الحماية الجنائية للمرأة كأنثى

الحماية الجنائية للأنثى

الحماية الجنائية للمرأة كأنثى

إن التركيز هنا على الحماية الجنائية للمرأة كأنثى، تجعل الذهن ينصرف مباشرة إلى جرائم الاعتداء على العرض، و التي تعد الأكثر مساسا بأنوثة المرأة وحرمة جسدها. كما أنها تعد من أشد الجرائم إلى حد أنه يشكل اقترافها مسا بأحد الكليات الخمس المتقصد حمايتها في الشريعة الإسلامية. فضلا عما يشكله الاعتداء على الشرف والعفاف في المجتمع، وما قد ينجم عنه لاستقرار حياتها الزوجية إن كانت متزوجة، وما قد تسفر عنه من أمومة غير شرعية إلى غير ذلك.

لذلك، وفي سبيل إسباغ المشرع على المرأة من الحصانة في أنوثتها وعرضها ضد كل اعتداء، كما هو مضمن في الباب الثامن الذي خصصه للجنايات والجنح ضد نظام الأسرة والأخلاق العامة، والتي سنتناول منها هنا ما يتعلق بهذا المطلب من تجريم للاغتصاب (فقرة أولى) وهتك العرض (فقرة ثانية)

الفقرة الأولىاغتصاب المرأة

وهو أبرز الجرائم الاعتداء على العرض، وقد عرض له الفصل 486 ق.ج([1])بأنه:”مواقعة رجل لامرأة بدون رضاها، ويعاقب عليه بالسجن من خمس إلى عشر سنوات. غير أنه إذا كانت سن المجني عليها تقل عن ثمان عشرة سنة، أو كانت عاجزة أو معاقة أو معروفة بضعف قواها العقلية أو حاملا. فإن الجاني يعاقب بالسجن من عشر إلى عشرين سنة

فانطلاقا من هذا النص، تبدو لنا الحماية للمرأة كأنثى([2])، في انتفاء رضا المرأة المجني عليها، وعموم الصفة في المرأة، وكذا تشديد العقوبة في حالات معينة.

ففيما يخص انعدام رضا المرأة، فهو العنصر الأبرز لتحقق المساس بالحق المكفول لكل أنثى في صيانة شرفها الجنسي، وهو أساس تمييز المشرع لجرائم الزنا، بحيث إذا ما كانت الموقعة برضا المرأة تنتفي حينها الغاية من تجريم الاغتصاب.([3])

وأي وسيلة من شأنها التأثير على إرادة المرأة، فتوقعها ضحية لجريمة الاغتصاب، تعد كافية، سواء كانت إكراها ماديا أو معنويا، وإن كان يبقى لقاضي الموضوع، تقدير مدى تأثير وسائل الضغط المستعملة، على إرادة المرأة بمراعاة ظروف وملابسات كل قضية.([4])

وبخصوص صيغة التعميم في صفة المرأة المجني عليها، فتتجلى مظاهر الحماية الجنائية من خلالها في كون المشرع لم يشترط في المرأة أن تكون بكرا، وذلك لفك الربط بين الاغتصاب وفض البكارة، هذا الأخير الذي لا يعدو أن يكون ظرف تشديد في التشريع المغربي؛ وبذلك تتحقق جريمة الاغتصاب سوا كانت الضحية بكرا أو ثيبا، عازبة أو ذات زوج، ب تتحقق الجريمة ولو كانت بغيا معلوم فسادها وذلك على الأساس الذي اعتمد عليه المشرع في تجريمه لمواقعة المرأة بدون رضاها والذي هو وجوب حماية الشرف الجنسي-بكيفية صارمة- لدى الأنثى عموما.([5])

وتجدر الإشارة في هذا الصدد، أنه رغم عدم إشارة المشرع إلى طبيعة العلاقة التي تجمع الجاني بالضحية، مما قد يدرج ظاهرة تحت نطاقه الزوج الذي يواقع زوجته كرها، كما هو جار به العمل في بعض التشريعات الأجنبية([6])، فإنه في التشريع المغربي لا يمكن القول بذلك، وذلك اعتبارا لمقتضيات مدونة الأسرة المنظمة لعلاقة الزوجين، والتي تستمد مصدريتها من الشريعة الإسلامية، التي تعتبر استمتاع الزوج بزوجته من مشمولات الواجب الزواجي، والتي تخرج هذه الحالة من نطاق الاغتصاب، وإن كان ما يترتب على استعمال القوة من آثار، تطبق عليها فصول أخرى من القانون.([7])

ظروف التشديد

أما ما يتعلق بالظروف المشددة في جريمة الاغتصاب، فهي كذلك تعد من مظاهر تعزيز الحماية الجنائية للمرأة، سواء الوارد التنصيصي بها في الفقرة الثانية من الفصل 486 المشار إليه سابقا، والتي تعود إلى صفات في المجني عليها، أو تلك الواردة في الفصول بعده إلى الفصل 488 ق.م.م والتي ترتبط بصفة في الفاعل، والتي تتحدد في مجموعها في صفات: القصور، الحمل، الإعاقة والافتضاض، وعلاقة القرابة أو الولاية أو الخدمة، والتي يوحي تعدادها في تلك الفصول، بأنه على سبيل الحصر، مما لا يسوغ معه للقاضي المزيد ولا القياس عليها.([8])

الفقرة الثانية : هتك عرض المرأة

لما كان الاغتصاب يتطلب بالضرورة أن يكون الفاعل ذكرا أو المفعول فيه أنثى، فإنه باتحاد الجنس يختلف نوع الجريمة وذلك بحسب ما إذا كان الذي يقع عليه الفعل مريدا له آنذاك نكون أمام جريمة الشذوذ الجنسي (ف 489 ق.ج)، أو غير مريد للفعل لنكون بصدد جريمة هتك العرض (ف 485 ق.ج)([9]).”يعاقب بالسجن من خمس إلى عشر سنوات من هتك أو حاول هتك عرض أي شخص ذكرا كان أو أنثى، مع استعمال العنف...”

وبخلاف الاغتصاب، فإن هتك العرض لا يفترض اتصالا جنسيا بين الجاني والمجني عليه، ليطرح معه التساؤل بشأن طبيعة الحق المعتدى عليه في هذه الجريمة؟

الأمر الذي يمكن استشفافه من العنوان الذي صدر به المشرع الفرع الذي ورد فيه الفصل 485 ق.ج المنظم لهذه الجريمة “انتهاك الآداب“، لنقول أن الحق المعتدى عليه هنا هو “المناعة الأدبية للأفراد” والأساس بها يعد انتهاكا للآداب وإخلالا بالحياء ومساسا بالشرف وحصانة الجسم عموما.([10])

وانطلاقا من النص لهذه الجريمة، نجد المشرع اكتفى بذكر عبارة “هتك عرض” دونما توضيح لمدلولها، بما يطرح معه مشكل الإثبات، كذلك استعمال المشرع لعبارة استعمال العنف الذي يطرح معه التساؤل هل يشتمل إلى جانب العنف المادي كذلك العنف المعنوي؟ الأمر الذي يجعلنا نقول بشموله على اعتبار النتيجة المتولدة من كليهما وهي انتفاء رضا المجني عليه.

~لائحة المراجع~

[1] – تمم بمقتضى الظهير الشريف رقم 1.03.207 الصادر في 16 رمضان 1424 الموافق لـ 11 نونبر 2003، بتنفيذ القانون رقم 03-24 المادة الثانية.

[2] – علما بأننا هنا سوف لن نتناول هذه الجريمة على التفصيل –الفني- الوارد به في القانون الجنائي الخاص، وإنما سنركز فقط على مظاهر الحماية الزجرية فقط.

[3] – د. عبد الواحد العلمي:”القانون الجنائي المغربي-القسم الخاص-“، ط الثالثة، 2003، مطبعة النجاح الجديدة، الدارالبيضاء، ص: 173.

[4] – د.أحمد الخمليشي:”القانون الجنائي الخاص”، ج 2، مطبعة المعارف الجديدة، طبعة 1986، ص: 368.

[5] – د.عبد الواحد العلمي، مرجع سابق، ص: 172.

[6] – التشريع السويدي مثلا.

[7] – جاء في أحد أحكام المحاكم المصرية:”للزوج أن يفتض بكارة زوجته…كما قد اتفق شراح القانون على أن استعمال القوة مع الزوجة للوصول إلى هذا الغرض لا جريمة فيه، فإذا ترتب مع هذه القوة تخلف آثار، تنطبق عليها مواد أخرى من القانون، عوقب عليها بحسب الظروف، أما الفض نفسه فلا جريمة فيه، لأن الزوج بارتكابه له إنما استعمل حقا أباحته له الشريعة” جنايات الاسكندرية، 26 أبريل 1991.

– يرجع في ذلك إلى: د.أحمد المجدوب :”اغتصاب الإناث في المجتمعات القديم والمعاصرة”، ط 1، 1993، الدار المصرية  اللبنانية، ص: 134.

[8] – د.عبد الواحد العلمي، مرجع سابق، ص: 176.

[9] – نفس المرجع، ص: 170.

[10] – حامد الحرفة وسعيد الفكهاني:” التعليق على ق.ج المغربي في ضوء الفقه والقضاء”، ج3، ط1، 1993، الدار العربية للموسوعات، ص: 214.

اضعط هنا للاطلاع على موضوع الحماية الجنائية للمرأة المتزوجة

Related Articles

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button