مسطرة الصلح الجنائي الشروط الشكلية و الشروط الموضوعية

شروط سلوك مسطرة الصلح الجنائي في التشريع المغربي

شروط سلوك مسطرة الصلح الجنائي في التشريع المغربي

تعتبر مسطرة الصلح الجنائي في القانون المغربي بديل من بدائل الدعوى العمومية وقد تم التنصيص على مقتضياته في المادة 41 من قانون المسطرة الجنائية.
بما أن الصلح عقد طرفاه المجني عليه من جهة والمتهم من جهة أخرى، فلا ينعقد إلا بالتقاء إرادة الطرفي،
وليس الصلح في كل أحواله نفع للمتهم، فقد يكون الاتهام المسند إليه كيديا، ويرى أن من صالحه الحصول على حكم بالبراءة بدلا من الحكم بانقضاء الدعوى بصفح المجني عليه،
ولقيام الصلح في المادة الجنائية تشترط مختلف التشريعات، ومن بينها التشريع المغربي عدة شروط منها ما يتعلق بالموضوع (الفقرة الأولى) ومنها ما يتعلق بالشكل والإجراءات (الفقرة الثانية) .

الفقرة الأولى: الشروط الموضوعية لمؤسسة الصلح الجنائي

تتنوع وتتدرج الشروط الموضوعية لمؤسسة الصلح الجنائي في عدة نقط يمكن إيجازها في نطاق الصلح الجنائي – أي الجرائم المشمولة بالصلح- وحصول رضا من جانب أطراف الصلح وموافقة النيابة العامة

أولانطاق الصلح الجنائي

انطلاقا من المادة 41 من ق م ج نجد المشرع قد حدد الجرائم التي يجوز بشأنها سلوك مسطرة الصلح الجنائي كآلية بديلة للدعوى العمومية ، من خلال النص على أنه يمكن المتضرر أو المشتكى به قبل إقامة الدعوى العمومية وكلما تعلق الأمر بجريمة يعاقب عليها سجنا أو أقل أو بغرامة لا يتجاوز حدها الأقصى 5000 درهم، أن يطلب من وكيل الملك تضمين الصلح الحاصل بينهما في محضر ،
وتبعا لذلك فإن المعيار الذي اعتمد عليه المشرع المغربي من أجل تحديد الجرائم التي تكون موضوع الصلح هو معيار عام يقوم على أساس عقوبة الفعل الجرمي، بمعنى أن المشرع المغربي قصر الصلح على الجنح الضبطية التي تتسم بعدم خطورتها على النظام العام،
وهكذا يكون المشرع المغربي قد اتبع نفس النهج الذي سار عليه كل من المشرع الفرنسي والمصري من خلال استثناء الجنايات من الخضوع للصلح الجنائي .
إن التحديد الذي عمل به المشرع المغربي لنطاق الجرائم التي يسمح بالتصالح في شأنها وفق مقتضيات الفقرة الأولى من المادة 41 ق م ج يثير ملا حظتين[1]:

الملاحظة الاولى :

تتأسس على واقع النص ذاته الذي وإن بدا النطاق فيه مقبولا بالنسبة الجنح الضبطية التي لا تفوق الغرامة المقررة لها في النص 5000  درهم، فإنه بالنسبة للجنح الضبطية المعاقبة بعقوبات سالبة للحرية لوحدها قد يبدو محل نظر،
لأنه إن قبل – النطاق- بالنسبة للجرائم التي تستوجب متضررا ومشتكى به، فإنه بالنسبة لغيرها التي لا تتطلب ذلك )الفساد، الشذوذ الجنسي…( فسيكون مرفوضا، وفي نظر الفقه [2] لا يعتقد بسلامة تطبيق مسطرة المادة 41 بين النيابة العامة ومرتكبي هذه الجرائم ) مساهمين ومشاركين فيها( للمساس القوى بالنظام العام الذي سيتضرر حتما من تحصيل أية فائدة من مرتكبيها خصوصا بتوسل الصلح لذلك .

الملاحظة الثانية :

هذه الملاحظات وترتبط بالأولى، فإنها للتذكير بأن مشروع ق م ج الحالي، كان قد حدد حصرا الجرائم المعاقبة بسبب الحرية التي يمكن تطبيق مسطرة المادة 41 عليها في تلك الواردة في الفصول 263 و 400 و 404 و 425 و 427 و 429 و 433 و 441 و 442 و 443 و447 و 448 و 476 و 477 و 479 و 480 و 482 و 506 و 522 و 523 و 524 و 525 و 526 و532و 533 و 540 و 542 و 547 و 551 و 553 و 570 من مجموعة القانون الجنائي، والتي بتمعنها و بالرجوع إلى النصوص المنشئة لها وجدناها تؤكد التحفظ الذي ورد في الملاحظة الاولى، ومع ذلك يمكن القول بأن المشرع المغربي كان موفقا عندما اعتمد تحديد نطاق الجرائم التي يسمح بالصلح فيها بالكيفية التي انتهى إليها نص المادة 41 ، وذلك لعموميتها التي تنسحب الى كل الجنح الضبطية القائمة في القانون المغربي بصفة عامة، والى تلك التي يحضر لجعلها جنحة ضبطية – بدل تأديبية – فيما يستقبل من تعديل في مجموعة القانون الجنائي بصفة خاصة ) جرائم الشيك مثلا (
ومع ذلك يمكن القول بأن المشرع المغربي كان موفقا عندما اعتمد تحديد نطاق الجرائم التي يسمح بالصلح فيها بالكيفية التي انتهى إليها نص المادة 41 ، وذلك لعموميتها التي تنسحب الى كل الجنح الضبطية القائمة في القانون المغربي بصفة عامة، والى تلك التي يحضر لجعلها جنحة ضبطية – بدل تأديبية – فيما يستقبل من تعديل في مجموعة القانون الجنائي بصفة خاصة ( جرائم الشيك مثلا[3] )

ثانيارضا أطراف الصلح وموافقة النيابة العامة

من الشروط الضرورية لإعمال مسطرة الصلح الجنائي طبقا للمادة 41/ 2 [4]تراضي أطرافه وموافقة وكيل الملك .
ونعني بالرضا تطابق الارادتين بين إرادة الجاني وإرادة المجني عليه، أو الجهة الإدارية في الجرائم المالية التي يجوز المصالحة بشأنها كالجرائم الجمركية والضريبية…،
وتوافق الارادتين هو اقتران الايجاب بالقبول، ويكون التعبير عن الارادة في عقد الصلح باللفظ أو الكتابة أو الإشارة أو بأي شكل لا يدع مجالا للشك على حقيقته، ويمكن أن يكون ضمنيا في حالة عدم النص عليه قانونا، أو يتفق الطرفان على جعل التعبير عن الإرادة صريحا،
وينتج التعبير عن الإرادة أثره مالم يرد الدليل على أن الإرادة تم التعبير عنها تحت وطأة الإكراه أو التدليس…،
ويتم تدوين بنود الصلح في المحضر الذي ينجزه وكيل الملك، ولكي يكون الرضا صحيحا يحب أن يكون سليما صادرا من ذي أهلية فيكون أهلا للتعاقد والتصرف، ولا يكون الصلح مع القاصر والمحجوز عليه صحيحا لانعدام التصرف[5].
أما بخصوص موافقة النيابة العامة فبعد تراضي الطرفين على سلوك مسطرة الصلح الجنائي تشرع هذه الأخيرة في تطبيق مسطرة الصلح، لكن مادام النيابة العامة تملك سلطة الملائمة، فإن القانون منح لها السلطة التقديرية في الموافقة على ذلك باعتبارها تمثل المجتمع فلها أن توافق ولها الحق في رفض ذلك إذا كان من شأن الصلح أن يتعارض مع النظام العام .

الفقرة الثانية: الشروط الشكلية ل مسطرة الصلح الجنائي

إن الإجراءات التي تتم بها عملية الصلح بين طرفي الدعوى العمومية تمر بمرحلتين، مرحلة ما قبل المصادقة على الصلح ومرحلة المصادقة عليه من طرف المحكمة .

بالنسبة للمرحلة الأولى:

وبعد اتفاق الطرفين على الصلح أو قبوله من المشتكى به أو المشتبه في، أو بعد اقتراحه عليه من طرف وكيل الملك في الحالة التي يتغيب فيها المضرور لكنه يدلي من ضمن وثائق الملف يتنازل مكتوب وموقع من طرفه يشير فيه إلى عدم رغبته في متابعة الخصم أو في حالة عدم وجود مشتكي( الفقرة السادسة من الفصل41 -)،
ففي هذه الحالة يتولى وكيل الملك بحضور طرفي الخصومة رفقة دفاعهما مالم يتنازل أحدهما عن حضور إجراءات الصلح بمفرده وبدون مؤازره، في محضر يتضمن ما تم الاتفاق عليه .
بعد توقيع المحضر من جميع الأطراف أي من الطرفان ووكيل الملك يخبرهما هذا الأخير التاريخ الذي تقرر أن تدرج فيها القضية أمام غرفة المشورة، حيث تتولى الهيئة المتمثلة في رئيس المحكمة أو من ينوب عليه بحضور ممثل النيابة العامة والطرفين أو دفاعهما المصادقة على الصلح

أما بالنسبة للمرحلة الثانية:

أي التي تلي إحالة الملف على غرفة المشورة فإن السيد رئيس المحكمة أو من ينوب عنه يصدر أمرا قضائيا في القضية لا يقبل أي طعن .
من بين ما يتضمنه الأمر القضائي حسب ما ورد في المادة 41 ق م ج مصادقته على ما اتفق عليه الطرفان وعند الاقتضاء أداء غرامة لا تتجاوز نصف الحد الاقصى للغرامة المقررة قانونا، مع الإشارة إلى أجل لتنفيذ المتهم ما التزم به إثر الصلح الذي بينه وبين المشتكى أو بناء على اقتراح من النيابة العامة .
بعد الحديث عن إجراءات الصلح في الدعوى العمومية منذ انطلاقتها الأولى اي بابتداء تضمين ما اتفق عليه طرفا النازلة وتضمينها بالمحضر من طرف وكيل الملك ثم إحالته على الهيئة المختصة للتصديق عليه والكل استنادا لمقتضيات المادة 41 يجعلنا نتساءل حول فحوى محضر الصلح الذي يتولى وكيل الملك تحريره؟
لا خلاف في الجهة التي عهد إليها القانون تضمين ما اتفق عليه الأطراف من صلح في المحضر هي النيابة العامة باعتبارها الجهاز المكلف بتحريك الدعوى العمومية وهو ما جاء في العبارات التالية:
‘يطلب المتضرر أو المشتكى به من وكيل الملك تضمين الصلح الحاصل بينهما في محضر…في حالة موافقة وكيل الملك وتراضي الطرفين على الصلح يحرر محضرا بحضورهما وحضور دفاعهما… ويتضمن هذا المحضر ما اتفق عليه الطرفان’.
ومن يتمعن في المقتضيات المذكورة فلن يخرج إلا بفكرة واحدة وهي إضفاء صفة الوسيط على ممثل النيابة العامة مهمته هي تلقي تصريحات واتفاقات الأطراف، ثم يقوم بعدها بتضمينها في محضر الصلح.
وتبقى الصورة الوحيدة التي تركت فيها المبادرة اقتراح الصلح هي التي جاءت بها الفقرة السادسة من المادة 41 ق م ج إذا لم يحضر المتضرر أمام وكيل الملك وتبين من وثائق الملف وجود تنازل مكتوب صادر فيه، أو في حالة عدم وجود مشتك، يمكن لوكيل الملك أن يقترح على المشتكى به أو المشتبه فيه صلحا يتمثل في أداء نصف الحد الاقصى للغرامة المقررة للجريمة أو إصلاح الضرر الناتج عن افعاله وفي حالة موافقته يحرر وكيل الملك محضرا يتضمن ما اتفق عليه .
وحبذا لو أبقى المشرع على الدور البارز الذي كان من المقرر أن تلعبه النيابة العامة في السير بإجراءات الصلح في الدعوى العمومية الى النتيجة المرجوة والذي جاء به المادة 41 مشروع ق م ج،
بالإضافة إلى كون وكيل الملك هو اول من كان يملك إمكانية السعي إلى السدد بين الطرفين فهو من يقوم باقتراح التدابير التي تشكل اطارا للصلح ومن ضمنها التعويض من طرف المشتكى به،
غير أن الصياغة الجديدة للفصل المتعلق بالصلح اسقط عن النيابة العامة اتخاذ أي مبرر يتضمن التدابير المتخذة والتي تم الاتفاق عليها، وهذا الاسقاط خلق أشكالا قانونيا خاصة ما يتعلق منها بالتدابير المنتظر المصادقة عليها من طرف المحكمة في أمرها القضائي.
[1]  عبد الواحد العلمي، شروح في القانون الجديد المتعلق بالمسطرة الجنائية، الجزء الاول النجاح الجديدة، الطبعة السابعة 2018 ص214
[2] عبد الواحد العلمي، م س، ص 215
[3] عبد الواحد العلمي، م س، ص 215
[4] التي تنص على أنهفي حالة موافقة وكيل الملك وتراض ي الطرفين على الصلح، يحرر وكيل الملك محضرا بحضورهما وحضور دفاعهما، مالم يتنازل أحدهما عن ذلك ويتضمن هذا المحضر ما اتفق عليه الطرفان
[5] غانمي بلال غسيري زين الدين، العدالة التفاوضية في التشريع الجزائري، دراسة مقارنة، رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون الخاص، جامعة عبد الرحمن ميرة، بجاية، كلية الحقوق والعلوم السياسية، السنة الجامعية 2018 / 2017 ، ص 19.

Related Articles

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button