الحماية الجنائية للطفل

الحماية الجنائية للطفل في التشريع المغربي و بعض التشريعات المقارنة

الحماية الجنائية للطفل

 
يتزايد اهتمام الأمم بالطفل أو الصبي أو الحدث، فهو ذخيرة الوطن، بسواعده تتحقق استمرارية خطط التنمية، وبدمائه وروحه يصان الاستقلال والكرامة الوطنية، فهو إنسان في طور النمو، وهو بالنسبة لأسرته ولمجتمعه ولأمته رجاء المستقبل.
ولذلك تحرص مختلف التشريعات على هذه اللبنة المستقبلية للمجتمع عن طريق الحماية الجنائية للطفل في مختلف التشريعات . وذلك لكي تمنعه من عواقب الانحراف ولكي تسلك به الطريق السوي إلى الغاية التي ينشدها كل مواطن في حياته.
وقد عرفت المادة الأولى من اتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الأمم المتحدة في عام 1989 الطفل بأنه:”كل شخص لم يتجاوز سن الثامنة عشرة سنة.
وحسب المادة 458 من ق.م.ج المغربية فإن الحدث أو الطفل هو الذي لم يبلغ سن الرشد الجنائي، وهو 18 سنة ميلادية كاملة، وتقسم مرحلة الطفولة إلى مرحلتين الأولى لا يكون فيها الحدث مسؤولا جنائيا، وذلك لانعدام تمييزه حين يكون سنه أقل من 12 سنة، والمرحلة الثانية وهي ما بين 12 و 18 سنة ويكون فيها الحدث مسؤولا مسؤولية ناقصة. وهذه الأحكام قد ورد النص عليها كذلك في الفصول من 138 إلى 140 من ق.ج.
وفي مقابل هذا التحديد لمفهوم “الطفل” في التشريع المغربي نجد الفصل 3 من مجلة حماية الطفل التونسية ينص على أن المقصود بالطفل كل إنسان عمره أقل من 18 عاما ما لم يبلغ سن الرشد بمقتضى أحكام خاصة. في حين نجد المشرع اللبناني يقصد بالطفل كل من أتم السابعة من عمره ولم يتم التاسعة عشرة.
فالملاحظ إذا أن هناك توافق بين المشرع المغربي وأغلب التشريعات المقارنة فيما يخص تحديد سن الرشد الجنائي في 18 سنة. وذلك راجع بالأساس إلى وحدة المرجعية بالنسبة لهذه التشريعات في المسألة والمتمثلة في اتفاقية حقوق الطفل.
وهكذا يعتبر الصغير الذي لم يتم 12 سنة من عمره غير مسؤول جنائيا، أما إذا أتم الثانية عشرة ولم يبلغ الثامنة عشرة فتكون مسؤوليته ناقصة في حين إذا بلغ الثامنة عشرة فإنه يصبح كامل المسؤولية الجنائية.
ومن هنا تظهر عناية المشرع بالصغير بأن منحه حماية خاصة، تعود عليه بالفائدة الذاتية فيما قد يقع منه من أفعال قد تضر بالغير. وفي مقابل ذلك خصص له المشرع حماية من ما قد يقع من اعتداء على حقه في الحياة (المطلب الأول) أو على سلامته الجسدية (المطلب الثاني) أو تركه أو تعريفه للخطر (المطلب الثالث).

المطلب الأول  : حماية حق الطفل في الحياة

إن الحق في الحياة حق مقدس اعترفت به جميع الشرائع السماوية، ثم جاءت القوانين الوضعية فنصت هي الأخرى على معاقبة كل من يقتل أو يتسبب في قتل نفس بغير حق، وهكذا نجد المشرع المغربي قد نص في القانون الجنائي على الجنايات و الجنح المرتكبة ضد الإنسان عموما وخاصة الطفل وذلك تماشيا مع الاتفاقية الدولية المتعلقة بحقوق الطفل، والتي نصت في مادتها السادسة على حق الطفل في الحياة والبقاء…
وهكذا أورد المشرع نصوصا جنائية موضوعية قصد بها حماية حق الطفل في الحياة سواء في المرحلة السابقة على الولادة أي أثناء الحمل أو المرحلة اللاحقة للولادة.([1])
فبالنسبة للمرحلة الأولى تبدأ حماية المشرع لحق الطفل في الحياة بتجريم الإجهاض وكذلك بالمعاملة العقابية الخاصة للمرأة الحامل رعاية للجنين.
فقد جرم المشرع المغربي الإجهاض في الفصل 449 من ق.ج والذي ينص على أن:”من أجهض أو حاول إجهاض امرأة حبلى أو يظن أنها كذلك، برضاها أو بدونه سواء كان ذلك بواسطة طعام أو شراب أو عقاقير أو تحايل أو عنف أو أية وسيلة أخرى، يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة من مائتين إلى خمسمائة درهم وإذا نتج عن ذلك موتها فعقوبته من عشر إلى عشرين سنة“.
وقد جرم المشرع المصري بدوره الإجهاض ونص على عقوبته في المواد 260، 261، 262 و213 من قانون العقوبات.
ويلاحظ من خلال الفصل 449 من ق.ج أن المشرع المغربي قد عاقب على محاولة الإجهاض وهو ما يتوافق وما ذهبت إليه محكمة النقض المصرية التي اعتبرت:”أن الإجهاض هو تعمد إنهاء حالة الحمل قبل الأوان ومتى تم ذلك فإن أركان الجريمة تتوافر ولو ظل الحمل في رحم الحامل([2])
وإذا كان الإجهاض محظورا عامة كما تقدم فإن الظروف الاقتصادية والاجتماعية على وجه الخصوص والتضخم السكاني مع ضعف الموارد قد يؤدي إلى وضع برامج للتنظيم العائلي بهدف التحكم في عدد الأطفال سعيا نحو توفير حياة أفضل لهم. وهو ما ذهب إليه القانون الفرنسي الذي أجاز الإجهاض بشروط معينة بمقتضى القانون الصادر سنة 1961-والمعدل بالمرسوم الصادر سنة 1973-الذي أباح إجهاض الحمل خلال الثلاثة أشهر الأولى بمعرفة طبيب مباشر لمهنته بصفة قانونية في مؤسسة استشفائية أو صحية أو مصحة مرخص لها.([3])
ولم يقف المشرع المغربي عند حد تجريم الإجهاض حماية لحق الجنين في الحياة وإنما عاقب من يرشد الناس إلى وسائل تحدث الإجهاض، أو ينصح باستعمالها في الفصل 451 من ق.ج كما أن الفصل 455 يعاقب على التحريض على الإجهاض ولو لم يؤدي الإجهاض إلى نتيجة.
ولم يفت المشرع أن يعاقب كل امرأة أجهضت نفسها عمدا أو حاولت ذلك، أو تحملت أن يجهضها غيرها أو رضيت باستعمال ما أرشدت إليه أو ما أعطي لها لهذا الغرض([4]). إلا أن المشرع المغربي أباح الإجهاض استثناء إذا دعت إليه ضرورة المحافظة على صحة الأم.([5])
وإضافة إلى تجريم الإجهاض تتجلى حماية المشرع الجنائي لحق الطفل في الحياة في المرحلة الجنينية في المعاملة الخاصة للمرأة الحامل في حال ارتكابها لجريمة أوجبت الحكم عليها بالإعدام حيث نص المشرع في الفصل 21 من ق.ج على أنه:”المرأة المحكوم عليها بالإعدام إذا أثبت حملها فإنها لا تعدم إلا بعد أن تضع حملها بأربعين يوما” ونفس المقتضى تقريبا ورد في المادة 476 من قانون الإجراءات الجنائية المصري مع اختلاف في المدة التي ينفذ فيها الإعدام بعد الولادة وهي أربعين يوما في القانون المغربي وشهرين في القانون المصري.
والحكمة من إرجاء تنفيذ حكم الإعدام على المرأة الحامل ترجع بالأساس إلى إنقاذ الجنين الذي يعتبر مخلوقا بريئا لا ذنب له من حقه أن يحمى ويعيش.([6])
ولم تقف حماية المشرع الجنائي للطفل عند هذا الحد بل رافقته هذه الحماية حتى المرحلة الثانية وهي التي يستقل فيها عن أمه، وتبتدئ بتنفسه لأول مرة عندما يخرج رأسه من رحم أمه ويقطع الحبل السري ويصبح الجنين وليدا([7]). إذ نجد الفصل 397 من ق.ج ينص على أن:”من قتل عمدا طفلا وليدا يعاقب بالعقوبات المقررة في الفصلين 392 و393 وهذه العقوبات من السجن المؤبد في الأحوال العادية إلى الإعدام في حالة سبق الإصرار والترصد“.

المطلب الثاني: حماية حق السلامة الجسدية للطفل

لقد عمد المشرع إلى اتخاذ عدة تدابير تهدف إلى حماية الطفل من كل ما يمكن أن ينال من سلامته الجسدية من ضرب أو جرح أو عنف. وشدد العقوبة على مرتكب هذه الأفعال في حق الطفل مقارنة مع ما قد يقع على الراشد، حيث نص الفصل 408 على أنه:”يعاقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات كل من جرح أو ضرب عمدا طفلا دون الخامسة عشرة من عمره، أو تعمد حرمانه من التغذية أو العناية، حرمانا يضر بصحته، أو ارتكب عمدا ضد هذا الطفل أي نوع آخر من العنف أو الإيذاء فيما عدا الإيذاء الخفيف.
وفي مقابل هذا النص نجد المادة 222 ق.ج الفرنسي والتي تنص على أن العنف الموجه ضد حدث لم يتجاوز 15 سنة، أو ضد شخص مسن أو مريض أو له عاهة جسدية أو نفسية أو ضد امرأة حامل يعاقب…”
وهذه المواد تتلاءم مع المادة 19 من اتفاقية حقوق الطفل والتي تنص على أن:”الدول الأطراف تتخذ جميع التدابير التشريعية والإدارية والاجتماعية والتعليمية الملائمة لحماية الطفل من كافة أشكال العنف أو الضرر أو الإساءة البدنية“.
يلاحظ إذن أن المشرع المغربي ساير اتفاقية حقوق الطفل، فيما يخص حماية الطفل من كافة أشكال العنف أو الضرب أو الإهمال، حيث امتدت هذه الحماية لتشمل الطفل دون الخامسة عشرة من العمر سيرا على نهج نظيره الفرنسي.
وتشجيعا من المشرع على التدخل لحماية الطفل، قرر عذرا مخففا للعقوبة في جرائم الضرب والجرح إذا ارتكبها شخص ضد آخر بالغ عند مفاجأته بهتك أو محاولة هتك عرض بعنف أو دون عنف على طفل دون الثانية عشرة من العمر.([8])

المطلب الثالث: عدم ترك الأطفال وتعريضهم للخطر

الطفل بحكم تكوينه العضوي والنفسي لا يملك في السنوات الأولى من عمره القدرة على حماية نفسه من الخطر، أو دفعه، ولا يملك القدرة على إدراك ما يحيق به من المخاطر، التي يتعرض لها غيره من الأفراد الكبار.
ولأن الطفل لا يعيش وحده وإنما يعيش علة على غيره، وفي كنفه، حتى ولو كان له مال يتعيش منه، فهو دائما في حاجة إلى من يوليه الرعاية التي تتطلب من الولي، أو الراعي، أن يكون الطفل في حيازته.([9])
وللاعتبارات السابقة، وتماشيا مع العدالة وضمانا لكرامة الطفل وصيانة لحقوقه، فإن المشرع قد اهتم بالطفل في شتى المجالات ليس فقط في الجانب الذي يتعرض فيه للاعتداء المادي فقط، أو ما قد يقوم به من أفعال تعتبر خرقا للقانون من جراء انحرافه بل إن حماية المشرع للطفل واهتمامه بع يمتد حتى للمسائل قد تعرضه للخطر.
حيث نص الفصل 459 ق.ج على أنه:”من عرض أو ترك طفلا دون الخامسة عشرة أو عاجزا لا يستطيع أن يحمي نفسه بسبب حالته الجسمية أو العقلية في مكان خال من الناس أو حمل غيره على ذلك يعاقب لمجرد هذا الفعل، بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات...”
ويقابل هذا الفصل المادة 1.227 ق.ج الفرنسي التي تنص على أنه:”من ترك طفلا دون 15 سنة في مكان ما يعاقب بالحبس لمدة سبع سنوات وبغرامة 200 ألف فرنك إلا إذا سمحت ظروف الترك بحماية صحة وسلامة هذا الأخير...”
وتنص المادة 285 من قانون العقوبات المصرية على أنه:”من عرض للخطر طفلا لم يبلغ سنه سبع سنين كاملة وتركه في محل خال من الآدميين، أو حمل غيره على ذلك يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين.
ولم يقتصر عقاب المشرع المغربي على ترك الطفل في مكان خال من الناس بل حتى تركه في مكان غير خال معاقب عليه في التشريع الجنائي المغربي.([10])
وقد ذهبت محكمة النقض المصرية في تفسيرها لعبارة “خال من الناس” إلى أنه”ليس المقصود من عبارة”خال من الآدميين” أن يكون المحل خاليا من الآدميين في جميع الأوقات كمنطقة نائية مهجورة مثلا، وإنما المراد أن يكون المحل المذكور خاليا من الناس وقت تعرض الطفل للخطر، ولو كان من شأنه في غير هذا الوقت أن يكون آهلا بهم كالطريق العام([11])
وبإلقاء نظرة على لمواد المذكورة أعلاه يمكن القول أن التعديل الذي أدخل على الفصلين 459 و 461 من ق.ج المغربي بمقتضى القانون 03-24 حدد سن الطفل الذي يتمتع بالحماية المقررة في الفصلين فيها دون الخامسة عشرة على غرار المشرع الفرنسي وذلك خلاف القانون المصري الذي حدده في أقل من سبع سنوات، وهذا يوفر حماية أوفر للطفل في التشريع المغربي والفرنسي مقارنة بنظيرهما المصري.
وتعتبر جريمة تعريض الطفل للخطر من الجرائم الإيجابية التي تتحقق بعمل إيجابي ويتضح ذلك من نص الفصل 459 ق.ج من خلال عبارتي”من عرض أو ترك طفلا” و”أو حمل على ذلك“. على أن تفسير هذا النص لا يمنع من تصور وقوع الجريمة بدون عمل إيجابي، أي “بالترك أو الامتناع“، فإذا وجد شخص طفلا في محل خال من الآدميين وتركه مع علمه بما يتعرض له من خطر أو في هذه الحالة ولم يتخذ أي إجراء لإنقاذه، أو التبليغ عنه، وتوافر لديه القصد الجنائي، يعتبر مرتكبا لجريمة”تعريض الطفل للخطر” بطرق الترك أو الامتناع.([12])
ويستوي أن تقع هذه الجريمة من الشخص الذي يقوم على تربية الطفل ورعايته وتولي أمره –سواء من أصوله أو ممن لهم سلطة عليه أو ممن يتولون رعايته بحكم الوظيفة كالخدم والمعلمين وغيرهم- أو من الغير غير أنه إذا كان مرتكب الجريمة من الفئة الأولى فإن العقوبة تشدد عليه حسب التفصيل الوارد في الفصل 462 ق.ج.
كما يشترط لوقوع هذه الجريمة أن يؤدي تعريض الطفل للخطر إلى حدوث نتائج فعلية، لذلك فالجريمة تقوم ولو يقع للطفل ضرر ما، على أنه إذا ترتبت نتائج عن تعريض الطفل للخطر اقتصرت آثارها على العقوبة فقط وذلك على التفصيل الوارد في الفصل 459 من ق.ج المغربي.
وزيادة في توفير الحماية للطفل عاقب المشرع الجنائي المغربي كلمن يترك طفلا أو يتخلى عنه لفائدة مؤسسة خيرية، وكان الطفل قد عهد به إليه للعناية به متى كان سن الطفل لا يتجاوز سبع سنوات([13]). كما جرم المشرع كل من يقوم ببيع أو شراء طفل تقل سنه عن ثماني عشر سنة([14])، وفي نفس الاتجاه عاقب كل من حرض أو قام بالوساطة من أجل ذلك.
وتدخل المشرع لتجريم الاتجار بالأطفال قد يبدو مستغربا، ولكن مرده يرجع بالأساس إلى كون هذه الجريمة أصبحت تندرج في إطار الجريمة المنظمة التي تقوم بها شبكات دولية متخصصة في ذلك على صعيد القارة الإفريقية بالخصوص. مما أيقظ هاجس المشرع المغربي نحو المسألة، إضافة إلى ضرورة ملاءمة القانون الجنائي المغربي مع التزامات المغرب الدولية.
 
[1] – د. محمد محمد مصباح القاصي:”الحماية الجنائية للطفولة”، 1998، دار النهضة العربية، ص: 29.
[2] – د. محمد محمد مصباح القاصي: مرجع سابق، ص: 31.
[3] – ونحن نعطي هذا الموقف على سبيل المقارنة ولا نناقش سلامته من عدمها لعدم اتساع المجال لذلك.
[4] – أدولف ريبولط، مرجع سابق، ص: 570.
[5] – د. عبد الواحد العلمي:”القانون الجنائي المغربي (القسم الخاص)”، مطبعة النجاح الجديدة، 2000، ص: 205.
[6] – د. محمد محمد مصباح القاصي: مرجع سابق، ص: 33.
[7] – عبد اللطيف بلقاضي:”القانون الجنائي، القسم الخاص”، مطبعة الكرامة، دار الأمان للنشر  والتوزيع، الرباط، ص: 87.
[8] – الفصل 421 من ق.ج.
[9] – د. محمد محمد مصباح القاصي: مرجع سابق، ص: 40.
[10] – الفصل 461 ق.ج المغربي
[11] – د. محمد مصباح القاصي: مرجع سابق، ص: 40.
[12] – نفس المرجع السابق، ص: 61.
[13] – الفصل 465 من ق.ج.
[14] – الفصل 497 ق.ج.

Related Articles

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button