الخطأ الشخصي و الخطأ المرفقي في التشريع المغربي

الخطأ الشخصي و الخطأ المرفقي في التشريع المغربي

أ)   الخطأ الشخصي

الخطأ الشخصي و الخطأ المرفقي عرفه أستاذنا عبد الله حداد أنه “هو الخطأ الذي يمكن تمييزه وينسب إلى الموظف الذي يكون في هذه الحالة قد قام بأعمال لا تمت بمصلحة المرفق بأي صلة، ونتجت عنها أضرار للغير فيكون ملزما يجبر الضرر من ماله الخاص لكونه هو الفاعل”[14]، وقد تعرض المشرع المغربي لفكرة الخطأ الشخصي في الفصل 80 من قانون الالتزامات والعقود الذي قرر فيه على أن “مستخدمو الدولة والبلديات مسؤولون شخصيا عن الأضرار الناتجة عن تدليسهم أو عن الأخطاء الجسيمة الواقعة منهم في أداء وظائفهم، ولا تجوز مطالبة الدولة والبلديات بسبب هذه الأضرار إلا عند إعسار الموظفين المسؤولين عنها”.

ولقد تعددت المعايير المحددة للخطأ الشخصي إلا أن الفقه والقضاء اتفقا على أربعة معايير في هذا الصدد وهي:

   معيار النزوات الشخصية

وهو أول معيار قال به الفقه، حيث ذهب الفقيه “لا فريير ” إلى أن الخطأ يكون شخصيا إذا كان التصرف الضار مطبوعا بطابع شخصي يكشف عن ضعف الإنسان وعدم تبصره.

  معيار جسامة الخطأ

نادى بهذا المعيار مجموعة من الفقهاء على رأسهم الفقيه “جيز” وهو الخطأ الشخصي الذي يبلغ حدا من الجسامة ولا يمكن اعتباره من الأخطاء العادية التي يمكن أن يتعرض لها الموظف أثناء قيامه بواجباته[15].

  معيار الغاية

هذا المعيار تبناه الفقيه “دوجي” وهو يقوم على أساس الغاية التي يهدف إليها الموظف من تصرفه الذي ترتب عليه الضرر، فإذا قصد الموظف من التصرف هو تحقيق شخصية لا علاقة لها بالوظيفة فإن الخطأ يكون شخصيا.

  معيار الانفصال عن الوظيفة

هذا المعيار نهجه العميد “هوريو” واعتبر بأن الخطأ شخصيا عندما يمكن فصله عن الأعمال المادية أو المعنوية للإدارة أو الوظيفة ومثاله كأن يكون في حالة قيام الموظف بعمل لا علاقة له ماديا بواجبات وظيفته.

وباستعراضنا لأحكام القضاء الفرنسي في هذا المجال يتبين بأنه لا يتقيد بالمعايير السابقة كل واحد على حدة لتكييف الخطأ هل هو خطأ شخصي أو مرفقي، وإنما يفحص كل حالة بذاتها وبالتالي قضى بوجود خطأ شخصي في الحالات التالية:

_   إذا ما كان الخطأ المنسوب إلى الموظف لا علاقة له بعمله كأن يرتكبه خارج نطاق وظيفته وأوقات عمله

_   إذا مان كان الخطأ المنسوب إلى الموظف متصلا بالوظيفة، فإن القضاء اعتبره خطأ شخصيا إذا ما كان عمديا أو كان جسيما.

-الخطأ العمدي: أكد القضاء الفرنسي على أن الخطأ العمدي هو الذي يرتكبه الموظف  بنية سيئة.

-الخطأ الجسيم: حسب راي مجلس الدولة الفرنسي فإن الخطأ الجسيم هو الذي يرتكبه الموظف شخصيا أثناء قيامه بواجباته الوظيفية وكان على درجة من الجسامة، بغض النظر عن نية الموظف ما إذا كان يهدف تحقيق المصلحة العامة أو مصلحته الشخصية[16].

والقضاء المغربي بدوره اعتمد في تكييفه للخطأ الشخصي على أنه ذلك الخطأ المنفصل عن الوظيفة، أو أنه خطأ شخصيا ناتجا عن تدليس الموظف أو أنه خطأ شخصيا جسيما، والذي يصعب إيجاد تعريف موحد له من طرف المحاكم المغربية[17].

ب): الخطأ المرفقي

الخطأ المرفقي هو إخلال الإدارة بمجموعة من الالتزامات الملقاة على عاتقها سواء بواسطة أحد العاملين التابعين لها أو نتيجة تنظيم المرفق نفسه ولقيام الخطأ المرفقي لابد من توفر مجموعة من الشروط نجملها فيما يلي:

-أن يسنب الخطأ إلى مرفق عمومي

-أن يخضع لقواعد القانون العام وليس لأحكام القانون المدني

-أن تكون قواعد المسؤولية الناجمة عنه مستقلة عن قواعد المسؤولية المدنية المعروفة

-ويمكن أن يشمل كل مرافق الدولة[18]

وتتحدد صور الخطأ المرفقي حسب الفقه في ثلاث صور نجملها فيما يلي:

  1. عدم أداء المرفق لعمله

وتتمثل هذه الصورة من خلال امتناع الإدارة عن أداء بعض الأعمال وهي ملزمة قانونا بأدائها، مما نتج عن امتناعها ضرر لحق بالأفراد فلهذا وجب على الإدارة تعويض المتضررين.

  1. سوء أداء المرفق لعمله

ينسب الخطأ إلى المرفق فتترتب المسؤولية على أساس الخطأ المرفقي إذا أدى المرفق الخدمة على وجه سيء، ففي هذه الحالة تلزم الدولة بتعويض الضرر الناتج عن خطئها سواء تمثل هذا الخطأ في قرار إداري أو عمل مادي وأيا كان مقترف الخطأ.

  1. بطء أداء المرفق لعمله

تقوم مسؤولية الإدارة في هذه الحالة إذا ما أبطأت في أداء الخدمة متجاوزة المدة المعقولة لأدائها دون مبرر وترتب على ذلك ضرر[19].

       2) المسؤولية الإدارية على أساس المخاطر

تعتبر المسؤولية الإدارية على أساس الخطأ غير كافية لمواجهة العديد من الحالات التي يترتب عنها تعويض المتضررين من جراء تسيير المرافق العمومية.

وحتى تتم مواجهة مختلف هذه الاحتمالات، فقد ابتكر القاضي اللجوء إلى نظام آخر للمسؤولية، يسمح بتعويض الضحايا: هذا النظام هو نظام المسؤولية بدون خطأ[27].

فالمسؤولية الإدارية بدون خطأ تعني أن الإدارة تكون مسؤولية عن الضرر الذي أصاب المضرور نتيجة قيام الإدارة بأعمالها، حتى ولو لم يصدر منها أي خطأ وعلى المضرور أن يقو م بإثبات العلاقة السببية بين نشاط الإدارة والضرر الذي أصابه دون حاجة إلى إثبات خطأ الإدارة.

وبالرجوع إلى الفصل 79 من قانون الالتزامات والعقود، والفصل 8 من قانون المحاكم الإدارية نجدهما ينصان على ما يلي:

-الدولة والبلديات مسؤولة عن الأضرار الناتجة مباشرة عن تسيير إدارتها وعن الأخطاء المصلحية لمستخدميها[28].

-تختص المحاكم الإدارية مع مراعاة أحكام المادتين 9 و11 من هذا القانون ابتدائيا في طلبات إلغاء قرارات السلطات الإدارية بسبب تجاوز السلطة وفي النزاعات المتعلقة بالعقود الإدارية ودعاوى التعويض عن الأضرار التي تسببها أعمال ونشاطات أشخاص القانون العام، ما عدا الأضرار التي تسببها في الطريق العام ومركبات أيا كان نوعها يملكها شخص من أشخاص القانون العام[29].

ويستشف في هذين الفصلين أنه بإمكان المدعي في حالة تضرره أن يطالب بالتعويض، على ضوء المسؤولية على اساس المخاطر.

 أ) : خصائص المسؤولية الإدارية على أساس المخاطر

تتميز نظرية المخاطر كأساس لمسؤولية الإدارة عن أعمال موظفيها بمجموعة من خصائص تحدد ماهيتها ومكانتها من أساس المسؤولية الإدارية، وتحدد نطاقها وحدودها في هذه الخصائص أنها في نطاق القانون الإداري نظرية قضائية في عمومها، فنظرية المخاطر في القانون الإداري يعود الفضل في وجودها إلى القضاء الإداري الفرنسي الذي توسع في إرساء قواعدها، وحدد شروطها ومجالات تطبيقاتها.

كما أنه لا يشترط في شأنها ضرورة صدور قرار إداري وأنها ذات صفة ومكانة تكميلية ثانوية بالنسبة إلى الأساس القانوني الأصيل للمسؤولية  الإدارية وهو الخطأ المرفقي أو الوظيفي، كما تتصف بأنها ليست مطلقة، فهي تتحرك وتقوم في نطاق محدود في محيط دائرة الاعتبارات والظروف المختلفة.

وأخيرا كونها تتصف وتتميز بأنه يترتب عليها دائما الحكم بالتعويض، حيث أن التعويض فيها يكون على أساس الضرر الذي بلغ حد من الجسامة والخطورة الغير اعتيادية ويكفي لتعويض المضرور إثبات العلاقة السببية بين الضرر ونشاط الإدارة.

ب) : حالات المسؤولية الإدارية على أساس المخاطر

 عرف القضاء الإداري المغربي تطورا مهما في مجال المسؤولية بدون خطأ أو على أساس المخاطر، لكن هذا لم يمنع المشرع من تبني نصوص قانونية خاصة ترمي إلى سن نظام لتعويض المتضررين من جراء الأضرار اللاحقة بهم نتيجة عمل المرافق، لذلك فإن أمر تناول حالات المسؤولية الإدارية على المخاطر ينطلق من زاويتين ترتبطان بحالات المسؤولية الإدارية على المخاطر بموجب نصوص تشريعية، ثم بتطبيقات المسؤولية الإدارية على المخاطر بموجب الاجتهاد القضائي.

ففيما يخص حالات المسؤولية الإدارية على المخاطر بموجب نصوص تشريعية هناك الأضرار اللاحقة بالتلاميذ، حيث تكون الدولة بموجب هذا الأخير مسؤولة عن الأضرار التي تلحق التلاميذ والطلاب في المؤسسات التعليمية، في الوقت الذي يوجدون فيه تحت رعايتها ومسؤوليتها، دون إثبات خطأ من جانبها.

ومن الأضرار كذلك التي تدخل ضمن حالات المسؤولية الإدارية على المخاطر بموجب نصوص تشريعية، الأضرار الناتجة بفعل الاضطرابات، فالإدارة تعتبر مسؤولة عن ضمان النظام العام واتخاذ الإجراءات الضرورية للحفاظ عليه، وإذا ما حصل اضطراب أدى إلى وقوع أضرار، فالدولة هنا تكون هي المسؤولة عن التعويض بناء على نظرية المخاطر.

أما بخصوص حالات المسؤولية الإدارية على أساس المخاطر بموجب نصوص قضائية، فهناك الأضرار الناتجة عن الأشغال العامة، حيث يمكن أن تنتج أضرار عن هذه الأشغال إما بسبب تنفيذ هذه الأشغال وإما بسبب عدم تنفيذها أو تنتج عن هذه الأشغال نفسها، وذلك لأن الأشغال العامة تنصب على عقار، إذ يتعلق الأمر عادة ببناء أو هدم أو إصلاح هذا العقار[31].

وتوجد أيضا الأضرار الناتجة عن مخاطر الجوار غير العادية، فهناك بعض الأفراد يقطنون بجوار منشآت أو أماكن خطرة، مما قد يتضررون من جرائها، فبالتالي لا يعقل أن يتحمل الأشخاص القاطنون بجوار تلك المنشآت الأضرار الحاصلة منها.

كما أن هناك أضرار ناتجة عن بعض الأشياء الخطيرة، وهي تظهر في حالات تقدم فيها الإدارة على القيام ببعض المهام المنوطة بها باستعمال أشياء خطيرة كاستعمال الأسلحة والمتفجرات.

ومن الأمثلة القضائية الواردة في هذا المجال، قضية عبد السلام الدكالي الصادر عن المجلس الأعلى في 23/11/1964، حيث تبين أثناء مصادرة أحد المجرمين الفارين، أن رجال الدرك استعملو ا السلاح بدل السيارة لمطاردته، مما أدى إلى إصابته بجروح، واستحق تعويضا بناء على نظرية المسؤولية الخطيئة، لأن رجال الدرك لم يكونوا ملزمين باستعمال السلاح[33].

Related Articles

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button