالنسبة للمشرع الإماراتي

ففي قانون الإجراءات الجزائية الإماراتي نجد بأن المشرع قد منح النيابة العامة[2] وفي مرحلة التحقيق الابتدائي سلطة إصدار الأمر بالحبس الاحتياطي، و لا يجوز بأي حال من الأحوال للضابطة القضائية إصدار مثل هذا الأمر باستثناء ما نص عليه قانون الإجراءات الجزائية الإماراتي بالمادة 45 بإجازة القبض على المتهم و إحضاره خلال 48 ساعة إلى عضو النيابة العامة. وبغير ذلك فإن أي إجراء تتخذه الضابط القضائية بشأن الحبس الاحتياطي يعتبر باطلا لصدوره من مرجع غير مختص[3] ، وإصدار الأمر بالحبس الاحتياطي في مرحلة التحقيق الابتدائي حق ممنوح للنيابة العامة، ولمدة محددة في القانون. أما في مرحلة المحاكمة فالملاحظ أن سلطة إصدار الحبس الاحتياطي تكون من صلاحية قضاة الحكم.

بالنسبة للمشرع الأردني

والمشرع الأردني بدوره حصر الحبس الاحتياطي – التوقيف وفي مرحلة التحقيق الابتدائي بيد النيابة العامة – الادعاء العام- أسوة بنظيره المشرع الإماراتي. فيحق للمدعي العام في مرحلة التحقيق الابتدائي أن يصدر أمرا بالحبس الاحتياطي في أي مرحلة كان عليه التحقيق على شرط أن تكون إجراءات التحقيق تستدعي ذلك.
فقد نصت المادة 114 من قانون أصول المحاكمات الجزائية الأردني على أنه : “بعد استجواب المشتكى عليه يجوز للمدعي العام أن يصدر بحقه مذكرة توقيف لمدة لا تتجاوز 15 يوم إذا كان الفعل المسند إليه معاقب عليه بالحبس لمدة تزيد على سنتين، أو بعقوبة جنائية مؤقتة، وتوافرت الدلائل التي تربطه بالفعل المسند إليه، و يجوز له تجديد هذه المدة كلما اقتضت مصلحة التحقيق ذلك على أن لا يتجاوز التمديد 6 أشهر في الجنايات و شهرين في الجناح..”. أما في مرحلة المحاكمة فقد خول المشرع الأردني المحكمة الحق في إصدار أمر بالحبس الاحتياطي – التوقيف- و ذلك وفقا لأحكام المادة 127 /ب 128/3 من قانون أصول المحاكمات الجزائية الأردني.

بالنسبة للمشرع الفرنسي

أما فيما يتعلق بالجهة المختصة بالاعتقال الاحتياطي في التشريع الفرنسي ،فقد أصبح ذلك أمرا مزدوجا بين قاضي التحقيق و قاضي الحريات و الحبس و ذلك بموجب قانون 15 يونيو2000 [4]. فبعد استجواب المتهم يقوم قاضي التحقيق بالطلب من قاضي الحريات و الحبس وضع المتهم في الحبس الاحتياطي، و يقوم هذا الأخير و بناء على نظرة محايدة في دراسة الملف التحقيق و يقرر إما الحبس الاحتياطي وإما إخلاء سبيل المتهم.
في حين وفيما يتعلق بإخلاء سبيل المتهم فإن هذه الازدواجية أو التشاركية لا نجدها في قانون الإجراءات الجنائية، فيمكن لقاضي التحقيق أو قاضي الحريات بمفرده أن يصدر أمرا بإخلاء سبيل المتهم من الحبس الاحتياطي تأصيلا لمبدأ أن الإنسان حر ولا يجوز التوسع في تقييد الحرية و إنما في التوسع في الحرية أصلا[5].

بالنسبة للمشرع المغربي

أما في التشريع المغربي ، فقد حدد المشرع الجنائي صاحب الاختصاص في الأمر بالاعتقال الاحتياطي في قاضي التحقيق حسب الفصل 175 من ق. م. ج الذي جاء فيه : ” يمكن إصدار الأمر بالاعتقال الاحتياطي في أي مرحلة من مراحل التحقيق ولو ضد متهم خاضع للوضع تحت المراقبة القضائية ويبلغ هذا الأمر فورا وشفهيا للمتهم وللنيابة العامة وفقا لما هو منصوص عليه في الفقرة الثانية من المادة 160 من نفس القانون… ويصدر القاضي عندئذ أمرا بالإيداع في السجن يكون سندا للاعتقال أو أمرا بإلقاء القبض إذا كان المتهم في حالة فرار.

ثانيا: البيانات الواجب إيرادها في محضر الإستماع للمتهم
بالنسبة للمشرع المغربي

أوجب احترام القواعد القانونية المتعلقة بالاعتقال الاحتياطي الواردة في المواد من 175 إلى 186 من قانون المسطرة الجنائية ضرورة استنطاق المتهم قبل إعلان صدور قرار الاعتقال أو ما يصطلح عليه بالاستجواب، أي أن يستمع ممثل النيابة العامة أو قاضي التحقيق إلى المتهم لكي تتجمع لديه عناصر تقدير ملائمة هذا الأمر مما سيفسح المجال أمامه للدفاع عن نفسه و ذلك من أجل دحض ما كان منسوبا إليه، أما إذا لم يتحقق هذا الشرط أو شابه أي عيب كعيب البطلان، فإن الأمر بالاعتقال الاحتياطي يكون كذلك باطلا وهذا ما نصت عليه المادة 210 من ق. م. ج ويجب مراعاة مقتضيات المادتين 134 و135 من هذا القانون، المتضمنتين للحضور الأول للاستنطاق والمواجهات، ومراجعات المواد 59 و60 و62 و101 المنظمة للتفتيشات ، وذلك تحت طائلة بطلان الإجراء المعيب والإجراءات الموالية له…
فبمثول المتهم أمام النيابة العامة سواء في حالة سراح أو كان تحت تدبير الحراسة النظرية، فإن ممثلها يقوم باستنطاقه، وعمليا يكون هذا الاستنطاق بالتأكد من هويته ومن كونه المعني بالأمر نفسه، سواء من حيث اسمه ولقبه وسنه ومهنته وكذا مكان ازدياده ووضعيته العائلية (المادتين 47 و 74 من ق م ج).
ونظرا لأهمية هذا الإجراء أحاطه بالعيد من الأحكام والضمانات أشار إليها المشرع في الفصل 210 من ق. م. ج نوجزها فيما يلي:
أن قاضي التحقيق ملزم في أول مقابلة بأن يتأكد من هوية المتهم وإشعاره بحقه في اختيار من ينوب عنه أو من يؤازره، كما أن المشرع نص في المادة 135 م ق. م. ج أنه في الحالة الاستعجالية، فلقاضي التحقيق أن يتلقى تصريحات المتهم في الحال مع ذكر الأسباب الاستعجالية.
يجوز للمتهم الذي رفض اختيار المحامي أن يترجح عن رفضه في أي وقت شاء، كما أجاز له المشرع الاتصال بمحاميه بكل حرية خلال الاستنطاق أو بعده.
كما ورد في المادة 139 من ق. م. ج أنه لا يجوز سماع الطرق المدني أو المتهم أو مواجهتهما إلا بحضور محامي كل منه.
غير أن ما يعاب على التشريع المغربي أنه لم يحدد البيانات التي يجب أن ترد في الأمر بالاعتقال الاحتياطي بخلاف التشريعات المقارنة التي حددت البيانات الشكلية الواجب توفرها لصحة الأمر بالاعتقال الاحتياطي أو الحبس المؤقت كالتشريع الإجرائي الجزائري والتشريع المصري والبحريني.

بالنسبة للمشرع البحريني

فبرجوعنا للتشريع البحريني نجد أن المادة 137 من قانون الإجراءات الجنائية البيانات التي يجب أن يشملها الأمر بالحبس الاحتياطي وهي ضمانة للمتهم باعتبار أن مصدر الأمر يملك قانونا اتخاذ هذا الإجراء، والقاعدة العامة في كافة الإجراءات الجنائية أن تكون الأوامر ثابتة بالكتابة حتى يمكن إثبات ما جاء بها. حيث نصت المادة 137 ق. إ.ج البحريني على أنه يجب أن يشتمل كل أمر على اسم المتهم ولقبه ومهنته وجنسيته ومحل إقامته والتهمة المنسوب إليه وتاريخ الأمر وإمضاء عضو النيابة العامة والختم الرسمي…. إلخ[6].
والمادة 137 آنفة الذكر تقابل المادة 127 من قانون الإجراءات الجنائية المصري، حيث انتهج المشرع البحريني ذات النهج الذي سلكه المشرع المصري بهذا الخصوص.

بالنسبة للمشرع الجزائري

أما باستقرائنا لنصوص الإجراءات الجنائية الجزائري نجد أنه قد أوجب تبيان مجموعة من البيانات في محضر الأمر بإصدار الاعتقال الاحتياطي من أهمها:

  • ذكر الهوية الكاملة للمتهم؛
  • تحديد نوع الجريمة المنسوب إلى المتهم وتعيين طبيعتها ووصفها القانوني؛
  • الإشارة بدقة إلى المواد القانونية المتعلقة بالجريمة المنسوب للمتهم؛
  • ذكر الجهة التي أصدرت الأمر بالوضع في الحبس المؤقت وتوقيع القاضي الذي أصدرته والخاتم الرسمي للجهة؛
  • التأشير على الأوامر من قبل وكيل الجمهورية؛

وما يمكن الإشارة إليه في هذا الصدد أن هذه البيانات أو الشروط الشكلية التي يتعين أن يتضمنها الأمر بالوضع في الحبس المؤقت، قد نصت عليها المادة 109 في الفقرة 2 و 4 من قانون الإجراءات الجزائية[7].

بالنسبة للمشرع البلجيكي

بالرجوع للقانون البلجيكي نجد أن الاعتقال الاحتياطي الذي يجد أساسه في المادتان 5 و6 من الاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وأيضا المادة 12 من الدستور و المادة 16 من قانون 20 يوليو 1990 المتعلق بالإعتقال الإحتياطي.
إن قاضي التحقيق ملزم بسماع المتهم شخصيا و قبل إصدار أمر التوقيف على خلفية الإفراج عنه فورا، ومع ذلك هناك ثلاث استثناءات تسمح بإصدار أمر التوقيف حتى بدون الاستماع للمتهم:

  • إذا كان المتهم فارا ،
  • إذا رفض الاستماع إليه،
  • اذا كانت هناك حالة قاهرةِ (عندما تكون حالته الصحية لا تسمح له أن يجري مسطرة الاستماع على سبيل المثال)

ويشمل هذا الاستجواب الذي يجب إجراءه بلغة يفهمها المتهم الوقائع المزعومة ضده و إمكانية إصدار أمر بالإعتقال ضده والغرض من ذلك هو السماح للمتهم بتقديم ملاحظته وتعليقات محاميه.
ويجب أن تتضمن مذكرة التوقيف عددا من الإشارات: الهوية الكاملة للمتهم و الوقائع التي صدرت بها مذكرة التوقيف و الأحكام القانونية السارية و وجود أدلة جدية على الذنب و ظروف القضية خاصة تلك المتعلقة بشخصية المتهم التي تبرر الاحتجاز الاحتياطي و إذا تم احتجاز المتهم تحت المراقبة الإلكترونية يجب تحديد العنوان الذي ستتم فيم المراقبة  ويجب أن يتضمن أيضا توقيع و ختم قاضي   التحقيق [8].

 ثالثا: تسبيب الأمر بالاعتقال الاحتياطي.

لا شك أن تسبيب الأمر الصادر بالحبس الاحتياطي من السلطة التي أصدرته يمثل ضمانة قانونية ودستورية هامة للحقوق والحريات العامة، والمتهم أيضا، حيث يمنح هذا التسبيب صاحب الشأن رقابة مباشرة على سلطات التحقيق بتوافر الأسباب والمبررات الملزمة لإصدار الأمر بالحبس الاحتياطي.
و قد اتجهت بعض الدساتير إلى النص على هذا الضمان الشكلي، كما هو الحال في الدستور الإيطالي[9] و الدستور اليوناني[10].
وقد اتجهت بعض التشريعات الجنائية في بعض الدول إلى النص في التشريع الإجرائي على إلزام سلطة التحقيق بتسبيب الأمر بالحبس الاحتياطي[11].

بالنسبة للمشرع الفرنسي

نصت المادة 144 من قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي بضرورة تحديد مبررات الحبس الاحتياطي، وقضت المادة 145 م ق الإجراءات الجنائية الفرنسي بإلزام قضاة التحقيق بوجوب تسبيب الأمر الصادر بحبس المتهم احتياطيا في مواد الجنح وذلك وفقا للعناصر الموضوعية والواقعية المتعلقة بالدعوى.
أما الجنايات فلم يلزم فيها المشرع الفرنسي قضاة التحقيق بتسبيب أمر الحبس الاحتياطي نظرا لخطورتها فأصبح يمكن إصدار الأمر بالحبس الاحتياطي من قضاة التحقيق في جناية وتمديده دون بيان أسباب الأمر الصادر بالحبس [12].
ولكن المشرع الفرنسي أوجب أن يكون الأمر الصادر بالإفراج عن المتهم سواء في الجنح أو الجنايات مسيبا. وتجدر الإشارة إلى أن المشرع الفرنسي قد أقر التعويض عن الحبس الاحتياطي في أحوال معينة ومن ثم استحدث نظام قاضي الحريات والحبس بموجب القانون الصادر في 15 يونيو 2000 حتى لا يأتي الحبس الاحتياطي إلا من قاض كلا مهمته وهي تقدير ملائمة الحبس من عدمه (المادة 137-1، من قانون العقوبات الفرنسي).

بالنسبة للمشرع المصري

أما الوضع في القانون المصري لم يرد نص صريح في قانون الإجراءات الجنائية المصري يوجب تسبيب أمر الحبس الاحتياطي و بكن المادة 139 ق. إ. ج المصري قضت بأنه “يبلغ فورا كل من يقبض عليه أو يحبس احتياطيا بأسباب القبض عليه أو حبسه، ويكون له حق الاتصال بمن يرى إبلاغه بما وقع و الاستعانة بمحام،” [13].
ويرى الفقه المصري في هذا الخصوص أن نص المادة آنفة البيان ليس كافيا بوجوب تسبيب أمر الحبس فلا يزال عاريا من الضمانات الشكلية التي توجب تسبيب الأمر بالحبس الاحتياطي.
إلا أنه أخيرا وبموجب القانون الذي استحدثه رقم 145 لسنة 2006 الصادر في 15 يوليوز 2006، حيث استبدل المشرع المصري نص المادة 136 من قانون الإجراءات الجنائية بنص جديد قضى بأنه “يجب على قاضي التحقيق أن يصدر أمرا بالحبس أن يسمع أقوال النيابة العامة ودفاع المتهم ويجب أن يشتمل أمر الحبس على بيان الجريمة المساندة إلى المتهم والعقوبة المقررة لها والأسباب التي بنى عليها الأمر ويسري حكم هذه المادة على الأوامر التي تصدر بمد الحبس الاحتياطي وفقا لأحكام هذا القانون”.
غير أن ما يعاب على تشريعنا الوطني انه لك ينص على شرط التسبيب ضمن فصول قانون المسطرة الجنائية إلا أنه قد أشار بصفة ضمنية إلى إعلام المتهم شفهيا بأمر اعتقاله احتياطيا وإمكاني حصول المتهم أو دفاعه على نسخة من الأمر بالاعتقال الاحتياطي بمجرد طلبه[14]، والتي غالبا ما تكون متضمنة لأسباب الاعتقال.

المطلب الثاني : الشروط الموضوعية للاعتقال الاحتياطي

لقد وضعت التشريعات الجنائية بمختلف أنواعها شروطا موضوعية للاعتقال الاحتياطي وهي تعتبر أهم الضمانات القانونية التي تسفر عن حسن الولوج إلى هذا الاجراء .
ومن أهم الشروط الموضوعية المشتركة بين مختلف التشريعات، وهي أن تكون الجريمة المشتبه في ارتكابها من الجرائم التي يجوز الاعتقال فيها [15] ، ولابد من توافر أدلة كافية بارتكاب الجريمة إضافة إلى  أن يكون الاعتقال مسبوق باستجواب أو استنطاق.

أولا: أن تكون الجريمة جناية أو جنحة معاقبا عليا بالحبس

ينبغي في الجريمة التي يرتكبها المتهم و التي توجب الاعتقال الاحتياطي أن تكون على قدر من الجسامة لتبرير هذا الاجراء، فالجريمة تنقسم إلى ثلاثة أقسام [16] جنايات وجنح ومخالفات وتعتبر الجنايات أشد الجرائم خطورة، ثم الجنح فالمخالفات.

بالنسبة للمشرع المغربي

وقد عبرت مختلف التشريعات عن هذا الشرط في قوانينها الإجرائية، فنجد المشرع المغربي قد اشترط ذلك من خلال المادة 159من ق م ج [17] حيث يمكن اللجوء إلى الاعتقال الاحتياطي في الجنايات والجنح المعاقب عليها بالحبس فقط.
ويصدر الاعتقال إما بأمر الإيداع في السجن إذا كان المتهم حاضرا أو بالأمر بإلقاء القبض إذا كان في حالة فرار. ويرتبط ذلك بخطورة المجرم احترازا من عدم مشابه بالنظام العام أو ارتكابه لجريمة اخرى[18] .
كما أكد المشرع من خلال نفس المادة على أن الاعتقال الاحتياطي هو تدبير استثنائي أي لا يلجأ إليه إلا عند الضرورة القصوى، فالأصل هو حرية الشخص خاصة عند توافر ضمانات حضوره.

بالنسبة للمشرع الفرنسي

أما المشرع الفرنسي [19] فقد أشار في المادة 143,1 من قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي أن الحبس الاحتياطي غير جائز الا اذا كان المتهم يستحق عقوبة جنائية أو جنحيه لمدة تعادل أو تزيد على الحبس لمدة 3 سنوات. وبالوقت نفسه يجب مراعات أحكام المادة 137 من قانون الإجراءات الفرنسي، وهو أن اللجوء إلى الحبس الاحتياطي للمتهم لا يكون الا على سبيل الاستثناء وذلك اذا ثبت  أن الالتزامات المفروضة على المتهم بموجب نظام المراقبة القضائية غير كافية لتحقيق الأهداف التي تبرر تقييد حرية المتهم [20] .
و بهذا نجد أن المشرع الفرنسي وباستخدامه للتشريع الجنائي والذي يعتبر من الاكثر الوسائل الهامة في الحفاظ على حريات الأفراد من التعدي عليها بموجب الحبس الاحتياطي إذ أشار إلى أن الحبس الاحتياطي لا يفرض إلا إذا كانت الجريمة معاقب عليها بالحبس على الأقل 3 سنوات.

بالنسبة للمشرع الايطالي

وبالرجوع الى التشريع الايطالي من خلال المادة 275-1 تنص[21] على ان  الحبس الاحتياطي لا يمكن اللجوء إليه إلا إذا كانت العقوبة الواجب تطبيقها تعادل أو تزيد 3 سنوات[22].

بالنسبة للتشريع الاماراتي

نصت المادة 102 من قانون الإجراءات الجزائية الاماراتي “مع مراعات الأحكام المنصوص عليها في قانون الأحداث الجانحين والمشردين يجوز لعضو النيابة العامة بعد استجواب المتهم أن يصدر أمرا بحبسه احتياطيا إذا كانت الدلائل كافية وكانت الواقعة جناية أو جنحة معاقب عليها بغير الغرامة).
ويستفاد من هذا النص أن المشرع الاماراتي منح السلطة التقديرية  لعضو النيابة العامة بعد استجواب المتهم ، أن يصدر الأمر بالحبس الاحتياطي إذا كانت الجريمة المنسوبة للمتهم تدخل ضمن الجنايات أيا كانت عقوبتها ، او الجنح المعاقب عليها بالحبس و استبعد الغرامة والجنح غير المعاقب عليها بالحبس وهو بذلك يكون قد ذهب في نفس توجه لتشريع المغربي[23].

بالنسبة للمشرع الأردني

أما المشرع الاردني فالمادة 114 من قانون أصول المحاكمات الجزائية [24] فقد حصر الحبس الاحتياطي في الجرائم الجنائية والجنحية المعاقب عليها بالحبس مدة تزيد عن سنتين.
إلا أنه عاد في الفقرة الثانية من نفس المادة ورفع ذلك القيد عن الجرائم التالية:
1/ إذا كان الفعل المسند للمتهم من جرائم الايذاء أو الايذاء غير المقصود أو السرقة.
2/ إذا لم يكن للمتهم محل إقامة ثابت ومعروف في المملكة على ان يفرج عنه اذا كان الفعل المسند اليه بالحبس مدة لا تزيد عن سنتين وقدم كفيلا يوافق عليه المدعي العام يضمن حضوره كلما طلب منه ذلك[25] .

ثانيا: توافر أدلة كافية عن ارتكاب الجريمة

لقد اشترطت جل التشريعات إن لم نقل جميعها ألا يتم الاعتقال او الحبس المؤقت الا إذا توافرت أدلة وإثباتات قوية عن ارتكاب الفعل الجرمي وهو ما عبر عنه المشرع الهولندي ” بالاشتباه الخطير”، والتشريع الألماني “قوة الاشتباه ” والتشريع الدنماركي  “اشتباه خاص معزز” و المشرع البلجيكي “وجود أدلة معقولة عن الذنب ” والمشرع الايطالي المادة 252 ” وجود أدلة خطيرة عن الذنب “[26] . أما المشرع الأمريكي فقد خول للقاضي صلاحية وزن الأدلة ليقرر ما إن كانت هناك إمكانية الاعتقال الاحتياطي أم لا.
وبالرجوع الى المادة 5-1 من نظام المحكمة الاوروبية لحقوق الإنسان فقد نصت على ان الولوج إلى الاعتقال الاحتياطي فيجب أن تكون هناك أسباب معقولة بإذناب الشخص وبارتكابه للفعل الجرمي.

بالنسبة للمشرع المغربي

إذا ما انتقلنا للنظام الجنائي المغربي فالمادة 159 لم تحدد هذا الشرط لكنها نصت على استثنائية هذا الاجراء وهو ما يفيد أن الاعتقال الاحتياطي لا يتم اللجوء إليه إلا عند الضرورة القصوى وخول السلطة التقديرية لقضاء التحقيق، فالمشرع المغربي لم ينص على هذا الشرط بشكل صريح خاصة وذلك لأن هذا الشرط يقلص من صلاحيات قاضي التحقيق في اللجوء إلى هذا الاجراء.
ولما كان إجراء الاعتقال مخول للنيابة العامة فإنها كانت مقيدة في لجوئها إلى هذا الاجراء حينما نصت المادة 47 على أن. وكيل الملك يمكنه إصدار أمر بالاعتقال في غير حالة التلبس إذا اعترف المتهم بالجنحة المنسوبة إليه ، والمادة 74 التي أعطت الحق لوكيل الملك بإصدار أمر بالاعتقال في الجنح المتلبس بها ، والمادة 73 التي حولت للوكيل العام للملك صلاحية الاعتقال في جناية متلبس بها ولا يكون التحقيق فيها إلزاميا ، حيث تعتبر جاهزة للحكم  ، فيحيل القضية إلى الغرفة الجنائية بمحكمة الاستئناف داخل أجل 15 يوم[27].

بالنسبة للمشرع الجزائري

النظام الجنائي الجزائري أغفل هذا الشرط اي أنه لم يشترط وجود أدلة معقولة أو كافية بارتكاب الشخص الفعل الجرمي  ، حيث أغفل شرطا جوهريا وهو ما يطرح تأثير هذا السهو على الحقوق والحريات الفردية، إغفال المشرع لهذا الشرط يؤكد على تخويله لقاضي التحقيق السلطة التقديرية في اللجوء إلى هذا الاجراء والذي يخضع بدوره للرقابة القضائية أمام غرفة الاتهام[28] .

بالنسبة للمشرع المصري

و باطلاعنا على المادة 134 من ق إ ج المصري[29] في فقرتها الاولى نجده قذ ذكر عبارة “والدلائل عليها كافية” فالمشرع المصري اعتمد مصطلح كافية حتى يتبين للقضاة المكلفين بإصدار هذا الأمر احتمالية ارتكاب الشخص الجريمة أكثر من احتمال براءته.

ثالثا: أن يكون استجواب المتهم قبل الاعتقال الاحتياطي

يعد الاستجواب أو الاستنطاق شرطا ضروريا ولازما لصحة الحبس الاحتياطي، إذ لا يعقل إصدار أمر بالحبس الاحتياطي دون استجواب المتهم، فالاستجواب او الاستنطاق هو مناقشة المتهم بصورة تفصيلية بشأن الأفعال المنسوبة إليه ومواجهته بالاستفسارات والشبهات عن التهمة ومطالبته بالإجابة عنها ونظرا لخطورة الاستجواب سواء بالنسبة للمتهم او لسلطة التحقيق فقد أحاطته مختلف التشريعات بمجموعة من الضمانات الهامة التي تكفل تحقيق الغرض منه وهو الوصول إلى الحقيقة.

بالنسبة للمشرع الاماراتي

و قد بذا ذلك واضحا في التشريع الاماراتي من خلال المادة 110 من قانون الإجراءات الجزائية ، أن الأمر بالحبس الصادر عن النيابة العامة  يكون بعد استجواب  المتهم لمدة 7 أيام يجوز تجديدها لمدة أخرى لا تزيد عن أربعة عشر يوما ، وأشارت المادة 106 من نفس القانون على أنه يجوز لعضو النيابة العامة بعد استجواب المتهم ان يصدر أمرا بحبسه احتياطيا، إذا كانت الدلائل كافية وكانت العقوبة جناية أو جنحة معاقب عليها بالحبس[30].

بالنسبة للمشرع الجزائري

و نظرا لكون الحبس الاحتياطي اجراء استثنائي فإن المشرع الجزائري هو الآخر اشترط ضرورة استجواب المتهم سواء من طرف قاضي التحقيق  كأصل ، ووكيل الجمهورية فقط في حالة التلبس وهو استثناء من الاصل العام ، وقضاة الحكم اثناء الجلسة وذلك عند تعذر استجواب المتهم الذي قبض عليه تنفيذا للأمر بالإحضار أو القبض من طرف قاضي التحقيق مصدر الأمر[31] المادة (300).

بالنسبة للمشرع المغربي

وفي النظام الجنائي المغربي فإن المشرع قد نظم الاستنطاق من المادة 134 الى المادة 141 وهو اما استنطاق أولي أو تفصيلي، فالأول يتمثل في مثول المتهم أمام قاضي التحقيق لأول مرة فيعمل على بيان هويته، اما الاستنطاق التفصيلي فهو في هذه المرحلة يستجوب المتهم تفصيليا عن التهم المنسوبة إليه وملابساتها في شكل أسئلة، فالمشرع لم يحدد هذا الشرط بل فقط اكتفى بتحديد ضمانات الاستنطاق.

بالنسبة للمشرع المصري

أما التشريع الجنائي المصري فإن المادة 134 منه[32] على أنه ” يجوز لقاضي التحقيق بعد استجواب المتهم أو في حالة هروبه …”.
فطبقا لهذا النص لا يجوز صدور الأمر بالحبس الا بعد استجواب المتهم مالم يكن هاربا، ذلك أن استجواب المتهم قد يتيح له نفس الادلة القائمة ضده، فلا يرى المحقق مبررا لحبسه احتياطيا، ولكن لا يشترط ان يتم حبس المتهم عقب استجوابه مباشرة، بل يجوز ذلك في أي وقت بعد استجوابه.

لائحة المراجع

[1] محمد عبد الله المر، الحبس الاحتياطي دراسة مقارنة_، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية، طبعة 2006 ص 116.
[2]  وهي الجهة التي يسند إليها سلطة الاتهام وسلطة التحقيق وفقا لنص المادة 5 من قانون الإجراءات الجزائية الاتحادي.
[3]  محمد عبد الله المر، م، س ، ص 55 .
[4]  Pour plus d’information sur le juge de liberté et de le détention provisoire. PUTZ alain, le juge des libertés et de la détention delà loi de 26 novembre 2003 ATDP 2004 p100_101.
[5]   JEAN PRADEL : les personnes suspectées ou pour suivre après la loi du 15 juin 2000-évolution ou novolution D. 2001.DOCT. Chrom’ p1045 VARINARD À. La détenu provisoire REV. Pen Dr. Pe’2003 N1. P663
[6] –  أحمد عبد الحكيم عثمان، م ، س ص 83.
 [7]  بلمخفي بوعمامة، م، س، ص 34.
[8]  مقال منشور بالموقع الإلكتروني https://www.osf.be/fr/blog/detention/le-placement-en-detention-      preventive/belgiun/  تم الاطلاع عليه بتاريخ  03/11/2019  على الساعة 17 :25.
[9] – المادة 13 من الدستور الإيطالي.
[10]–  المادة 6 من الدستور اليوناني.
[11]– أحمد عبد الحكيم عثمان، م ، س ،ص 86.
[12] -Casa crime 25 Octobre 1973
[13] – أحمد عبد الحكيم عثمان، م ، س ص 87.
[14] – الفقرة الأخيرة من الفصل 175 من قانون المسطرة الجنائية.
[15] – Christian Cuory , détention provisoire  Dalloz , 2001 page 51
[16]  الفصل 111 من مجموعة القانون الجنائي المغربي.
[17]  المادة 159: الوضع تحت المراقبة القضائية والاعتقال الاحتياطي تدبيران استثنائيان يعمل بهما في الجنايات والجنح المعاقب عليها بعقوبة سالبة للحرية “.
[18]  محمد بوزبع، شرح قانون المسطرة الجنائية، الجزء الاول، الطبعة الثالثة سنة 2005 ص 276.
[19]  L’article 143-1 de C.P.P.f stipule que (sous réserve des dispositions de l’article 137 , a la détention provisoire ne peut être ordonné ou prolongée que dans l’un des cas ci – après énumérés 1_la personne mise en examen encourt une peine criminelle , 2- la personne mise en examen encourt une peine correctionnelle d’une durée égale ou supérieure a trois ans d’emprisonnement.)
[20]  طايل محمود العارف، تقييم المعالجة القانونية لماهية وشروط الحبس الاحتياطي في قانون الإجراءات الجنائية الاماراتي والاردني مع مقارنة الاجراءات الجنائية الفرنسي، جامعة العين للعلوم والتكنولوجيا، الإمارات العربية، ص22.
[21] L’article 275-1 CPP italien et les articles loyaux
[22]  نفس المدة اعتمدها المشرع البرتغال، اما التشريع الهولندي فقد اعتمد مدة 3 أشهر، المشرع البولندي والروسي اعتمد مدة سنة واحدة.
[23]  طايل محمود العارف، م س. ص 64.
[24]  المادة 114 “بعد استجواب المشتكى عليه يجوز للمدعي العام ان يصدر بحقه مذكرة توقيف لمدة لا تجاوز 15 يوما إذا كان الفعل المنسوب اليه معاقبا عليه بالحبس لمدة تزيد على سنتين، او بعقوبة جنائية مؤقتة وتوافرت الدلائل التي تربطه بالفعل المسند إليه “.
[25]  طايل محمود العارف: “م س”، ص 68.
[26]  Jean Pradel , droit pénal comparé , Dalloz ,1995 , page 501
[27] www.marocdroit.com à 29/10/2019 . 19 :45
[28]     ربيعي حسين، الحبس المؤقت وحرية الفرد، مقدمة لنيل شهادة الماجيستير، جامعة الإخوة منتوري، قسنطينة 2009 ص 36.
[29] www.laws.jp.gov.ma 29/10/2019 à 19 :55
[30]  طايل محمود العارف. م، س،  ص 72.
[31]  بولوفة منصور، م، س، ص18.
[32]  عدلت بالقانون رقم 145 لسنة 2006.

Related Articles

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button