جريمة القتل العمد في التشريع الجنائي المغربي

جريمة القتل العمد في التشريع الجنائي المغربي

 
جريمة القتل العمد تعتبر الجرائم بمختلف أنواعها استثناء في المجتمع ، حيث يعتبر الأمن و السلام هما الأصل في النفس البش رية ، و الجرائم هي أمر وجد مع الإنسان منذ غابر الأزمان ، و بالرجوع للتاريخ نجده حافلا بالجرائم ، بل إن الإنسان عرف الجرائم منذ وجوده على كوكب الأرض حيث قتل قابيل أخاه هابيل ، و لهذا فإن جريمة القتل يطلق عليها البعض جريمة أصلية أي أنها قديمة قدم المجتمعات و الحضارات و هي نتيجة لصراعات و نزاعات يصبح الحل الأوحد فيها هو القتال .
القتل العمد جريمة محرمة و ممنوعة و مستنكرة في كل الأديان السماوية و في كل الشرائع ، لأنها تعدي سافر على النفس البشرية ، قال الله تعالى في كتابه العزيز  ” و لا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ”  ، و قال أيضا ” من قتل نفسا بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعا ” ، لهذا فإن القتل العمد يعتبر في كل المجتمعات شيئا محرما و ممنوعا و يعاقب عليه بأقسى العقوبات .
بالرجوع للقانون الجنائي المغربي نجد أن مشرعنا قد تناول جريمة القتل العمد في الفصول من 392 إلى 397 .
في الفقرات الآتية سنحاول الوقوف عند أركان جريمة القتل اعمد و تكييفها القانوني ثم عقوبتها و  كذلك الظروف المخففة و المشددة في هذا النوع من الجرائم .

v  تعريف جريمة القتل العمد و بيان أركانها  

تعتبر جريمة القتل العمد من أخطر الجرائم و التي تتحقق بالاعتداء على حق الفرد في الحياة ، هذا الحق الذي أصبح مكرسا بمقتضى الدستور المغربي لسنة 2011 ، و بالنسبة لمفهوم القتل فالمشرع لم يتطرق لتعريفه و إنما ترك هذا الأمر للفقه ، و حسنا فعل لأن التعاريف و التفاسير من اختصاص الفقه و ليس المشرع ، و قد عرفه جل الفقه المغربي بكونه إزهاق روح إنسان دون وجه حق ، مرتكب القتل اعمد يعاقب بأقسى العقوبات التي قد تصل إلى الإعدام .
تجب الإشارة إلى أن القتل العمد قد يكون بسيطا إذا كان غير مرفق بظروف تشديد أو أعذارللتخفيف ، و قد يكون مركبا إذا ما وجدت .
لقيام جريمة القتل العمد يجب توافر أركانها العامة و الخاصة.

v  أركان جريمة القتل العمد :

جاء في الفصل 392 من القانون الجنائي ” كل من تسبب عمدا في قتل غيره يعد قاتلا ، و يعاقب بالسجن المؤبد … ” ، من خلال هذا الفصل نستنتج أن جريمة القتل العمد تقوم على الأركان التالية :

 الركن المادي في جريمة القتل العمد :

يتكون الركن المادي في جريمة القتل العمد من ثلاثة عناصر و هي النشاط الإجرامي و النتيجة ثم العلاقة السببية.
– النشاط الإجرامي : من المعلوم أن قواعد القانون الجنائي هي قواعد سلوك أي أنها تعتد بالسلوكات و الأفعال الظاهرة و ليس مجرد النية التي يضمرها الشخص ، فمبدئيا لا يعاقب الشخص عن الأفعال و السلوكات إلا إذا تحققت في الواقع أما مجرد التفكير و النية فلا يعاقب عليها ، و كذلك الأمر في جريمة القتل العمد فالمشرع يعاقب على السلوك الظاهر و الملموس الذي أدى إلى موت الضحية ، أما مجرد التفكير بقتل شخص فلا يعد جريمة قتل عمد .
بالرجوع للفصل 392 من القانون الجنائي المغربي نجد أن المشرع المغربي لم يقم بحصر الأفعال المؤدية للقتل و إنما ترك الباب مفتوحا لتشمل كل الأفعال و السلوكات العمدية التي أدت إلى موت الضحية ، ففي الجملة الأولى من الفصل 392 نجد المشرع المغربي قد أورد العبارة التالية ” كل من تسبب عمدا في قتل غيره … ” ، من هذه العبارة يستفاد أن كل الأفعال الإرادية العمدية التي أدت إلى قتل شخص ما تكون الركن المادي في جريمة القتل العمد ، بل إن المشرع قد سوى حتى بين الأفعال الإيجابية و السلبية التي تؤدي للقتل ، و بالتالي فإن الممرضة التي تمتنع عن إعطاء الدواء للمريض عمدا و نتج عن ذلك وفاته تعد قاتلة و تعاقب وفقالجريمة القتل العمد .
و قد تكون الأفعال غير مباشرة و تدخل في تكوين الركن المادي لجريمة القتل العمد ، كمن يكلف طفلا بوضع مادة قاتلة في طعام شخص آخر قصد قتله أو من يمكن مجنونا من بندقية و يكلفه بقتل شخص آخر لكي يتنصل من المسؤولية
– النتيجة الإجرامية : النتيجة الإجرامية هي الأثر الذي تحدثه الجريمة ، و في جريمة القتل العمد تعد النتيجة هي وفاة الضحية و إزهاق روحه ، لهذا فإن جريمة القتل تستهدف الأشخاص الأحياء ، فلا يمكن قتل شخص كان ميتا سلفا ، مع إمكانية متابعة الفاعل في هذه الحالة بالمحاولة إذا كان لا يعلم بوفاة الشخص سلفا .
و لكن الأمر المبهم في هذه المرحلة هو متى تبدأ حياة الفرد و متى تنتهي ؟
بالرجوع للفقه المغربي نجد أن حياة الفرد تبدأ بمجرد ولادته ، و لهذا فمن يقتل طفلا بمجرد ولادته سيتابع بجريمة القتل العمد ، و هناك من الفقه من يقول أن حياة الأفراد تبدأ منذ فترة الحمل على اعتبار أن المشرع المغربي يعاقب على جريمة الإجهاض و ذلك حماية للنفس البشرية و حماية للحق في الحياة المكرس في الدستور .
أما وقت الوفاة فإن القانون رقم 16.98 المتعلق بالتبرع بالأعضاء و الأنسجة البشرية و أخذها و زرعها قد حدد وفاة الشخص في توقف عمل دماغه ، و بالتالي فإن توقف الأعضاء الأخرى ليس قتلا و إنما يجب أن يتوقف عمل الدماغ .

 العلاقة السببية بين النشاط و النتيجة

توفر العلاقة السببية بين نشاط الفاعل و بين النتيجة يعتبر أمرا ضروريا لاكتمال أركان جريمة القتل العمد ، و توفر العلاقة السببية بين النشاط و النتيجة يعتبر هو الفيصل بين الإدانة و البراءة في جريمة القتل العمد .
و من الواضح أن عنصر العلاقة السببية لا يشكل صعوبة في جرائم القتل العادية إلا في الحالاتالتي يكون لموت الضحية عدة أسباب محتملة مثل مرض الضحية أو تعرضه لحادث قبل وقت قليل ، من الأمثلة التي نسوقها هنا هو قيام أحدهم بتوجيه طعنة لشخص آخر ، و عند نقل المصاب على مثن سيارة الإسعاف تعرضت لحادث سير فتوفي الضحية ، هنا يتبادر السؤال حول سبب موت الضحية هل هو الطعنة أم الحادث الذي تعرضت له سيارة الإسعاف .
جاءت عدة نظريات فقهية في هذا الباب و منها نظرية السبب المنتج و غيرها ، لكن في كل الأحوال يبقى أمر استخلاص العلاقة السببية بين النشاط و النتيجة أمر موضوعي موكول للقاضي و للمحكمة .

v  الركن المعنوي في جريمة القتل العمد :

يتمثل الركن المعنوي في جريمة القتل العمد في القصد الجنائي و النية الإجرامية للفاعل ، بحيث تتجه إرادة الجاني إلى إتيان النشاط الإجرامي و أن يراد به قتل و إزهاق روح إنسان ، و بهذا فإن وجد القصد و النية الإجراميين لدى الجاني و توفرت عناصر الركن المادي التي سبق ذكرها عندها نكون أمام جريمة قتل عمد .
يعتبر الركن المعنوي في جريمة القتل العمد أمرا حساسا لكونه يفرق بين عدة جرائم تتشابه في ركنها المادي مع جريمة القتل العمد ، مثلا جريمة القتل الخطأ ثم جريمة الضرب و الجرح المفضي إلى الموت ، فكلتا هاتين الجريمتين تتشابهان مع جريمة القتل العمد إلا أن الركن المعنوي الذي يتمثل في النية و القصد الجنائيين لدى الفاعل هما المحددان الرئيسيان لتكييف الجريمة .

لتحقق الركن المعنوي لابد من توفر العناصر التالية :

  • العنصر الأول : العلم بطبيعة النشاط الإجرامي و نتيجته ، فلابد لتحقق الركن المعنوي من أن يكون الشخص على علم بما سيقدم عليه من أفعال و علمه بأنها قد تتسبب في إزهاق روح إنسان ، فالشخص الذي يناول طفله غذاء قاتل دون أن يعلم بذلك فإنه لا يتابع بجناية القتل اعمد، نظرا لأنه يجهل بأن ذلك الغذاء قد يتسبب في مقتل ابنه ، أو من يقوم بعمل حركة قوية لصديقه قصد المزاح فيلقى الآخر مصرعه فهنا لا وجود لجريمة القتلالعمد و إنما يتابع الشخص بالقتل الخطأ و الأمثلة كثيرة …
  • العنصر الثاني : اتجاه إرادة الجاني إلى قتل الضحية ، فلكي يتوفر الركن المادي في جريمة القتل العمد لابد من أن تتجه إرادة الجاني إلى إزهاق روح الضحية ، فالشخص الذي يتسبب في قتل آخر بسبب قوة قاهرة أو حادث فجائي لا يتابع بجريمة القتل العمد ، لأن إرادته لم تتجه لقتل الضحية و إنما كان مكرها ، و في كل الأحوال فإن عنصر الإرادة و مدى توافره هو أمر متروك للقاضي .

v  عقوبة جريمة القتل العمد

جاء في الفصل 392 من القانون الجنائي ما يلي : ” كل من تسبب عمدا في قتل غيره يعد قاتلا ، و يعاقب بالسجن المؤبد” … من خلال الفقرة الأولى من الفصل أعلاه يتبين أن عقوبة جريمة القتل العمد العادي هي السجن المؤبد[1] ، إلا أن العقوبة قد تغير حسب الظروف الملابسة لجريمة القتل العمد ، بحيث تصبح العقوبة أقل من ذلك إذا توفرت أعذار للتخفيف و قد تصبح أشد إذا توفرت ظروف التشديد ، و ذلك  كله مع احترام مقتضيات القانون الجنائي المتعلقة بظروف التشديد و التخفيف في جريمة القتل العمد.

v  ظروف التشديد في جريمة القتل العمد :

سبق الذكر أن جريمة القتل العمد العادية هي السجن المؤبد ، لكن يمكن أن ترفع هذه العقوبة إلى الإعدام إذا ما اقترنت جريمة القتل العمد بظرف من ظروف التشديد و التي تنحصر في سبق الإصرار ، الترصد ، قتل الأصول ، اقتران القتل العمد بجناية ، ارتباط القتل العمد بجناية أو جنحة
.

ظرف سبق الإصرار

 
جاء في الفصل 394 من ق.ج أن : ” سبق الإصرار هو العزم المصمم عليه ، قبل وقوع الجريمة ، على الاعتداء على شخص معين أو على أي شخص قد يوجد أو يصادف ، حتى ولو كان هذا العزم معلقا على ظرف أو شرط. ”
من الفصل أعلاه نستنتج أن القتل العمد إذا سبقه إصرار و عزم من طرف الجاني كان ذلك ظرفا مشددا للعقوبة ، و قد رفع المشرع العقوبة في حالة وجود يبق الإصرار إلى الإعدام ، و ذلك نظرا لأن سبق الإصرار و العزم على القتل يؤكد مدى خبث نفسية الجاني و أنه يشكل خطرا على المجتمع نظرا لما يضمره من نوايا إجرامية .
سبق الإصرار يمكن استخلاصه من ملابسات الجريمة و ظروفها و كذلك من اعترافات الجاني.
أما بالنسبة للوقت فإن الفقه يؤكد على أن سبق الإصرار قد يكون لشهور و لسنوات كما قد يكون في وقت وجيز ، فالشخص الذي يخطط لقتل عدوه منذ شهور يستوي مع الشخص الذي خطط لقتل عدوه و عزم على ذلك قبل دقائق من وقوع الجريمة ، فكلاهما قذ كانت لهم نية مسبقة و عزم و تصميم على القتل العمد و لم يردعهما الوازع الديني أو الأخلاقي أو القانوني.

ظرف الترصد في جريمة القتل العمد

جاء في الفصل 395 ما يلي ” الترصد هو التربص فترة طويلة أو قصيرة في مكان واحد أو أمكنة مختلفة بشخص قصد قتله أو ارتكاب العنف ضده. ”
من الفصل أعلاه يتبين أن من بين ظروف التشديد في جريمة القتل العمد هو الترصد و قد عرفه المشرع المغربي بكونه التربص بالضحية لفترة قد تطول أو تقصر قصد قتله،  و بهذا يمكن أن نستخلص أن ظرف الترصد يتكون من عنصرين :

  • العنصر المادي : و يراد به التربص و الترصد بالضحية قصد قتله ، و يكون ذلك بتتبع خطوات الضحية و رصد الأمكنة التي يتواجد بها و كذلك دراسة المحيط الذي يتواجد به .
  • العنصر المعنوي : و يشكل النية و القصد الذي يكون للجاني من وراء التربص بشخص ما

، فالذي يتربص بشخص ما قصد سرقته أو مراقبته لا يعد ذلك ترصدا ، و لكن من يرصد و يتربص بشخص ما و في نيته القتل فإنه سيعاقب بالقتل العمد المقترن بظرف من ظروف التشديد و هي الترصد.
 

ظرف قتل الأصول في جريمة القتل العمد

جاء في الفصل 396 ما يلي ” من قتل أحد أصوله يعاقب بالإعدام. ”
من أبشع الجرائم التي يمكن أن يقترفها الإنسان هي قتل أحد أصوله ، و يراد بالأصول الأب و الجد و إ علا و الأم و الجدة و إن علت ، و قتل أحد الأصول يعد جريمة لا تغتفر ، و من يقوم بها يعاقب بالإعدام نظرا للخطورة التي وصل لها المجرم ، لهذا فمن يقدم على قتل الأم أو الأب أو الجد أو الجدة يكون مقترفا لجريمة القتل العمد مع ظرف مشدد و يعاقب بالإعدام ، و إن كان قتل الأصول الشرعيين لا يخلق اختلافا فإن قتل الأب الطبيعي أو الأم الطبيعية [2] قد أثار نقاشات فقهية بين من يدخل ذلك في ظرف قتل الأصول و بين من ينفي ذلك ، لكن الآن قد استقر الفقه على أن قتل الأم يعتبر ظرفا مشددا و يعاقب الفاعل بالإعدام و يستوي في ذلك أن تكون الأم طبيعية أو شرعية ، أما بالنسبة للأب فإنه يشترط أن يكون شرعيا لإعمال ظرف التشديد ، أما من يقدم على قتل أبيه الطبيعي فإنه يعاقب بعقوبة القتل العمد العادية و هي السجن المؤبد ، و نفس القاعدة تنطبق على قتل الأصول بالتبني ، فإن من يقتل والده أو أمه بالتبني يعاقب بجريمة القتل العمد العادية دون تفعيل ظرف التشديد .

ظرف اق تران القتل العمد بجناية

جاء في الفصل 392 ما يلي : ” … ، لكن يعاقب على القتل العمد بالإعدام في الحالتين الآتيتين :

  • إذا سبقته أو صحبته أو أعقبته جناية أخرى. “

يعتبر اقتران القتل العمد بجناية أخرى من الظروف المشددة للعقوبة و التي تنقل العقوبة من السجن المؤبد إلى الإعدام ، و هذا راجع لكون الجاني الذي يقترف عدة جنايات في وقت واحد أو تفصل بينها وقت وجيز يعتبر شديد الخطورة على المجتمع و جزاؤه هو الإعدام.
يتكون هذا الظرف من عنصرين :

  • اقتران القتل العمد بجناية : لإعمال هذا الظرف لابد من اقتران القتل العمد بجناية ، نمثل لذلك بشخص يتسلق سور منزل ليلا لسرقة ما في المنزل و إذا به يصادف صاحب المنزل في الداخل فيقتله ، في هذه الحالة نلاحظ اقتران القتل العمد بجناية أخرى و هي السرقة المشددة .
  • ارتكاب القتل العمد و الجناية في وقت واحد : لكي يتم إعمال قاعدة اقتران القتل العمد بجناية لابد من الأخذ بعين الاعتبار العنصر الزمني ، لأن القتل يجب أن يرتكب في وقت واحد مع الجناية الأخرى أو أن يسبقه بوقت وجيز أو أن يلحقه بوقت وجيز ، و استخلاص عنصر الزمن هو أمر متروك لمحكمة الموضوع .

ظرف ارتباط القتل العمد بجناية أو جنحة

من الظروف المشددة للعقوبة في جريمة القتل العمد نجد ظرف ارتباط القتل العمد بجناية أو جنحة ،بالرجوع للفصل 392 نجد ما يلي : ” … يعاقب على القتل  بالإعدام في الحالتين الآتيتين :
– إذا كان الغرض منه إعداد جناية أو جنحة أو تسهيل ارتكابها أو إتمام تنفيذها أو تسهيل فرار الفاعلين أو شركائهم أو تخليصهم من العقوبة. ”
يستخلص من الفصل أعلاه أن القتل العمد الذي يكون هدفه تسهيل القيام بجناية أخرى أو جنحة يعاقب مرتكبه بالإعدام ، و يظهر في الوهلة الأولى أن هذا الظرف مشابه لظرف اقتران القتل العمد بجناية ، إلا أنها يفترقان في عدة أمور منها :
1( ظرف اقتران القتل العمد بجناية لا يتحقق إلا بارتكاب القتل العمد و جناية أخرى ، في حين أن ظرف ارتباط القتل العمد بجناية أو جنحة يكون القتل العمد مع جناية أخرى أو جنحة .
2( اقتران القتل العمد بجناية يتحقق بارتكاب القتل قبل أو بعد الجناية الأخرى أما ارتباطالقتل العمد بجناية أو جنحة فيجب أن يكون القتل سابقا للجناية أو الجنحة .
3( ظرف اقتران القتل العمد بجناية هو ظرف عيني يطبق على المساهمين و الفاعلين الأصليين على حد سواء ، أما ظرف ارتباط القتل العمد بجناية أو جنحة فإنه ظرف شخصي لا ينطبق إلا على من كان في نيته ارتكاب القتل العمد لتسهيل ارتكاب جناية أخرى أو جنحة.
 

v  الأعذار المخفضة للعقوبة في جريمة القتل العمد

يعتبر السجن المؤبد هو العقوبة العادية في جريمة القتل العمد ،و لكن قد تقل العقوبة إذا ما توفرت ظروف مخففة للعقوبة ، و هي :
 القتل الناتج عن الاستفزاز : بالرجوع للفصل 416 من مجموعة القانون الجنائي نجد ما يلي: ” يتوفر عذر مخفض للعقوبة ، إذا كان القتل أو الجرح أو الضرب قد ارتكب نتيجة استفزاز ناشئ عن اعتداء بالضرب أو العنف الجسيم على شخص ما. ”
من خلال الفصل أعلاه يستفاد أن القاتل يمكن تمتيعه بظرف من ظروف التخفيف إذا  كان القتل نتج عن استفزاز ، و الاستفزاز حسب القانون يكون بالضرب و العنف الجسيم ، أما العنف اللفظي كالسب و الشتم و الإشارة السيئة فلا يدخل في خانة الاستفزاز .
من شروط تحقق عنصر الاستفزاز ما يلي :

  • أن يكون الاستفزاز بالعنف المادي كالضرب و الجرح الجسيمين
  • أن يكون العنف غير مشروع ، لأنه إذا كان العنف مشروعا عندها لا يصبح من حق الشخص ارتكاب القتل لدفع ذلك العنف ، نمثل لهذه الحالة بشرطي يقوم بدفع متظاهرين قصد فك التظاهرة و إخلائهم من الشارع العام ، فهذا النوع من العنف هو عنف مشروع و بالتالي فإن من يقوم بقتل الشرطي لا يمكنه الدفع بأن القتل حصل نتيجة استفزاز .
  • أن يتوجه القتل إلى الشخص المستفز بنفسه ، و ليس لأحد من الأغيار .

 

القتل المرتكب من قبل أحد الزوجين في حالة التلبس بالخيانة الزوجية

من بين ظروف التخفيف المخفضة للعقوبة نجد القتل الذي يحصل عند التلبس بالخيانة الزوجية للشريك ، هذا العذر جاء به المشرع نظرا لأن الزوج الذي يجد شريكه في حالة تلبس بالخيانة الزوجية يكون تحت تأثير الغضب و ضياع الكرامة و الشرف مما قد يجعل الشخص يقدم على جريمة قتل ، و الغريب في الأمر أن المشرع كان فيما مضى يمتع الزوج وحده بهذا النوع من ظروف التخفيف ثم جاء التعديل ليصبح كلا الزوجين لهما الحق في قتل الشريك إن تم القبض عليه في حالة تلبس بالخيانة الزوجية و التمتع بظرف تخفيف ، هذا الأمر يحسبه بعض الشراح إنما تشجيع على القتل ما بين الزوجين و استبعاد القانون و العدالة في هذا الباب ، و كأنما المشرع قد عاد بنا إلى زمن كان الشخص يحقق العدالة بيديه و دون تدخل أي جهة .
بالرجوع للفصل 418 نجد ما يلي :
” يتوفر عذر مخفض للعقوبة في جرائم القتل أو الجرح أو الضرب إذا ارتكبها أحد الزوجين ضد الزوج الآخر و شريكه عند مفاجأتهما متلبسين بجريمة الخيانة الزوجية . ”
و بهذا فإن القتل الذي يحصل عند مفاجأة الشريك بالخيانة الزوجية يكون عذرا مخفضا للعقوبة ، و تنتقل العقوبة من الإعدام أو السجن المؤبد إلى السجن من 5 إلى 10 سنوات .
للاستفادة من هذا العذر يجب أن تتوفر مجموعة من الشروط ”

  • وجود رابطة زوجية صحيحة .
  • وجود عنصر المفاجأة عند التلبس ، فالشخص الذي يقتل زوجته بعد مرور أيام من علمه بالخيانة لا يستفيد من هذا العذر .
  • وقوع القتل عند المفاجأة و ليس قبل أو بعد .
  • وجود عنصر التلبس بالخيانة الزوجية.

و أخيرا ينبغي الإشارة إلى أن هذا العذر هو عذر شخصي يستفيد منه الفاعل دون باقي الأشخاصمن مساهمين أو شركاء إن وجدوا.

قتل الأم لطفلها الوليد :

من المعلوم أن الأم أكثر الأشخاص حرصا على سلامة أبنائها ، خصوصا السلامة الجسدية ، و لهذا فإن الأم التي تقدم على قتل إبنها الحديث الولادة تستفيد من عذر مخفض للعقوبة على اعتبار أن الأمر الذي دفعها لقتله يكون أقوى حتى من عاطفة الأمومة ، و قد جاء النص على هذا العذر. في الفصل 397 من مجموعة القانون الجنائي الذي جاء في فقرته الثانية ما يلي :
” إلا أن الأم سواء كانت فاعلة أصلية أو مشاركة في قتل وليدها تعاقب بالسجن من خمس سنوات إلى عشر . و لا يطبق هذا النص على مشاركيها و لا على المساهمين معها . ”
من الفصل أعلاه يتبين أن الأم التي تقدم على قتل وليدها تستفيد من عذر مخفض للعقوبة ، و تكون العقوبة خمس إلى عشر سنوات ، و هذا العذر هو عذر شخصي يستفيد منه الفاعل و هو الأم دون غيرها من مساهمين أو مشاركين .
بالنسبة للوقت الذي يكون بين الولادة و القتل فإن القانون لم يحدده و بخصوص الفقه كانت عدة آراء ، لكن عامة يمكن القول أنه وقت وجيز لا يتجاوز فترة الولادة ، و تبقى لمحكمة الموضوع السلطة التقديرية في هذا الباب .

 القتل المرتكب نهارا لدفع تسلق أو كسر سور أو حائط مدخل منزل أو بيت مسكون أو ملحقاتهما :

جاء في الفصل 417 ما يلي : ” يتوفر عذر مخفض للعقوبة في جرائم القتل أو الجرح أو الضرب ، إذا ارتكبت نهارا لدفع تسلق أو كسر سور أو حائط أو مدخل منزل أو بيت مسكون أو أحدهما ” …في هذه الحالة يستفيد الفاعل من عذر مخفض للعقوبة ، و تصبح العقوبة في هذه الحالة هي الحبس من سنة إلى خمس سنوات ، و يتحقق هذا العذر بتوفر العناصر التالية :

  • ارتكاب القتل نهارا
  • ارتكاب القتل لدفع تسلق أو كسر سور أو حائط منزل أو ملحقاتهما

و تجدر الإشارة إلى أن الفاعل ليس من الضرورة أن يكون هو صاحب المنزل أو البيت و إنما قد يكون من الأغيار و يستفيد من هذا العذر .
و أخيرا نشير إلى أن هذه الأعذار لا يمكن أن يستفيد منها قاتل الأصول.
[1] – السجن المؤبد من العقوبات الأصلية التي أوردها المشرع المغربي في المادة 16 من ق.ج ، و تفيد أن الجاني يقضي ما تبقى من حياته بالسجن.
[2] – الأب و الأم الطبيعيين هما اللذان أقاما علاقة غير شرعية نتج عنها إنجاب طفل غير شرعي ، في هذه الحالة يكون الأب و الأم غير شرعيين و إنما طبيعيين فقط .

Related Articles

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button