إجراءات البحث التلبسي

إجراءات البحث التلبسي

إجراءات البحث التلبسي تمثل إجراءات البحث والتحري الأولي في التثبت من وقوع الجريمة وتتطلب من ضابط الشرطة القضائية مغادرة جغرافية لمكتبه، إلى مكان اقتراف الجريمة من أجل الوقوف عليها وجمع الأدلة ،والحيلولة دون اندثارها، وإيقاف مرتكبها الذي غالبا ما يكون في عين المكان , وهذه المرحلة تتطلب القيام بمجموعة من الإجراءات والعمليات تمس حريات الأفراد وحقوقهم الأساسية وأمنهم القانوني.

أولا : الانتقال إلى عين المكانك:

يجب على ضابط الشرطة القضائية بمجرد علمه وإشعاره بحالة تلبس بجنحة أو جناية أن ينتقل فورا إلى عين المكان للقيام بالمعاينات المفيدة قصد إظهار الحقيقة مع إخبار النيابة العامة هذا التنقل.
نصت الفقرة الأولى من المادة 75 من قانون المسطرة الجنائية أنه يجب على ضابط الشرطة القضائية الذي اشعر بحالة تلبس بجنحة أو جناية أن يخبر بها النيابة العامة فورا و أن ينتقل في الحال إلى مكان ارتكابها لإجراء المعاينات المفيدة”.
ويكتسي الانتقال الفوري إلى مكان وقوع الجريمة أهمية بالغة باعتباره مسرح تنفيذها ويحتوي على آثارها المختلفة والمعالم الناطقة بارتكابها وهو الشاهد الأول على الجاني أو الجناة .مما يتعين معه التعامل مع هذا الشاهد الصامت بنوع من الدقة و الاحتياط وسبر أغواره لينطق  بمعطيات تسعف ضابط الشرطة القضائية في بحثه وتحرياته من أجل الوصول إلى الحقيقة واكتشاف الفاعل إن كان قد لاذ بالفرار وتوارى عن الأنظار، وقد أوجب المشرع بموجب المادة 75 من قانون المسطرة الجنائية على ضباط الشرطة القضائية، بمجرد علمهم بوقوع جريمة متلبس بها، إشعار النيابة العامة حالا إلا أنه لم يرتب أي جزاء أو أثر قانونی عند الإخلال بعدم إخبار النيابة العامة بالتنقل.
وقد يبدو الممثل النيابة العامة الانتقال بنفسه إلى مكان الجريمة، كما يمكن لقاضي التحقيق كذلك الانتقال، مما يعني تواجد ثلاث ضباط الشرطة القضائية ،وبالتالي من يحق له مباشرة وانجاز إجراءات البحث التلبسي؟.

من يحق له مباشرة وانجاز إجراءات البحث التلبسي؟

ألزم المشرع ضابط الشرطة القضائية إشعار النيابة العامة بمجرد توصله بخبر وجود حالة تلبس بجناية أو جنحة لاسيما وانه يحق للوكيل العام للملك أو وكيل الملك الانتقال كذلك والقيام بإجراءات البحث التلبسى ،إلا انه لم يرتب أي جزاء أو اثر قانوني عند الإخلال بعدم إخبار النيابة العامة بالتنقل.
فالمشرع حسم هذا الإشكال واسند لممثل النيابة العامة الوكيل العام للملك أو وكيل الملك أو من ينوب عنه القيام بإجراءات البحث التمهيدي التلبسي بمجرد وصوله مكان الجريمة، وأن يرفع ضابط الشرطة القضائية العادي يده عليه کما يبقى له الخيار – أي ممثل النيابة العامة – في مباشرة البحث بنفسه، أو تكليف احد ضباط الشرطة القضائية بمواصلة البحث.
وإذا انتقل احد أعضاء النيابة العامة إلى مكان الجريمة وانتقل قاضي التحقيق أيضا مع تواجد ضباط الشرطة القضائية, فقد حسمت المادة 57 من قانون المسطرة الجنائية في الضابط المختص بقولها: “إذا حضر قاضي التحقيق بمكان وقوع الجناية أو الجنحة المتلبس بها، فان الوكيل العام للملك أو وكيل الملك وضباط الشرطة القضائية يتخلون له عن القضية بقوة القانون.”
يقوم قاضي التحقيق في هذه الحالة بجميع أعمال ضباط الشرطة القضائية المنصوص عليها في هذا الباب، وله أن يأمر أيا من ضباط الشرطة القضائية بمتابعة العمليات, وبرسل قاضي التحقيق إلى الوكيل العام للملك أو وكيل الملك بمجرد انتهاء تلك العمليات جميع وثائق التحقيق ليقرر بشأنها ما يقتضيه الأمر.
وإذا حل بالمكان الوكيل العام للملك أو وكيل الملك وقاضي التحقيق في آن واحد، الممثل النيابة العامة أن يلتمس مباشرة تحقيق قانوني يكلف بإجرائه قاضي التحقيق الحاضر ، ولو أدى ذلك إلى خرق مقتضيات المادة 09 الآتية بعده.”
فقاضي التحقيق إذن هو الذي تعود إليه الأولوية في القيام بإجراءات البحث التمهيدي التلبسي إذا حضر إلى مكان الجريمة عن ممثل النيابة العامة وكذا الشرطة القضائية ، إلا أن السؤال المطروح كيف يتم إعلام قاضي التحقيق إذا كانت المادة 75 من قانون المسطرة الجنائية ألزمت ضابط الشرطة القضائية بإخبار النيابة العامة فقط؟.
إخبار النيابة العامة من طرف ضابط الشرطة القضائية توجبه المواد 32 و 75 و55 من قانون المسطرة الجنائية حيث يجب على هذا الأخير إشعار ممثل النيابة العامة فورا بخبر وقوع جناية أو جنحة.
وقد كرس دستور فاتح يوليوز 3922 هذه الرقابة في فصله 231 الذي نص على أنه “تعمل الشرطة القضائية تحت سلطة النيابة العامة وقضاة التحقيق، في كل ما يتعلق بالأبحاث والتحريات الضرورية في شأن الجرائم وضبط مرتكبيها ولإثبات الحقيقة.”

 ثانيا : إجراءات المعاينة

إن التنقل إلى مكان وقوع الجريمة لم يهدف المشرع من التأكيد على فوريثه مجرد الانتقال الآلي، بل قيده بإجراء في غاية الأهمية يتمثل في قيام ضابط الشرطة القضائية ب “المعاينات المفيدة”.
وتنصب معاينة ضباط الشرطة القضائية على الأشياء والأشخاص والأمكنة وكل من شأنه المساعدة في البحث والتحري والكشف عن الحقيقة.
فيما يتعلق بتفتيش الأشخاص فقد نصت المادة 12 من قانون المسطرة الجنائية على أنه يجوز لضابط الشرطة القضائية إجراء تفتيش جسدي على كل شخص تم وضعه تحت الحراسة النظرية.
لا تنتهك حرمة المرأة عند التفتيش، وإذا تطلب الأمر إخضاعها للتفتيش الجسدي يتعين أن تقوم به امرأة تنتدبها ضابط الشرطة القضائية لذلك، ما لم يكن الضابط امرأة.
تسري مقتضيات هذه المادة أيضا في حالة التلبس بجناية أو جنحة.”
يتضح جليا أن تفتيش الأشخاص تدبيرا استثنائيا ضيق المشرع من اللجوء إليه وجعله مشروطا بالوضع تحت الحراسة النظرية، وبمفهوم المخالفة لا يمكن لضابط الشرطة القضائية استعمال هذه الصلاحية. طالما لم يتم اللجوء إلى نظام الوضع تحت الحراسة النظرية، فإذا تعلق التفتيش الجسدي بامرأة، انتدب ضابط الشرطة القضائية امرأة لتفتيشها، وهو توجه محمود صيانة للآداب العامة والأخلاق وعدم استباحة عرض وحرمة المرأة حتى ولو كانت متهمة، فالمشرع بتنصيصه في جميع الأحوال على حضور امرأة ينتدبها ضابط الشرطة القضائية لتفتيش الأنثى المتهمة لم يشترط شروطا معينة، بل فقط أن تكون محل ثقة من قبل الضابط الذي انتدبها للقيام بالمهمة التي أوكلها إياه .

بيانات الإذن بالتفتيش:  

وأخيرا نشير إلى أن الإذن بالتفتيش الذي تصدره النيابة العامة لم يحدد له القانون شکلا معينا واكتفى بالنص على صدوره كتابة مما يستوجب تضمينه البيانات التالية:

  • تاريخ و ساعة وصفة مصدر الإذن .
  • رقم وتاريخ الطلب وهوية الشخص المراد تفتيشه .
  • الإشارة إلى مبررات الإذن بالتفتيش والفصول التي يستند إليها.
  • الإذن بالتفتيش إما أن يكون شخصي مأذون بإجرائه لضابط معين أو مطلقا يجوز الكل ضابط تنفيذه.

أما فيما يتعلق بحجز الأدلة والمحجوزات وحمايتها، فقد نصت الفقرة الثانية من المادة 75 من قانون المسطرة الجنائية “وعليه أن يحافظ على الأدلة القابلة للاندثار وعلى كل ما يمكن أن يساعد على إظهار الحقيقة وأن يحجز الأسلحة والأدوات التي استعملت في ارتكاب الجريمة أو التي كانت معدة لارتكابها وكذا جميع ما قد يكون ناتجا عن هذه الجريمة.”
إن حجز الأدلة أو كل ما له علاقة بالجريمة من أسلحة وأدوات من الصلاحيات الموكولة لضابط الشرطة القضائية والتي يتوصل إليها بأحد الطرق التالية:

  • عن طريق التفتيش )المواد 70 وما يليها و00 وما يليها من قانون المسطرة الجنائية( .
  • إيجادها وضبطها بمكان الجريمة أو بحوزة الجاني .
  • تقديمها من طرف احد الأشخاص .

فيقوم ضابط الشرطة القضائية على ضبطها وإحصائها فورا ويضعها في غلاف مختوم يشير فيه إلى طبيعتها وإحصائها ووزنها إذا تعلق الأمر بأشياء أو مواد تقدر بالوزن كالذهب أو بالكمية والعدد کالمشروبات الكحولية وغيرها، ورقم المحضر المنجز بشأنها، إلى حين تقديمها إلى النيابة العامة التي تقوم بدورها بإحالتها على المحكمة أو على قاضي التحقيق إذا ما ارتأت إجراء تحقيق في القضية المعروضة عليها.
فإذا تعذر إحصاء الأشياء المحجوزة فورا، يختم عليها مؤقتا إلى حين إحصائها والختم تنها نهائيا، وتتم هذه العملية بحضور الأشخاص الذين حضروا عملية التفتيش.
فإذا خيف على الأشياء المحجوزة من سرعة تلفها أو اندثارها أو إذا صعب التحقق من ماهيتها فإنه يمكن الاستعانة بأي شخص مؤهل وقد يكون خبيرا لتحديد طبيعتها وقيمتها.
بل إن الفقرة الرابعة من المادة 75 من قانون المسطرة الجنائية نصت صراحة بعرف الأشياء المحجوزة على الأشخاص المشتبه في مشاركتهم في الجناية أو الجنحة قصد التعرف عليها.

Related Articles

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button