الحماية الجنائية للأم

الحماية الجنائية للمرأة الأم

الحماية الجنائية للمرأة الأم

لعلنا لا نعدم شاهدا موضوعيا على المكانة المولاة ل “الأم”([1])، وعلى المقام الكريم الذي خولها إياه الإسلام، وذلك مراعاة لمحورية دور الأمومة في تحقيق مناط الاستخلاف في الأرض، ولا أدل على ذلك من أنه قد خصها بثلاثة أرباع البرور أو البر في حديث الذي جاء يسأل الرسول الكريم عن الأحق بحسن صحبته، فقال له صلى الله عليه وسلم:”أمك ثم أمك ثم أمك ثم أبوك“.لذلك كان من الطبيعي أن تحذو القوانين الوضعية خصوصا الجنائية هذا الحذو، في تخصيصها ببعض المقتضيات الاستثنائية حماية لأمومتها، وهو ما عمل على تحقيقه المشرع المغربي، الذي أقر مجموعة من المقتضيات الحمائية الزجرية الخاصة بالأم أو بوليدها أو جنينها، وذلك وفقا لما يلي :

  • الفقرة  الاولى : قتل الأم لوليدها كعذر تخفيف
  • الفقرة الثانية : قتل الأم ظرف تشديد
  • الفقرة الثالثة : حماية المرأة الحامل

الفقرة الأولى:  قتل الأم لوليدها عذر تخفيف

رغم أن القتل يحدد بأنه إزهاق روح الإنسان بفعل إنسان آخر بغير وجه حق، أو كما قال آخرون، هو كل فعل أو امتناع مجرم صادر عن إنسان لإزالة حياة إنسان آخر، خلافا للقانون.([2]) ورغم خطورة جريمته، فإن المشرع مراعاة منه لبعض الحالات والأوصاف فقد خفف من العقاب عليه، كما هو الأمر في حالة قتل الأم لوليدها، لعدم توفر النية لاقتراف الجريمة، وذلك أن قتل الأم لوليدها من الحالات النادرة الوقوع، لغلبة عاطفة الأمر على النساء، ولا تتجرأ عليه إلا من قام لديها سبب للإقدام عليه، لذا نظر إليها القانون بعين الرأفة والشفقة، لذا قرر تخفيف عقوبتها، كما هو وارد به التنصيص في الفصل 397 ق.ج في فقرته الثانية، حيث استثنى الأم سواء كانت فاعلة أصلية أو مشاركة في قتل وليدها، وعاقبها بالسجن خمس سنوات إلى عشر، بدل العقوبات المقررة في الفصلين 392 و 39 حسب الأحوال المفصلة فيها، واتي تصل إلى السجن المؤبد والإعدام بحسب ما إذا توافر سبق الإصرار والترصد.
فبالرجوع إلى نص الفصل 397 ق.ج، نجده خلو من أي تفصيل في ذلك، مما يجعل التركيز ينصرف إلى الصفة المذكورة وهي “الوليدية” أو “الوالدية”([3]) الأمر الذي يجعلنا نأخذ بالنص على إطلاقه ونجعل التخفيف للأم سواء كان لوليدها المقتول شرعيا أم غير شرعي. فضلا عن ذلك، فقد صرف القانون الجنائي النظر إلى مبررات القتل كما فعلت بعض التشريعات([4])، ليستوي بذلك القتل بدافع العار أو الشفقة أو أي سبب آخر.

الفقرة الثانية:           قتل الأم طرف تشديد([5])

وعلى العكس من الجريمة المشار إليها في الفقرة السابقة، وبمراعاة نفس الرابطة بين الطرفين الجاني والمجني عليه، فإن جريمة قتل الفرع لأصله تزداد فظاعة عن جريمة القتل التي تعدوها من أفظع الجرائم لاعتدائها على إحدى الكليات الخمس التي تقصدت الشريعة حمايتها وهي النفس. وقد ورد التنصيص على هذه الجريمة في الفصل 396 ق.ج، والذي عاقب من قتل عمدا أحد أصوله التي تشمل الجدود والجدات مساوقة مع ما يؤخذ به في الفقه الإسلامي.
وإذا كان المشرع يشترط رابطة القرابة من جهة الأب شرعية، فإنه لم يشترطها من جهة الأم، التي تكفي فيها مجرد القرابة ولو كانت طبيعية وذلك مراعاة للتوجه الذي سار عليه مشرع مدونة الأسرة، ثم، لكون القرابة ثابتة دوما من جهة الأم خلافا بالنسبة للأب الطبيعي.([6]) كما يخرج من مشمول المادة 396 ق.ج الأم بالتبني. وذلك، لتحريم هذا النظام أحكام الشريعة الإسلامية، ويدخل في مشمولها الابن المكفول الذي تطبق عليه مقتضيات القانون الجنائي، التي تعاقب على الجرائم التي يرتكبها الأولاد في حق الوالدين([7])، إذا ما أقدم على قتل كافله.
وطبعا فالإشارة نافلة هنا بأن ظرف التشديد هنا، هو شخصي، يستثنى معه المساهمون والمشاركون مع الجاني في قتل أحد أصوله، وغير المرتبطين معه بنفس القرابة (ف 130 ق.ج).

الفقرة الثالثة:           الحماية للمرأة الحامل

فإذا كانت الحماية الجنائية للمرأة الأم في الحالات السابقة تسبغ عليها وهي أم فعلا، فإن الحماية هنا تمتد إلى ما قبل هذه المرحلة وهي تستعد للأمومة. وهنا سنقصر الحديث عن حالة المرأة الحامل المحكوم عليها بعقوبة سالبة للحرية. على اعتبار أن النص المنظم للمحكوم عليها بالإعدام قد ألغى بمقتضى قانون المسطرة الجنائية الجديد. وكذلك دخول تجريم إهمال وإجهاض المرأة الحامل فيما يتعلق بإهمال الأسرة المشار إليها سابقا.
ومنه فقد جاء الفصل 32 ق.ج:”أن المرأة المحكوم عليها بعقوبة سالبة للحرية، إذا ثبت أنها حامل لأكثر من ستة أشهر، فإنها لا تنفذ العقوبة إلا بعد وضعها بأربعين يوما. فإن كانت معتقلة وقت صدور الحكم فإنها تنتفع بنظام الاعتقال الاحتياطي طوال الفترة اللازمة. ويؤخر تنفيذ العقوبات السالبة للحرية أيضا في حق النساء اللائي وضعن قبل الحكم عليهن بأقل من أربعين يوما.
ولما كانت القاعدة أن الجاني المحكوم عليه ينفذ العقوبة بمجرد الحكم عليه بها، فإن المشرع وحماية منه للمرأة الحامل، فقد وضع لها إطارا استثنائيا، بتأجيل عقوبتها إلى حين وضع حملها بأربعين يوما، وإن كان يبدو في ظاهره استثناء لمصلحة المولود.
وطبعا فإن هذا الاستثناء موقوف على توافر عدة شروط يمكن استنتاجها من نص الفصل 32 ق.ج، من كون الجاني امرأة، والعقوبة سالبة للحرية، وأن يثبت حملها لأزيد من ستة أشهر، وأن تقدم للمحاكمة وهي في حالة سراح، أما إذا كانت معتقلة فتطبق عليها الفقرة الثانية من نفس الفصل، لتنتفع بنظام الاعتقال الاحتياطي طوال الفترة اللازمة.
هذا باختصار شديد، ما يمكن قوله بشأن الحماية الجنائية للمرأة، حيث اقتصرنا فيه فقط على كون المرأة كأنثى وكزوجة وكأم، وذلك لأن الموضوع أكبر من أن يشمله مجرد بت للعرض، وقد أنجزت بشأن أطروحات، لذا اكتفينا بشأنه بهذه الإشارة الهدائية على أن يبقى الباب مفتوحا لمناقشته والتوسع فيه.

لائحة المراجع

[1] – قال تعالى:”وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا“، الإسراء، الآية: 23.
ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا، حملته أمه كرها ووضعته كرها، وحمله وفصاله ثلاثون شهرا” الأحقاف، الآية: 15.
[2] – عبد الوهاب حومد:”القانون الجنائي المغربي-القسم الخاص-“، مكتبة التولي، د.ث.ن، ص: 64.
[3] – دون الخوض في التحديد القانوني للفترة التي يمكن أن نطلق عليها لفظ “الوليد”، لأن المشرع لم يحددها، وإن كان الأستاذ الخمليشي يذهب في تحديدها بكون الوليد يكون عندما تحس الأم بعوارض المخاض واستعداد الجنين للانفصال عن جسم أمه…- المرجع السابق، ص: 69.
[4] – الكويتي في المادة 159، والسوري في المادة 537 من قانون العقوبات.
[5] – ذ.خديجة أبو مهدي:”الحماية الجنائية للمرأة في المنظومة القانونية المغربية”، رسالة لنيل دبلوم الدراسات المعمقة من جامعة سيدي محمد بن عبد الله، فاس، السنة الجامعية، 2002/2003، ص: 56.
[6] – د.العلمي عبد الواحد، مرجع سابق، ص: 207.
[7] – ظهير 13/6/2002، الجريدة الرسمية عدد 5031، 10 جمادى الآخرة 1423 الموافق 19 غشت 2002.

Related Articles

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button