التنظيم الإداري :اللاتمركز الإداري في إطـار الجهوية المتقدمة.

اللاتمركز الإداري في إطـار الجهوية المتقدمة.

آفاق اللاتمركز الإداري في إطـار الجهوية المتقدمة.

 
أجلاب رشيد.
مركز دراسات الدكتوراه بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بطنجة
● مقدمة:
إذا كان التنظيم الإداري قــــد قام في البداية على أسس المركزية الإدارية المطلقة، فإن اتساع نشاط الدولة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والإدارية، جعل من غير الممكن الاعتماد على هذا النظام المركزي لوحده وهذا ما أدى إلى ظهور نظام اللامركزية باعتباره نظاما يمكّن من الاضطلاع بتسيير الأعباء المحلية.
وكان من غير الممكن أن تتخلى الدولة عن حقها في إدارة المرافق والمصالح القومية، في مقابل إسناد إدارة المرافق والخدمات المحلية إلى هيئات ترابية لامركزية، لتشاركها في أمور التسيير والتدبير في إطار ما يسمى بنظام الجهوية أو أي أسلوب يتلاءم مع سياستها الإدارية. (2)
لذا فقد عملت الدولة على تطوير جهازها الإداري بشكل يسمح لها بتأمين تواجدها على مجموع التراب الوطني، وهذا ما قام به المغرب غداة الاستقلال بالنسبة للمؤسسات المكلفة بوظيفة السلطة. بالإضافة إلى إقرار مؤسسات تستطيع تدبير الشؤون المحلية على الصعيد الترابي، وذلك فيما يصطلح عليه باللاتمركز الإداري.
في هذا الإطار، ستعمل السلطات العمومية على إصدار مجموعة من النصوص التشريعية والتنظيمية حول عدم التمركز الإداري؛ يمكن القول أن سنة 1993 ستشهد بداية ميلاد إطار قانوني عام لعدم التمركز بالمغرب، يشكل فيه مرسوم 20 أكتوبر 1993 حول اللاتركيز (3) ، إلى جانب ظهيري أكتوبر 1993 المعدلين بقانونين المتعلقين باختصاص العمال (4) وبتفويض توقيع الآمرين بالصرف العموميين. (5) كما تجسد هــذا التوجه من خلال تكريس البعد الاقتصادي للاتمركز، في الرسالة الملكية الموجهة إلى الوزير الأول بتاريخ 9 يناير 2002 حول التدبير اللامتمركز للاستثمار، (6) وبخصوص إعادة تنظيم البنيات الإدارية، تم إصدار المرسوم 05.1369. 2 بتاريخ 2 دجنبر 2005، (7) بشأن تحديد قواعد تنظيم القطاعات الوزارية واعتماد مبدأ اللاتمركز الإداري كقاعدة في التنظيم الإداري، مع ما يفترضه ذلك من التصدي لمختلف العوائق التي تعترض اللاتمركز، من أجل وضع تصور جديد لإدارة غير ممركزة، كـفــأة وفعالة تستجيب لتطلعات السكان من جهة، ولـــرهانات التنـــمية من جهة ثانية.
إلا أن واقع اللاتمركز بالمغرب، يظهر وبجلاء مدى الاختلال الذي تعانيه الإدارة المغربية حيث يسير هذا النمط من التدبير الإداري والاقتصادي ببطء شديد لا يساير التحديات المطروحة على الجهاز الإداري ولا يستجيب لتطلعات المواطنين والفاعلين الاقتصاديين.
ومن هذا المنطلق، يعد اللاتمركز الإداري بدوره أحد الرهانات الأساسية في برامج الإصلاح الإداري (8) بالمغرب والذي فرضته مجموعة من المعطيات الداخلية والخارجية، الأمر الذي يفترض خطة جديدة للاتركيز تستجيب لتطلعات المواطنين والفرقاء
● الاقتصاديين والاجتماعيين على الصعيد المحلي.
وفي هذا السياق، يمكن ان نشير إلى الخطاب الملكي حول تعيين اللجنة الاستشارية للجهوية المتقدمة ليوم الأحد 03 يناير 2010 (9) ،الذي حدد الإطار العام للجهوية المقبلة في أربعة مبادئ مرجعية؛ الوحدة، والتضامن، والتوازن، (10) واللاتمركز الواسع على اعتبار أن المبدأ الرابع هو المحدد الأساسي لطبيعة الجهوية المقبلة، حيث ورد في الخطاب بأن الجهوية لن تستقيم بدون تفعيل اللاتمركز الواسع، في نطاق حكامة ترابية ناجعة، قائمة على التناسق والتفاعل، ولن يتأتى ذلك الا من خلال ضرورة تجاوز المنظور الكلاسيكي الذي يحكم دور اللاتمركز، والذي يجعله منغمسا في تلك الوظائف الإدارية الروتينية، والاعتماد على تصور أكثر ديناميكية يصبح بمقتضاه اللاتمركز فاعلا، ومحركا أساسيا لتنمية ترابية متوازنة.
وهذا ما يستدعي منا من خلال هذا المقال، استشراف آفاق اللاتمركز الاداري-اللاتمركز الواسع- كمبدأ اساسي لتقوية الجهوية المتقدمة، من خلال تبني تصور متقدم لهذا النظام، المبني على عدم التضخم الإداري السلطوي غير المنتج، لكون أن هذا النظام جاء ليجيب عن التداخل الحاصل في الاختصاصات، والتعقيد المترتب عن غياب الشفافية التي تطبع التسيير العمومي، وحتى يساهم في تحسين مستوى التدبير الإداري والاقتصادي.
علاقة بذلك، يحاول هذا المقال كذلك، مقاربة السؤال التالي: كــــيف يمكن استشراف افاق نظام متقدم للاتمركز الاداري في اطار الجهوية المتقدمة.؟.
انطلاقا من هذا السؤال سيتم اعتماد المستويات التالية في التحليل:
أولا: تطوير النظام القانوني للاتركيز.
ثانيا: مراجعة النسق التنظيمي للاتمركز.
ثالثا: نحو ديناميكية جديدة لنظام اللاتمركز في إطار الجهوية المتقدمة.
 

● أولا: تطوير النظام القانــوني للاتــركيز.


هناك إجماع على ضرورة مراجعة النظام المتعلق باللاتمركز الإداري، وتتطلب هذه المراجعة في البداية إدارة سياسية حقيقية من كل الفاعلين السياسيين، والشركاء الاقتصاديين في إطار إصلاح إداري شامل، يستمد مبادئه من الحكامة الجيدة وحسن التدبير المبني على الشفافية وتبسيط المساطير وتوضيح المرجعية القانونية وجودة الخدمات والتواصل والتقسيم الإداري الفعال وتدبير الموارد البشرية عوض إدارة الموظفين، ولتجسيد هذه المبادئ، وجب وضع سياسة دقيقة وتدريجية ومحددة الآجال، مع مراعاة جميع الظروف المناسبة والمناخ الملائم لوضع هذه المنهجية.

وإذا كان اللاتمركز الإداري كبنية متكاملة الجوانب، فإن إصلاحها يتطلب مراجعتها كليا، وأول ما يمكن مراجعته، هو المقتضيات القانونية التي تنظم اللاتمركز الإداري وهكذا يجب إعادة النظر في الفصول الدستورية التي تمنح العامل سلطة تمثيلية الدولة في العمالة أو الإقليم، وكذا تدبيره للمصالح اللامتمركزة في دائرته الترابية؛ وذلك بإخضاع الوالي أو العامل للسلطة الإدارية الرئاسية للوزير الأول، عوض وزير الداخلية باعتبار الوزير الأول صاحب السلطة التنظيمية والرئيس الأول للإدارة، لذا كان من الطبيعي أن تكون له مهمة السهر على المصالح الخارجية للوزارات والمؤسسات العمومية، وتبعا لذلك يجب مراجعة جميع النصوص والمقتضيات القانونية التي تخول للعامل تلك الصفة. (11)
في هذا الباب يمكن القول أن عدم التمركز في المغرب يفتقد إلى الآليات القانونية الضرورية لتنفيذه على أرض الواقع، فالقانون الإداري المغربي لم ينشأ ”حقا عاما للتفويض” (12) ،«…حيث أثبت المشرع دائما تحفظا حقيقيا في هذا المجال… فهو يريد التحكم في مسألة التفويض، ومراقبتها، لأنه يحذر من توزيع مبعثر لاختصاصات السلطة العمومية، ويخشى الأمر الواقع…» (13) ، ولهذا فإن تفويض السلط أو الاختصاص يبدو منعدما بالفعل، بينما يمارس تفويض الإمضاء بنوع من التقتير مع الحرص بشكل ممنهج على استثناء القرارات الإدارية الأساسية مثل المقررات والمناشير والتعليمات والصفقات العمومية وتسيير الموارد البشرية… (14)
ومن المعوقات القانونية لعدم التركيز كذلك، يمكن الإشارة إلى تلك التي تعود إلى طبيعة بعض الأعمال الإدارية حيث ظهر أن بعض الأعمال ذات الطابع الوزاري المختلط يمكن أن تعيق تحقيق عدم التمركز، كما أن بعض العراقيل القانونية يمكن أن
تأتي من قانون الوظيفة العمومية وبالأخص فيما يتعلق بعدم تركيز تدبير الموظفين على المستوى الوطني حيث إن هذا القانون مثلا، لا يسمح بتنظيم مباريات ذات طابع محلي أو جهوي. (15)
وتجدر الإشارة إلى أن المشرع يجب أن يقوم كذلك بمراجعة جميع المقتضيات والارتباطات القائمة بين مختلف المتدخلين، وذلك بوضع إطار نموذجي بما يجب أن تكون عليه العلاقات بين السلطات المركزية وتمثيليتها في مختلف أنحاء المغرب، كاقتصار الإدارات المركزية على مهام التخطيطية ووضع الاستراتيجيات الكبرى للقطاع والتتبع والتقييم والمراقبة، مع ترك مهمة التنفيذ إلى الهيئات اللاممركزة لأنها هي العارفة بإمكانيات المنطقة ومؤهلاتها وخصوصياتها. وفي هذا الإطار يجب كذلك تفعيل دور المفتشيات العامة داخل الوزارات لكي تقوم بالمهام المنوطة بها على أحسن وجه خاصة على مستوى البحث والمراقبة الخطوة الأولى لتأهيل الإدارات اللاممركزة.
غير أن توضيح هذه العلاقات، لا يجب أن تكون أفقية فقط أي بين السلطات المركزية واللاممركزة بل إلى جانب ذلك، يبقى من الضروري ربط علاقات واضحة يطبعها نوع من التعاون والتكامل والاندماج بين جميع المستويات والإدارات المحلية مادام الهدف هو خدمة المواطنين.
وفي الأخير يمكن القول أنه إذا كان مراجعة النظام القانوني والمؤسساتي للاتمركز الإداري يعد إجراء ضروريا وعاجلا. فإنه في مقابل ذلك ليس وحده كافي لتفعيله وتوخ الجودة منه، بل إلى جانب ذلك يجب إعادة النظر في جميع المقتضيات التنظيمية المتحكم في مساره والمؤثرة في مظاهره.

● ثانيا: مراجعة النسق التنظيمي للاتمركز.


من بين الإجراءات التي تدعم نجاح اللاتمركز تلك المتعلقة بمستوى وحدود التنسيق القائمة بين مختلف المتدخلين، فمن الطبيعي أن يكون الإقليم محطّ تمثيلية لأغلب الوزارات والإدارات المركزية والمؤسسات العمومية وحتى المؤسسات الخاصة والمجتمع المدني، دون أن ننسى دور الجماعات المحلية بكل أصنافها. ولتحقيق نوع من التوازن والفعالية بين مختلف هؤلاء المتدخلين، يقتضي الأمر وجود تنسيق محكم، وتدبير ممنهـــج يتجاوز بكثير مهام اللجنة التقنية التي يترأسها العامل حاليا، نحو إطار أكثر فعالية يكون على المستوى الجهوي وبرئاسة ممثلي رئاسة الحكومة، وهي نفس الفكرة التي يمكن تعميمها على المراكز الجهوية للاستثمار، التي يجب أن تكون تحت إشراف ممثلي رئيس الحكومة وليس ممثلي وزارة الداخلية.

لكن تفعيل هذا التنسيق، يرتبط كذلك بإشكالية ”التفويض” الذي يُترجم بالملموس مدى استقلالية المصالح اللاممركزة وحدودها من حيث التحرك والتدخل والمنافسة؛ واعتباره كذلك مؤشرا على مدى التفاعل والتواصل القائم بين المصالح اللاممركزة والجماعات المحلية، إذ كثيرا ما تصطدم هذه الأخيرة حينما تقدم بعض مشاريعها للمصالح اللاممركزة بطول المسطرة الإدارية، وبطئها، وتعدد مستويات القرار، وقد تستغرق هذه العملية سنوات متعددة بين إحالة تلك المراسلات على السلطة الوصية ودراستها وبرمجتها وميزانيتها وإخراجها إلى الوجود. إن هاته الوضعية تؤثر من دون شك على ضعف مواكبة نظام اللاتمركز لمستوى اللامركزية، وهو الشيء الذي استنتجه المساهمون في أشغال المناظرة السابعة للجماعات المحلية وعملوا في مقابل ذلك على وضع اقتراحات في هذا الشأن، ومن أهمها: (18)
_ ضرورة القيام بجرد شامل لأعمال التدبير الواجب نقلها للمصالح الخارجية وبالأخص:
_ التخفيف من الوصاية المركزية على الجماعات المحلية بتفويض بعض الاختصاصات إلى العمال.
_ عدم تركيز المصادقة على وثائق التعمير.
_ تفويض سلطة الترخيص لتفويت ملك الدولة الخاص.
_ تفويض العامل صلاحيات تسيير شؤون الموظفين التابعين للميزانية الإقليمية.
_ تدبير الموارد البشرية لسائر المصالح على صعيد الجهة.
_ تفويض الرخص الإدارية الفردية للمصالح الخارجية المختصة.
_ إحداث لجنة وطنية لإحصاء القرارات وأعمال التدبير التي يجب عدم تركيزها.
_ وضع دلائل الإجراءات المسطرية لتسهيل العمل الإداري ولضمان تواصل الإدارة مع محيطها الخارجي.
بقي لنا أن نشير إلى أهمية الوسائل المادية والبشرية، حيث لا يمكن لمنظومة اللاتمركز أن تنجح إلا بلاتركيز الوسائل. وفي هذا الإطار فإن الدولة مدعوة إلى تبني منهجية تقوم على أساس إعادة النظر في طريقة توزيع تلك الوسائل سواء المادية أو البشرية، نحو تمكين المصالح اللاممركزة من موارد مهمة وقادرة على التدخل واتخاذ المبادرة دونما الرجوع كثيرا إلى السلطة المركزية، مع العمل على تمكينها من موارد بشرية لتكون قاعدتها الأساسية خاصة الأطر العليا والمتوسطة وليس العكس كما هو عليه الأمر في المرحلة الراهنة ذات الخبرة والكفاءات والدراية الواسعة لاسيما وأنها هي الساهرة مباشرة على تنفيذ السياسة الحكومية. (17)
 

● ثالثا: نحو ديناميكية جديدة لنظام اللاتمركز في إطار الجهوية المتقدمة.


ينطلق المنظور الجديد لسياسة عدم التمركز من مرتكز أساسي، يقوم على أن اللاتمركز الحقيقي يجب أن يكون حافزا واقعيا للتنمية الاقتصادية والاجتماعية…، فقد أصبح من الضروري – أكثر من أي وقت مضى- توجيه الإصلاح المرتقب نحو إقرار تمثيلية ومصداقية الدولة، وذلك بوضع وسائل أكثر عملية من شأنها المساهمة بفعالية أكبر في التنمية المحلية والترابية. لهذا يرى المنظور الجديد أن كل سياسة حقيقية لعدم التمركز يجب أن تحكمها ثلاثة مبادئ أساسية: (18)

1 ضرورة قبول اللاتمركز كمبدأ محدد لتدخلات الدولة.
2 تبني منطق ”مجموعات اختصاصات” ”Blocs de compétences” تفرض توزيعا للأدوار والمسؤوليات على كل درجة ترابية (الجهات، العمالات، والأقاليم…).
3 تبني منطق العمل المشترك بين الوزارات، يستهدف تنسيق وسائل الإدارة بفضل طرق جديدة للعمل وبقصد معالجة السياسات والمشاريع والملفات بصفة متعددة الاختصاصات ومشتركة بين الوزارات.
وفي هذا الإطار يرى المنظور المقترح، والذي استلهم مضمونه من التجربة الفرنسية في مجال عدم التمركز، أنه (19) على كل مشروع متعلق بعدم التركيز أن يأخذ بعين الاعتبار:
_ تحديد وضبط معنى المسائل المرتبطة بأربعة محاور رئيسية:
_ توزيع الاختصاصات بين المستوى المركزي والمستوى الترابي.
_ تحديد الإطار المؤسساتي لهذا الإصلاح من أجل ترشيد قوي، وذلك من خلال إحداث لجنة دائمة لعدم التركيز الإداري.
_ تحديد دور العامل وعلاقته بالإدارات المركزية والإدارات غير المتمركزة.
_ تنظيم وتسيير الإدارات غير المتمركــزة.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن النص الأساسي الذي وضع سنة 1993 إطارا لعدم التركيز الإداري بالمغرب صدر بمرسوم فقط: «…فتنظيم وتوزيع المهام بين الإدارات المركزية والإدارات غير المتمركزة، يجب أن يتم حسب مبادئ وقواعد مقررة سلفا بقانون، تجعل من اللاتركيز قاعدة عامة لتنظيم وتوزيع الاختصاصات والوسائل والنشاطات الإدارية بين مختلف مستويات الإدارات المدنية للدولة».(20)
وهذا من دون شك سيضع حدا للممارسات السابقة في مجال اللاتمركز والتي سبق التعرض إليها بالتفصيل، فبتوفره على الإطار القانوني المكرس لهذا المبدأ، سيصبح النظام الإداري المغربي يتوفر على المرجعية التي ستوجه عمليات الإصلاح الإداري بشكل عام، وسياسة عدم التمركز بشكل خاص، وبالتالي القضاء على الغموض الذي عانى منه موضوع اللاتمركز لحد الآن.
مما لاشك فيه أن الجهوية المتقدمة فرصة سانحة لإصلاح نظام اللاتمركز الإداري، ذلك أن تمتيع الجهات بصلاحيات موسعة يفرض على الدولة المركزية تنظيم تواجدها على المستوى الجهوي بشكل فعال يتيح لها مواكبة التطور الذي سيحصل على صعيد المنتخبين. بعبارة أخرى، من المنتظر من الناحية المبدئية أن تعطي الجهوية المتقدمة انطلاقة قوية للاتمركز الإداري وفق توجه جديد يمكن رسم معالمه الكبرى من خلال المنطلقات الثلاث التالية: (21)
ستؤدي الجهوية المتقدمة إلى الانتقال من نظام لاتمركز ذي طابع إداري ووصائي إلى لا تمركز يغلب عليه طابع المواكبة التنموية والاقتصادية التي لا تلغي الجوانب السياسية، ولكن لا تبوئها الصدارة في مباشرة مسؤولياتها.
إن هذا التوجه يفرض على الدولة نهج سياسة جديدة لتدبير الموارد البشرية قوامها تزويد المصالح الجهوية للدولة بالعناصر البشرية المتوفرة على الخبرة والكفاءة في مجال التدبير العمومي لتقديم الدعم الضروري والكافي للمؤسسات الجهوية المنتخبة. وهذا الأمر يضعنا من جديد أمام ضرورة نهج سياسة إرادية فعالة في مجال إعادة الانتشار.
إن هذا التوجه يتطلب معالجة إشكالية اللاتمركز بشكل شمولي وأفقي وعدم اختزال المسألة وحصرها في الاهتمام بالوالي أو الولاية وهو ما يعني ضرورة الانكباب على تنظيم باقي مكونات منظومة اللاتمركز الإداري، وتحديد علاقتها ببعضها البعض بما في ذلك وضعية المصالح اللاممركزة المتواجدة على المستويات الإقليمية.
● خاتمة:
إن نظام اللاتمركز يطرح مسألة توزيع السلطة على المستوى المجالي والترابي في
إطار أجهزة الدولة وكُلَّما تمكنت الدولة من إيجاد صيغة فعالة تتيح لها مباشرة الاختصاصات المخولة لها على مقربة من الساكنة والمنتخبين المحليين، كلما كان ذلك أفضل تمهيدا لتأسيس حكامة ترابية محلية مسؤولة.
لكن (نجاح) هذا المشروع يتوقف على السير قدما في مجال الجهوية المتقدمة واللامركزية الموسعة؛ فلا يجب أن ننسى بأن اللاتمركز ليست له فائدة في ذاته إلا بالقدر الذي يدعم -بما فيه الكفاية- قيام منظومة لامركزية متطورة قادرة على مواجهة أعباء التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وترسيخ قيم الديمقراطية المحلية.
من هذا المنطلق، يمكن القول، على أن متطلبات التنمية أصبحت تفرض تجاوز مرحلة الوصاية الإدارية بمفهومها الضيق والتقليدي؛ المتمثل في الرقابة السابقة ورقابة الملائمة التي تعرقل وتعطل عمل الهيئات المحلية الذي أصبح يتطلب السرعة والمرونة لمواكبة التطورات الحاصلة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ومنح هذه الرقابة للأجهزة القضائية المختصة بشكل بعدي، والاكتفاء فقط بالتوجيه والمصاحبة وتقديم المساعدة.

Related Articles

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button