الاعتقال الاحتياطي و ضماناته في التشريع المغربي

ضمانات الاعتقال الاحتياطي في التشريع المغربي

 ضمانات الاعتقال الاحتياطي في التشريع المغربي

 
نظرا لكون الحرية الشخصية هي الأصل، فإن المساس بهذه الحرية يقتضي أن يكون محاطا بضمانات قانونية، حماية للحرية الشخصية التي هي حق لصيق بالإنسان مند ولادته. فإلى أي حد استطاع المشرع المغربي إحاطة الاعتقال الاحتياطي بضمانات قانونية واضحة ودقيقة.
نظم المشرع المغربي مؤسسة التحقيق في جميع جوانبها . وجعل الاعتقال الاحتياطي المتخذ في هذه المرحلة من قبل قاضي التحقيق تدبيرا استثنائيا، وأحاطه بمجموعة من الضمانات التي ينبغي أن يتمتع بها المعتقل احتياطيا. فكيف استطاع المشرع من خلال هذه الضمانات، تكريس مبدأ الحرية التي هي الأصل، وتوفير الحماية اللازمة للمعتقل بشكل يكرس الشروط المحاكمة العادلة؟
وسنعمل على التطرق إلى ضمانات الاعتقال الاحتياطي في مجموعة من النقط:

  • ضمانة سرية التحقيق

ووعيا من المشرع المغربي بأهمية سرية التحقيق، فقد كرس هذا المبدأ في المادة 15 ق م ج التي جاء فيها « أنه تكون المسطرة التي تجري أثناء البحث والتحقيق سرية وكل شخص يساهم في إجراء هذه المسطرة ملزم بكتمان السر المهني ضمن الشروط وتحت طائلة العقوبات المقررة في القانون الجنائي ». والمقصود بسرية التحقيق هو عدم السماح للجمهور بحضور إجراءاته ، وحظر نشر أخباره ومحاضرة ، وما يسفر عنه من نتائج ، وما يتصل به من أوامر[2].
وبالتالي فيتم مباشرة إجراءات التحقيق مع المتهم في جلسة سرية وعمليا يتم ذلك في مكتب قاضي التحقيق بعيدا عن حضور الجمهور ، وإنما بحضور المتهم والمطالب بالحق المدني ودفاعهما وكاتب التحقيق الذي يضمن ما راج بمحضر جلسة التحقيق[3] .
و لقد أكد القضاء المغربي مبدأ سرية التحقيق في العديد من قراراته . ففي قرار الغرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء بتاريخ 04/03/2010 ذهبت إلى أن : « الأصل أن إجراءات التحقيق تمت في إطار السرية المنصوص عليها في م 15 ق م ج ، وان من يدعي  خلاف الاصل الاتيان بما يثبت خرق قاعدة سرية التحقيق وحيت خلاف لما ذهب إليه الدفاع ، فإن المحكمة بعد اقتحامها لأوراق ملف التحقيق ومحاضر استنطاق المتهمين لم يثبت لديها حضور أي شخص أجنبي مجريات التحقيق طيلة مرحلة التحقيق إلى غاية صدور الأمر بالإحالة ، مما يكون مع الدفع المحتج به في هذا الشأن غير جدي ، وينبغي رده[4].
وعموما فإن التحقيق يبقى ساريا في جميع الأحوال لأنه يقوم به قاضي التحقيق بمكتبه لا بجلسة المحاكمة العادية ، ودون حضور الجمهور باستثناء كاتب التحقيق الذي يبقى شاهدا قضائيا “[5].
ولابد من التأكيد بأن مبررات سرية التحقيق في حماية حقوق المتهم والتي منها الحق في الخصوصية والحفاظ على سمعته من التشهير به وكدا حمايته من تأثير الرأي العام. إلى جانب الرغبة في عدم عرقلة إجراءات التحقيق. وذلك أن السرية من شأنها مساعدة سلطة التحقيق في الوصول إلى الحقيقة في وقت يسير من دون ظهور روايات جديدة حول الجريمة والمتهم على مستوى وسائل الإعلام.

  • الحق في إشعار المعتقل بالأفعال المنسوبة إليه

يعتبر هذا الحق من أبرز ضمانات الاعتقال الاحتياطي ، حيث تنص المادة 137 ق.م.ج في فقرتها الرابعة على أن: قاضي التحقيق يبين للمتهم الأفعال المنسوبة إليه ويشعره بأنه حر في عدم الإدلاء بأي تصريح ويشار إلى ذلك في المحضر.
ويعتبر هذا الحق ضمانة دولية أقرته م 14 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي أكد على ضرورة إبلاغ المتهم فورا وبالتفصيل وبلغة مفهومة لديه بطبيعة و سبب التهمة الموجهة إليه » . ويطرح التساؤل هنا بخصوص طبيعة الأفعال التي ينبغي إشعار المعتقل احتياطيا بها.
وبالرجوع إلى م 134 ق م ج التي نصت على هذا الحق، نجدها قد استعملت عبارة « أن على قاضي التحقيق أن يبين للمتهم ملخص الوقائع والادلة القائمة ضده ويلبسها اللباس القانوني. معنى بشدة أن هذه الأفعال تشكل الجريمة التالية المعاقب عليها بالنص التالي ، ولعل هذا الطرح ينسجم وحماية حقوق الدفاع ، وهو ما اعتمدته وأشارت إليه وزارة العدل والحريات في شرح قانون المسطرة الجنائية ، الذي أكد أن على قاضي التحقيق إحالة المتهم علما بالتهم المنسوبة إليه وبأسلوب سهل الفهم وليس فقط بتكييفها القانوني ، ويطلعه على نوع الأدلة المقدمة [6].
وبإحاطة المتهم علما بالأفعال المنسوبة إليه فإن له الحق طبقا للمادة 134 ق م ج أن يدلي بتصريحاته أو الامتناع عن ذلك. وذلك نابع من كون اللقاء الأولي يعد بمثابة تعرف من قاضي التحقيق على هوية المتهم وعلى نوع الجريمة وكذا لأنه غالبا ما يكون المتهم غير مؤازر محام ، مما يستدعي معه منحه الفرصة لاختياره وعدم الادلاء بتصريحاته إلا بحضوره “[7].

  • الحق في اختيار محام

نصت م 134 ق م ج على أن قاضي التحقيق يشعر المتهم فورا بحقه في اختيار محام. فإن لم يستعمل حقه في الاختيار عين له قاضي التحقيق بناء على طلبه محاميا ليؤازره. وينص على ذلك في المحضر.
يحق للمحامي أن يحضر الاستنطاق المتعلق بالتحقيق في هوية المتهم. وأضافت م 136 ق.م.ج أنه من حق المتهم المعتقل بمجرد مثوله لأول مرة أمام قاضي التحقيق أن يتصل بحرية بمحاميه. ولا يمكن منع اتصال المحامي بالمتهم في جميع الأحوال. ويمكنه إخبار قاضي التحقيق أثناء جميع مراحل التحقيق باسم المحامي الذي وقع عليه الاختيار طبقا للمادة 138 ق م ج. وطبقا للمادة 139 ق.م.ج فإنه لا يجوز سماع المتهم أو مواجهته بالطرف المدني إلا بحضور محامي كل منهما. او بعد استدعائه بصفة قانونية اما لم يتنازل أحدهما أو كلاهما صراحة عن مؤازرة الدفاع.
ونلاحظ أن المشرع لم يحدد بدقة صلاحيات المحامي اثناء الاستنطاق. إلا أنه باستقراء المواد المشار إليها سابقا[9] ، يتضح أن دوره يتمثل في التماس إجراء فحص طبي على موكله ، وأن يدلي نيابة عنه بوثائق أو إثباتات كتابية، كما يمكنه أن يلتمس إبقاءه في حالة سراح مقابل كفالة أو إخضاعه للمراقبة القضائية[10].
فحضور المحامي يعتبر ضمانة مهمة من ضمانات الاعتقال الاحتياطي، حيث يمثل رقابة على قاضي التحقيق في احترام مقتضيات التحقيق الإعدادي، فحضوره يعتبر ضمانة لسلامة الإجراءات وتطابقها مع القانون. كما أن حضوره يساهم في حماية حقوق الدفاع والضمانات التي يوجبها القانون. فضلا عن رفع الروح المعنوية للمتهم التي غالبا ما تكون ضعيفة بسبب وضعه النفسي المضطرب ، إذ أن حضوره يهدئ من روعه ويساعده في الاتزان والهدوء في إجابته . وهذا من شأنه أن يمنع عنه صدور اعترافات لا إرادية[8].
وقد أكدت محكمة النقض بأن « من حق محامي المتهم ومحامي  الطرف المدني أن يتناول الكلمة ويوجه الأسئلة أثناء استنطاق المتهم أو مواجهته بغيره أو مسألة حضور المحامي كضمانة هي لفائدة المتهم . هذا الأخير قد مكنه المشرع من التنازل عن مؤازرة الدفاع طبقا للمادة 139 ق م ج  [11].

  • الحق في الخضوع لفحص طبي

نص المشرع على هذا الحق كضمانة من ضمانات الاعتقال الاحتياطي في المادة 134 ق.م.ج في الفقرة الخامسة منها، والتي جاء فيها أنه :« يجب على قاضي التحقيق أن يستجيب لطلب المتهم الذي كان موضوعا تحت الحراسة النظرية أو لطلب دفاعه الرامي إلى اخضاعه لفحص طبي . و يتعين عليه أن يأمر به تلقائيا إذا لاحظ على المتهم علامات تبرر اجرائه و يعين لهذه الغاية خبيرا في الطب.
و المادة اعلاه تنسجم و المادة الخامسة من الاعلان العالمي لحقوق الانسان التي نصت على انه : يجب ان لا يعرض اي شخص للتعذيب ولا للعقوبة القاسية او الوحشية او الحاطة بالكرامة، اضافة الى مجموعة الاتفاقيات الدولية التي تضطلع بحماية الاشخاص ضد التعذيب، و غيره من العقوبات او المعاملات القاسية او غير الانسانية او المهينة.
والمبدأ أعلاه قد كرسه المشرع المغربي في المادة 293 من ق.م.ج التي نصت على انه : لا يعتد بكل اعتراف تبت انتزاعه بالعنف او الاكراه . وعلاوة على ذلك يتعرض مرتكب العنف او الاكراه للعقوبات المنصوص عليها في القانون الجنائي، فالحق في الخضوع للفحص الطبي هي ضمانة مهمة كرسها المشرع كتدبير وقائي استباقي ، درءا لكل محاولة لتعريض المتهم للتعذيب او الاكراه او العنف عند تلقي تصريحاته لا سيما امام الضابطة القضائية.

لائحة المراجع المعتمدة 

[1]  jean Pradel scrute des procédures de presse au liberté la presse et droit pénale  année 1994 p 301
[2]  جمال سرحان م س ص 50
[3]  وعلى خلاف ذلك نص القانون السوداني على العلنية المطلقة في التحقيق.
[4]  قرار عدد 162 بتاريخ 4.3.2010 في الملف الجنحي عدد 2009.5.884 محمد محمود م.س ص 228
[5] 1997 Dalloz delta. Année édition 4 instruction le huge d . chambron . 474 p 36
[6]  جمال سرحان م س ص 112
[7]  وقد أكدت محكمة النقض ذلك في قرار جاء فيه أن السيد قاضي التحقيق يحيط المتهم بالأفعال المنسوبة إليه ويشعره بانه حرفي عدم الادلاء بأي تصريح وينص على ذلك في المحضر كما يشعره بان له الحق في اختيار محام وإلا فيعين له محاميا أن طلب ذلك، ويترتب بطلان الإجراء والإجراءات التي تلبه على عدم احترام ذلك، راجع محمد بفقير بقلم م س ص102
[8]  خالد عثماني م س ص 75
[9]  المواد  134 – 140 – 139- 136 من ق م ج
[10]  خالد عثماني م س ص 75
[11]  قرار عدد 796 بتاريخ 1961.01.12 راجع جمال سرحاني م س ص 128

Related Articles

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button