Uncategorized

حقوق الانسان

مقدمة
أصبح موضوع حقوق الإنسان يحظى باهتمام كبير ومتزايد في المحافل الدولية ، وبات يشكل المحور الأساسي الذي تدور حوله العلاقات المدنية والسياسية والاقتصادية … ، وهذا الاهتمام تبعه إقرار المجتمع الدولي لمنظومة قانونية حقوقية ترجمت على أرض الواقع في شكل اتفاقيات دولية ترمي في مجملها إلى توسيع آليات الحماية الدولية لحقوق الإنسان بداية بالإعلان العالمي لحقوق الانسان الذي صدر في العاشر من دجنبر من سنة 1948، إذ يعتبر هذا الإعلان بمثابة المستوى المشترك الذي ينبغي أن تستهدفه كافة الشعوب و الأمم في مجال حقوق الإنسان ، و قد تبع هذا الإعلان صدور العديد من المواثيق و الإعلانات المهتمة بمختلف مجالات حقوق الإنسان ، و يأتي في مقدمة هذه العهود : العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية و العهد الخاص بالحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة .
و تعتبر الحقوق المدنية والسياسية بمثابة الجيل الأول من حقوق الإنسان المنصوص عليها في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية .
و من تم يمكن تحديد مفهوم الحقوق المدنية على أنها : هي تلك الحقوق التي يزاولها الفرد بهدف تحقيق مصالحه الخاصة الفردية ، كحرية التجول و الاستقرار بجميع أنحاء المملكة ، و الحقوق العائلية : كحق الزواج و حقوق الأطفال و الحماية و الأمن ، وحق الحياة : كالكرامة و عدم الاستعباد و السلامة الشخصية والمساواة أمام القانون واحترام حرمة المسكن و سرية المراسلات و المكالمات …
وتحتل الحقوق المدنية حيزا هاما داخل المنظومة الحقوقية و القانونية الدولية لذلك تم التنصيص عليها سواء داخل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان و العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية لسنة 1966 ، وهو ما دفع المنتظم الدولي نحو التأكيد على إدراج هاته الحقوق داخل التشريعات الوطنية لمختلف الدول ، إضافة إلى توفير الحماية القضائية لها ، أو ما يسمى بالحماية المؤسساتية لمختلف الحقوق .
أما الحقوق السياسية فيقصد بها : تلك الحقوق التي خولها القانون لكل فرد داخل وطنه للقيام بكل عمل مشروع له ارتباطا بحقوق الآخرين ، و بذلك تتعدى هذه الحريات حقوق الفرد اتجاه نفسه و أسرته لتتصل بحقوق الجماعات ، و التي تنبني على مدى مشاركة المواطنين في تدبير شؤونهم السياسية واختيار ممثليهم أو الانخراط في الأحزاب و مختلف التنظيمات السياسية و الهيئات العاملة في المجال السياسي ، من الحقوق السياسية : حق المشاركة و الاختيار ، و حرية ممارسة الشعائر الدينية ، وحق التعبير…لذلك تظل الحقوق السياسية حجر الرحى في دائرة الحقوق والتي يقاس بها مستوى الدول الديمقراطية و مدى احترامها لحقوق مواطنيها ، وهذا ما حاول العهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية تأكيده في معرض تطرقه لهاته الحقوق .
ومن مميزات الحقوق السياسية أنها تنفد داخل مختلف فروع القانون سواء أكان قانونا عاما أو خاصا ، و سواء كان قانونا عاديا أو تنظيميا .
و لتعزيز ضمانة حماية الحقوق والحريات بصفة عامة ، أعطى الدستور الجديد لسنة 2011 أهمية لهذه الحماية من خلال تخصيصه للباب السابع منه للسلطة القضائية باعتبارها السلطة الموكول إليها حماية الحقوق والحريات ، كما عزز هذه الضمانة من خلال التنصيص على استقلاليتها عن باقي السلط الأخرى .
ونظرا لشساعة مجموع الحقوق و الحريات فإننا سنقتصر على الفئة موضوع بحثنا هذا ، و المتمثلة في الحقوق المدنية و السياسية و مدى حماية القضاء لها ، نظرا لما تحظى به هاته الفئة من أهمية كبرى في الشرعية الدولية و على رأسها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان و العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية ، وإلى جانب ذلك فقد حظيت هذه الحقوق بالعناية اللازمة و المكانة السامية في العديد من الإعلانات و الاتفاقيات الدولية الصادرة في مجال حقوق الإنسان سواء من طرف منظمة الأمم المتحدة أو من طرف بعض الوكالات الدولية المتخصصة التابعة لها…
وما يجب الإشارة إليه هو كون الاتفاقيات الدولية تتمتع في المغرب بقوة إلزامية ، و تحتل مرتبة هامة في إطار التسلسل الهرمي للقوانين بالمغرب ، ويعتبر مطلب تحقيق العدالة الاجتماعية أهم غاية وراء التنصيص على هاته الحقوق . على أنها تفرض على الدول المعنية ضرورة التدخل الإيجابي بإحداث برامج و مخططات تستهدف تمكين المواطن من التمتع بهذه الحقوق.
و بالرجوع إلى الدستور المغربي لسنة 2011 نجده يتضمن مجموعة من الحقوق و الحريات المدنية و السياسية إضافة إلى ديباجة الدستور الجديد و التي تنص على تمسك المغرب بالمقتضيات الدولية وما تتضمنه من حقوق و حريات ، فإن المشرع الدستوري نص في مجموعة من الفصول خاصة الباب المتعلق بالحقوق و الحريات على مجموعة من الحقوق المدنية و السياسية إذ يعتبر الفصل 21 أبرز هاته الفصول و الذي يحمي الحق في الحياة باعتباره أسمى حق من حقوق الإنسان و أقدسها ، إضافة للفصل 19 الذي يشير إلى المساواة في مختلف الحقوق بين الرجل و المرأة وغيره من الفصول المؤطرة للحقوق المدنية و السياسية .
هذا فيما يخص الحقوق المدنية و السياسية في دستور المملكة المغربية أما فيما يخص موقع الحقوق في إطار القوانين التنظيمية و العادية فهناك عدد من القوانين المؤطرة لهذه الحقوق و نذكر منها مدونة الأسرة و القانون الجنائي و القانون الإداري و المدني…إلى غير ذلك من القوانين و بالتالي فقد حظيت هذه الفئة من الحقوق بأهمية كبرى داخل المنظومة القانونية المغربية ، و ما ذلك إلا دليل على تشبث المغرب بمنظومة بحقوق الإنسان .
و تبرز أهمية حماية هاته الحقوق على مستوى الواقع العملي من خلال العمل القضائي ، و بالتالي يعتبر القضاء من الدعائم الأساسية لقيام أركان كل دولة إن لم نقل أهمها بسبب الدور المتميز الذي يضطلع به من أجل توفير الحماية اللازمة للحقوق المدنية و السياسية ، و من تم يتبين لنا الدور البارز للقضاء في حماية حقوق الإنسان بصفة عامة و الحقوق المدنية و السياسية بصفة خاصة و ذلك بالاطلاع على ما تمت مراكمته في هذا المجال من اجتهادات قضائية .
ويطرح موضوع الحماية القضائية للحقوق المدنية و السياسية الإشكالية التالية :
ماهي أوجه الحماية التي استطاع القضاء المغربي توفيرها لمنظومة الحقوق المدنية و السياسية انطلاقا من القرارات و الأحكام الخاصة بهذا الجانب ؟
وسنتطرق لموضوع الحماية القضائية للحقوق المدنية والسياسية بالاستناد على المنهج الاستقرائي والمنهج التحليلي وذلك انطلاقا من مجموعة من القرارات والأحكام القضائية .
وسنحاول معالجة هذه الاشكالية معتمدين على التصميم التالي:
المبحث الاول :الحماية القضائية للحق في الحياة
المبحث الثاني : تجليات الحماية القضائية لحماية مبدأ المساواة

المبحث الأول :الحماية القضائية للحق في الحياة

خلال هذا المبحث سنحاول الوقوف على الحماية القضائية لكل من الحق في الحياة و الحياة الخاصة (مطلب أول) على أن نتطرق الى الحق في التقاضي في (مطلب ثاني) .
المطلب الأول : الحماية القضائية للحق في الحياة والحياة الخاصة
يعتبر الحق في الحياة اسمى حقوق الانسان واقدسها فهو الاساس الذي تقوم عليه جميع الحقوق الاخرى، ذلك ان ممارسة اي حق اخر من تلك الحقوق المحمية من طرف القانون لا يكون متصورا دون كفالة الحق في الحياة وحمايته اولا ، فهذا الحق يأتي في مقدمة الحقوق التي تلتزم الدولة بحمايتها وتأمينها على جميع المستويات سواء الدولية او الاقليمية وسواء في الحالات العادية او في الحالات الاستثنائية .
ومن بين المواثيق الدولية التي تنص على الحق في الحياة نجد الاعلان العلمي لحقوق الانسان لسنة 1948 في مادته الثالثة التي تنص على ان “لكل فرد الحف في الحياة والحرية والامن على شخصه “، وعليه فان الدول المصادقة على الاعلان ملزمة بضرورة احترام هذه الحقوق وعلى راسها الحق في الحياة دون اللجوء الى تفسيرات وتأويلات تهدف الى القضاء على هاته الحقوق ،وذلك من خلال مقتضيات المادة 30 التي جاء فيها ليس في الاعلان نص يجوز تأويله على انع يهدف الى هدم الحقوق والحريات الواردة فيه
لكن اذا كانت القوانين الجنائية لكل الدول قد جرمت كل افعال القتل وبالتالي حماية حق الفرد في الحياة فان ما يثير الاشكال هنا هو ان الاعلان العالمي لحقوق الانسان لا يملك الية لردع ومنع عقوبة الاعدام وبالتالي فهو لم يتضمن اي اشارة صريحة الى الغاء هذه العقوبة التي تنتهك الحق في الحياة وتندد باسم القانون
وما يهمنا في هذه الدراسة هو العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966 على اعتبار أن الحقوق التي يتضمنها ليست ناشئة من اعراف القانون ولكنها مستمدة من الطبيعة البشرية ، إذا رجعنا
إلى الفقرة الأولى من المادة السادسة نجد فيها إشارة واضحة إلى أن الحق في الحياة حق ملزم لكل انساء وعلى القانون ان يحمي هذا الحق ، كما ان الفقرات الثانية والثالثة والخامسة والسادسة تطرقت الى الضمانات الواجب توفرها للحكم بالإعدام .
والمشرع المغربي بدوره عمد إلى حماية هذه الحقوق وخاصة الحق في الحياة وذلك من خلال التنصيص على مجموعة من الضمانات أبرزها الضمانات القضائية المتمثلة أساسا في استقلال السلطة القضائية ، كما أنه إذا رجعنا إلى الفصل 117 من الدستور نجد على أن القاضي يتولى حماية حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي وتطبيق القانون .
و انطلاقا مما سبق سنحاول خلال هذا المطلب الحديث عن الضمانات التي منحها القضاء المغربي لحماية الحق في الحياة من خلال التطرق إلى حماية القضاء الإداري (فقرة أولى) ثم حماية القضاء العادي (فقرة ثانية) .
الفقرة الاولى : الحماية القضائية للحق في الحياة
اولا: حماية القضاء الاداري
أحدثت المحاكم الادارية بموجب ظهير 1.91.255 المتعلق بتنفيذ القانون 41/90 الصادر في 10 شتنبر 1993 للبث في طلبات إلغاء قرارات السلطات الإدارية بسبب تجاوز السلطة في النزاعات المتعلقة بالعقود الإدارية ودعاوى التعويض عن الأضرار التي تسببها أعمال ونشاطات أشخاص القانون العام .
كما أن إحداث هذه المحاكم يعتبر تعزيزا لمسار الحماية القضائية للحقوق والحريات لذلك يلعب القضاء الاداري دورا مهما في المحافظة على حقوق الأفراد في مواجهة تعسفات الإدارة وهو ما يعبر عنه البعض بدولة الحق والقانون .
ومن هنا سنحاول الوقوف على بعض أحكام و قرارات القضاء الإداري ومنها حكم المحكمة الإدارية بتاريخ 25/07/2013 ملف عدد 575/12/210 بالرباط والذي جاء فيه “أن إخلال مرفق الصحة المركز الاستشفائي ابن رشد بمبدأ مساواة المواطنين في العلاج والعناية الطبية تابث حينما منع الهالك من الاستفادة المجانية من إجراء الكشف عن طريق “السكانير” لأنه لا يعقل من الناحية القانونية ولا من الناحية الإنسانية الآدمية أن يطلب من شخص في وضعية صحية حرجة قدمت له شهادة طبية على وجود رضوض في الجمجمة من أداء مقابل الكشف الثابت بمقتضى الوصل المسلم له بدعوى أن المجانية حسب إدارة المرفق تتطلب اجراءات ادارية خاصة ، لا مال للحديث عنها في هذه الحالات غير العادية التي تتطلب مساعدة مجانية خاصة ومركزة ،تهتم بصحة المريض لا بوضعيته المادية ، ناهيك عن السماح للمريض بالمغادرة وعدم اخضاعه لأي علاج عادي أو استعجالي ولو بمستويات الحد الادنى والطبيعي وعدم استقباله بالمستشفى وتوفير الخدمات العلاجية له بعين المكان ، مما يرتب عنه بصفة آلية مسؤولية المرفق عن الاهمال الخطير والتقصير الواضح في منظومة العلاج والتي تسببت في وفاة الضحية .
كما أن الحكم السابق ذكره ينص ايضا على مسؤولية مرفق الامن في احداث الوفاة لان الضحية كان قد تلقى ضربة على راسه من طرف رجال الامن اثناء التصدي لحالة الشغب القائمة بالملعب .
وفي قرار آخر صادر عن المحكمة الادارية بالرباط اقر على مسؤولية الدولة في حماية المواطنين من أخطار الألغام والذي جاء فيه ” الألغام تعتبر من المواد الخطيرة التي تقع على عاتق الدولة حماية المواطنين من خطرها وتكون ملزمة بحراسة الأماكن المحتمل انها موجودة بها … انفجار لغم مؤديا لوفاة أحد الضحايا … مسؤولية الدولة مفترضة على أساس المخاطر الاستجابة لطلب التعويض…”
ثانيا: القضاء المدني
يتجلى تكريس الحق في الحياة في المغرب من خلال القضاء المدني وذلك قبل التنصيص القانوني والدستوري ، وذلك بتطبيق المقتضيات الرامية الى التعويض عن الحرمان من الحياة .
ويمكن الاستدلال على هذا الأمر من خلال الحكم الصادر عن الغرفة المدنية لمحكمة النقض والذي جاء فيه ” يستحق ورثة الهالك ضحية حادث سير واصوله تعويضا عن الضرر المترتب لهم بفقدان مورثهم، وتستخلص المحكمة موجب الإنفاق في إطار سلطتها في تقدير الحجج ، كما تستفيد أم الهالك ضحية حادث السير من تعويض مستقل عن النسبة التي يستحقها باقي الورثة” .

الفقرة الثانية: الحماية القضائية للحق في الحياة الخاصة
على اعتبار أن الاجتهاد القضائي هو الضامن لاستمرارية القواعد التشريعية من خلال ملاءمتها مع الوقائع والنوازل فهو يؤمن للتشريع ملاحقة تطورات المجتمع من خلال تطبيق النصوص القديمة بروح جديدة خصوصا إذا ما كنا أمام حق ذو طبيعة متجددة يجل القوانين المخصصة تعجز عن ملاحقة الانتهاكات التي تهدد التمتع به .
ومن بين هذه الحقوق نجد الحق في الحياة الخاصة باعتباره حق يتعلق بكيان الإنسان ووجوده والذي لا يقبل المساس به وهذا ما أكدته المادة 17 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية .
ومن هنا لا يمكن لنا الحديث عن مدى نجاعة الحماية القانونية للحق في الحياة الخاصة دون الوقوف على الواقع العملي من خلال الممارسة القضائية وذلك من اجل توضيح دور القضاء المغربي في تفعيل النصوص القانونية المتعلقة بحماية هذا الحق
وعلى هذا الاساس سنقف عند الحماية التي خصها القضاء العادي للحق في الحياة الخاصة.
اولا: حماية القضاء الاداري للحق في الحياة الخاصة
خلال هذه الفقرة سنقف عند مظهر من مظاهر الحياة الخاصة وهو الحق في الصورة ودور القضاء الاداري في حمايته.
الحق في الصورة هو ذلك الاستئثار الذي يتيح للشخص منع غيره من ان يرسمه او يلتقط له صورة دون اذن منه صريح او ضمني وما يستتبع ذلك من حقه في الاعتراض على نشر صورته على الجمهور حماية لحقه في الخصوصية,
وقد اسس الاجتهاد القضائي لمحكمة النقض حماية الصورة على قواعد المسؤولية المدنية ،بحيث جاء في قرار مبدئي وحديث لمحكمة النقض صادر بتاريخ 25/03/2014 جاء فيه” ان التقاط صورة اشهارية للمدعية وهي تحمل اناء من النحاس في يدها من اجل التعريف بنادي رياضي ، واستعمال نفس الصورة من طرف شركة متخصصة في صنع الاواني البلاستيكية يخولها حق مطالبة هذه الاخيرة بالتعويض عن الضرر المعنوي الناجم عن نشر الصورة دون ادن اذنها ، والدي يمكن تحديد نسبة مسؤوليتها في حدوثه بمدى تدخلها الايجابي مما لا يمكن معه القول بانتفاء مسؤوليتها

ثانيا: حماية القضاء الجنائي للحق في الحياة الخاصة
خلال هذه الفقرة سنحاول الوقوف عند اهم مظاهر هذا الحق والمتمثلة في حرمة المسكن كمظهر تقليدي تم سرية الاتصالات كمظهر حديث واخيرا الحق في الصورة,
حرمة المسكن كمظهر تقليدي
إذا رجعنا إلى الفصل 441 من القانون الجنائي والفصل 230 نجد ان المشرع خصص حماية لحرمة المسكن من كل انتهاك سواء تم من طرف الافراد العاديين او من طرف الموظفون العموميون,
وتتجلى هذه الحماية من خلال الأحكام القضائية والتي نجد من بينها ما قضت به المحكمة الابتدائية بفاس حيث جاء في مضمون الحكم أنه لطالما لم يثبت للمحكمة ما يخالف ما دون بمحضر الضابطة القضائية يجعل ما قام به المتهمان من دخول لغرفة المشتكي وافتراشها من جديد والإقامة بها عن نية واختيار مع توجيه إرادتهما الى اعتمارها دون موافقة المشتكي مستجمعا العناصر التكوينية لجنحة الدخول إلى مسكن الغير ، الأمر الذي اقتنعت معه المحكمة بثبوتها في حقه ويتعين معاقبته عنها وفقا للفصل 441 من القانون الجنائي .
ونفس التوجه أخذت به حينما اعتبرت أن ما قام به المتهم من دخول منزل المشتكى عن بينة واختيار ومع توجيه إرادته إلى دخوله منزل ارتكاب السرقة دون موافقة المشتكي مستجمعا للعناصر التكوينية لجنحة الهجوم على مسكن الغير ، الأمر الذي اقتنعت معه المحكمة بثبوتها في حقه وبالتالي معاقبته وفق الفصل 441 من القانون الجنائي .
والفقرة الثانية من الفصل 441 من القانون الجنائي تحدثت عن ظروف التشديد في جنحة الدخول الى مسكن الغير ومن هنا نجد حكم قضائي صادر عن المحكمة الابتدائية بصفرو جاء فيه ان المتهم من خلال اقواله وبعد ان وجد المنزل مقفلا وقام بتسلق احدى النوافذ الخارجية والتي كانت مغلقة وقام بفتحها بواسطة ملعقة وطاف بأرجاء المنزل وبدا بالمطبخ تم غرفة النوم وشرع يتفقد المحتوى … وبناء على ذلك جاء في قرار المحكمة وحيث اعترف المتهم باقتحامه منزل المشتكي في غيابه فأنها قررت مؤاخذته
المطلب الثاني: الحماية القضائية للحق في التقاضي
لأول مرة في الدساتير المغربية عرف الدستور المغربي لسنة 2011 وظيفة أو رسالة وذلك بمقتضى الفصل 117 ،كما أوجب المشرع الدستوري على القضاء الالتزام بتطبيق القانون بصفة عادلة وهو ما أكده الفصل 110 من الدستور كما نص نفس المشرع في الفصل 118 على أن حق التقاضي مضمون لكل شخص للدفاع عن حقوقه ومصالحه التي يحميها القانون ” .
ولضمان حماية القضاء للحقوق والحريات الأساسية استوجب المشرع الدستوري دعما للثقة في القضاء أن تكون الأحكام معللة وتصدر في جلسة علنية وفق الشروط المنصوص عليها في القانون .
وخلال هذا المطلب سنحاول الوقوف على أبرز الاجتهادات المجسدة للحق في التقاضي من خلال مختلف أنواع القضاء سواء منه القضاء المتخصص أو العادي.
الفقرة الأولى : حماية القضاء المتخصص
أولا: حماية القضاء الدستوري
يتفرع الحق في الدفاع كأصل عام عن مبدأ قرينة البراءة ، ويفيد هذا الحق منح المتهم الحق في أن يكون مؤازرا بدفاعه الذي يتكفل بإعداد ملف خاص بموكله مع ما يتطلبه ذلك من السماح لهذا الدفاع بالاطلاع على مختلف الوثائق التي تهم الملف و حضور مختلف أطوار التحقيق و المحاكمة ، ومن أهم شروط احترام الحق في الدفاع منح المحامي الحق في الاطلاع على ملف موكله وأخد نسخ من المحاضر وباقي وثائق الملف ، حتى يكون على علم بمختلف هذه الوثائق ويعد دفوعاته بشكل متكامل ، وأيضا من أجل تحقيق توازن في الأسلحة بين الدفاع و بين النيابة العامة .
وهذا الأمر شكل محور الجدل الذي أثير أثناء نظر المجلس الدستوري في القانون رقم 129.01 القاضي بتغير المادة 139 من قانون المسطرة الجنائية ، والذي ينص على منح “…الحق لقاضي التحقيق بالمنع التلقائي أو بناء على ملتمسات النيابة العامة بعدم تسليم نسخ من المحاضر أو من باقي وثائق الملف كليا أو جزئيا إذا اقتضت مصلحة التحقيق ذلك متى تعلق الأمر بالجرائم المنصوص عليها في المادة 108 من هذا القانون (أي قانون المسطرة الجنائية) أو بجرائم الرشوة أو استغلال النفوذ أو الاختلاس أو التبديد أو الغدر أو غسل الأموال….”
وهكذا استند المجلس الدستوري في قضائه بعدم دستورية القانون المذكور إلى الحق في الدفاع المضمون بموجب الفصل 120 من الدستور، وأكد المجلس على أن هذا الحق يعتبر حقا أساسيا والذي من خلاله تمارس باقي الحقوق الأخرى المتصلة بالمحاكمة العادلة وهو حق ينشأ منذ توجيه التهمة إليه إلى حين صدور الحكم النهائي في حقه ، كما استند المجلس في معرض تبريره على مبدأ التوازن في الأسلحة بين النيابة العامة ودفاع المتهم… وأن يتمتع محامو المتهم و مُحامو الطرف المدني في كافة الجرائم،
بنفس الشروط والآجال لإعداد دفاعهم.
وهنا يتبين أن المجلس الدستوري لم يستند وفقط على المبدأ الدستوري المشتمل على الحق في الدفاع وإنما أيضا على مختلف الحقوق المنبثقة عنه كالحق في الاطلاع على الملف ، المساواة بين الأطراف وتحقيق التوازن في الأسلحة . وإذا كان المشرع أحيانا وبغاية تحقيق مزيد من الأمن وضمانا لسلامة التراب الوطني وحماية الأموال ، قد يصدر إجراءات استثنائية تهم منع الدفاع من الاطلاع على الملف أو جزء منه ، فإن المجلس الدستوري قد أكد أنه “… يلزم إخضاع هذا الأمر لأكبر قدر ممكن من الضمانات ،لا سيما ما يتعلق بأجل تسليم ملف لمحامي المتهم أو الطرف المدني ، وهي ضمانات من شأنها تحقيق التوازن بين حسن سير التحقيق في الجرائم المذكورة ومتطلبات حقوق الدفاع”
ثانيا: حماية القضاء الاداري
ينص الفصل 118 من الدستور على تن حق التقاضي مضمون لكل شخص للدفاع عن حقوقه ومصالحه التي يحميها القانون ،وهكذا اعتبر الاجتهاد القضائي ان التبليغ عن وقوع جريمة ليس مقصورا على من كان ضحية لهذه الجريمة فحسب بل ان فكرة التضامن الاجتماعي وفكرة خدمة العدالة ، تجعلان على عاتق كل شخص طبيعي او معنوي في المجتمع واجبا بالتبليغ عن وقوع فعل يعتبر جريمة بحكم القانون ، لاسيما وان مسؤولية مرفق التعليم الجامعي تكون جسيمة لكونها يقع على عاتقها تمريس نظم المحاسبة المسؤولية لفضح الفساد وعدم الافلات من العقاب يما يساهم في تعزيز الشفافية تبعا لاتفاقية الامم المتحدة حول مكافحة الفساد …
ان الحق في التشكي اذا كان مرخصا به لكل شخص ، فان التعسف في استعماله نتيجة عدم التروي والتبصر ، او نتيجة العلم بكذب الواقعة المشتكي من اجلها والمبلغ عنها ، او تشويهها، قد يؤدي الى المساءلة مدنيا او جنحيا حسب الاحوال، بهدف اقامة توازن بين حقوق الجهة المشتكية (الابلاغ عن الجريمة) وحقوق الجهة المشتكى بها (قرينة البراءة) لتحقيق العدالة واحترام حقوق الانسان.

الفقرة الثانية: حماية القضاء العادي
خلال هذه الفقرة سنحاول الوقوف على حماية القضاء الجنائي لحقوق الدفاع ، إذ يحتل مبدأ ضمان حقوق الدفاع مكانة بالغة الأهمية في مادة الإجراءات يستمدها دون أدنى شك من أهمية الحقوق التي يكرسها و التي تعتبر من الحقوق الطبيعية المصونة والتي لا يجوز انتهاكها ولا يمكن ان تسقط بمرور الزمن . ويتمتع كل شخص بمقتضى هذا المبدأ بمجموعة من الحقوق تتمثل في الحقوق التالية: الحق بالنسبة لكل شخص في ان يكون بمعرفة تامة بالاتهامات الموجهة اليه ، الحق في التمتع بآجال كافية في اعداد وسائل الدفاع ، الحق في التزام الصمت ، الحق في التمتع بضمانات مبد المواجهة ،الحق في التمتع بمحاكمة عادلة يتراسها قاضي محايد، … وتهدف مختلف هاته الحقوق التي يحيل اليها مبدا ضمان حقوق الدفاع الى ضمان وتحقيق محاكمة عادلة للمتقاضين وذلك من خلال تمكين طرفي النزاع من دراسة ومناقشة جميع العناصر والدفوعات التي من شانها ان يكون لها تأثير حاسما ومن خلال ممارسة رقابة للتثبت من وجود حسن سير القضاء وضمانه من ناحية اخرى.
ففي قرار صادر عن محكمة النقض تحت عدد 901 صادر بتاريخ 21 شتنبر 2011 في الملف الجنائي عدد 6012/6/10/2011 وبناء على طلب النقض المرفوع من طرف المسمى عبد الكريم والرامي الى نقض القرار الصادر حضوريا عن غرفة الجنح الاستئنافية بطنجة بتاريخ 9/02/2011 في القضية عدد 1320/10 والقاضي بتاييد الحكم الابتدائي المحكوم عليه بمقتضاه من اجا خيانة الامانة ب4 اشهر حبسا موقوفة التنفيذ وغرامة قدرها 1000 درهم مع الصائر دون اجبار وتعويض مدني لفائدة المطالب به قدره 2.842.000درهم . فقد اعتبرت محكمة النقض بان محاضر الضابطة القضائية في شان التتبث من الجنح والمخالفات يوثق بمضمونها الى ان يتبث العكس باي وسيلة من وسائل الاثبات وان القرارات يجب ان تكون معللة تعليلا كافيا من الناحيتين الواقعية والقانونية والا كانت باطلة وان نقصان التعليل ينزل منزلة تنعدام التعليل الموجب للنقض . و حيث إن الطاعن أثناء مناقشة الوقائع أمام محكمة الموضوع و بعد أن تمت مواجهته بمحاضر الضابطة القضائية التي يزعم قيامه بالمنسوب إليه أدلى بمذكرة و لم يناقش الدفوع المعززة بالوثائق المرفقة بها و التي يمكن أن يكون لها تأثير في مآل القضية ، الأمر الذي يعتبر من جهة أولى خرقا للمادة 290من ق.م.ج بعدم تمكين الطاعن من إثبات عكس ما ورد بمحضر الضابطة القضائية و من جهة ثانية نقصانا في التعليل بعدم الجواب و مناقشة دفوع الطاعن مما يستوجب النقض .
من خلال هذا القرار يتضح أن بعض محاكم الموضوع الابتدائية و الاستئنافية لا زالت تؤمن بقدسية محاضر الضابطة القضائية في الجنح ضاربة عرض الحائط حقوق الدفاع المتعلقة بمناقشة هذه المحاضر و الطعن في حجيتها و إثبات ما يخالفها مهما بلغت وجاهة و سداد هذه الدفوعات المقدمة ، فكل من المحكمة الابتدائية و الاستئنافية بطنجة في هذا الملف لم تعر أدنى اهتمام لما أثبته المتهم و دفاعه بخصوص عدم صحة ما ورد بالمحضر . هذا الاتجاه الذي درج في الكثير من المحاكم على منح محاضر الضابطة القضائية قوة إثبات مطلقة لا يمسها الباطل لا من قريب و لا من بعيد قافزة بذلك على مقتضيات المسطرة الجنائية و المعايير الدولية للمحاكمة العادلة و كذا الاتفاقيات الدولية المؤكدة على احترام حقوق الدفاع . فقد جاء في المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية بأنه : ” من حق كل فرد لدى الفصل في أي تهمة جزائية توجه إليه …أن تكون قضيته محل نظر منصف و علني من قبل محكمة مختصة مستقلة حيادية منشأة بحكم القانون…”.
بعد ان تطرقنا لبعض مظاهر الحماية التي خصها القضاء المغربي لكل من الحق في الحياة والحياة الخاصة تم الحق في التقاضي ، سنحاول الوقوف في المطلب الثاني على الحماية القضائية لمبدا المساواة.

المبحث الثاني : الحماية القضائية لمبدأ المساواة
سنخصص هذا المبحث لتجليات الحماية القضائية لمبدأ المساواة من خلال مجموعة من القرارات و الأحكام التي تعكس مدى تطور القضاء المغربي و مواكبته لضمانات حماية مبدأ المساواة و مكافحة كل أشكال التمييز و هو ما سنراه إن على مستوى القضاء المتخصص (المطلب الأول) أو على مستوى القضاء العادي (المطلب الثاني) .
المطلب الأول : القضاء المتخصص ركيزة أساسية لحماية مبدأ المساواة
تعتبر حماية مبدأ المساواة و مكافحة أشكال التمييز أحد أبرز الأهداف الأساسية للمحاكم الدستورية و الإدارية في مختلف الأنظمة السياسية و الدستورية بالإضافة للأدوار العديدة المنوطة بأجهزة القضاء الدستوري و الإداري ، فإنه يعتبر أحد أنواع القضاء المتخصص الذي يقوم بحماية الحقوق و الحريات من خلال مختلف الاختصاصات المسندة إليه .
الفقرة الأولى: دور القضاء الدستوري في حماية مبدأ المساواة
إن القضاء الدستوري و كما هو معلوم مر بعدة مراحل بدءا من الغرفة الدستورية مرورا بالمجلس الدستوري وصولا إلى المحكمة الدستورية، فهو له تجربة مهمة في هذا المجال، و هو ما يظهر بشكل واضح من خلال نظره في العديد من النزاعات منها:
أولا : المساواة بين الرجل و المرأة
وذلك من خلال :
– السعي إلى تحقيق المناصفة بين الرجال و النساء في العمل السياسي
عمل المجلس الدستوري على التنزيل الفعلي للضوابط القانونية الضامنة لمبدأ المساواة و مكافحة أشكال التمييز من خلال مجموعة من القرارات المهمة منها:
قرار المجلس الدستوري الصادر بتاريخ 13 أكتوبر 2011، حيث جاء فيه أنه ” خصص المشرع بمقتضى المادة 23 ( من القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب )…للنساء (ضمن الدائرة الوطنية) ستين مقعدا دون إخضاعهن لحد السن و يكون بذلك قد سن مقتضيات قانونية –ترمي بغض النظر عن مداها- إلى تمتيع المترشحات الإناث بأحكام خاصة من شأنها تحقيق غاية دستورية تتمثل في إتاحة النساء تولي الوظائف الانتخابية تطبيقا لأحكام الفصل 19 من الدستور الذي ينص على ” تسعى الدولة إلى تحقيق مبدأ المناصفة بين الرجال و النساء” ، و الفصل 30 الذي يقر بصراحة أنه “ينص القانون على مقتضيات من شأنها تشجيع تكافؤ الفرص بين النساء و الرجال في ولوج الوظائف الانتخابية…” و تأسيسا على ما سبق ليس في أحكام المادة 23 المذكورة أعلاه ما يخالف الدستور ”
فمضمون هذا القانون يؤكد على وجوب إشراك المرأة في الحياة السياسية و اضطلاعها بسلطة القرار ، و هو نفس ما أكده قرار آخر للمجلس الدستوري بتاريخ 20 أكتوبر 2011، و الذي جاء فيه “…إن أحكام المواد من 24 إلى 29 (من القانون التنظيمي رقم 11-29 المتعلق بالأحزاب السياسية ، تعرض عددا من الواجبات و الالتزامات على كل حزب سياسي تتمثل في وجوب أن يتوفر على برنامج يحدد الأسس و الأهداف التي يتبناها الحزب و على نظام أساسي يحدد القواعد المتعلقة بتسييره و تنظيمه الإداري و المالي … و أن يعمل على توسيع و تعميم مشاركة النساء و الشباب في التنمية السياسية للبلاد من خلال السعي إلى بلوغ نسبة الثلث لفائدة النساء داخل أجهزته المسيرة وطنيا و جهويا في أفق التحقيق التدريجي لمبدأ المناصفة بين النساء و الرجال … و بناء على هذه الأسس الدستورية فإنه ليس في المواد المذكورة أعلاه ما يخالف الدستور ”
من تم نؤكد على أن توسيع و تعميم مشاركة النساء في التنمية السياسية للبلاد من خلال السعي إلى بلوغ نسبة الثلث لفائدة النساء داخل الأجهزة المسيرة للحزب يشكل نقطة إيجابية في أفق التنزيل الفعلي لمبدأ المناصفة .
و لنا في هذا الصدد قرار حديث للمجلس الدستوري يؤكد على استمرارية المسار المتميز له في سبيل حماية و ضمان الحقوق السياسية للمرأة ، و الذي جاء فيه أن “…بعد الاطلاع على النظام الداخلي للمجلس الاقتصادي و الاجتماعي و البيئي ، الذي أحاله رئيس هذا المجلس رفقة كتابة المسجل بالأمانة العامة للمجلس الدستوري في 4 فبراير 2015 ، و ذلك للبث في مطابقة أحكام الدستور و القانون التنظيمي …و حيث أن المادتين 29 و 46 تنصان بالتتابع على تخصيص مقعدين في مكتب المجلس الاقتصادي و الاجتماعي و البيئي و مقعد رئيس لجنة و مقعد مقر لجنة أخرى للنساء . و بموجب فصليه 30 و 146 نص على ضرورة تضمين القوانين مقتضيات ترمي إلى تشجيع تكافؤ الفرص بين النساء و الرجال و تحسين تمثيليتهن فيما يخص الولوج إلى الوظائف الانتخابية الوطنية المتعلقة بمجالس الجهات و الجماعات الترابية دون سواها ، و أن مبدأ المناصفة بين الرجال و النساء الذي تسعى الدولة إلى تحقيقه طبقا للفقرة الثانية من الفصل 19 من الدستور ، إذا كان يقتضي اتخاذ تدابير تحفيزية خاصة من شأنها تيسير الولوج الفعلي للنساء إلى مناصب المسؤولية داخل هياكل المجلس الاقتصادي و الاجتماعي و البيئي ، فإن ذلك يجب أن يتم من خلال مقتضيات لا يترتب عنها الإخلال بمبدأ المساواة بين الرجل و المرأة المنصوص عليه في الفقرة الأولى من نفس الفصل 19 المذكور و بمبدأ حظر و مكافحة كل أشكال التمييز بسبب الجنس المقرر في تصدير الدستور …لهذه الأسباب يصرح المجلس الدستوري بأن ما نص عليه البند السادس من الفقرة الثانية من المادة 3 من النظام الداخلي للمجلس الاقتصادي و الاجتماعي و البيئي من عرض ” النظام الأساسي الخاص لموظفي المجلس على الجمعية العامة للمصادقة عليه قبل نشره في الجريدة الرسمية ” دون الاتفاق المسبق مع الحكومة بشأن هذا النظام الأساسي الخاص …غير المطابق للدستور ”
تعتبر هذه الحقوق من الحقوق التي توالت الدساتير على الاهتمام بها و تكريسها بشكل مضبوط كونها تعبر عن نظرة الدولة من الوجه السياسي لنظام الحكم فيها ، فمعيار تأمين هذه الحقوق هو معيار مرتبط بالديموقراطية بشكل مباشر حيث لا دولة بلا هذه الحقوق و إلا قامت الاستبدادية ، و التي في عصرنا الحالي أصبحت من المستحيل تجددها في ظل أفكار التحرر التي أصيبت بها الشعوب المنادية لأنظمة الحكم .
– تجنب التمييز و الإخلال بمبدأ المساواة
نستحضر هنا قرار حديث للمحكمة الدستورية و التي أقرت بأنه ” بعد الاطلاع على رسالة الإحالة المسجلة بأمانتها العامة في 25 أغسطس 2017 التي يطلب بمقتضاها 84 عضو من أعضاء مجلس النواب من المحكمة الدستورية عملا بأحكام الفقرة الثالثة من الفصل 132 و المواد 23 و 25 و 26 من القانون التنظيمي رقم 13.066 المتعلق بالمحكمة الدستورية – التصريح بمخالفة المواد 1 و 2 و 3 و 4 من القانون رقم 14.79 للدستور… و حيث فيما يتعلق بالمادة الثانية أنه يؤاخذ الطاعنون على المادة الثانية كونها أخلت بالتوازن بين مهام النهوض و مهام الحماية ، عندما منحت للأولى إحدى عشر اختصاصا ، في مقابل اختصاصين فقط يتعلقان بالثانية و هو ما يتعارض مع الغاية الدستورية التي أنشأت من أجلها الهيئة ، في مخالفة لأحكام الفصلين 19 و 164 من الدستور ، و حيث أنه بالرجوع إلى الفصل 164 من الدستور قإن الهيئة المكلفة بالمناصفة و محاربة جميع أشكال التمييز تسهر على احترام الحقوق و الحريات المنصوص عليها في الفصل 19 من الدستور ، و ذلك دون أي تحديد لمهام النهوض و الحماية . و أضاف أن الفصل 19 من الدستور نص في فقرته الأولى على ” يتمتع الرجل و المرأة على قدم المساواة بالحقوق و الحريات المدنية و السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و البيئية، و في فقرته الثانية : تسعى الدولة إلى تحقيق مبدأ المناصفة بين الرجال و النساء ” مما يستفاد منه أن الهيأة المحدثة لها اختصاص حصري فيما يتعلق بمحاربة أشكال التمييز و تحقيق المساواة . و القانون موضوع الطعن حدد في المادة الثانية اختصاص الهيأة مع التنصيص الصريح في مستهل المادة المذكورة على ” مراعاة الاختصاصات الموكولة للسلطات العمومية و الهيئات و المؤسسات الأخرى بموجب نصوص تشريعية و تنظيمية الجاري بها العمل …” و قد نص كذلك على تلقي الشكايات بشأن حالات التمييز…و من جهة أخرى يدفع الطاعنون بخرق البند 7 من نفس المادة لتصدير الدستور و للفصلين 19 و 164 منه حين اقتصر على التمييز الذي يمس النساء ، و لم يتطرق لحظر و مكافحة كل أشكال التمييز على أساس الجنس أو اللون أو المعتقد أو الثقافة أو الانتماء الاجتماعي أو الجهوي أو اللغة أو الإعاقة أو أي وضع شخصي كيفما كان ، و استهلال البند المذكور بالتركيز على أشكال التمييز التي تعترض النساء لا يعني عدم ممارسة الهيئة اختصاصاتها بشأن أنواع التمييز … و كذا البند 9 الذي ينص على “تقديم مختلف أشكال المساعدة التقنية اللازمة للسلطات العمومية و مختلف الفاعلين في القطاعين العام و الخاص، من أجل التحقيق الفعلي لمبدأي المساواة و المناصفة و مكافحة كل أشكال التمييز… و لهذه الأسباب يصرح بأن أحكام المواد 1 و 2 و 3 و 4 من القانون رقم 15079 ليس فيها ما يخالف الدستور… ”
في نفس الإطار هناك قرار صادر عن المجلس الدستوري يؤكد على تعزيز ولوج النساء إلى الوظائف العمومية “…لئن كان المشرع مدعوا إلى سن قواعد و تحديد السبل التي من شأنها تعزيز ولوج النساء إلى المهام العمومية ، انتخابية كانت أو غير انتخابية بما في ذلك العفوية بالمحكمة الدستورية ، و ذلك إعمالا بصفة خاصة ، لأحكام الفقرة الثانية من الفصل 19 من الدستور التي تدعو الدولة إلى السعي إلى تحقيق مبدأ المناصفة بين الرجال و النساء ، فإن ما ينص عليه الدستور في تصديره من حظر و مكافحة كل أشكال التمييز بسبب الجنس و في الفقرة الأولى من فصله 19 من كون الرجل و المرأة يتمتعان على قدم المساواة بالحقوق و الحريات المدنية و السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و البيئية لا يسمح للمشرع بتخصيص نسبة مضمونة مسبقا لأحد الجنسين في العضوية بالمحكمة الدستورية ينافي الشروط الجوهرية و المسطرية (المنصوص عليها في الفصل 130 من الدستور)… و تأسيسا على ذلك فإن إمكان تمثيلية النساء في العضوية بالمحكمة الدستورية ، لا يتأتى ضمانه إلا على مستوى الاقتراح و الترشيح ، دون أن يفضي ذلك إلى تخصيص نسبة مسبقة لا للرجال و لا للنساء في هذه المحكمة التي يخضع اختيار أعضائها تعيينا و انتخابا ، لشروط دستورية لا يجوز الإخلال بها اعتمادا على أي معيار، بما في ذلك التمييز بين الجنسين المحظور دستوريا ”
ثانيا : المساواة في الحقوق
وذلك من خلال:
– المساواة في الانتخاب و الترشح
يعتبر هذا الحق من أهم الحقوق السياسية كونه يرتبط إلى جانب الحق في التصويت في إضفاء الشرعية على ديموقراطية الدولة و نظامها السياسي ، هذا الحق يخول للإنسان المشاركة في تسيير الحياة العامة بالمجتمع بترشيح نفسه نيابة عن غيره لتحقيق المصلحة العامة ، و كسائر الحقوق المدنية و السياسية يتمتع بضمانة دستورية باعتبارها من الحقوق الأساسية في الدولة .
و قد تطرق القضاء الدستوري المغربي بنوع من التمييز للحق في الترشيح كونه وجهة المشاركة السياسية للأفراد و التي من الموجب في البداية أن تقوم على أساس المساواة بمنح الحق في الترشيح للجميع دون تمييز ، فأولى الاجتهاد اهتماما له من خلال مجموعة من القرارات :
و القضاء الدستوري منذ بدايات نشأته في المغرب أكد على هذه الحقوق (التصويت-الترشح-الانتخاب) بل اعتبرها من المبادئ الأساسية التي تقوم عليها الدولة ، و هذا ما جاء في أوائل ظهور القضاء الدستوري منذ أن كان غرفة دستورية ، كما أكد حديثا و في إطار الرقابة الوجوبية على القوانين التنظيمية “…على استحضار المبادئ الأساسية التي يرتكز عليها الدستور في مضمار ممارسة الحقوق السيتسية المتمثلة بالخصوص في المواصلة و حرية الانتخاب و الترشيح من خلال الاقتراع القائم على أساس مبادئ المساواة و تكافؤ الفرص و حظر و مكافحة كل أشكال التمييز وفق ما ينص عليه الدستور… إضافة إلى ذلك فإن المجلس الدستوري في رقابته لهذا القانون قد تجاوز مبدأ شخصية الانتخاب بالسماح للمغاربة المقيمين بالخارج الحق في التصويت بالوكالة .
– حق تولي الوظائف العمومية
يعتبر الحق في تولي الوظائف العمومية من بين أهم الحقوق السياسية ، لكن في التوجه الحديث للحقوق و الحريات من الممكن أن نربط بين تولي الوظائف العمومية و تأمين الدخل للفرد ، خصوصا ذلك الذي حصل على مؤهلات تمكنه من تولي تلك الوظائف ، و بهذا أكد القضاء الدستوري حديثا على انفراد النطام الأساسي العام للوظيفة العمومية و الضمانات الأساسية الممنوحة للموظفين المدنيين و العسكريين بموجب الدستور فإنها ضمن مجال القانون و لا يجوز للسلطة التنظيمية المس بأي قاعدة من القواعد العامة المنصوص عليها في هذه القوانين … و هكذا تختص السلطة التنظيمية بتدبير و تنزيل هذا الحق بما يتوافق مع قانونه الأساسي فإن المحاكم الإدارية أسندت لتعيينها الاختصاص بالنظر في النزاعات الناشئة عن تطبيق النصوص التشريعية و التنظيمية الخاصة بالوظيفة العمومية و الذي أكد من خلال ممارسة القضاء الإداري في ضمان تنزيل هذا الحق وفق الأسس القانونية المشروعة له لضمان مبدأ المساواة في ولوج الوظائف العمومية .
إلى جانب ذلك أكد القضاء الدستوري في أحد قراراته على ضرورة تجنب التمييز و الاخلال بمبدأ المساواة في ولوج الوظائف العمومية ، و هذا ما جاء في أحد قراراته ، “…لئن كان المشرع مدعوا إلى سن القواعد و تحديد السبل التي من شأنها ولوج النساء إلى المهام العمومية انتخابية كانت أم غير انتخابية ، بما في ذلك العضوية في المحكمة الدستورية و ذلك إعمالا بصفة خاصة للفصل 19 من الدستور التي تدعو الدولة إلى السعي لتحقيق المناصفة بين الرجال و النساء فإن ما ينص عليه الدستور في تصديره من حظر و مكافحة كافة أشكال التمييز بسبب الجنس… ” .
– منح تكوين تنظيمات نسائية في البرلمان
حيث قرر المجلس الدستوري في شأن المواد 49 و 50 و 51 من النظام الداخلي لمجلس النواب “حيث أن هذه المواد تتعلق بحق النائبات الممارسات فعليا خلال الولاية التشريعية ، في تأسيس هيئة للنساء البرلمانيات ، تهدف إلى اقتراح ودعم و تقوية المكتسبات النسائية في كل المجالات و تعزيزها على مستوى التشريع و المراقبة و الدبلوماسية البرلمانية و على مستوى مراكز اتخاذ القرار…” . و حيث أن أجهزة مجلس النواب محددة على سبيل الحصر في الفقرة الثالثة من الفصل 62 و الفقرة الثالثة من الفصل 62 و الفقرة الثانية من الفصل 67 و الفقرة الأخيرة من الفصل 69 من الدستور…و حيث أنه لئن كان يحق للبرلمانيين فرقا و مجموعات و أفرادا ، أن يتقدموا بما شاءوا من مقترحات و توصيات في نظام الاختصاص المخولة للبرلمان قصد تحقيق الأهداف الواردة في المادة 49 من هذا النظام الداخلي ، فإن تأسيس هيئة خاصة بالنائبات يتنافى مع أحكام الدستور آنفة الذكر مما يجعل المواد 49 و 50 و 51 غير مطابقة للدستور .
ثالثا : المساواة أمام القانون
نجد بهذا الصدد و فيما يتعلق بالمساواة بين المتهمين أمام قواعد الإجراءات القضائية قرارا صدر عن المجلس الدستوري بتاريخ 13 غشت 2013 يؤكد على أن : “…مبدأ المساواة بين المتهمين أمام قواعد الإجراءات القضائية الذي يعد من مظاهر المساواة أمام القانون ، يقتضي مبدئيا ، أن يتمتع مُحامو المتهمين و كذا مُحامو الطرف المدني ، في كافة الجرائم بنفس الشروط و بنفس الآجال لإعداد دفاعهم ”
الفقرة الثانية : مظاهر حماية القضاء الإداري لمبدأ المساواة
– الحق في تكافؤ الفرص :
إذا كان القضاء الدستوري قد خطى خطوات في مجال حماية الحقوق والحريات خاصة مسألة المساواة ومكافحة كل أشكال التمييز ، فإن القضاء الإداري كان له بالغ الأثر في النهوض بحماية حقوق الإنسان وتحقيق الأمن القانوني والقضائي وهذا يظهر من خلال القرارات التالية :
– أقرت الغرفة الإدارية بمحكمة النقض في قضية رفض السلطة الإقليمية تسوية وضعية الموظف المالية والإدارية حيث جاء في القرار : ” حيث يعيب الطالب على القرار المطعون فيه خرق مقتضيات الفصل 7 من مرسوم 1977 / 09 / 27 بمثابة النظام الأساسي لموظفي الجماعات المحلية الذي يقضي أن كل عملية توظيف بالجماعة يجب الاعلان عنها قصد إعطاء الفرصة لعدد أكبر من المترشحين وتمكين الجماعة من اختيار الأفضل ، وهو ما لم تحترمه الجماعة وتم اختيار أحد أقارب نائب الرئيس ، كما أن هذا التوظيف مخالف المقتضيات الفصل 19 من الدستور الذي يقر مبدأ المساواة في الحقوق ، كما أن قرار رئيس الجماعة بالتوظيف خرج عن مقتضيات المنشور رقم 31 وتاريخ 1957 / 08 / 22 بمثابة نظام الأعوان المؤقتين بالإدارات العمومية المحال عليه بموجب مرسوم 1977 / 09 / 27 الذي يوجب تأشيرة القابض الجماعي وذلك بعد وجود منصب شاغر.
لكن حيث أن الثابت من محضر اللجنة المكلفة بدراسة طلبات أعوان المصلحة لشغل المناصب الشاغرة بمصالح الجماعة التي انعقدت بتاريخ 2008 / 04 / 14 أن مقتضيات الفصل السابع من المرسوم رقم 2.77738 بتاريخ 1977 / 02 / 27 بمثابة النظام الأساسي لموظفي الجماعات قد احترمته وتمت الإشارة لذلك في المحضر المذكور كما تمت الإشارة فيه لحضور ممثل عن القابض الجماعي الذي أشر على حضوره في خانة المحضر ، وان المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه حينما اعتمدت في الاستجابة لطلب المعني بالأمر على مضمون اللجنة المذكورة تكون قد بنت قضاءها على تعليل سائغ وخلاف الواقع غير مقبول فكان ما بالوسيلة بدون أساس وبه قضت محكمة النقض برفض الطلب وتحمل الطالب الصائر ” .
– حرية تأسيس الأحزاب السياسية :
في الواقع فإن المغرب لا يعرف وجود أحزاب سياسية قائمة على التميز ذلك أن الأحزاب السياسية المغربية هي أحزابا تجمع في مكوناتها مختلف المغاربة باختلاف ديانتهم وأصلهم و عرقهم ، وعلى هذا الأساس قامت السلطات المغربية يمنع تأسيس أحد الأحزاب السياسية ويتعلق الأمر بالحزب الديمقراطي الأمازيغي الذي أصدر القضاء المغربي بشأنه حكما قضائيا قضى ببطلان تأسيسه لكونه ينبني على أصل عرقي وهو ما لا يسمح به لا قانون الأحزاب السياسية ولا المواثيق الدولية ، وفي مقابل منع تأسيس هذا الحزب منحت السلطات الإدارية المغربية عدة قرارات بالموافقة على تأسيس أحزاب سياسية جديدة حرية تأسيس الأحزاب السياسية ما تضمنته المادة 4 من القانون المذكور التي أسست عليها وزارة الداخلية طلبها بإبطال الحزب وحله ، والتي تنص على أنه يعتبر باطلا أيضا و عديم المفعول كل تأسيس لحزب سياسي يرتكز على أساس ديني أو لغوي أو عرقي أو جهوي ، أو يقوم بكيفية عامة على أساس تمييزي أو مخالف لحقوق الإنسان .
– المساواة بين الرجل و المرأة في الانتفاع من الأراضي الجماعية :
في هذا المجال نسير إلى حكم أصدرته المحكمة الإدارية حول المساواة بين الجنسين في الاستفادة من الأراضي السلالية ،حيث دفع الوكيل القضائي للمملكة بعدم قابلية القرار المطعون فيه الصادر عن مجلس الوصاية ، وحيث أنه إذا كان الفصل 12 من ظهير 1919 / 04 / 27 بشأن تنظيم الوصاية على الجماعات السلالية وضبط تدبير الإدارة للأسلاك الجماعية قد نص على عدم قابلية مجلس الوصاية للطعن ، فإن هذا المنع لا يمكن أن ينسحب أثره على الدعوى الطعن بالإلغاء الذي يمكن القضاء الإداري من بسط رقابة مشروعية القرارات الإدارية .
لذلك فإن الطلب يهدف إلى الحكم بإلغاء قرار مجلس الوصاية لخرق القوانين والأعراف المعمول به من طرف الجماعة السلالية وانعدام التعليل وعدم اعتبار الوثائق المدلى بها وقرارات الجماعة السلالية ، ويحث السلطة المحلية ، حيث دفع الطرف المدعى عليه بمشروعية المقرر المطعون فيه لأبنائه على قاعدة المساواة بين الذكور والإناث في الاستفادة من الأراضي السلالية .
وحيث إن الثابت من وثائق الملف عدم إدلاء الطاعن بما يفيد سند حيازته وتصرفه للأراضي الجماعية المدعي اختصاصه وحدها من دون الورثة الذي هم مائة واحدة .
و حيث أن قرار مجلس الوصاية بتخويل الإناث من استغلال نصيب في أراضي الجموع لانتسابهم للجماعة السلالية بصفتهن ورثة مثلهن مثل الذكور طبقا لقاعدة المساواة ، ومراعاة لمقاربة النوع الاجتماعي تصرف مرتكز على سبب صحيح من الناحية الدستورية ، ولما تفرضه الاتفاقيات الدولية ( المادة 3 و 15 من اتفاقية سيداو )
ويكون بذلك الطلب حوله غير مؤسس خلفه الرفض وذلك تطبيق القصاين 117 و 118 من الدستور ومقتضيات القانون 90/41 المحدث بموجب المحاكم الإدارية ومقتضيات قانون المسطرة الجنائية .
وهكذا جاء في حكم المحكمة الإدارية بفاس صادر بتاريخ 1997 / 01 / 13 إن ” حرمان الإناث من استغلال نصيب في أراضي الجموع رغم انتسابهم للجماعة السلالية تصرف غير مرتكز على سبب صحيح من الناحية القانونية والشرعية ومتسما بالتالي بالتجاوز في استعمال السلطة وماله الإلغاء ”
وقد أيدت محكمة الاستئناف الادارية بالرباط هذا الاتجاه بمقتضى قرارها الصادر بتاريخ 20 يونيو 2007 معتبرة أنه ليس لأراضي الجموع قانون موحد ، بل إن هذا النوع من الأراضي يخضع جانب معه للشريعة الإسلامية ، والجانب الآخر للقانون الوضعي وهو ظهير 1919 / 04 / 17 ويبقى العرف والعادات القبلية أهم العناصر التي يرتكز عليها نظام هذه الأراضي بالرجوع إلى القرار الوزاري الصادر في 1945 / 08 / 14 تنفيذا لظهير 1919 / 04 / 27 المتعلق بتنظيم الوصاية على أراضي الجموع ، يتبين أن الفصل 10 منه ينص على أنه عند وفاة الشخص ، يخول حق المنفعة إلى أحد ورثته أو إلى بعض ورثته الذين هم أعضاء الجماعة التي يعهد إليها باختيار الشخص الذي يحول إليه الحق المذكور . . وبالتالي فإن هذا المقتضي التنظيمي لم يميز بين الورثة المذكور أو الإناث بل جاء عاما . . فضلا عن أحكام الشريعة الإسلامية لا تميز في الإرث بين الذكر والأنثى ”
– المساواة بين الرجل والمرأة في تولي الوظائف القضائية
اعتبر المجلس الأعلى بموجب قراره الصادر بتاريخ 21 فبراير 2001 إن الفصل 12 من الدستور لا يميز بين الرجل والمرأة في تولي منصب القضاء وكذا الظهير الشريف المكون للنظام الأساسي لرجال القضاء لا تميز مقتضياته بين الجنسين للانخراط في سلك القضاء ، بمقتضى الفصل السادس من الظهير المتعلق بالتنظيم القضائي للمملكة يمكن لكل غرفة من غرف محاكم الاستئناف وهي مكونة من قاضيات أن تحكم في كل القضايا المعروضة عليها أيا كان نوعها وأن تعلق الأمر بقضايا الأحوال الشخصية
لقد جعل الملك محمد السادس النهوض بحقوق الإنسان و الحريات الأساسية مند وصوله إلى الحكم في يوليوز 1999 في صلب المشروع المجتمعي الديموقراطي الحداثي الذي يقوده وتمثل ذلك عمليا في الأوراش العديدة التي أعطى انطلاقتها وسهر على تتبع تنفيذها و ارتباطا بمبدأ المساواة قطع المغرب خطوات كبيرة خاصة في المنظومة القانونية حيث نجده أعطها حماية جد فعالة .
المطلب الثاني: حماية القضاء العادي لمبدأ المساواة (القضاء الزجري)

تلعب الحماية الجنائية لمبدأ المساواة دورا مهما و ذلك عبر التصدي للعديد من الأفعال و السلوكات التي تخرق مبدأ المساواة ، و بالتالي فهي تلتزم باحترام مجموعة من المبادئ الواردة في الاتفاقيات و المواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب ، و بالرجوع إلى القضاء المغربي نجده لعب دورا كبيرا في الدفاع عن مبدأ المساواة من خلال مجموعة من القرارات ، و سنقتصر على مبدأ المساواة في احترام حقوق الدفاع .
فكما هو معلوم فإن حقوق الدفاع لها مكانة مهمة جدا في مادة الإجراءات حيث لا يجوز انتهاكها لأنها تضمن تحقيق محاكمة عادلة منصفة للمتقاضين .
و هكذا ذهبت محكمة النقض في إحدى قراراتها تحت عدد 901 صادر بتاريخ 21 شتنبر 2011 في الملف الجنائي عدد 6012/6/10/2011 و بناء على طلب النقض المرفوع من طرف المسمى ع.ك و الرامي إلى نقض القرار الصادر حضوريا عن غرفة الجنح الاستئنافية بطنجة بتاريخ 09/02/2011 في القضية عدد 1320/10 و القاضي بتأييد الحكم الابتدائي المحكوم عليه بمقتضاه من أجل خيانة الأمانة ب 4 أشهر حبسا موقوفة التنفيذ و غرامة قدرها 1000 درهم مع الصائر دون إجبار و تعويض مدني… اعتبرت محكمة النقض بأن المحاضر القضائية في شأن التثبت من الجنح و المخالفات يوثق بمضمونها إلى أن يثبت العكس بأي وسيلة من وسائل الاثبات و أن القرارات يجب أن تكون معللة تعليلا كافيا من الناحيتين الواقعية و القانونية و إلا كانت باطلة ، و أن نقصان التعليل ينزل منزلة انعدام التعليل الموجب للنقض ، و حيث أن للطاعن أثناء مناقشة الوقائع أمام محكمة الموضوع و بعد أن تمت مواجهته بمحاضر الضابطة القضائية التي يزعم قيامه بالمنسوب إليه أدلى بمذكرة و لم يناقش الدفوع… الأمر الذي يعتبر من جهة أولى خرقا 290 من قانون المسطرة الجنائية بعدم تمكين الطاعن من إثبات عكس ما ورد بمحضر الضابطة القضائية ، ومن جهة ثانية نقصانا في التعليل بعدم الجواب و مناقشة دفوع الطاعن مما يستوجب النقض .
من خلال هذا القرار يتضح أن بعض محاكم الموضوع الابتدائية و الاستئنافية لا زالت تؤمن بقدسية محاضر الضابطة القضائية في الجنح ضاربة عرض الحائط حقوق الدفاع ، فهي لم تعر أدنى اهتمام لما أتبثه المتهم و دفاعه و هذا الاتجاه الذي درج في الكثير من المحاكم على منح محاضر الضابطة القضائية قوة إثبات مطلقة لا يمسها الباطل من قريب و لا من بعيد قافزة بذلك على مقتضيات المسطرة الجنائية و المعايير الدولية للمحاكمة العادلة ، حيث ورد في المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية :” الناس جميعا سواء أمام القضاء. ومن حق كل فرد، لدى الفصل في أية تهمة جزائية توجه إليه أو في حقوقه والتزاماته في أية دعوى مدنية، أن تكون قضيته محل نظر منصف وعلني من قبل محكمة مختصة مستقلة حيادية، منشأة بحكم القانون…” إن لشرط المعاملة المتساوية من جانب المحاكم في القضايا الجنائية جانبا مهما يتجلى في المبدأ الأساسي الذي يقضي بالمساواة في معاملة الدفاع و الادعاء على نحو يضمن أن تتاح لكلا الطرفين فرص متساوية في إعداد مرافعته .
و من بين المعايير الأساسية للنظر المنصف للدعاوى مبدأ تكافؤ الفرص بين طرفي الدعوى ، و هذا المبدأ يجب مراعاته في مراحل الدعوى ، يعني أن يعاملا على قدم المساواة من الناحية الإجرائية .
يبرز دور الاجتهاد القضائي من خلال التصدي للعنف في مواصلة تشخيصه و رصد آثاره و سبل جبر الأضرار المترتبة عنه، و من بين ما ورد في إحدى القرارات متعلق بمسألة إطار قضاء التحقيق : ” جسد المرأة حرمة و قدسية محمية تشريعيا في القانون الجنائي بالمغرب . جسد الإنسان مكون أساسي لعرضه و شرفه ، و عرض الإنسان هو المحدد لاعتباره الشخصي داخل المجتمع و هذا محمي بدوره بنصوص مجرمة للأفعال التي تستهدفه و يظهر من خلالها أن آلية فيها انصرفت إلى إلحاق الضرر به ، و إن كان الجسد هو الظاهر أنه المستهدف و من المتعارف عليه اجتماعيا و منذ الأزل أن يستر الجسد و خاصة في المناطق الحساسة و يدخل ضمن القيم العليا من جهة ، ومن جهة أخرى من الالتزامات الواجب على الأفراد الامتثال لها .
و في نفس السياق اعتبرت محكمة الاستئناف بالدار البيضاء التحرش الجنسي من أنواع الإهانة التي يقع على المرأة ، و مما جاء فيه : “يعد التحرش الجنسي من أنواع إهانة المرأة و إذلالها و هو صورة من صور الظلم لإنسانيتها طبقا للشريعة الإسلامية و للمواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب ” .
و اعتمد هذا القرار في تعليلاته على المادة 5 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان و التي تندد بالمعاملة الحاّطّة بكرامة الإنسان ، و كذا ما تنص عليه المادة 7 من العهدين الدوليين عن حق الشخص دون تمييز في شروط عمل عادلة ، و ما أكدت عليه اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة في ديباجتها ، و كذا المادة 11 منها على حق المرأة في العمل دون تمييز ، و كذا ما تنص عليه الاتفاقية 100 و 111 الصادرتين عن منظمة العمل الدولية الموقع عليهما من طرف المغرب و اللتان تنصان على حماية المرأة العاملة و معاملتها دون تمييز ، و أن ما تتعرض له من تحرش جنسي يعيق نمو المجتمع و يخرق مبدأ المساواة و يدفع إلى التمييز بكل أنواعه كونها طرف ضعيف في نظر الجنس الآخر ، بل في نظر المجتمع ككل ، و هذا فيه تناقض مع ما صادق عليه المغرب من اتفاقيات و مع ما جاءت به ديباجة الدستور المغربي لسنة 2011 .

خاتمة
من خلال ما تطرقنا له في عرضنا سلفا ، و بعد دراستنا لمختلف مظاهر الحماية القضائية الصادرة عن محاكم المملكة إن على مستوى القضاء المتخصص (الدستوري ، الإداري ) أو على مستوى القضاء العادي ( الزجري ، الاجتماعي ، الأسري …) ، يتضح بشكل جلي أن العمل القضائي عرف تطورا نوعيا على مستوى صياغة الأحكام و القرارات ، و هذا التطور يعود بالدرجة الأولى للإصلاحات الدستورية التي عرفتها المملكة المغربية و التي أسفرت عن صدور دستور جديد نص على استقلالية السلطة القضائية و على ضمانات المحاكمة العادلة و حقوق و حرية المتقاضين ، و صرح بأن دور القاضي يكمن في تطبيق القانون و حماية الحقوق و الحريات .
و تعزيزا لتلك الاستقلالية تم إصدار مجموعة من القوانين التنظيمية و على رأسها القانون التنظيمي المتعلق بمحكمة النقض للسلطة القضائية ، و القانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة ، هذا إضافة إلى القانون المتعلق باستقلال النيابة العامة .

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button