الجرائم الماسة بالأسرة

الإجراءات المسطرية الخاصة بالجرائم الماسة بالأسرة

  الإجراءات المسطرية الخاصة ب “الجرائم الماسة بالأسرة”

لقد كانت الأسرة هي النواة الأولى للمجتمع، عمل المشرع على حمايتها من كل ما من شأنه أن يعرضها للتفكك والانحلال، ولذلك اهتدى المشرع المغربي إلى إحاطة الأسرة بتنظيم قانوني، سواء من خلال التنصيص على مقتضيات زجرية لحمايتها من كل الجرائم التي تنال منها أو تهدد تواجدها وتماسكها واستمرارها، أو باعتماده لإجراءات خاصة، سواء بالنسبة ل: الجرائم الماسة بالأسرة أو بالنسبة للأحداث أو من خلال تفعيله لدور النيابة العامة في قضايا الأسرة.

لذلك سنعرض للإجراءات المسطرية لجريمة الخيانة الزوجية(المطلب الأول) ثم الإجراءات المتبعة في جريمة إهمال الأسرة (المطلب الثاني).

المطلب الأول:      الخصوصيات المسطرية لجريمة الخيانة الزوجية

إذا كانت القاعدة أن النيابة العامة تختص بإثارة الدعوى العمومية في كل الجرائم المعاقب عليها قانونا، فإنها تفقد في بعض الحالات حريتها في ممارسة الدعوى العمومية لوجود قيود تمنعها من ذلك بسبب شروط يتطلبها القانون، ويعلق أمر تحريك الدعوى العمومية على توافرها([1])، ومن الجرائم التي تفقد فيها النيابة العامة حقها في ملاءمة المتابعة الخيانة الزوجية التي يتوقف تحجريك الدعوى العمومية بخصوصها على وجود شكوى مقدمة من الزوج المجني عليه حسب الفصل 491 ق.ج. ولا تحرر النيابة العامة من هذا القيد إلا في حال غياب أحد الزوجين خارج تراب المملكة حيث يحق للنيابة العامة عندئذ متابعة الزوج الآخر الذي يتعاطى الخيانة الزوجية بصفة ظاهرة.([2])

واشترط لشكاية لتحريك الدعوى العمومية قيد أورده المشرع على حرية النيابة العامة في إقامة المتابعة على جريمة الخيانة الزوجية بهدف المحافظة على كيان الأسرة ودوام استمرارها. لذلك جعل القانون الشكوى حقا خاصا بالمتضرر تقديمها من غيره كالابن أو الأب أو غيرهما، رغم أن عار الجريمة سيلحقهما.([3])

ومراعاة لخصوصية العلاقة الزوجية أعطى المشرع للزوج المجني عليه الحق في وضع حد للمتابعة وذلك عن طريق تنازله عن الشكوى إضافة إلى التنازل الواقع بعد صدور الحكم غير القابل للطعن يضع حدا لإثارة الحكم بالمؤاخذة الصادر ضد الزوج المحكوم عليه.([4])

ويرجع تعليق تحريك الدعوى العمومية على شكوى الزوج المجني عليه بالأساس إلى كون الجريمة تصيب الأسرة في الصميم ونظام الأسرة يشرف عليه الزوجان، فقد ترك المجتمع الأمر للزوج المجني عليه إن شاء صفح وعفا وحفاظا منه على كيان الأسرة وبخاصة إن كان هناك أطفال، وفي هذه الحالة يجب على النيابة العامة أن تغض الطرف على الجريمة لعدم وجود مصلحة ظاهرة للمجتمع في معاقبة الزوجة إذا كان الزوج قد سامحها([5])، ومعاقبة الزوج إذا سامحته زوجته.

وحفاظا على وحدة الأسرة واستقرارها .جعل المشرع هذه الجريمة تمتاز بصفة خاصة عن باقي الجرائم إذ بالإضافة إلى اشتراط تقديم الشكوى من المتضرر-وحده دون غيره-لتحريك الدعوى العمومية وإعطاء هذا الطرف المتضرر حق إيقاف المتابعة بسحب الشكوى حصر المشرع أدلة إثبات الخيانة الزوجية في ثلاثة وسائل محددة بنص الفصل 493 ق.ج، والذي نص على أنه:”الجرائم المنصوص عليها في الفصلين 490 و491 ق.ج لا تثبت إل بناء على محضر رسمي يحرره أحد ضباط الشرطة القضائية في حالة التلبس، أ بناء على اعتراف تضمنه كتابات أو أوراق صادرة عن المتهم أو اعتراف قضائي“.

والغاية من هذا الحصر كما سبقت الإشارة إلى ذلك هي محاولة التقليل ما أمكن من حالات إثارة المتابعة ضد المشبوه فيهم رعاية لمصلحة الأسرة من جهة وحماية لأعراض المجتمع من جهة ثانية. لذلك وضع المشرع قيدا على حرية القاضي لمصلحة المتهم، وهذا ما أكده المجلس الأعلى في قرار له عدد 790 المؤرخ في 29 يوليوز 1979 قضية 31486 ومما جاء فيه:”حيث أن المشرع حرصا منه على كيان المجتمع وحفاظا على كيان الأسرة قرر بأن الخيانة الزوجية لا يمكن إثباتها إلا بإحدى الوسائل التي أقر لها في القانون فصلا خاصا وهو الفصل 493([6])

المطلب الثاني:      الخصوصيات المسطرية لجريمة إهمال الأسرة

بعد تناولنا للخصوصيات المسطرية لجريمة الخيانة الزوجية والتي خصها بها المشرع مراعاة منه لطبيعة هذه الجريمة وخصوصياتها ورغبة منه في الحفاظ ما أمكن على كيان الأسرة سوف نحاول في هذا المطلب التطرق للإجراءات الخاصة لجريمة إهمال الأسرة مركزين بالأساس على بعض الإجراءات الواجب إتباعها لتحريك الدعوى العمومية والمحاكم التي يرجع لها الاختصاص للنظر في هذه الجريمة.

فإذا كانت الإجراءات واحدة بالنسبة لمعظم الجرائم، فإن إجراءات جريمة إهمال الأسرة لها صبغة خاصة، بالنظر إلى مقتضيات المادة 481 من ق.ج والتي تنص على أنه:”إلى جانب المحاكم المختصة طبقا لقواعد الاختصاص العادية، فإن المحكمة التي يقيم بدائرتها الشخص المهمل أو المستحق للنفقة تختص هي أيضا في الدعوى المرفوعة إليها تنفيذا لمقتضيات الفصلين 480 و479.

ولا يجوز رفع هذه الدعوى إلا بناء على شكوى من الشخص المهمل أو المستحق للنفقة أو نائبه الشرعي مع الإدلاء بالسند الذي يعتمده...”

فمن خلال هذا الفصل يمكن إجراء بعض الملاحظات بعضها يتعلق بالاختصاص والبعض الآخر بتعلق بشروط تحريك الدعوى العمومية.

الاختصاص

فبخصوص الاختصاص يلاحظ أن المشرع أعطى الاختصاص إلى جانب المحاكم لمختصة طبقا للقواعد العامة للاختصاص القضائي إلى المحكمة التي يقيم بدائرتها الشخص المهمل أو المستحق للنفقة. وهذا الخيار الممنوح لرافع الدعوى يوفر له حماية أكثر بالإضافة إلى أنه يجنبه عند رفع الدعوى أما المحكمة محل إقامته نفقات الانتقال إلى المحكمة التي يوجد بدائرتها موطن المدعى عليه خصوصا إذا كانت بعيدة.

الشروط

أما بخصوص شروط تحريك الدعوى العمومية فتتمثل أولا في أن المسطرة لا يمكن تحريكها إلا بناء على شكوى من الشخص المتضرر، وإذا لم تتبقى النيابة العامة الشكاية فلا يمكن لها متابعة مقترف جريمة إهمال الأسرة وإذا حركت النيابة العامة الدعوى دون التقيد بهذا القيد فإن الإجراءات التي تقوم بها تكون باطلة([7]). غير أن النيابة العامة تكون في حل من هذا القيد وبالتالي تستعيد صلاحياتها في تحريك الدعوى العمومية مباشرة ودون تقديم شكوى من المتضرر في حالة واحدة وهي التي يكون فيها النائب الشرعي للطرف المتضرر هو مقترف الجريمة.([8])

وإذا كان تطلب الشكوى قيد اقتضته الطبيعة الخاصة للعلاقة الأسرية فإن رفع هذا القد يصب بلا شك في اتجاه حماية الطفل المهمل. و إذا كان هناك تشابه بين جريمة إهمال الأسرة وجريمة الخيانة الزوجية في خاصية تقييد حجرية النيابة العامة في تحريكها للدعوى العمومية بضرورة ورود شكوى من المجني عليه فإن التساؤل الذي يطرح نفسه هو هل سحب الشكوى في جريمة إهمال الأسرة يضع حدا للمتابعة كما هو الحال بالنسبة للخيانة الزوجية؟

لا يوجد نص خاص يجيب عن هذا التساؤل في مسطرة إهمال الأسرة لكون المشرع اكتفى بتنظيم تحريك الدعوى العمومية ولم يتطرق إلى إيقافها عندما يتنازل الطرف المتضرر إلا أنه يمكن القول بأن سحب الشكوى يضع حدا للمتابعة قياسا على الخيانة الزوجية واعتمادا على القاعدة العامة الواردة في المادة 4 من ق.م.م.ج والذي ينص على أنه:”تسقط أيضا (الدعوى العمومية) بتنازل المشتكي عن شكايته، إذا كانت الشكاية شرطا ضروريا للمتابعة ما لم ينص القانون على خلاف ذلك“.

وإضافة إلى قيد الشكوى اشترط المشرع لتحريك الدعوى العمومية في جريمة إهمال الأسرة إدلاء المستحق للنفقة أو الشخص المهمل بالسند الذي يعتمده (ف 481 فق:2) كأن يرفق الشكاية بما يثبت واقعة الهجر، أو الشهادة الطبية التي تثبت حمل المرأة، أو ما يثبت وجود أطفال قاصرين تم إهمالهم بالإضافة إلى ما يثبت رابطة الزوجية، إلا أن السند الذي يقصده المشرع في جريمة الإمساك عن أداء النفقة هو الحكم النهائي، أو القاضي بتخصيص نفقة مؤقتة إذ نص الفصل 480 ق.ج على أنه:”يعاقب بنفس العقوبة من صدر عليه حكم نهائي أو قابل للتنفيذ المؤقت وأمسك عمدا عن دفع نفقة إلى زوجه أو أصوله أو فروعه وأمسك عمدا عن دفعها غي موعدها المحدد“. ومن ثم فإن عدم الإدلاء بالحكم لا يمكن معه للنيابة العامة تحريك الدعوى العمومية.

الإجراءات

وبالإضافة إلى الشرطين السابقين نص الفصل 481 ق.ج على إجراءات مسطرية ضرورية يجب على النيابة العامة أن تأمر بالقيام بها قبل تحريك الدعوى العمومية. وتتمثل هذه الإجراءات في ضرورة إعذار المخل بالواجب أو المدني بالنفقة. بأن بقي بالتزاماته خلال خمسة عشر يوما من الإعذار وهذا يتم في شكل استجواب يقوم به ضابط الشرطة القضائية وعدم القيام بالاستجواب خلال خمسة عشر يوما من تاريخ إنجاز المحضر يوجب للبطلان كما ذهب إلى ذلك المجلس الأعلى في أحد قراراته.([9])

وأخيرا لابد من إبداء ملاحظة وهي أن الإجراءات المسطرية الخاصة بجريمة إهمال الأسرة تتطلب جهدا ماديا متواصلا وتستغرق وقتا غير يسير، ولا تبدو متناسبة مع طبيعة النفقة على الخصوص نفقة الزوجة والأولاد القاصرين والتي تتميز بطابعها المعيشي غير أن هذه الإجراءات وإن كانت تستغرق وقتا طويلا إلا أن المشرع راعى في إقراره لها خصوصية الروابط التي تجمع أفراد الأسرة، إضافة إلى رغبته في محاربة الآثار السلبية التي ترتبها هذه الجريمة على الأسرة.

لائحة المراجع

[1] – د. عبد السلام بنحدو:”الوجيز في شرح المسطرة الجنائية المغربية”، الطبعة الرابعة، 2001، ص: 47.

[2] – الفقرة الثانية من الفصل 491 كما تم تعديلها وتتميمها.

[3] -د. أحمد الخمليشي:”القانون الجنائي الخاص”، الطبعة الثانية، مكتبة المعارف، الرباط، ص: 203.

[4] – د. عبد الواحد العلمي: مرجع سبق ذكره، ص: 188.

[5] – د. عبد الخالق النواري:”التشريع الجنائي في الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي”، منشورات المكتبة العصرية، بيروت، صيدا، ص: 33.

[6] –  عن أحمد الخمليشي: مرجع سبق ذكره، ص: 163.

[7] – خالد بنيس:”النفقة بين الواقع والتشريع”، دار النشر والمعرفة، الطبعة 1992، ص: 56.

[8] – الفصل 481 ق.ج الفقرة الأخيرة.

[9] – قرار المجلس الأعلى رقم : 539 بتاريخ 16/4/1970 منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد:  ص: 77.

Related Articles

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button